العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 25-07-09, 03:49 PM   #16
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


--------------------------------------------------------------------------------
نجيب محفوظ وراء دخولى إلى عالم النقد الأدبي

عيد عبدالحليم



توفيق حنا ناقد مصرى ينتمى إلى جيل الخمسينيات قدم عددا كبيرا من أدباء مصر الذين أصبحوا - الآن - ملء السمع والبصر أمثال الشاعر عبدالرحمن الأبنودى والقاص يحيى الطاهر عبدالله والشاعر أمل دنقل وغيرهم.
وفى الفترة الأخيرة آثر توفيق حنا العزلة وهاجر للإقامة بالولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال زيارته الأخيرة للقاهرة كان لى معه هذا الحوار:
- كان لك تجربة فريدة مع أدباء الستينيات خاصة أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودى، وكنت أول من أطلّع على تجربتهم الإبداعية.. حدثنا عن تلك التجربة؟
-- على كل حال كنت قد رقيت مدرسا أول للغة الفرنسية فى مدرسة قنا الثانوية، ورغم أن قنا تعتبر بالنسبة للترقية منفى نظرا لأنى من أبناء محافظة القاهرة وكنت أعمل مدرس لغة فرنسية فى المدرسة الخديوية التى أمضيت فيها سبع سنوات من أخصب سنوات حياتى.
ذهبت إلى قنا وأخذت أسرتى معى وكأنى سوف أعيش هناك طيلة العمر، أحببت قنا وأبناءها، وقيل لى - بهذه المناسبة - أن كل من أحب قنا من المنقولين إليها لا يمكثون بها طويلا، وفعلا لم أبق فى قنا إلا سنة واحدة.
فى هذا العام كنت بجانب قيامى بتدريس اللغة الفرنسية وإشرافى على المدرسين الآخرين، أوجّه تلاميذى من أنحاء المحافظة إلى دراسة القرية التى نشأوا بها باعتبار أنها قريتهم وتعد وطنهم الصغير تمهيدا لتأكيد الانتماء للوطن الكبير، وكان من تلاميذى - فى السنة النهائية للتوجيهية عام 1956 - كل من عبدالرحمن الأبنودى وأمل دنقل، ونبهنى الصديق عبدالرحمن الأبنودي بعد ذلك أن محمد صفاء عامر كان ضمن المجموعة.
ومن أهم الأشياء التى فوجئت بها - ذات يوم - أن أمل دنقل أحضر لى بعض المفردات التى تتردد فى قريته وما يقابلها من مفردات عربية، ومازلت أحتفظ بهذه الأوراق.
وفى هذا العام كنت أقد أرسلت للأستاذ الكبير يحيى حقى عندما أصبح مديرا لمصلحة الفنون خطابا عن فكرة تكوين لوحات شعبية تحوى كل مفردات التراث الشعبى، وأرفقت بهذا الخطاب حكاية يا ليل يا عين لتربط كل مفردات اللوحة الشعبية ووصل الخطاب إليه، وقد ذكر فى كتابه يا ليل يا عين أنه ترك كل الأفكار التى كان يفكر فيها وأخذ فكرة يا ليل يا عين من الرسالة التى أرسلتها وحوّرها، وكانت أساسا لاستعراض يا ليل يا عين الذى قدم بدار الأوبرا الذى قام بإخراجه المخرج الكبير زكى طليمات، وأشترك الصديقان الراحلان على أحمد باكثير وزكريا الحجاوى فى صياغة الأشعار والحوار لهذه التجربة، وقدمت عام 1956، وشاءت الأقدار أن تتوقف بسبب العدوان الثلاثى على مصر وبعد ذلك احترقت الأوبرا فى بداية التسعينيات واحترق معها كل ما يتعلق بهذه التجربة الفريدة.
علاقة دائمة
- وماذا عن تلاميذك، كيف أحسست بموهبتهم؟
-- نقلت إلى القاهرة وكنت دائم الاتصال بعبدالرحمن الأبنودى، كان يرسل لى نشاطه ومحاولاته الشعرية، وكنت قد اشتركت فى تحرير مجلة الشهر مع الراحل الصديق سعدالدين وهبة وكانت مشاركتى تحت عنوان ندوات وفى مقدمة نشرى للندوات كنت أرجو أن أقدم كل الندوات الأدبية والشعرية فى جميع أنحاء مصر، وقدمت نشاط بعض الأدباء والشعراء من قنا وكانت تضم عبدالرحمن الأبنودى وآخرين، وقلت إن فى مصر 4500 قرية فلو تمكنا أن نقدم أديبا وشاعرا وقصاصا لأمكننا أن نقدم للوطن آلاف الأدباء والشعراء والروائيين وقد شجع هذا الأبنودي أن يأتى إلى القاهرة، وجاء معه أمل دنقل وكنت مؤمنا بأعمال الأبنودي فقدمته فى رابطة الأدب الحديث التى كنت عضوا بها، وأذكر من المشرفين على هذه الندوة عبداللطيف السحرتى ود. محمد عبدالمنعم خفاجى، وكانت خطوة جريئة منى أن أقدم شاعرا يكتب قصائده باللغة العامية إذ كانت الرابطة كلاسيكية التوجه، ولكن لعلاقتى الطيبة مع المشرفين بالرابطة رحبوا بهذه الخطوة، وكان أن نجح الأبنودي كل النجاح فى لفت نظر المستمعين نظرا لقدرته الإبداعية، وحتى اليوم لازالت علاقتى بعبدالرحمن الأبنودى علاقة متينة وقوية ولا أنسى - أبدا - وفاءه لما قدمته له.
- ولكن كيف بدأت علاقتك بالأدب وبالنقد تحديدا؟
-- الواقع أننى كنت مترددا أن أكتب، وقلت إن الكاتب حتى يكون له حق أن يشارك فى الكتابة لابد أن يكون مزودا بكل ما قدم فى العالم من أدب وفن وكل ألوان الإبداع، ذلك حتى يمكن أن يضيف شيئا جديدا، ومع هذا بدأت الكتابة عندما قرأت رواية زقاق المدق وأعجبت بها كل الإعجاب وكانت سببا فى بداية علاقتى بالصديق الكبير نجيب محفوظ، فكتبت عن هذا العمل العظيم وكانت مجلة الرسالة الجديدة قد قامت بنشر دراستى عنها فى عددها الأول تحت عنوان محاولة نقدية فى بداية الخمسينيات.
وبعد ذلك حاولت أن أكتب عن ملامح الشعب المصرى وعن المأثورات الشعبية وكانت هذه هى البداية.
كتب لم تنشر
- رغم العشرات من الدراسات الأدبية والنقدية على مدار أكثر من خمسين عاما لم تفكر فى إصدارها فى كتب تحفظها للذاكرة الإبداعية؟
-- الواقع أننى كنت مترددا كل التردد أن أكتب كما قلت، وقد كانت لى تجربة قديمة إذ جمعت بعض المقالات وجعلت عنوانها الصمت والكلمات وأخذها الصديق الراحل د. غالى شكرى وأعطاها لأحد الناشرين لكنه لم يتم نشرها ولا أدرى هل ممكن أن تكون هذه التجربة هى التى منعتنى من محاولة أخرى للنشر واكتفيت بنشر مقالاتى فى معظم المجلات الأدبية فى القاهرة وفى بيروت، وأعتبر أن هذا تقصير منى فى عدم محاولة نشر أعمالى فى كتب، لأن الكتاب عبارة عن تحقيق للشخصية الأدبية للكاتب.
وبهذه المناسبة إذا كنا نتكلم عن زقاق المدق كان من بداياتى أنى نشرت حكاية يا ليل يا عين فى جريدة الجمهورية فى سبتمبر 1954 قبل أن أرسلها إلى يحيى حقى.
التراث الشعبي
- مقال لا تنساه؟؟
-- تابعت نشر مقالاتى عن التراث الشعبي فى مجلة الفنون الشعبية والتى لا أدرى لماذا توقفت، ولعل من أهم ما نشرته فى هذه المجلة مقالة طويلة عن قرية مارى جرجس قام بها الباحث الجاد الدكتور نسيم حنين، وكذلك ترجمة باللغة الشعبية المصرية لرباعيات الخيام قام بها حسين مظلوم، كذلك كنت أول من كتب عن ديوان الأرض والعيال للأبنودى وأدخلته فى سياق حول الدراسات الشعبية نظرا لأن الظروف كانت لا تسمح بالكتابة عن العامية.
- كان النقد فى الخمسينيات والستينيات يشهد طفرة نوعية لكتابات تهتم بالنص الإبداعى وبيان دلالاته مما أنتج مجموعة متميزة من النقاد، كيف ترى - الآن - حال النقد المصرى من خلال قراءاتك ومتابعاتك؟
-- الواقع أنه مما لا شك فيه أن عقود الأربعينيات والخمسينيات والستينيات قدمت للأدب المصرى شعرا ونثرا وإبداعا ونقدا، وألاحظ أن كل مظاهر الحياة الأدبية لا تسير كما يجب أن تسير إلى تقدم وإلى الأمام، وأشعر أن هناك تخلفا واضحا فى تطورنا السياسى والاجتماعى والأدبى، وهذا لا يعنى عدم وجود نقاد كبار يجاهدون ضد هذا التخلف


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-09, 03:50 PM   #17
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


عبدالرحمن الأبنودي.. وأبنود و«أيامنا الحلوة»

12/05/2008
توفيق حنا المدرس الأول بمدرسة قنا الثانوية والمهاجر إلي أمريكا يكتب عن تلميذه النجيب
إوعي تجول للندل يا عم.. ولو كان علي السرج راكب

تحت كلمة إهداء.. يقول عبدالرحمن الأبنودي: (..ولكنني ـ وإلي أن أرحل ـ سوف أظل مدينا لقريتي «أبنود»، وسوف أظل أشكر الأقدار علي أن وهبتني تلك الطفولة الغنية التي قد يراها البعض فقيرة وقاسية ومعذبة» ثم يهدي «أيامي الحلوة».
«إلي طفلتي الحبيبتين: آية ونور وإلي نهال كمال.. زوجتي التي كنت أكتب ذلك أسبوعيا، فقط لتبتسم.
وإلي قريتي أبنود وأهلها، عشقي الأول والأخير.
وإلي جريدة «الأهرام» والأستاذ محمد زايد رئيس تحرير ملحق «أيامنا الحلوة»، وأنا سوف أظل أشكر الأقدار التي بفضلها نقلت من مدرسة الخديوية في القاهرة إلي قنا مدرسا أول في مدرسة قنا الثانوية ـ ذلك البناء الجميل الأنيق ـ عام 1955/1956.. وسوف أظل أشكر تلك الأقدار أن كان ضمن تلاميذي عبدالرحمن الأبنودي ـ شاعر العامية ـ وأمل ونقل ـ شاعر الفصحي ـ وأيضا د. محمد سلامة آدم.. أستاذ الفلسفة.. وغيرهم.
وأنا هنا أسجل في بداية كلمتي تحية تقدير لهذا الوفاء الذي تجسد عملا جميلا.. رائعا.. ورائدا في «أيامي الحلوة».. وكم هي رقيقة وعذبة كلمة «حلوة» لأيام كانت كلها فقراً وعذاباً وآلاماً وعناء.. ولكنها كانت ـ رغم كل شيء ـ أياما حلوة.. حملتها إلينا هذه الذاكرة الواعية.. البصيرة.. ويقال بحق إننا كلما تقدم بنا العمر نشطت ذاكرة الطفولة.. وقدمت لنا الماضي البعيد في صور ممتلئة بالحياة والحنان والحنين.. وهنا أشكر الصديق عبدالرحمن الأبنودي لإهدائي نسخة من «أيامي الحلوة» عندما التقينا في القاهرة فقد قضيت في قراءتها وفي الكتابة عنها أياما حلوة ـ بحق وحقيق ـ وأنا بعيد عن الوطن الحبيب.
في عام 1955/1956 سعدت بإقامتي في قنا.. هذه المدينة السعيدية التي أحببتها وأحببت أهلها وسعدت بتلاميذي في قنا الثانوية.. عبدالرحمن الأبنودي وأمل دنقل ومحمد سلامة آدم وأبوالوفا القاضي.. وغيرهم.. وكنت أدفعهم إلي الكتابة عن قراهم.. ومازلت أحتفظ بما كتبه لي أمل دنقل في ورقتين من كلمات تتردد في قريته «القلعة» ومعانيها كذلك هذه المجموعة الكبيرة من المواويل سجلها لي محمد سلامة آدم «أستاذ الفلسفة».. وفي ذلك العام السعيد أرسلت للأستاذ يحيي حقي ـ مدير مصلحة الفنون ـ حكاية «ياليل يا عين» مع اقتراح بتقديم لوحات شعبية مع هذه الحكاية.
وأكرر أني أحببت قنا وأهل قنا وكل الأماكن في هذه المدينة.. ولقد ترددت علي معبد دندرة أكثر من مرة.. كما سعدت بمشاهدة مولد سيدي عبدالرحيم القنائي بكل ما فيه من مأثورات ومشاهد ولوحات وألعاب شعبية.
ولم أبق في مدينة قنا إلا عاما واحدا.. وقال لي صديق قنائي: إن من أحب قنا ينقل منها سريعا.. وكنت فعلا قد أحببت قنا.
قرأت «أيامي الحلوة» في هذه الطبعة الأنيقة التي صدرت في مكتبة الأسرة.. هذا المشروع العظيم، ولا أكون مبالغا عندما أقرر أن هذا العمل من أهم إصدارات مكتبة الأسرة، وذلك لأنها تدفع القارئ والقارئة، لأن يسجل ـ هو أو هي ـ ذكريات القرية التي ولد أو ولدت فيها، مثلما فعل الشاعر عبدالرحمن الأبنودي.. وفاء لقريته «أبنود».
>>>
كانت شخصية الأم ـ فاطنة قنديل ـ أجمل افتتاحية لهذا العمل الرائع «أيامي الحلوة».. هذه الأم المصرية التي جاهدت الجهاد الحسن.. وبذلت ما في وسعها.. لإنقاذ ابنها ـ عبدالرحمن ـ من الموت.. وكيف استفادت هذه الأم ـ الواعية البصيرة الخبيرة ـ من كل ألوان الطب الشعبي التي ورثتها من أيام رب الطب المصري امنحتب «وهو أيضا المهندس العظيم الذي صمم هرم سقارة المدرج، وافتتح به عصر الأهرامات.. المجيد».
عملان بطوليان قامت بهما فاطنة قنديل.. أما أولا وزوجة ثانيا.. أما عن الأم فيحدثنا عن عملها البطولي ابنها عبدالرحمن في الفصول عن: المريض الفولكوري:
«في أوائل الخمسينيات لم نكن قد رأينا الطبيب ـ في قريتنا ـ رأي العين، وإنما كان طبيبنا ميراثنا الفولكلوري مما خلفه الأجداد للأحفاد من وصفات وخبرات، مواد مصنعة من بيئتنا إلي جانب أوراق الأشجار ونبات الحقول وحجارة الأرض المعطاءة ولبن بز الأم.. قبل أن تبني حكومة الثورة «الوحدة المجمعة» وتعين لنا طبيبا خاصا بأهالي قريتنا أبنود بمحافظة قنا» وعن مولده يقول:
«ولدتني أمي في الحسومات، والحسومات حسب التقويم القبطي الذي مازال أهلنا يتبعونه هناك جميعا، أيام تسعة، تأتي في وقت معين من السنة القبطية، من يولد فيها من النادر أن يعيش، إنسانا كان أو حيوانا، وإذا عاش فإنه يعيش مثلي معلولا مكلولا مملولا محلولاً»، ويقول: «كنت ضعيفا، نحيلا وعليلا مزمنا، ضئيل البدن، أصفر الوجه، لدرجة أن أمي كانت ـ وأنا طفل لا أعي ـ تربط ركبتي المنحلتين بأشرطة من القماش تمسك الساقين اللتين تشبهان أعواد البوص كي لا تنفرطا»، ولكن من أين جاءت للأم هذه الخبرة.. يقول عبدالرحمن الأبنودي: «رأت أمي في أيام الحمل والوحم حمارة ولدت جحشا رفيعا عليلا.. رأت أمي الجحش الهزيل، ورأتهم يربطون ركبتيه بحبال كي تتماسكا، لذلك حين أنجبت ابنها السقيم ـ فيما بعد ـ ورأته غير قادر علي استعمال ركبتيه استوحت فكرة حبال الجحش، ونقلتها من ركبتي الحيوان إلي ركبتي الإنسان»، ويعترف عبدالرحمن الأبنودي بفضل أمه وحرصها علي علاج ابنها بكل ما تملك من خبرة ومن حب ومن إصرار


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-09, 03:51 PM   #18
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


«كانت فاطنة قنديل أمي تفخر بأنها حققت ـ بي ـ أكبر معجزة في الدنيا وهي أنها أبقتني علي قيد الحياة، في قتال مرير وحرب ضروس ضد الطبيعية وقوانين الوجود وبخبرتها الطيبة النادرة ووعيها بتجارب السابقين.. هذه الأم التي تخوض النار ـ حقيقة لا مجازا ـ من أجل إنقاذ طفل لديها عشرة أفضل منه.. إنها الحياة».
ويقدم لنا هذا الابن الذي كله وفاء هذه الأم في مشهد من مشاهد مر بها ضد المرض.. ضد الموت وكأن كلماته قصيدة من نثر:
«كانت تصعد بعد أن يتشرب الغروب استمراره المعتق، لتلمع نجوم السماء تحت عيون الرب، فتضيء جسدها الذي يتصاعد منه الدعاء، تكشف رأسها، تناجي وتدعو وتتوسل وتعاتب، لكي يستجيب الرب».
ويقول أيضا: «إن ما ناجت به فاطنة قنديل الرب فيض من الأدعية وأطنان من الطقوس، مارستها بجنون، خاطبت الرب في الصباح والمساء. خلعت ملابسها وتطهرت وخرجت إليه في قلب الليل وعند استقبال الفجر، تتوصل إليه أن أحيا وأن أعيش. وقد استجابت لها السماء وعشت كما ترون».
هذه الأم المصرية الصميمة تجسد في سلوكها هذا وفاء إيزيس وعنادها وإصرارها ورعايتها ابنها حورس وقفت بجانبه حتي انتصر علي عمه ست «وأنا أقول ـ اجتهادا ـ إن ست هو الشيطان..» الذي قتل أباه أوزيريس.. وأقول أخيرا.. إن فاطنة قنديل هي أيزيس الأبنودية.
وأكتفي بهذا لتصوير بطولتها.. أمّاً.. أما بطولتها كزوجة.. عندما زوجها أبوها ـ الحاج قنديل وهي في الحادية عشرة من عمرها.. وأنا هنا أترك فاطنة قنديل تحكي مأساتها فلقد سجل لنا أبنها ـ مشكورا ـ هذه المأساة بصوتها ـ قبل رحيلها.
وقبل رحيل أمي بقليل دعوتها إلي منزلي بالقاهرة، واستجابت.. وسألتها أن تقص القصة من أولها إلي آخرها».
ويقول عبدالرحمن «قصت وقصت وكأنها تعود للماضي فعلا، كأنها تعبر السبعين عاما في خطوة» ولعل هذه المأساة أن تكون أروع ما قدمه الشاعر عبدالرحمن الأبنودي في (أيامي الحلوة)».
تصف لنا هذه «المرأة الطفلة» ولقد أصبحت في الثالثة عشرة.. كيف فكرت في الهرب والفرار في ليلة الدخلة.. بعد دخلة زوجها.. تقول إرجاء أن تقرأ القاف جيما.. متي يمكنك الاستمتاع بموسيقي لهجة هذه الأم الأبنودية.
بعدما حصل اللي حصل يا ولدي نام الراجل وأنا أتكورت زي دودة الطعم لما جاني نوم والدنيا بتلف بنا.. ماعارفة أنا مين ولا فين. حسيت إني وسط حلقة جزارين، إن كانوا رجاله ولا نسوان كلهم جزارين. الفزع راكبني. خايفة ومنفوضة كإن فيا «مراريا».
جاني هاتف قاللي قومي يا فاطنة.. قمت.
قاللي اتشعبطي الحيطة.. اتشعبطت.
قاللي نطي بره.. نطيت.
قاللي ارمحي....


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-09, 03:51 PM   #19
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


وكأن ورايا عشر غيلان بيرمحوا ورايا، الخوف اللي في الدنيا ساب الدنيا وسكن في قلبي أرمح وأرمح.. بيني وبين بيتنا تلات بلاد.. أرمح وأنا بدمي، والخلاخيل في رجلي تقول: «ش ش» تزود خوفي خوف.. لحد ما وصلت بيتنا.. كان دمي اتصفي وركبي مش شايلاني، وهدوم الدخلة اتصبغت دم.
لما وصلت بيتنا ركبني الخوف تاني.. أقوللهم إيه؟ واعيد لهم ايه؟ وإذا رجعوني تاني السلخانة؟ وتستأنف فاطنة قنديل حكاية مأساتها.. وهي تجيد الحكي إلي حد بعيد فإنها بفطرتها النقية السليمة أراها فنانة أصيلة.. تقول «لفيت حوالين البيت واتشعبطت السور ومن فوقه نزلت من علي نخلة.
طب أعمل إيه وأروح فيه؟ طبعا الدنيا ليل.. وأمي وأبوي نايمين.. أروح فين؟ أروح فين؟ البيت كله مكشوف ـ لقيت قدامي ـ وأنا حريص علي أن أنطق القاف جيما.. حتي أكوت قريباً من لهجة فاطنة.. وكم أود أن أسمع التسجيل.. ولعلي يوما أسمعه ـ بنية الفروج.. بشويش فتحت الباب، وزرقت ورديته وراي الباب ورحت في ميت نومة.. صبحت الصبح علي أمي بتفتح باب العشة تطلع الفروجات وتلم البيض.. مديت إيدها لقيتها حتلمسني. قلت لها: أمّه أوعي تخافي. أنا فاطنة. الولية دبت علي صدرها، وقعدت تلطم علي خدودها لما خروا دم. وتدور وتلف حوالين نفسها وتقول:
يا عاري.. يا مراري. هربتي يا فاطنة؟ وأقول إيه لابوكي، ويقولوا علينا إيه الناس؟ وباقي الكلام لم سمعته لأني كنت غمضت وسحبتني الغيبوبة وسحبت روحي..
شهرين لم حاسة بالدنيا اللي حواليا.. اللي تطيب، واللي تبخر، والتي تدعي.. ده داخل وده طالع.. وأنا مش هنا.. لا عدت فاطنة ولا باطنة.
وجوزي وناسه لموا بعض وجونا يعرفوا الموضوع. وراحوا ما جوش. وأنا عمت في بحر الموت اللي ما منه رجوع.
يقول عبدالرحمن الأبنودي:
«هكذا رقدت فاطنة قنديل وحار من حولها ودار، وأسلم أمره فيها لله.
فقط «ست أبوها» التي ظلت تحوم حول الجسد كعصفورة اختطفوا صغيرها، تحرس قلب وحيدتها، تصب السوائل في الفم فتسيل علي جنباته.
ونعود إلي تسجيل فاطنة قنديل:
«يظهر يا وليدي ـ ما أرق التصغير هنا ـ .. كان عمري طويل. مكتوب لي أعيش لحد ما أخلفكم واحد ورا واحد».
وتعيش فاطنة لتقوم بنفس دور امها «ست أبوها» وتعمل المستحيل لإنقاذ ابنها عبدالرحمن من موت أكيد.
وتصف فاطنة عودتها إلي الحياة في هذه اللغة الشعبية الجميلة.. البليغة:
«شويه شويه بربشت، فتحت عينيا أشوف لك الواحدة أربعة. ما عارفه يميني من شمالي. لكن الحريم من حوالين السرير فرحوا، واعتبروا فتح عيني هدية من عند الله، أكرم بها الأبوين الصالحين..» الحاج قنديل و«ست أبوها».. بعدها بأيام جلست.
بعدها بأيام جلس الوالد قبالي وقال: «يا فاطنة، الحمد لله، ربنا خد بيدك وقمتي. الحمد لله كمان أن ناسك ما غضبوش منك ولسه شاريينك «هذه الكلمة تجسد فعلا هذا الزواج الشرعي.. وهي كلمة شراء» أظن مادام ربنا رد لك عافيتك نقوم نروح لهم.. «ألم يفكر الحاج قنديل هذا ـ هذا الرجل الصالح ـ لماذا لجأت إليه ابنته الوحيدة فاطنة؟»
وتستأنف فاطنة حكايتها وحوارها مع أبيها:
غاب النور من عيني واتمنيت الموت. قلت له: يابا أنت بتكرهني قد كده؟ قاللي: يا بنتي كلام الناس يقولوا: هّملت بيت جوزها ليلة دخلتها. لابد ما في الأمر إنّ.. وانتي عارفة إن أنا وأمك مالناش في الدنيا إلا شرفنا..
قلت له «واستمرار الحوار بين الحاج قنديل وابنته يشير بوضوح في هذا الجو الريفي التقليدي إلي ما يتمتع به هذا الرجل الطيب من سماحة.. ولكن الخوف من كلام الناس.. والخوف من العمدة.. ربما.. وراء تردده أمام ابنته».
قلت له: لو ودتني يابا هارجع.
لو ودتني أرجع..
المرة التالتة حارمي نفسي في بير.. أنا لا متجوزة ولا عاوزة جواز
«هذه الكلمات الواضحة الصريحة الشجاعة تعبير عن تمرد ورفض لطاعة الوالدين.. وعن ثورة أيضا» قاللي: و ماله. أو ديكي وأقوللهم وأترجاهم يدوكي لي.. واذا حصل أجيبك.
- يابا تترجاهم كيف؟ أنا بنتك.. أنت مش هم.
قاللي: دلوك إنتي مش قول الناس، دلوك أنني منهم هم وأنا إديتك لهم
وبعد هذا الحوار تستأنف فاطنة قنديل حكايتها: «قبل ما أخف وأملك جتتي زين، شالني علي دراعينه زي السمكة الميتة وشق بيا البلد قدام الناس عشان يداوي عملتي اللي عملتها لما نطيت حيط الدار بدمي ليلة دخلتي...
آخر البلد ركبنا ركوبة كانت مستنيانا ومشينا التلات بلاد لحد بيت جوزي يظهر ده كله كان علي ميعاد، لأنه كان هو والرجالة كلهم قاعدين قدام الباب مستنيين..


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-09, 03:51 PM   #20
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


وقفوا لما شافوا أبوي.. اتقدم بيا وقال لجوزي.. لعنة الله عليه..: ما علش يا فلان.. البنت صغيرة وماتدركش.. فإنت تسامحنا وتقبلها مننا تاني».
وتعلق فاطنة علي هذا المشهد الذليل: «الحاج قنديل- الوحش- كان صوته بيترعش كأنه بيشمت.. بيتوسل، ويترجي بحق وحقيق»
ثم يستمر الحوار بين الرجلين:
قال له الراجل: ما علهش يا حاج.. المسامح كريم.. خديها يا نجية..
«شالتني نجية من فوق دراعين أبوي ودخلت بيا الدار.. وسابت الرجالة للرجالة مشي أبويا وهملني.. من هنا وأنا مسكني العيا من هنا.. نار وجت في مخي وصدري وهدومي.
كسرولي.. النسوان بصل ودعكوني.
جابولي سفوف وسففوني.
رحت لك في سكرة ما فقت منها إلا في بيت أبوي.. رجعوني أموت عند أمي».
وتنتهي هنا مأساة فاطنة.. ولكن لهذه المأساة نهاية سعيدة.. تضعها «ست أبوها» يقول عبدالرحمن الأبنودي: «قالت «ست أبوها» إنها توسلت للرجل أن يطلق ابنتها..
قالت له إنها لم تعد تلك الصبية المرعرعة التي دخلت بيته، لم يعد فيها شيء يتزوجه.
قال له: لا تظلم نفسك وابحث عن عروس حقيقية».
وتحكي لنا ست أبوها كيف وفقت في إنقاذ ابنتها..» قعدت ازنلك في ودانه وأكرهه في البنت، لحد ما قال: «ابعتوا جيبوا المأذون» وتقول ست أبوها وهي تحكي لحفيدها عبدالرحمن: «والله يا وليدي دفعت حق الطلاق.. اشتريت بتي تاني. ولمت الحاج قنديل.. ما كان من الأول!».
وتصف لنا هذه الأم كيف عاونت ابنتها أن تستعيد صحتها.. «وقعدت أأكل وأشرب لحد ماهه الجسم نطق واللسان اتحرك وقامت فاطنة تقعد جنب الفرن وأنا باخبز، وتهش الفروج اللي ممكن يدوس علي العيش الشمشي اللي بيخمر في الشمش كل يوم ألاقي الدم يقرب من خدودها شعرة شعرة، لما عرفت إنها مش حتشوف وش العفريت اللي اتجوزته.. تاني ابتدا عودها يتفرط. لكن فضلت كتير قبل ما تفتح حنكها وتتكلم. وقعدت شهور قبل ما تفتح حكنها.. وتضحك»».. ذلك أن الضحك- من القلب- علامة الصحة المعنوية والمادية.. يعني دليل الصحة النفسية والصحة الاجتماعية.. والصحة الجسمية..
وتقول فاطنة قنديل لابنها عبدالرحمن: «لم أعش حرة كثيرا. جاء والدك وكان طالبا في المعهد الديني ليطلب يدي...» ويعلق عبدالرحمن علي كفاح فاطنة قنديل وإصرارها وعنادها في سبيل حريتها وكرامتها : «كلما قرأت مقالاتهن أو سمعتهن في التليفزيون أو في تجمعات المرأة التي تسعي للتحرر تذكرت فاطنة قنديل... ... وأعرف في أعماق يقيني أنها كانت في طليعة المرأة المناضلة في مصر..» وأنا معه بكل قلبي وعقلي.. وأقول إن هذه امرأة مصرية يفتخر بها قاسم أمين.. وأكرر ما سبق أن قلت إن فاطنة قنديل بحق إيزيس أبنودية.
وفي المقدمة يقول عبدالرحمن الأبنودي: «لأني خرجت من القرية وكأني عصارتها فقد حملت تاريخها وباطنها ووجهها في الضمير- دون قصد- وسرت في الحياة، فإنني في هذه المشاهد التي يحويها هذا الكتاب، إنما أحاول القبض علي جوهر الروح ولب الفكرة التي تحكم الإنسان المصري الأصلي الذي لم يفقد الصفات القديمة للإنسان النيلي القديم بعد».. وكلمة «بعد» الأخيرة تشير إلي فوق- وخوفنا- أن تضيع- يوما- هذه الصفات القديمة للإنسان النيلي.. «لا سمح الله».
>>>
في «أيامي الحلوة» تحدث عبدالرحمن الأبنودي عن ألوان نشاطه- وهو طفل- في قريته «أبنود».. راعيا للغنم وصائدا للسمك.. كما تحدث عن أغاني النساء وعن المتسولين.. وعن الكلاب.. حتي..
ولكني أود أن أتوقف عند «راعي الغنم» و«صياد السمك».. وعند «المتسولون».. إذا سمح هذا الفراغ.. الذي يكاد أن يفيض!
في «أيامي الحلوة» تحدث عبدالرحمن الأبنودي عن ألوان نشاطه- وهو طفل- في قريته «أبنود».. راعيا للغنم وصائدا للسمك.. كما تحدث عن أغاني النساء وعن المتسولين.. وعن الكلاب.. حتي..
ولكني أود أن أتوقف عند «راعي الغنم» و«صياد السمك».. وعند «المتسولون».. إذا سمح هذا الفراغ.. الذي يكاد أن يفيض!
>>>
يقول عبدالرحمن الأبنودي:
«غناء هذه القرية وجه مكتمل الملامح لكل أشكال الحياة فيها، لكل أنواع التداخلات المتشابكة التي تشكل أسباب استمرارها من علاقات اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو روحية. القرية بكاملها موجودة ومتجسده في غنائها» ويقول عن غناء هذه القرية.. يردده الرجال والنساء والأطفال.. أولاد وبنات: «إن غناءهم نوع خاص جدا من الوثائق الأمينة.. سطروها هم أنشأوها بإرادتهم الكاملة واختيارهم الحر في غفلة عن القوانين التي حاصرتهم بها


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-09, 03:52 PM   #21
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


الأيام أو حاصروا هم أنفسهم بها... ... إنها ثورة الإنسان المغني علي نفس الإنسان حين لا يغني.. ثورة علي النفس وعلي الآخرين».
ويقول عن هذا الفلاح المصري: «بني فلاحنا المعاصر أبنيته الفنية من الموال إلي أغنيات العمل إلي أهازيج الأعراس و«عديد» النائحات إلي أذكار الرجال ومساجلاتهم الشعرية إلي الملاحم وغناء الأطفال أولاد وبنات.
لقد قسم هذه الأبنية الفنية بالعدل والقسطاس بين تسجيل الحياة بتفاصيلها وتخيل ما بعد الموت، لتصبح الأغنية سجله ومؤنسه».
üüü
يقص علينا تفاصيل صيد السمك، زمان: «مع الفيضان كان الخير يأتينا محملا بأسماك الجنوب.. ويجب أن تعرف أنه لم يكن هناك «سد عالي» أو «بحيرة ناصر» لذا فالأسماك تأتي من الجنوب مباشرة من أفريقيا. كنا لا نحس لهيب الشمس.. نحن أبناء الشمس والنيل» ويحدثنا حديث الخبير عن أسماك النيل: «كان النهر يغص بعشرات الأنواع من السمك. لكل منها سلوك وطريقة في الغمز.. بعضها غبي وبعضها ذكي كالقرموط.. إن أجمل محاورة شقية متعبة هي معركة الذكاء بينك وبين الكائن العبقري المسمي «القرموط».. ويحدثنا عن سمك القرقار «رجاء نطق القاف جيما»: «هو السمكة الوحيدة التي تبكي وتستنجد حين تخرجها السنارة . كل الأسماك تقاوم أو تستسلم لمصيرها صامتة.. القرقار هو الوحيد الذي يملك صوتا..» وهنا يتذكر الشاعر عبدالرحمن الأبنودي: «السيرة الهلالية».. التي اعطاها من عمره ربع قرن ليجمعها ويحققها ويقدمها في كتابه الضخم «السيرة الهلالية».. الذي صدر- أيضا في مكتبة الأسرة- يقول: «شاعر السيرة الهلالية أراد أن يصف الموسيقي التي يصدرها حذاء «الجازية الهلالية» جميلة جميلات العرب.. بحث عن الصوت الفريد الذي لا يوجد له مثيل ليشبه به الصوت المنغم الصادر عن حذاء«الجازية الهلالية» فلم يجد سوي هذا الصوت النادر والوحيد الصادر- خلافا لكل أسماك النيل- من سمكة القرقار:
لابسه توب أخضر برسيمي
وراسمه عليه غلايين النار
لابسه توب شمني وارخيني
وحلق وازبط من قدام
لابسه جزمة بمزيكة
عما تصرخ شكل القرقار.
ويقول عبدالرحمن الأبنودي مفضلا الصيد في النهر علي الصيد في البحر: «إن عشقي للنهر والصيد في مائه الطمي جاءني من بلاد نهرية..
نحن أبناء النهر.. كلنا الكبار والصغار كنا نعتبر النهر هو الوالد والراعي والجدار المهيب الذي يسند عليه الصعيد ظهره لذا فإن كل خبرة سوف نكتسبها لتشكلنا فيما بعد إنما هي نابعة مباشرة من صلتنا بوالدنا العظيم: نهر النيل».
وعن حياته طفلا- راعيا للغنم- يحدثنا عبدالرحمن الأبنودي في بساطته وصراحته: «في المرعي عرفت لعب الطفولة الشاق المهلك الذي تتخرج منه رجلا بعد سويعات..
في المرعي ارتبطت بالطبيعة ارتباطا وثيقا لا فكاك منه، لتدخل مفردات مكوناتها وما وهبته للإنسان في عمق تلافيف معارفي وضميري السري، لم تعد هناك نباتة علي وجه الأرض لم أعرفها» ويقرر هذه الحقيقة «الوعي إجباري، لأن عدم الوعي بما علي ظهر الأرض من نبات- علي سبيل المثال- قد يؤدي إلي كارثة».
ويختم فصوله عن «راعي الغنم» بهذه الكلمات عن مهنة الرعي: «إنها المدرسة الأولي- أو قبل الأولي- التي يتعلم فيها الراعي الصغير «الحبو» علي درب الصعود نحو المغني الذي سيكونه بعد سنوات قلائل خلفا لسواقي وتحت الشواديف وفوق كراسي النورج، أو نحو الشاعر الذي سوف يكونه بعد أعوام وأعوام».
وما دمت قد تناولت حديث عبدالرحمن الأبنودي عن «راعي الغنم» فلابد أن أحدثك عن هذه الشخصية الأبنودية المتصلة اتصالاً وثيقا بالطفولة ورعي الغنم.. وهو «عم عزب الأعمي».. يقول عبدالرحمن: «كان «عم عزب الأعمي» متخصصا، في كل ما يتعلق بالطفولة والصبا، ويشكل اهتماماتنا في ذلك الوقت: يبيع الصنانير، الفخاخ «القلاليب» لصيد الحمام واليمام والعصافير.. إلا أننا كنا مهتمين بعم عزب الأعمي لسبب مختلف تماما- سبب متعلق برعي الغنم، كان عم عزب الأعمي إلي جانب بيع العسلية والفخاخ والصنانير يتاجر في «القرض» لذلك كنا نحن الصغار نتكوم كل جماعة تحت شجرة سنط كبيرة نكوم أكواما ضخمة من الطوب ونبدأ رجم الفروع الشوكية لنسقط قرضها لنجمع في النهاية جبل القرض هذا لنعبئه في جوال كبير يعذبنا نقله من المرعي إلي السوق.. ونبيعه لعم عزب نظير نصف قرش أجرا لثلاثة أو أربعة رعاة.. لم نكن قادرين علي فك نصف القرش وتوزيعه علينا إلا بشراء العسلية والصنانير من عم عزب الأعمي.
وبمناسبة شجرة السنط أذكر هذه الأبيات التي تقدم ملامح الحكمة الشعبية.. والسلوك الشعبي: «الصمت بالصمت والعلم حازوه بالصمت
من زرع لك شوك ازرع قصاده سنط
ومن زرع لك سنط ازرع قصاه ورد
الصمت بالصمت والعلم حازوه بالصمت».
وتنتهي «أيامي الحلوة» بالحديث عن هذا البطل الأبنودي «أبو عنتر» وهو يردد هذه الأبيات التي تقدم ملامح الشخصية الأبنودية التي تقوم علي الحرية والإباء وكرامة الإنسان:
أوعي تجول للندل يا عم
ولو كان علي السرج راكب
ولا حد خالي من الهم
حتي جلوع المراكب
وهنا تذكرت تلك الأبيات التي سجلها الأبنودي في مقدمة «السيرة الهلالية»:
طبيب الجرايح قوم الحق
وهات لي الدوا اللي يوافق
فيه ناس كتير بتعرف الحق
ولاجل الضرورة توافق
وكم هي قاسية ومريرة هذه النهاية: ولأجل الضرورة توافق
وما أبعد الموقف الاستلامي الذليل من حكمة البطل أبو عنتر وهذه الدعوة إلي العزة والكرامة والاعتزاز بحرية الإنسان»
أوعي تجول للندل يا عم
ولو كان علي السرج راكب
وأقول أخيراً بعد هذه الرحلة التي لعلها طالت إن «إيامي الحلوة» أهم دراسة قدمت عن قرية مصرية.
قدم لنا عبد الرحمن الأبنودي قريته أبنود.. رجالها ونساءها وأطفالها.. وحيواناتها وأسماكها.. كما قدم لنا الفلاح الأبنودي بكل ألوان نشاطه وكل ما يساعد هذا الفلاح في زراعته وفي تجارته قدم لنا الشادوف والساقية بالتفصيل والتفسير قدم لنا قرية أبنود بكل ظواهرها ومظاهرها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
قدم لنا أبنود بكل سماتها وملامحها وقسماتها.. وهي دراسة رائدة.. رغم أنها تبدو في صورة روائية.. بخاصة اعترافات البطلة الأبنودية فاطنة قنديل.
وهذه الدراسة - أيضا - درس علمي وأخلاقي وإنساني في الصدق والوفاء وكل صور الولاء والانتماء للوطن الصغير.
وهو - هذا الكتاب - إضافة مهمة إلي مكتبة الفولكلور المصرية وإلي الدراسات الاجتماعية كان علي أن أنظر - في صبر وأمل - مايقرب من أربعين عاما حتي أجد حلمي عن مشروع دراسة القرية المصرية يتحقق في هذه الصورة الرائعة والجميلة.. ولقد نشرت مشروع دراسة القرية المصرية في الستينيات في عدة صحف ومجلات مصرية.. كما نشرته في باب «ندوات» الذي كنت أقدمه في المجلة العزيزة «الشهر» وكان يصدرها ويرأس تحريرها الصديق الراحل سعد الدين وهبة، ولقد سعدت فيها بزمالة وصداقة الكاتب القدير محفوظ عبدالرحمن.. الذي أتابع أعماله بكل الحب والتقدير والإعجاب.. وبخاصة مسلسل «أم كلثوم»، هذا المسلسل الذي قدم الممثلة الجادة والممتازة صابرين.. هذا المسلسل يعرض الآن في قناة النيل وعلي الفضائية المصرية «في أمريكا» وأشاهد المسلسل بقدر ما يسمح به الوقت.. وأزداد إعجابا بالإخراج للفنانة القديرة إنعام محمد علي وتوفيقها الرائع في اختيار هذا الكاست.. هذه الكوكبة من الممثلين والممثلات الذين قدموا أصدق وأدق أداء فني وإنساني..
وأخيرا أقول مع «أبو عنتر» أوعي تجول للندل يا عم لو كان علي السرج راكب


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-09, 03:52 PM   #22
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


لـ عبدالرحمن الابنودي


"يا عم الظابط إنت كداب
واللي بعتك كداب.
مش بالذل حشوفكم غير
أو استرجى منكم خير
إنتو كلاب الحاكم
وإحنا الطير
إنتو التوقيف
وأحنا السير.
إنتوا لصوص القوت
واحنا بنبني بيوت
إحنا الصوت
ساعة متحبوا الدنيا سكوت
إحنا شعبين شعبين شعبين
شوف الاول فين
والتاني فين
وأدي الخط مابين الاتنين
بيفوت
إنتوا بعتوا الارض بفاسها
بناسها
في ميدان الدنيا فكيتوا لباسها
بانت وش وضهر
بطن وصدر
ماتت
والريحه سبقت طلعت أنفاسها.
واحنا ولاد الكلب الشعب
احنا بتوع الاصعب وطريقه الصعب
والضرب ببوزظ الجزمه وبسٍن الكعب
والموت في الحرب
لكن انتوا خلقكم سيد المُلك
جاهزين للمُلك
إيدكم نعمت
من طول ما بتفتل وبتفتل
ليالينا الحلك
احنا الهلك
وانتو الترك
سوها بحكته رب الملك

أنا المسجون
المطحون
اللي تاريخي مركون.
وانت قلاوون
و"ابن طولون"
ونابليون.
الزنزانه دي مبنيه قبل الكون
قبل الظلم ما يكسب جولات اللون

يا عم الظابط إحبسني
رأينا خٍلف خلاف
سففني الحنضل وإتعسني
راينا خلف خلاف
احبسني أو اطلقني وادهسني
راينا خلف خلاف
واذا كنت لوحدي دلوقت
بكره مع الوقت
حتزور الزنزانه دي اجيال
واكيد فيه جيل
أوصافه غير نفس الاوصاف:
إن شاف يوعى
وإن وعي ما يخاف
إنتوا الخونه
منك ضعفي وجبروتك مني
خد مفتاح سجنك وياك
واترك لي وطني
وطني غير وطنك
ومشي
قلت لنفسي :
" ماخدمك إلا من سجنك


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-09, 09:50 PM   #23
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحث كبير وواسع لهذا العملاق الاجتماعي والفني والشعري نتابع مكم ويأتابع البرامج يوم الجمعه صباحا بعون الله
الموضوع يستمر بنجاح دوامكم


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الابنودى , الرحمن , الشاعر

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأمير الشاعر عبد الرحمن بن مساعد هيام1 أشعار وقصائد 3 04-05-09 05:42 PM
الثري العفيف عبد الرحمن بن عوف سلام العبيدى شخصيات وحكايات 5 20-09-08 07:17 PM
الرمزية وأثرها في أساليب الشعر أحزان ليل أوراق ثقافية 7 22-08-05 09:05 PM
انتظروا ردي.. على قصيدة الشاعر...فهد مشعــل.واللتي اطربنا بها الفنان خالدعبد الرحمن تاج العيون أشعار وقصائد 3 23-05-03 10:42 PM


الساعة الآن 01:54 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)