العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > همسات وخواطر

همسات وخواطر زهرة النثر والخواطر - همس المشاعر - عذب الكلمات - حنين الذكريات - بوح القــلم - مشاعر وأحاسيس - مشـاعر عشق حالمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 14-11-03, 04:41 PM   #1
 
الصورة الرمزية ابويافا

ابويافا
سفيـر الشـرق

رقم العضوية : 47
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,031
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ ابويافا
كيف نمارس السرّانية لحظة القراءة ؟


.




الأخوة أعضاء زهرة الشرق

القراءة لا تُمثل الحالة الكلية التي تساند الأديب على ممارسة الفعل الكتابي، ولأن القراءة غائبة لعن الله الساكت عن غيابها، وبالرغم من ذلك إلا أنها تمثل الجزء الأكبر من فعل الكتابة.. وللحديث عن قضية التناص والتي يقع بها الكثير من الكتّاب الجدد، فابعتقادهم ممارسة التناص مع آخرين يضفي للنص بعدا تجريبيا، وابداعيا .. وللحديث الحق .. فالتناص يعكس حالة من الثقافة التأسيسية التي يضفيها لنفسه الأديب .. ولكن
هذا التناص إنما يخلق ( إذا مارسه الأحد دون وعي) حالة من إعادة نصوص الآخرين داخل نصّه المكتوب .. وبهذا فهو من حيث لا يدري يعيد صياغة تجربة شعريّة/ ابداعية أخرى ويلصقها بنفسه .. ولكي نتلافى هذه النقطة الحساسة جدا ..
انصح بالقراءة الواعية، واعطاء فترة زمنية للنفس لكي تعيد صياغة المقروء وانتاجه في نصوص لا واعية ومن ثمة الكتابة .. فتأتي عملية الكتابة بعد أفعال ..( القراءة / التأمل / ايجاد النفس والفكرة / ) ومن هذا الإمتزاج يخرج لدينا نص خالص يحمل فكرتنا الخاصة .. لا فكرة الغير .


الأعضاء الكرام ..
سأضع مجموعة من النصوص التي اخذت جهدا ما لانتقاءها لكي تفيد في فهم التجربة للآخرين .



محمود


توقيع : ابويافا
.

ابويافا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-11-03, 11:49 AM   #2
 
الصورة الرمزية lonely

lonely
زهرة الشرق

رقم العضوية : 11
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 4,578
عدد النقاط : 508

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ lonely

.




البياض . . أبويافا


جميل

ننتظرك

ننتظرك


كل الحب وكل عام وأنت بخير






مع محبتيlonely


توقيع : lonely

lonely غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-11-03, 12:10 AM   #3
 
الصورة الرمزية ابويافا

ابويافا
سفيـر الشـرق

رقم العضوية : 47
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,031
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ ابويافا

شعر أسود وشعر أبيض

رونيه دومال

ترجمها عن الفرنسية عبدالقادر الجنابي







كما في السحر، الشعر أسود أو أبيض، حسبما يخدم الإنسان الأعلى أو شبه الإنسان.
إنها عين التدابير الفطرية التي في أُمرتها آلة الشاعر الأسود والشاعر الأبيض. يعتبر البعض هذه التدابير موهبة سرية، ختم سلطات أعلى، والأخر يعتبرها عاهة أو لعنة. غير مهم. بالأحرى إنه مهم جداً، على أننا لم نصبح بعد قادرين على فهم أصل بنياتنا الأساسية. ومن كان قد فهمها، فأنه سينجى. يحاول الشاعر الأبيض أن يفهم طبيعته كشاعر، أن يتحرر منها، أن تخدمه. الشاعر الأسود يستخدمها، فتستعبده.
لكن ما هي هذه "الموهبة" الشائعة بين جميع الشعراء؟ إنها ارتباط خاص بين مختلف الحيوات التي تشكل حياتنا، بحيث كل مظهر لواحدة من هذه الحيوات لا تعود علامة وحيدة فحسب، بل من المحتمل أن تصبح، بواسطة رنين باطني، علامة التأثُّر المركزي الذي هو، في لحظة معطاة، لوننا، صوتنا، أو ذائقتنا. التأثر المركزي هذا، المتواري بعمق فينا، لا يهتز ولا يأتلق إلاِ في لحظات نادرة. واللحظات هذه ستكون، بالنسبة للشاعر، فرصه الشعرية، وبالتالي فأن كل أفكاره ومشاعره وحركاته وكلماته ستكون، في فرصة كهذه، علامات التأثر المركزي هذا. ومتى تتحقق وحدة مغزى هذه العلامات، في صورة تبيّنها كلمات، عندئذ بالذات، نقول بأنه شاعر. وهذا ما سنسمّيه "بالموهبة الشعرية"، عدم توفّـر ما يزيد من معرفتنا في هذا الشأن.
للشاعر عن موهبته فكرة مشوشة نوعاً مه. فالشاعر الأسود يستغلها من أجل ارتياح شخصي. فهو يعتقد بأنه يستحق هذه الموهبة، وأنه يكتب قصائد بشكل طوعي. بالأحرى أنه يتبجّح، وهو مستسلم لميكانيكية المدلولات الرنّانة، بأن روحاً أعلى ملكته فاختارته وسيطاً روحياً لها. إذنْ، في كلا الحالتين، الموهبة الشعرية في خدمة الغطرسة والمخيلة الخدّاعة. سواء مخططاً أو مُلْهَماً، فأن الشاعر الأسود يكذب على نفسه ويعتقد بأنه شخص ما. غطرسة، كذب * بل مفردة ثالثة تشخصه. كسل. لا يعنى هذا أنه لا يضطلع أو لا يكدّ، أو يلوح له أنه أمر خارج إرادته. إنما كل هذا التحرك يتم من تلقاء ذاته، وهو .الشاعر الأسود. يتحاشى حتى من التدخل فيه بنفسه * نفسه هذه الفقيرة والعارية، والتي لا تريد أن تُرى ولا أن تعرف بأنها فقيرة وعارية، يسعى كل واحد منا جاهداً لإخفائها تحت أقنعته. إن "الموهبة" هي التي تقوم فيه بهذه العملية، فيستمتع بها كبصّاص، دون أن يظهر نفسه، متكئاً بها غطاءً مثل السلطعون ذي البطن الرخوة الذي يحتمي ويتزين بقوقعة سمك الأرجوان، قوقعة صنعت لإنتاج نسيج ملوكي وليس لإكساء أقزمة مخجلة. كسل أن يرى نفسه، أن يكون مرئياً؛ الخوف من أن لا يكون له موارد غير المسؤوليات التي على المرء تحملّها، عن هذا الكسل أتحدث. أُوّهْ! يا أمّ سائر عيوبي.*
الشعر الأسود مثل الحلم أو الأفيون، خصب بمزيّات باهرة. فالشاعر الأسود يلتذ بكل اللذائذ، يتزيّن بكل الزين، يمارس كل السلطات * تخيّلاً. الشاعر الأبيض يفضل الواقعي حتى في شكله البائس على الأكاذيب الثرية. ذلك أن عمله ينطوي على نضال مضطرد ضد الغطرسة، المخيلة، الكسل. وهو راض بموهبته، حتى لو يعاني منها ويعاني معاناتها، فإنه ينشد جعلها في خدمة غايات اعظم من رغباته الأنانية، أن تخدم قضية لا تزال مجهولة في هذه الموهبة.
لن أقول. الفلان هذا شاعر أبيض، وذاك شاعر أسود. سيكون هذا انحداراً من الأفكار إلى آراءٍ ومناقشات، إلى ارتكاب خطأ. ولن أقول حتى أن هذا له موهبة شعرية، وذاك ليس له. يا تُرى، أعليّ؟ غالباً ما أشك، وأحياناً أعتقد بأنني على ثقة من الأمر. لكنني لست واثقا نهائياً. ففي كل مرة السؤال جديد. وعند كل مَـبْـزغٍ للفجر، السر يَـشخُـصُ برمته. لكن لو كنت في الماضي شاعراً، لكنت بالتأكيد شاعراً أسود، وإذا عليّ أن أكون غداً شاعراً، فأني أوَدُّ أن أكون شاعراً أبيض. إن الشعر الإنساني لهو مزيج من الأبيض والأسود. على أن بعض الشعر يميل إلى الأبيض، والآخر إلى الأسود.
لا يحتاج الشعر الذي يميل إلى الأسود جهداً من أجل هذه الغاية. فهو يتبع المنحدر الطبيعي والشبه إنساني. ذلك أننا لسنا في حاجة إلى جهد حتى نتبجّح، نحلم، نكذب أو نتكاسل؛ ولا حتى لكي نحسب حسابات ونخطط، بما أن الاحتسابات والتخطيطات هي في خدمة التبجّح، الخيال والخمول. على أن الشعر الأبيض يذهب عكس المنحدر، يصعد المد مثل سمكة الأطروط، لكي تنجب في النبع الراهف. تقاوم، بالحيلة والقوّة، نزوات التيارات السريعة والدوّامات؛ ولا تترك لمعان الفقاعات العابرة أن يلهيها أو أن يجرفها المدُّ صوب الوديان الغِـرْيَـنيّة العذبة.
كيف على الشاعر الذي يريد أن يصير شاعراً أبيض، أن يشن هذا النضال؟ سأذكر كيف أحاول شنّي، في أفضل فرصي النادرة، لعل يوماً، إذا كنت شاعراً، تنبثق من شعري، مهما كان رمادياً، رغبة بالبياض.
سأميّز ثلاثة أطوار في العملية الشعرية. البذرة النيّرة، تلبيسها بالصور، والتعبير اللفظي.
كل قصيدة تولد من بذرة، معتمة في البدء، علينا تصييرها نيّرة لكي تثمر نتائج منيرة. تبقى البذرة، لدى الشاعر الأسود، معتمة، تنتج نبتة أقباء عشوائية. ولجعلها تأتلق، علينا بالصمت، لأن هذه البذرة، هي الشيء ذاته الواجب قوله، التأثر المركزي الذي يريد أن يعبر عن نفسه من خلال آلتي كلّها. الآلة نفسها معتمة، لكنها تودّ أن تعلن نفسها منيرة، وأحياناً توهم. وما إن تشرع بوادر البذرة بتحريكها، حتى تدّعي بأنها تقوم بهذا من أجل مصلحتها هي، من أجل إظهار نفسها، من أجل اللهو الفاسق لكل من عتلاتها ودواليبها. الزمي الهدوء إذن، يا آلة. اشتغلي، واسـكـتي. فليصمت اللعب الكلامي، الشعر المحفوظ عن ظهر القلب، الذكريات المجمَّعة عَـرَضـاً، فليصمت الطموح، الرغبة بالتألق * لأن النور وحده يأتلق بنفسه *، فليصمت إطراء الذات وشفقتها، فليصمت الديك الذي يظن أنه يسبب شروق الشمس. ومتى يبدد الصمتُ الظلمات، تبدأ البذرة باللمعان، مضيئةً، غير مضاءة. ذلك هو ما يجب عمله. إنه لأمر صعب، بيد أن كل جهد صغير يتلقى ومضة نور مكافأةً. إذ ذاك يبين الشيء الواجب قوله في شكله الأكثر صميمية، كيقين ابدي، * معروف، مُعترف به ومرتجى في الوقت نفسه *، نقطة نيّرة مستوعبة رحابة التوق إلى الوجود.
الطور الثاني، هو تلبيس البذرة النيّرة * التي تظهر، لكنها غير ظاهرة، كالنور غير مرئية، وكالصوت صامتة *، ارتداؤها الصورَ التي ستظهرها للعيان. وههنا علينا أيضا تفحص الصور، رفض وكبح تلك التي لا نفع لها سوى للسهولة، الكذب والغطرسة.مزدحمين بالصور الجميلة حتى نودّ اظهارها. لكن، عندما تنتظم الأشياء، فأنه يجب ترك البذرة تختار بنفسها النباتَ أو الحيوانَ الذي سترتديه ليبعث فيها الحياة.
وثالثاً يأتي دور التعبير اللفظي، حيث ليس العمل الداخلي فحسب، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، إنما كذلك العلم والمهارة الخارجيين. ذلك أن للبذرة تنفّساً خاصاً بها. يستولي تنفسها على آليّات التعبير من خلال بث إيقاعه فيها. إذن، يجب أن تكون هذه الآليّات مزيتة بشكل جيد ومسترخية بما في الكفاية حتى لا ترقص رقصتها، أو تسبب تفعيل أبحر غير ملائمة. ذلك أن التعبير اللفظي في الوقت الذي يخضع فيه أصوات اللغة لتنفسه، فان الشيء الواجب قوله يرغم الآليّات على استيعاب صوره. هذه العملية المزدوجة، كيف تتم؟ هذا هو السر. لا بواسطة تخطيط ذهني. يحتاج إلى زمن كثير؛ ولا بواسطة الغريزة. فالغريزة لا تبتكر أي شيء. فهذا الأمر يتم بفضل الارتباط الخاص القائم بين عناصر منظومة الشاعر الإجرائية، والذي يوحد المواد المختلفة اختلاف التأثر، والصور، والمفاهيم والأصوات في مادة حيّة واحدة. إن حياة هذا الجسم الجديد لهو إيقاع القصيدة ووتيرتها.
الشاعر الأسود يقوم خلاف هذا تقريباً، بالرغم من أن شَـبَـهَ صحيحاً لهذه العمليات يتم فيه. حتمٌ أنّ شعره يفتح عوالم عديدة، لكنها عوالم بلا شمس، تضيئها مئات الأقمار الوهمية، مأهولة بالأشباح، مدبّجة بالسراب، وأحياناً مبلّطة بالنوايا الطيبة. الشعر الأبيض يفتح باب عالم واحد بلا مزيّات أو هيبة، حقيقي، ذي شمس واحدة.
قلت ما يجب عمله ليصبح المرء شاعرا ًأبيض. ما أبعدني عن هذا الشأو. كل ما أنتجه، حتى في النثر، في الكلام والكتابة العاديين * كما في كل مظاهر حياتي اليومية * هو رمادي، أبقع، مُمرّغ، يخالط فيه النورُ الليلَ. إذنْ، عليّ بعد انقضاء الأمر استئـناف النضال. أعيد قراءة ما كتبت. أرى، فيما بين جملي، كلمات، تعابير وتشويشات لا تصلح للشيء الواجب قوله؛ صورة تود أن تكون غريبة، تلاعب جناسي بالألفاظ يعتقد نفسه مُسْتغرَباً، تنطّعُ متحذلقٍ من الأفضل أن يبقى جالساً في مكتبه على أن يلعب المزمار في رباعيي الوتري، و،عجب العجاب، غلطة، بنفس الوقت، في الذوق والأسلوب بل في التركيب. يبدو أن اللغة نفسها منسّقة لتشي بما هو دخيل عليها. قليل من الأغلاط تقنيّ محض. لكن معظمها من ارتكابي أنا. فأروح أشطب، أصلّح فرحاً فرح الذي تُستأصل من جسمه المصاب شأفةٌ غنغرينية.

* يلمح رونيه دومال هنا الى مثل فرنسي شائع مفاده: "الكسل أمُّ العيوب كلها


توقيع : ابويافا
.

ابويافا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-11-03, 12:12 AM   #4
 
الصورة الرمزية ابويافا

ابويافا
سفيـر الشـرق

رقم العضوية : 47
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,031
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ ابويافا

الشعر

لوي بدوان

ترجمة : محمد شعيرات










من المؤكد أنّه يوجد فينا ما يسمّيه نوفاليس "حسّاً خاصاً للشعر"، وهو حسّ شخصي إلى حد أنّ مؤلف "أناشيد الليل" قال: "إنّ مَن لا يعرف ولا يحسُّ مباشرة بماهيّة الشعر لا يمكنه أبداً أنْ يفقه معناه". وكان الرومانطيقيون الألمان أولّ من أعاد توضيح طبيعة الشعر الحقيقية التي هي إدراك مباشرٌ وحسيّ "بعيد كل البعد عن فنّ الكلام، عن الفصاحة". وقد يبدو من المفارقات أنّ الفن الرومانطيقي الذي كان يلهمه المبدأ القائل إن "الشعر هو الواقع المطلق" – حسب عبارة نوفاليس – قد استطاب التعبير عن عذاب القلب وسبر خباياه. ولا غرو، فهذا سرّ الغنائية ذاتها وسرّ قدرتها الإشراقية لأنها تعتمد ملكة المشاركة الوجدانية الكامنة في قلب كل إنسان. فأصدق ما يكون الشاعر وأقرب ما يكون من الآخرين عندما يكون فريسة "شيطانينه" الحميمة ويبدو لنا غارقاً كلّ الغرق في مكافحته لها. ولا يتعجّب غير الأذهان الركيكة من إمكانية وجود أناس في مكان قادرين على التعرّف على أنفسهم في روح فذّة تعكس لهم في تسام صورة صراعاتهم ورغباتهم وتمرّدهم. فلا يمكن أن نفهم بودلير مثلاً ونحبّه إلاّ على هذا النحو، حتّى عندما يكشّر اشمئزازاً أو رعباً.
رغم بعض التأويلات الدهمائيّة، فإنّ كلمة لوتريامون الشهيرة: "الشعر يجب أن يكون من صنع الجميع، لا من صنع فرد واحدد". لا يمكن أن يحتجّ بها الستالينيون للدفاع عن "تأميم" الشعر بوجه من الوجوه. إنّها بالعكس تحتّم على الفرد أن يكتشف أو أن يعيد اكتشاف منابع الإلهام الشعري في نفسه ليقوّي بها إيمانه بحريّته وليستمدّ منها الطاقة الضرورية لإعطاء معنى لحياته.
فما إن يضعف الحسّ الشعري عند فرد ما حتّى يصبح أسير حياة تطوّقها ضرورات الحياة العمليّة من كلّ جانب. وليس الأدهى أن يستسلم لمثل هذه الحياة بل أن يتعلّق بها إلى حدّ يصبح العدول عنها إلى غيره أخشى ما يخشاه. فعندما يستولي عليه الخوف الطفولي من فقدان الأمن لا يتوانى عن بذل كلّ جهد حتّى يتماهى مع المثال المطَمْئِن الذي يقدّمه له المجتمع. وأمام المصائب الحقيقية التي تحلّ به أو تهدّده لا يرى من مخرج إلاّ اللجوء إلى الأوهام التي تبعده عن الواقع.
إن الشعر لا يبعدنا عن الواقع، بل يرجعنا إليه باستمرار. إنّه نداء إلى التمرّد على مظاهر الواقع الكريهة، إلى الثورة على كلّ سلطة ترضى بهذا الواقع أو تددّعي تبريره باسم "الواقعيّة" مثلاً. الشعر يحتّم علينا رؤية الأشياء كما هي ليشحذ عزيمتنا على تغييرها وتحويلها إلى ما هو أفضل. فهو إذن تمرّد وقانون: تمرّد مطلق وقانون أعلى. يرفض فوضى الأوضاع وحتميتها المزعومة، ويدعو للعمل من أجل إحلال الحريّة التي هي ضد الفوضى والتفسّخ الخُلُقي والعنف.
يتجذّر الشعر في الحياة اليومية فيتفجّر، تدفعه الطاقة المضغوطة في "كهوف الوجود"، ويصعد "واثباً تحرّكه الأشياء الخارقة التي يعجز اللسان عن تسميتها" (رامبو)، نحو تلك النقطة العليا التي جعل الفكر منها السوريالي المكان الأسطوري لتحالف جديد متحرّر في نفس الوقت من الآلهة القديمة ومن الإيديولوجيات التي تحاول أن تحلّ محلّ الديانات في سراديب الوعي الإنساني التي تسكنها، أكثر من أيّ وقت مضى، أشباح الثنويّة الرهيبة.
لقد دعا بروتون في "بيان السورياليّة" إلى الإقدام على "ممارسة الشعر"، والمقصود طبعاً ليس الاكتفاء بكتابة قصائدَ (أو قراءتها) لتحويل الشعر إلى ممارسة، ولا حتّى تعاطي "الكتابة الاوتوماتيكية"، كتابة التفكير التي، رغم كونها إحدى اكتشافات بروتون وفيليب سوبو الكبرى، سرعان ما تفقد فاعليتها ما إن تُستعمل لخدمة أهداف أدبيّة. وليس المقصود التخلّي عن كل حس نقديّ، بذريعة "أن يصبح الإنسان رائيّاً" بأقل ثمن، فنقع في الخطأ الشائع الذي يتمثّل في الخلط بين بريق الهذيان المشبوه ونور الإلهام. فالجنون، على حدّ علمنا، لم يسبغ العبقرية على أحد، وإن سقط في هوّته مبدعون كبار. المقصود هو الإصغاء إلى حديث سريرتنا، أن نكون على أهبّة لرصد كلّ ما يرتسم فيها، لا للتلذّذ بذلك الحديث أو بتلك الصورة لذّةً ساذجة وإرهاق الآخرين برجعهما المُسْئم، بل لنكتشف فيهما، بدقّة فائقة، حقيقتنا العميقة وأن نسكن إليها. وهذا لا يمكن إلاّ بجهد مستمرّ للتخلّص من التكييف الطويل الذي جعلنا صمّاً عمياً عن ذواتنا مستسلمين لقددر ضرب الحصار على أذهاننا.
في العالم الراهن الذي ينزع أكثر فأكثر إلى الانفصام، في هذا العالم "الحديث" حيث يتزايد كلّ يوم عدد البشر الذين ينتابهم الشعور المقلق بأنهم ليسوا موجودين، سوف يظل الإنسان سائراً إلى الهلاك ما لم يكتسب وعياً جديداً أشمل وأوسع بوحدة كيانه وبكلّ إمكانياته وما لم يوطّن نفسه على إظهارها. ينبغي عليه بلا شكْ إبداع وسائل تعبير جديدة لا تحوّل الوسائل التقليديّة إلى وسائل متقادمة بل تكون تكملة لها. ينبغي إبداع أخلاق جديدة تنعتق انعتاقاً كاملاً من الأخلاق القديمة التي تقوم شرعيتُها على قمع جُنَح وجرائم هي الدافع الوحيد على ارتكابها. وهذا يفترض أن يستعيد الإنسان – أي كلّ منّا – مكانه في الكون ويكفّ عن التصرف فيه وكأنه أجنبيّ، فريد من نوعه، ضائع في الفراغ اللامتناهي وخاضع في نفس الوقت إلى قوانين فيزيائيّة وبيولوجيّة لم يعد يرى منها إلاّ مظهرها القاسر. من مهامّ الشعر أن يحافظ على معنى علاقتنا بالعالم، ذلك المعنى الذي إنْ تخلّى عن حسّيته استغلق علينا استغلاقاً. فالشعر وحده، لأنّه لا يزال قادراً على استعمال الفكر التشابهي، يمكنه أن يأمل إقامة شبكة المواصلات والمبادلات الجديدة بين الإنسان والكون التي يتحتّم على الإنسانية أن تكتسبها عاجلاً وإلاّ ذهبت ضحيّة غريزتها الانتحاريّة في صحراء عاطفيّة روحيّة تحيط بها أبراج المراقبة.
هذا معنى الشعر وهذه مهمّته، في الأصل وحاليّاً. ولن يستطيع الشعر تأديّة هذه المهمّة إلاّ بالدفاع دفاعاً مستميتاً عن حريّته، أي حريّة كلّ إنسان ضد العبادات التي تهددها دون تمييز بين الأديان القديمة التي لم تفقد ضراوتها والمعتقدات العلميّة الزائفة التي تدّعي الحلول محلّها.
إن الشعر، كما يقول بنجاما بيريه، هو "نَفَس الإنسان الحقيقي". وعلينا، أكثر من أي وقت مضى، أن نرفض الاختناق.


توقيع : ابويافا
.

ابويافا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-11-03, 12:16 AM   #5
 
الصورة الرمزية ابويافا

ابويافا
سفيـر الشـرق

رقم العضوية : 47
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,031
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ ابويافا

التناص بين الاقتباس والتضمين الوعي واللاشعور


بقلم: مفيد نجم






تتمثل الاشكالية التي يطرحها مفهوم التناص في مسألتين اثنتين تتصلان مع بعضهما البعض اتصالاً وثيقاً, وتتحدد المسألة الأولى بتعدد التعريفات والمفاهيم التي قدمت لهذا المصطلح في مصادره الأولى, والناجمة عن الاختلاف في طبيعة الفهم الذي يمتلكه اصحاب هذه النظرية عن النص.


كما يشير الى ذلك فيليب سولرس, الأمر الذي يجعل من هذه المسألة قضية ترتبط بالحقل المعرفي الذي تشكل فيه هذا المصطلح, في حين ان المسألة الثانية تكمن في تعدد المصطلحات, وغياب الضبط المنهجي المتكامل والواضح لأسباب تتصل بتعدد الاتجاهات والمساهمات النقدية الأخرى كالبنيوية والنفسية وغيرهما حيث ادى كل هذا الى عدم وضوح الحدود الفاصلة والتحديدات التي قدمت للمفاهيم والمقولات والأنماط التي تشكل الأساس الذي قامت عليه نظرية التناص في مدوناتها المختلفة.


واذا كان هذا حال النظرية في مصادرها ومرجعياتها الاولى, فكيف يكون الحال بالنسبة للنقد العربي الذي مازال يعتمد على هذه المصادر والمرجعيات الغربية في تشكيل مفهومه وادواته النقدية والاجرائية, ولعل المشكلة الاساس تتحدد في نقل المصطلح النقدي, وتحديد معناه ودلالاته, اذ يمكن ان نجد للمصطلح او المفهوم اسماء وتعريفات كثيرة تختلف باختلاف المترجم وخلفيته المعرفية وفهمه للمصطلح او المفهوم, وهذا ما نلاحظه في الغالب في الترجمات العربية الاخرى للمناهج النقدية المختلفة.


لقد ظهر مصطلح التناص في عام 1965 على يد جوليا كريستيفيا كما بات معروفا في دراستها عن دويستوفسكي ورابلي, وكان اول من اشار اليه هو شكوفسكي عندما ربط بين فهم العمل الفني وعلاقته بالأعمال الفنية الاخرى استناداً الى الترابطات القائمة فيما بينها, لكن الاصول الاولى تعود الى الناقد الروسي باختين الذي اسس له نظريا في كتابه (شعرية دويستوفسكي) ودعاه بالحوارية, حتى جاءت كريستيفيا وصاغته بشكل متطور وجديد. وقد التقى حول هذا المفهوم فيما بعد عدد من النقاد الغربيين امثال رولان بارت فيليب سولرس وهارولدبلوم واخرين, وكما هو واضح من تاريخ ظهور هذا المصطلح, وشيوع استخدامه في السبعينيات من القرن الماضي فان النقد العربي قياساً على استخدامه للمناهج النقدية الاخرى, كان متأخرا في استخدامه لهذه النظرية, بل ان حجم هذا الاستخدام والتعامل معها مايزال محدوداً وان كثر الاهتمام بها في الآونة الأخيرة.


ان مشكلة التعريف بهذا المصطلح, وتعدد دلالاته ومفاهيمه في النقد العربي والدراسات النقدية, تكمن في ان أغلب الترجمات التي قدمت حتى الان هي ترجمات او تلخيص لدراسات متفرقة لبعض اصحاب هذه النظرية ولاتزال الترجمات المتكاملة لاصول الكتب والأبحاث التي قدمت في اللغات الاوروبية محدودة, ولذلك فان مثل هذه الترجمات لا يمكنها ان تشكل قاعدة معرفية غنية للتعريف بالقضايا والمفاهيم والاشكالات والاتجاهات المختلفة التي اشتمل عليها تاريخ هذا المصطلح, واتخذ صياغاته المتباينة من خلالها, مع العلم ان مؤسسة هذه النظرية قد تراجعت عنها في عام 1984.


لقد طال هذا المصطلح قضايا كثيرة, اساسية منها تاريخية العمل الأدبي, وموقع المؤلف فيه, وانتاجية المعنى او التمعني كما تطرحه كريستيفيا, وكذلك نظرية التلقي, وعلاقة العمل الادبي بالواقع الخارجي اذ فقد العمل الادبي تاريخيته وأضحى عملا تاريخياً لانه اصبح يمثل اعادة انتاج لنص او نصوص سابقة عليه من الثقافة التي ينتمي اليها او الثقافات الاخرى, كما ان دور المؤلف او الاهتمام به قد غاب لان انتاج النص اصبح وفق فهم كريستيفيا هو الذي يموضع الفاعل (الكاتب والقارىء) داخل النص كضياع في الأعماق, اما جماعة (تل ـ كل) الفرنسية فقد اكدت موت الفاعل او تلاشيه باعتباره مصدر الكتابة وفق ما يقوله جان بودري.


ويلغي مفهوم التناص الحدود بين الأدب والفنون الاخرى, ويجعلها مفتوحة على بعضها البعض, كما ان التناص ينقسم الى نوعين اساسيين هما التناص الظاهر, ويدخل ضمنه الاقتباس والتضمين, ويسمى ايضا الاقتباس الواعي او الشعوري لان المؤلف يكون واعيا به, في حين ان التناص الثاني هو التناص اللاشعوري, او تناص الخفاء, وفيه يكون المؤلف غير واع بحضور النص او النصوص الاخرى في نصه الذي يكتبه, ويقوم هذا التناص في استراتيجيته على الامتصاص والتذويب والتحويل والتفاعل النصي. والحقيقة ان هناك نوعين اخرين من التناص هما التناص الداخلي المتمثل في اعادة الكاتب او الشاعر انتاج انتاجه السابق, والتناص الخارجي الحاصل من التقاء وتقاطع النص مع نصوص اخرى غير نصوص الكاتب, او الشاعر.


من هنا تتبدى اهمية اقتفاء اثر الكتابات الاخرى في نص من النصوص والعلائق النصية الموجودة في داخله, بالاضافة الى التحويلات التي يقوم بها هذا النص لتلك النصوص والكتابات. وتحتاج مثل هذه المهمة الى ثقافة واسعة عند الباحث, والى معرفة واطلاع واسعين, واذا كان التناص الظاهر لا يحتاج الى ذلك لان الكاتب يشير إليه اما بوضعه داخل قوسين او بالتصريح به, فان التناص اللاشعوري هو المقصود بهذه المهمة.


والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو اذا كان التناص هو قدر كل نص وأنه لا يمكن الحديث عن كتابة تبدأ من درجة الصفر, فهل معنى ذلك كما يقول الشاعر العربي القديم ما أظن ما نقول الا كلاما معاداً مكروراً.


ان الكتابة هي اعادة انتاج مستمرة ودائمة بأشكال مختلفة لهذا الكلام وان الكلام الاول الذي لم يكن مكروراً هو ما نطق به ادم كما يذهب الى ذلك رولان باروت؟!


والحقيقة ان من الصعب على مؤلف النص ان يعيد انتاج النص او النصوص السابقة نظرا لاختلافه عن مؤلف ذلك النص, او تلك النصوص, لكن ذلك لا يمنع من القول ان التناص يقتضي اضافة في المعنى على المعنى السابق وزيادة عليه, حيث تتجلى هنا القيمة الخاصة الجديدة للمؤلف في نصه الجديد, ولدوره الابداعي في تعميق وتوسيع المضمون الدلالي للنص او النصوص التي يقوم بعملية تشربها وتحويلها, وهو ما يشترطه الناقد عبد القاهر الجرجاني في نقدنا القديم لتأكيد القيمة الابداعية في النص الجديد.


ان النقد العربي مطالب باستيعاب استراتيجيات التناص ومفاهيمه واساسه المعرفي, ومستوياته وأشكاله المتعددة حتى يتمكن من تشكيل ارضية معرفية ونقدية تؤهله للمساهمة في اقامة حوار معرفي معه, سواء لنقض طروحاته ومفاهيمه ومقولاته, او لتطوير واغناء هذه المفاهيم والمقولات لكي لا نظل في اطار الاستهلاك والنقل خاصة مع التطور الواسع الذي يشهده النقد العالمي المعاصر, وتعدد اتجاهاته ومدارسه. واذا كانت سيرورة هذا النقد التاريخية والمعرفية تقوم على الاتصال لا الانقطاع فان مهمة النقد العربي المعاصر تتضاعف اذ لابد من استيعاب ومعرفة عوامل التحول ومرجعياتها, ومصادرها وكيفية تحولاتها داخل انساقها الامر الذي يؤكد على البعد الثقافي والمعرفي الكبير الذي لابد منه للنهوض بهذه العملية الواسعة التي بات يحتاج اليها النقد العربي المعاصر للخروج من حالته الراهنة.


جريدة البيان ، الإماراتية ،
28 يناير2001


توقيع : ابويافا
.

ابويافا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-11-03, 12:20 AM   #6
 
الصورة الرمزية ابويافا

ابويافا
سفيـر الشـرق

رقم العضوية : 47
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,031
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ ابويافا

"الـتـنـاصّ والإبـداعـيـة" فـي "جـاد" لأنـطـوان مـعـلـوف

الميثوس يجسّد "الفعل" فتعيد المأساة خلق الواقع



حين أقبل أنطوان معلوف على كتابة "جاد" كانت تتفاعل في وعيه أحداث الشرق الأوسط عموماً، وحادثة ضرب مطار بيروت واحراق الطائرات على مدارجه خصوصاً، لذا صمم على ان تأتي مسرحيته مأساة، تصدر عن رؤية ووعي مأسويين.

وبما ان المأساة توجب وجود ميثوس يجسّد "الفعل"، استوحى معلوف "بانثي" من الميثولوجيا اليونانية، وقد وجد فيه البطل الذي فتّش عنه لخلق ميثوس جديد، لبنانيّ السمات والتطلعات، يمثّل ما شعر به المواطن الواعي من مذلّة، ثم من أملٍ في أن ينهض طائر الفينيق من رماده نقياً نشطاً.

هكذا تخطّى النصّ المسرحي الواقع واعاد خلقه في رؤية مستقبلية جديدة.

وهذا تحديداً ما شدّني الى مأساة "جاد" لانطوان معلوف، عندما حضرتها في مسرح مارون النقاش في أواخر الثمانينات.

لقد صوّر الكاتب بيروت وهي تلهو وتعبث، تستقبل لود، الرجل الدجّال الذي يدّعي التنّبؤ والقيام بالأعمال الخارقة، وتحتفل به. لقد سحرها هذا الغريب الآتي وحريمه من بلاد الشركس. فبعدما قطع الجبال والسهول والصحارى، شعر لود بحسّ العاشق ان بيروت تنتظره، فوافاها، حاملاً اليها حشيش الكيف والطرب، لكي يكتسب ودّها وتشاركَه العيد. وبالفعل، كرّمته المدينة وفتحت له الأميرة أبواب الحريم، ووعده المير، والد جاد، بتسليمه ديوان الامارة.

ولكن، في هذه الاثناء، يحتل سلطان الغرب وصور وصيدا، وهو يستعد للزحف على بيروت.

وبيروت، تحتفل اليوم بلود،

تملأ جوفها بالحشيش،

تمد اقدامها للموج،

وتنام...

بيروت تنام وجاد يسهر، لأن وعيه المأسوي يدفعه الى رفض هذه الحالة من الذل والتخاذل. انه لا يؤمن بالحلول الاستسلامية التي تجعل من الانسان شاهد زور لتاريخ بلاده، لذا دعا الشعب الى طرد لود من المدينة، ومواجهة الخطر الآتي من الجنوب مؤكداً ان في استطاعتهم متّحدين، أن يعيدوا الى بيروت كرامتها وسابق مجدها.

وللأسف، ينتصر الوحش، ويُقتل البطل على يد أمه، تنتهي المأساة هنا، ومن رحمها، يولد الميثوس اللبناني مبشّراً بحياة جديدة.

كتب انطوان معلوف مأساة "جاد" عام 1968 ونالت هذه المسرحية جائزة المنظمة العالمية للمسرح التابعة لمنظمة الأونيسكو لأفضل مسرحية عربية، ونقلتها المنظمة العالمية الى اللغتين: الفرنسية والانكليزية.

لاقت مسرحية "جاد" نجاحاً كبيراً، ومع ذلك لم تُدرس حتى الآن، لذا اخترتها موضوعاً لدراستي(*).

لم يكن ذلك السبب الوحيد لاختيارها، إذ ثمة اسباب موضوعية دفعتني الى اعتمادها منها:

- أولاً: أهميتها في نطاق الكتابة المسرحية، لأنها الدليل الثالث، بعد "شهرزاد" لتوفيق الحكيم و"قدموس" لسعيد عقل، على ان الوعي المأسوي مشاع انساني، وعلى ان فن المأساة أمر ممكن خلقه على يد كاتب شرقي باللغة العربية، وهذا يدحض رأي الباحث الانكليزي جورج شتينر George Steiner في كتابه "موت المأساة" La mort de la tragہdie حيث قال: "يعرف الجميع ما هي المأساة في الحياة. ولكن المأساة بشكلها الدرامي، ليست مشاعاً عالمياً، فالفن الشرقي يعرف العنف، والعذاب، ولكن تصوير الألم الشخصي والبطولة في ما نسميه المسرح المأسوي، انما هو من خصائص التراث الغربي"(*).

- ثانياً: جمعها الأدبية والإبلاغية محققة الوظيفتين الجمالية والنزعة الوطنية.

- ثالثاً: ضرورة تواصل الأدب العربي مع الأدب الاغريقي المأسوي فقد يعين ذلك على مجابهة القدر عوضاً عن الاستسلام له. فالانقطاع دفع بعض الغربيين، وفي طليعتهم نيتشه، الى اتهام الانسان الشرقي بأنه غريب عن الوعي المأسوي، وبأنه غير قادر على كتابة التراجيديا او المأساة.

وموضوع مأساة "جاد" (التناص والابداعية)، يفرض استخدام الدراسات المقارنة في مرحلة اولى، او ما يعرف اليوم بالتناص Intertextualitہ، الذي، استناداً الى جيرار جونيت Gہrard Genette "يحدث عندما ينقل النص الادبي نصاً آخر او يحاكيه او يُعيد كتابته"، مهما تكن لغته.

ومصطلح التناص يعود الى جوليا كريستيفا Julia Kristہva التي رأت أن النص الادبي "انتاجية تستند الى التناص، مما يعني أنه ليس بنية مغلقة، إنما هو يُنتج بالقوة virtuellement قواعد كتابته الخاصة، وتنتمي العملية التناصية - المنفتحة الى اللغات الانعكاسية (العلاقة مع النص).

إن تحديد أطر عمل التناص ضمن النصوص فقط، وضع حداً للتداخل الحاصل بين "هذا المفهوم وعدة مفاهيم اخرى مثل الأدب المقارن والمثاقفة ودراسة المصادر والسرقات".

وكذلك قضت الدراسة اعتماد المنهج السيميائي البنيوي الذي يفترض في المرحلة الاولى تقطيع النص، ثم الانصراف الى التحليل العاملي actanciel والممثلي actoriel في مرحلة ثانية. كل ذلك قبل الكشف عن حركة الدلالة والرؤية في مسرحية "جاد"، بكون المنهج السيميائي البنيوي يقتضي الانتقال من الاكثر حسية الى الاكثر تجريدية، اي من البنية السطحية structure de surface الى البنية العميقة structure profonde.

وعليه، وبعد المدخل الذي يعرف المأساة والميثوس، تم تقسيم الدراسة الى فصول اربعة: يدرس الفصل الاول علاقة التناص بين نص "جاد" لانطوان معلوف ونص "الباخيات" لأوريبيدس; ويتناول الفصل الثاني بنائية العمل الدرامي، من حيث تقطيع المأساة الى فصول ومشاهد، ودراسة الوحدات الثلاث، وتدريج العمل الدرامي، ويدرج الفصل الثالث مقاربته بناء الشخصيات، من تعرف هويتها، الى التحليل العاملي، فالممثلي، ويكشف الفصل الرابع عن رؤية الكاتب الى الوطن والعالم، من خلال المنظار الايديولوجي في النص، كما يبحث في الابداعية التي تتجلّى على مستوى التعبير.

وفي نهاية المطاف، المأساة فن صعب، والعودة الى هذا الفن تطرح العودة الى الميثوس القديم او الى خلق ميثوس جديد يكون العمود الفقري للمأساة. واستجابة لهذه الحقيقة، استمد المؤلفون الغربيون في القرن العشرين موضوع مأساتهم عن الميثوس القديم، وأعادوا صوغه، فلم يأتِ عملهم هذا اقتباساً او ترجمة عن النصوص القديمة، لأنهم كتبوا المأساة كتابة "جديدة" وضمّنوها رؤية جديدة للانسان والحضارة والسياسة.

وينطبق هذا القول على مأساة "جاد" التي التقت مع "الباخيات" في النواحي الاساسية التي ترتكز عليها المأساة الكلاسيكية، وهي الميثوس والاطار التاريخي والوحدات الثلاث وتدريج العمل الدرامي، واختلفت عنها في النقاط التي جعلت من "جاد" مأساة معاصرة لها خاصياتها، ومنها العنوان وموضوع الصراع وتقطيع المأساة ودور الخورس.

1- وجوه الائتلاف:

- تلتقي مدينة بيروت في ستينات القرن العشرين مع ثيبا في القرن الخامس قبل الميلاد، من ناحية الموقع الجغرافي المنفتح على حضارات العالم، اضافة الى احتضانها الحضارة الفينيقية.

- ومن ناحية الميثوس، هناك الموضوع - الصراع الذي عالج الازمة التي نتجت من دخول غريب الى المدينة وسيطرته على الشعب، مما جعل الملك بانثي في "الباخيات"، والامير جاد في مأساة معلوف، يقفان بوجه هذه الهيمنة.

- ثمة تناص بين نص المعلوف والنص الاوريبيدي والنصوص الكلاسيكية الغربية، وذلك في التزام الوحدات الثلاث.

- إن العمل الدرامي القائم على الصراع بين بانثي وديونيزوس في "الباخيات"، وبين جاد ولود في مأساة "جاد"، يأخذ بالتصاعد وصولاً الى ذروته المتمثلة بالسيطرة على ثيبا وبيروت، ووقوع والدتي البطلين تحت سحر هذين الرجلين، ثم يبدأ هذا الخط بالانحدار الى نهايته. ويشبه تدرج العمل في صعوده وهبوطه الهرم الذي حمل اسم الناقد الالماني غوستاف فريتاغ Gustave Freytag (هرم فريتاغ).

2- وجوه الاختلاف:

- عنون أوريبيدس مأساته "الباخيات" لانه أراد التركيز على العقيدة الباخية، اي الديونيزية التي تدعو الى التفلت من كل اشكال القيود، والبحث عن الحياة الحقيقية في اللذة والنشوة. اما العنوان "جاد" فهو الميثوس الطالع من وعي فئة من الشعب تأبى الا أن تعيش بكرامة او تموت.

- لم يتبع معلوف التقليد الكلاسيكي في تقطيع المأساة الى فصول خمسة، فلقد اشار في العنوان انها مأساة في فصلين، وربما التزم بالجزءين الاساسيين اللذين تتكون منهما المأساة وهما: العقدة والحل.

- عبر خورس "الباخيات" المؤمن بألوهة "ديونيزوس" عن أسس هذه العبادة وهي: تمام النشوة، فرح العيد، لذة الحب... ولكن لم يكن له الدور المؤثر على مجرى الاحداث. اما خورس الشركسيات، فلقد قام بدوره بكل مراحله الصعبة، من حماسة وتأييد لـ"لود"، واستهزاء وتحد لـ"جاد"، وتحبب وإغراء للعسكر، كما أدى رقصاً يدفع الروح الى الحلول بـ"لود"، وهكذا فإنه جعل روح الاحتفال تواكب روح التخطي.

- في "الباخيات" صور وحشية تشمئز منها العين. اما في "جاد"، فحاول معلوف تلطيف مشاهد العنف، كما فعل الكلاسيكيون في فرنسا.

- الصراع في "الباخيات" ديني المنشأ، فحين عاد ديونيزوس الى ثيبا، وهمه الوحيد إرساء ديانته ونشر تقاليدها، تصدى له الملك بانثي. وكان الصراع بين العقل الأبوللوني والدولة والحضارة، من جهة، ودعوة ديونيزوس الى النشوة والسكر والتفلت من كل القيود، من جهة اخرى.

- اما في "جاد"، فالامر مختلف، فـ"لود" خصم الامير ليس إلهاً، بل هو رجل يدعي التنبؤ والقيام بالاعمال الخارقة، ويدعو أهل بيروت الى اعتناق اسلوب جديد في الحياة، بالإقبال على حشيشة الكيف والسكر والعربدة. ينتفض "جاد" ويخوض معركة ضد الروح الانهزامية المتمثلة بوالده وامثاله، وضد الفساد المستشري في مجتمعه، ليؤسس تالياً، للحق والحرية وكرامة الانسان.

- في المأساة الاغريقية، تكون الفاجعة نتيجة حتمية لتغلب القضاء والقدر على مصير الانسان المأسوي.

- وإن لمؤلف "جاد" رأياً آخر; اذ يعتقد ان بطل المأساة يصل دائماً الى غايته، ولكن بعد أن يدفع الثمن باهظاً. فللانسان دائماً ضلع في مصيره، ومسؤولية.

إن وجوه الاختلاف لا تعني الانفصال حتى التناقض او التضاد; انما هي تفرعات او تغيير في الاتجاه.

ولقد تجلت إبداعية معلوف على مستويين:

1- المنظور على المستوى الايديولوجي: لم تكن مأساة "جاد" أحادية الصوت، بل متعددته: - رفض الواقع المذل. - الدعوة الى الثورة والمقاومة. - بيروت، مدينة الحق. - تأثير الفكر الغربي. - انتصار القيم والمبادئ. - ميثوس الرجاء.

2- المنظور على المستوى التعبيري: ارتقى الى مستوى رفيع، استوجب دراسة أدبية للنص المسرحي; اذ تخلت "جاد"، شأن المأساة الحديثة، عن الوزن والقافية، لكنها حافظت على روحهما بالايقاع. وقد تم ذلك بفضل التقطيع المناسب للعبارات، والتكرار الصوتي الدلالي، والتوازي الذي هو من أهم الايقاعات الدلالية في المسرح.

كما ضمن المؤلف مأساته رموزاً وصوراً تعود الى الميثولوجيا الشرق اوسطية القديمة، والى الكتاب المقدس بعهديه: القديم والجديد، مما أضفى على المأساة رونقاً وجلالاً.

نعم، تأثر معلوف بالثقافة اليونانية، واستوحى منها موضوع مأساته، ولكنه ظل مجذراً في مشرقيته العربية. ونجح في بناء عمله المسرحي، وإن يكن قد استند الى جذور يونانية، الا أنه كشف، كذلك، عن إبداعيته، في خلق ميثوس جديد، يحمل أوجاعنا، ويعبر عن مبادئنا وقيمنا، من خلال رؤية الكاتب الى العالم والانسان.

وما أشد حاجتنا اليوم الى دراسة أدبائنا الاحياء، ننهل من معينهم قبل أن ينضب.

هدى بو فرحات



(*) ألقيت هذه الكلمة مدخلاً الى مناقشة رسالة ديبلوم دراسات عليا في الجامعة اللبنانية.




النهار"

السبت 15 تشرين الثاني 2003


توقيع : ابويافا
.

ابويافا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-03, 03:33 AM   #7

فدك
|| ريم اللواتي ||

رقم العضوية : 165
تاريخ التسجيل : Jul 2002
عدد المشاركات : 5,974
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ فدك

إرهاق جميل

شكرا العزيز محمود....

سأعود هنا كثيرا


توقيع : فدك
زهرة الشرق
zahrah.com

فدك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-11-03, 02:06 AM   #8
 
الصورة الرمزية حـــــازم

حـــــازم
قلب الزهرة النابض دفئاً جيل الرواد

رقم العضوية : 62
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 19,284
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حـــــازم

[c]

انصح بالقراءة الواعية، واعطاء فترة زمنية للنفس لكي تعيد صياغة المقروء وانتاجه في نصوص لا واعية ومن ثمة الكتابة .. فتأتي عملية الكتابة بعد أفعال ..( القراءة / التأمل / ايجاد النفس والفكرة / ) ومن هذا الإمتزاج يخرج لدينا نص خالص يحمل فكرتنا الخاصة .. لا فكرة الغير .

* * * * *

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

أخي العزيز
[color= purple] أبو يافــا

موضوع قيم يستحق القراءة وليست القراءة فقط
بل القراءة مع التركيز

ومجهود تشكر عليــه في وضع تلك المجموعة من النصوص

عن نفسي إستفدت كثيراً من هذا الموضوع

وإن كنت أتمنى من الأعزاء بالمرور وأنا على يقين

من يمر من هنــا سوف يجد الفائــدة

وهــذا أعتقــد ما تنشــده أخي العزيز

أكرر شكري وتقديري لك على هذا المجهود الرائــع


تحيــااااتي الموشـــاة بالـــورد
حــــــازم[/COLOR] [/c]


توقيع : حـــــازم
زهرة الشرق
zahrah.com

حـــــازم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:25 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)