المقصد الرابع من خلاصة التحقيق

.
المقصد الرابع

حكم الاقتداء بالمخالف وأما المقصد الرابع فهو: ما حكم الاقتداء بالمخالف؟
وهل العبرة في ذلك لرأي المقتدي؟ أو الإمام(111 )؟

اعلم أن هذه المسألة قد صنف فيها الإمام العلامة رحمه الله السندى( ) تلميذ الإمام ابن الهمام رسالة ، وبسط فيها الكلام ، فنورد بعضه على وجه الاختصار، وفي كتب فقهنا عبارات أيضاً كثيرة تشابه ما ذكر في هذه الرسالة( 113) التى للسندى ، تركناها خوف الإطالة في هذه العجالة ، والذي قاله السندي في رسالته( 114) هو قوله :
اعلم أنه قد اختلف علماؤنا قديماً وحديثاً في جوازه( 115) –يعنى الاقتداء- على أربعة أقوال
القول الأول: أنه يجوز الاقتداء به إذا كان يحتاط في مواضع الخلاف ، وإلا فلا .
وعلى هذا أكثر المشايخ ، منهم الإمام شمس الأئمة الحلوانى( )
وشمس الأئمة السرخسي( )، وصدر الإسلام( )، وأبو الليث السمرقندى( ) ، وصاحب الهداية( ) ، وصاحب الكافي( ) ،

وقاضي خان( )، والتمرتاشي( )، وصاحب التتارخانية( )، والصدر الشهيد( )، وتاج الشريعة( )، ........
وصاحب المضمرات( )، وصاحب النهاية(128 )، وقوام الدين شارح الهداية( ) ، وفخر الدين الزيلعي( ) ، ...... شارح الكنز( )، وشيخنا المحقق كمال الدين بن الهمام( ) شارح الهداية( )، وغيرهم من المشايخ والأصل في هذا أن المذهب الصحيح الذي/ [16أ] عليه المشايخ سلفاً وخلفاً هو: أن العبرة في جواز الصلاة وعدمه لرأي المقتدى في حق نفسه ، لا لرأي إمامه .
فلو علم المقتدي من الإمام ما يفسد الصلاة على زعم الإمام،
ـ كلمس المرأة( 134) وغيره ـ يجوز الإقتداء به لأنه يرى
جوازها، والمعتبر في حقه رأيه لا غير/[13ق] فوجب القول بجوازها.
ولو علم منه ما يفسد الصلاة عنده لا عند الإمام ، لا يجوز الاقتداء به لما قلنا أن العبرة لرأي المقتدي ، وأنه لم ير الاقتداء به جائز فوجب القول بعدم الجواز.
فإن صلى معه( 135) يعيد، صرح به الصدر الشهيد، وهذا هو الأصل الذي لا محيد عنه للحنفي ، فإنه إما أن يسلم هذا الأصل، أولا ، فإن كان الثانى: فلا خطاب معه لتركه المذهب ، وإن كان الأول: فلا محيص عنه .
أو يسلم في مسائل دون أخرى ، فيحتاج إلى الفرق".
ثم إنه سرد نقولاً عديدة ثم قال( 136) :
"اعلم أنه إذا احتاط جميع مواضع الخلاف، ولم يعلم منه مفسد، هل يجوز الاقتداء به بلا كراهة؟ أو بها ؟ وهل عليه إساءة ؟ أو لا ؟
ففي الكفاية شرح الهداي(137)، وشرح المجمع( 138) ومفتاح السعادة( 139): أنه مع الكراهة.
وفي فتاوى قاضى خان: ومع هذا لو صلى الحنفي خلف الشافعي كان مسيئاً(140 ).
وفي بعض كتب أخرى : يكره خلف الشافعي المتحرز عما يبطلها عندنا وهو المختار".
ثم قال: القول الثاني :
أنه يجوز الإقتداء بالشافعي إذا /[17أ] لم تعلم منه المخالفة فيما تقدم من الشروط .
وهذا القول مختار ركن الإسلام السغدى( )، وذكره التمرتاشي ، وصححه شيخ الإسلام خواهر زاده( ).

القول الثالث :
أنه لا يجوز الاقتداء به( ) مطلقاً وإن راعى مواضع الخلاف( )، لأنه لا يؤدي ذلك بنية الغرض .
القول الرابع :
أنه يجوز الإقتداء به مطلقاً قياساً على قول أبي بكر الرازي( ) من( 146) صحة الاقتداء بمن رعف.
ثم اعلم أن هذا القول انفرد به الرازي ، وخالفه جمهور العلماء فلهذا قال صاحب الإرشاد( ) :
" لا يجوز الاقتداء به – يعنى الشافعى – فى الوتر بإجماع أصحابنا" يعنى إذا سلم / [14ق] على رأس الركعتين( ).
وقال الزيلعى: وهو الصحيح
ولم يعتبر قول الرازي لمخالفته الأكثر.
حتى قال صاحب الدرر(149 ): وخلاف الواحد في مسألة واحدة لا يكون معتبراً، ويكون رداً عليه.
والحاصل أن ال بقول الرازى لا يكاد يصح لمرجوحيته( 150).
وقد قالوا : المرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة المعدوم".
انتهى كلام السندي باختصار، وتمامه مفضل هناك .
وقال الشيخ قاسم بن قطلوبغا( ) الحنفي ( ) في كتابه

"تصحيح قدورى"( ):
إنما رأيت من عمل في مذهب أئمتنا بالتشهي ، حتى سمعت من لفظ بعض القضاة : وهل ثم من حجر؟
فقلت : نعم ، إتباع الهوى حرام ، والمرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العدم ، والترجيح بغير مرجح في المتقابلات ممنوع . انتهى
وقد ذكر الشيخ محمد بن فروخ المكي في رسالته قول الرازي هذا وبنى رسالته عليه ، واعتمده كما صرح بذلك/ [18أ] فيها حيث قال: وهذا القول – يعنى قول الرازى – هو المقصود دراية( 154)، وإن اعتمد خلافه رواية عندنا، وهو الذى أميل إليه ، وعليه يتمشى ما ذهبنا إليه في هذه الوريقات. انتهى كلامه.
فهذا هو التشهى واتباع المرجوح ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
واستدل في رسالته المذكورة – على جواز الاقتداء بالمخالفة من غير مراعاة منهم لمواضع الخلاف – كما هو مقتضى كلامه فيها – بما كانت عليه الصحابة رضى الله عنهم من أنهم كانوا يقتدى بعضهم ببعض ، وكذا التابعون وفيهم المجتهدون بلا نكير منهم في ذلك ، وقد ترك الاستدلال بنقول المذهب الصريحة ، وعدل إلى الاستدلال بما كانت عليه الصحابة
فيقال: كانت / [15ق] الصحابة رضى الله عنهم مجتهدين بصريح قولك ، وأنت تابع لمجتهد آخر ، هو أبو حنيفة مثلاً ، فكيف تقيس اجتهادهم على اجتهاد أبى حنيفة ، فقد كانت مذاهبهم تقتضى ذلك ومذهبك لا يقتضيه ، مع أنهم لم يثبت عنهم الاجتماع على ذلك إلا بطريق الإجمال مع أنهم كانوا يصلون كلهم بالجماعة لا منفردين ، ونحن لا نعلم كيف كانوا على وجه التفصيل ، فلا يصح الاستدلال بذلك في مقابلة الصريح من المذهب كما رأيت ، ومذاهب الصحابة لا يجوز تقليدها الآن كما قدمناه عن إمام الحرمين/ [19 أ] بل لا يجوز تقليد غير المذاهب الأربعة كما سبق( 155)، والله أعلم .

(111) قال الآمدى (4/198) :
وشرط صحة اقتداء المأموم بالإمام اعتقاد صحة صلاة الإمام بالنسبة إليه .
(113) من هنا سقط فى "ق"
(114) نهاية السقط الذى فى "ق"
(115) فى "أ" "قديماً وحديثاً جوازى" والتصويب من النسخة "ق"
(128) ذكرنا في ترجمة تاج الشريعة أن له كتاب النهاية شرح الهداية
وقد ذكر بعض من ترجم للبدر العينى صاحب عمدة القاري شرح صحيح البخاري أن له أيضا كتاب النهاية شرح الهداية ، وإن كان المشهور عنه كتابه البناية شرح الهداية وهو مشهور مطبوع ، فلعل له شرحان على الهداية
لكن المقصود هنا – والله أعلم هو الصغناقى ويقال أيضاً السغناقى، وهو حسام الدين الحسين بن على بن الحجاج بن على بن حسام الدين الصغناقى، وهو أول من شرح الهداية على ماذكره السيوطى في طبقات النحاة ، له غير النهاية شرح الهداية و الكافي شرح البزدوي في أصول الفقه ، وشرح المفضل للزمخشري في النحو. توفي سنة 710 هـ .
( كشف الظنون 2/2032، معجم المؤلفين 4/28، بغية الوعاة في طبقات النحاة 1/537 رقم 1118)
(134) اختلف العلماء في حكم مس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟ وإتماماً للفائدة نذكر أقوال المذاهب في هذه المسألة
عند أبى حنيفة وأبى يوسف مس المرأة لا ينقض الوضوء إلا أن يباشر الرجل المرأة بشهوة وينتشر لها ، وليس بينهما ثوب
(بدائع الصنائع 1/28، رد المختار 1/99)
وعند الشافعية: مس المرأة ينقض الوضوء على كل حال ؛ بشهوة أو بغير شهوة .
(روضة الطالبين1/185، الحاوي1/183، المجموع 2/23، فتح العزيز 2/29)
وعند المالكية : مس المرأة ينقض الوضوء في الحالات التالية: إذا قصد اللذة سواء وجدها أو لم يجدها ، وإذا وجد اللذة ولم يقصدها.
ولا ينقض إذا لم يقصد اللذة ولم يجدها ، فإذا وجد أحدهما القصد أو اللذة نقض.
(الشرح الصغير 1/142، جواهر الأكليل 1/20، الذخيرة 1/227)
وعند الحنابلة : يوجد ثلاث روايات عن الإمام أحمد ، الأولى: وهى مشهور المذهب: لمس المرأة لشهوة ينقض الوضوء، ولغير شهوة لا ينقض الوضوء.
الرواية الثانية عن أحمد كقول الشافعي ؛ اللمس ينقض على كل حال، بشهوة وبغيرها
الرواية الثالثة عن أحمد: أن اللمس لا ينقض بحال
(المغنى 1/219، الشرح الكبير 1/219)
(135) كلمة (معه) زيادة من "ق".
(136) يعني السندي في رسالته .
(139) هو كتاب "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" للمولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده ، توفي سنة 962 هـ، وهو في موضوعات العلوم، ذكر فيه 150 فناً، وأجاد، وأكمله ابنه المولى كمال الدين محمد المتوفى سنة 1032 بإلحاقات كثيرة بلغت به 500 فناً من العلوم.
(كشف الظنون 2/1762)
(140) قال ابن الهمام في فتح القدير (1/436) :
ومنهم من قيد جواز الاقتداء بهم – كقاضيخان – بأن لا يكون متعصباً ، ولا شكاً في إيمانه ، ويحتاط في مواضع الخلاف ، كأن يتوضأ من الخارج النجس، ويغسل ثوبه من المني ، ويمسح ربع رأسه في أمثال هذه ، ولا يقطع الوتر.
ثم تعقبه ابن الهمام قائلاً :
ولا يخفى أن تعصبه إنما يوجب فسقه ، ولا مسلم يشك في إيمانه ، وقول إن شاء الله يقولونها للتبرك ، لا للشرط أوله ، باعتبار إيمان الوفاة .
(143) هنا على هامش النسخة أ: أي في الوتر بدليل قوله بعده " لأنه لا يؤدى ذلك بنية الفرض".
(144) مواضع الخلاف زيادة من "ق" وليست في " أ "
(145) هو – والله أعلم – أبو بكر حسام الدين على بن أحمد بن مكي الرازي ، سكن دمشق وتوفى بها ، وورد حلب ، له "خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل" وهو شرح لمختصر قدوري ، توفي سنة 598هـ .
(الفوائد البهية ص118، معجم المؤلفين 2/402، كشف الظنون 2/1632، الأعلام 4/256)
(146) هذه العبارة ليست في أ ، وأثبتناها من ق وهى
(من صحة الإقتداء بمن رعف ثم أعلم أن هذا القول انفرد به الرازي)
(147) هو والله أعلم – كتاب الإرشاد في علم الخلاف والجدل للشيخ ركن الدين أبي حامد محمد بن محمد العميدي السمرقندي الحنفي توفي سنة 515 هـ .
(كشف الظنون 1/69)
(148) في فتح القدير 1/437، البحر الرائق 2/42.
وما ذكر في الإرشاد لأنه إقتداء المفترض بالمتنقل ، يخالفه ما تقدم من اشتراط المشايخ في الإقتداء بالشافعي في الوتر ألا يفصله ، فإنه يقتضي صحة الإقتداء عند عدم الفصل .
(149) هو كتاب "درر الحكام شرح غرر الأحكام" وغرر الأحكام متن في فروع الحنفية والمتن والشرح لمنلاخسرو توفي سنة 885 هـ .
والكتاب مشهور باسم الشرح وقد شرح الشرح أعني درر الحكام بعض العلماء كوالد المصنف وقد سمى شرحه "الأحكام شرح درر الحكام" كما حشاه شيخ والد المؤلف الشرنبلالي المتوفى سنة 1069 هـ ، وسوف تأتى ترجمة منلاخرو في المقصد السادس ، والشرنبلالي في المقصد الخامس ، أما والد المؤلف فقد مضت ترجمته في المقصد الأول تحت عنوان اختلاف أمتى رحمة .
(150) ليس هذا هو قول الرازى وحده ؛ فقد قال في فتح القدير 1/437، ونقله صاحب البحر الرائق 2/42 وكان شيخنا سراج الدين يعتقد قول الرازى .
وقال ابن عابدين في حاشيته 1/449 قال فى النهر: وعلى قول الهندواني يصح الاقتداء وإن لم يحتط .
(1/378) قيل أن العبرة لرأي الإمام ، وعليه جماعة . قال في النهاية : وهو أقيس، وعليه يصح الاقتداء وإن كان لا يحتاط
(1/738) وفي حاشية الأشباه والنظائر للخير الرملي : الذي يميل إليه خاطرى القول بعدم الكراهة إذا لم يتحقق منه مفسد .
(151) في (أ) قاسم بن يلبغا وعلى الهامش : هكذا بخط تلميذ سيدنا عبد الغنى، ولعله ابن قطلوبغا تلميذ الكمال ابن الهمام . يحرر أ.هـ .
(154) في (أ) رواية
(155) سبق الكلام عن هذه المسألة فى المقصد الأول

[align=center]الاخ العزيز معاذ

جزاك الله كل خير على مجهودك
الطيب والكبير

العطره

سلام العبيدي[/align]

[align=center]الأخ الحبيب
سلام العبيدي
يسرني مرورك
ويسعدني أن أرى توقيعك بصفحتي
فتابع معي باقي الكتاب
دمت بود
[/align]

[align=center][bimg]http://palpag00.googlepages.com/shokran3lmawdou3.gif[/bimg]

أخي الغالي معاذ أشكرك من كل قلبي على مجهووووودك الواضح ننتظر البقية [/align]

[align=center]شـــــــــواخ العزيزة
شـاكر لعبير مرورك
وعطر تواجدك
وشذى إطلالك
دمت بود
[/align]