من أفغانستان إلى العراق.. أمريكا من مستنقع إلى آخر

ما كادت أمريكا تخرج من مستنقع الدم الأفغاني إلا وتعد العالم صراحة بالذهاب إلى مستنقع آخر إلى الخليج العربي لإسقاط نظام الحكم في العراق!

لا تزال كلمات التهديد الأمريكية الأخيرة لحكومة طالبان قبل إسقاطها ترن في الآذان (إذا لم تسلموا أسامة بن لادن فسوف نقصف أفغانستان ونسقط حكومتكم)..

وفي 25 نوفمبر 2002م خرجت آخر قافلة عسكرية لطالبان من كابول، غير أن الأمريكان لم يدخلوا أفغانستان بأمان ولم يحققوا للناس هناك ما وعدوهم به بعد إسقاط الملا محمد عمر من السلطة.

بعض الموسيقى انبعثت من إذاعة كابول الرسمية لاستقبال الأمريكان الذين يحبذون رقصة الـ(رووك أند رول) الصاخبة على أشلاء ثلاثين ألف قتيل أفغاني قضوا في الغزو الذي بدأ يوم 7 أكتوبر 2001م والناس لم يتقبلوا بعد مراسيم العزاء في الجثث الكثيرة التي كانت لا تزال تحت الأنقاض لكن أوامر الأمريكان قالت: (احتفلوا بهذا الغزو وأنسوا ضحاياكم) جئنا ننشر الموسيقى التي حرمتها حكومة طالبان وننزع النقاب عن وجوه الأفغانيات) هذه هي الجريمة التي زفتها أمريكا لشعب منكوب عرف عنه رفض المقايضة بالكرامة والمبادئ.. يخطئ تماماً من يقول إن الأمريكان لم يغزوا أفغانستان وأنهم لم ينفردوا بإدارة الأوضاع هناك أو أن الموضوع لا يتعلق باحتلال كامل لبلدان الغير وإسقاط نظام حكم بالقوة القاهرة.

قد تكون أمريكا تحاشت الغرق في المستنقع لوحدها، هذا صحيح لكنها أبقت إدارة الأوضاع الجديدة تحت مظلتها من خلال منح أدوار عسكرية محددة للدول الكبرى في أفغانستان بريطانيا، ألمانيا، استراليا، فرنسا، تغطي على الانفراد الأمريكي.

سئل الرئيس الأفغاني حامد قرضاي عن سبب تردده في البداية بقبول منصب الرئيس بعد سقوط حكم طالبان فأجاب (الشعب الأفغاني لا يحب الهمبورغر) لكنه بعد ذلك قبل شغل منصب هذه الزعامة الموجعة هل لأنه ترك الطباخة مهنته الأساسية أم لأن الناس الذين لا يحصلون على الطعام الكافي من الحبوب يطمعون بوجبات الهمبورغر؟!

وأخيراً صعد قرضاي الطباخ القديم إلى السلطة لقاء دوره المعروف في تمويل مشروع الوجبات السريعة التي كانت تلقي بها القوات الأمريكية من الجو للأفغان الهاربين من قفص وتدمير مدنهم وقراهم لكن برغم هذا السخاء فلا أحد يضمن بقاء رأس الرجل سالماً بعد ذلك.

توقع الأمريكان أن الشعب الأفغاني يريد أن يأكل فقط فجاءوا له بهذا الرئيس الطباخ لكن الآية سرعان ما انقلبت فالمثل الذي يقول (الخباز يعرف وجه المتغدي) انعكس تماماً إلى (المتغدي يعرف وجه الخباز) فلم تسلم حكومة قرضاي ولا رأس الرئيس أيضاً من الاغتيالات وبدأ الموسم مع الوزراء ونوابهم وأن الأفغان ليس لديهم وقت ليأكلوا قبل تصفية الحسابات مع الأمريكان.


حربٌ لم تبدأ:
قال عبدالسلام ضعيف ممثل حركة طالبان وسفيرها في باكستان قبل الغزو الأمريكي: إذا استطاعت أمريكا اجتياح بلادنا فسوف ننتقل إلى حرب العصابات (21 سبتمبر 2001م).

لكن أحداً لم يصدق أن حركة طالبان وهي تخلي العاصمة كابول فجأة قبل فتح الأمريكان لم تفشل ميدانياً على الأرض بل اختارت طريق حرب العصابات التي نجحت من أوائل يناير 2001م إلى اليوم في اختراق الخط العسكري الذي ضربه الأمريكان حول حكومة (حامد قرضاي) مروراً بالمعسكرات التي يتواجد فيها نحو 6آلاف جندي جاهزين بمختلف العتاد الحربي .

لم يستطع الأمريكان بعد مرور عام فرض الأمن المحدود في العاصمة كابول التي وعدوا بحمايتها أما الأقاليم الأخرى فهي أبعد ما تكون حتى عن الرقابة حيث يتنازع زعماء القبائل فيها على الحكم بعد الفراغ الأمني والسياسي الذي خلفته حكومة طالبان.

كان الخلاف بين أمريكا والأوربيين قبل تحقيق الغزو في مؤتمر بون نوفمبر 2001م يدور حول زعامة أفغانستان فقبل البريطانيون من الكعكة على مضض رئاسة (اللوبي غيرجا) (مجلس شورى الأعيان) شغله ممثلهم التاريخي الملك السابق ظاهر شاه 89 عاماً الذي لم يشاهده الناس منذ عام إلا مرة واحدة فقط عندما كان يجرجر أقدامه بصعوبة بالغة من سلم الطائرة التي أقلته من منفاه في روما إلى كابول ثم ظهر مرة أخرى وربما لآخر مرة في حياته قبل أن يعلن عن وفاته في أي لحظة.

لم تعرف أمريكا بعد ذلك هل توفر الحماية الأمنية لقواتها ورموزها في السلطة أم للشعب الأفغاني الذي لم يقدم لها بطاقة مفتوحة لغزو أراضيه وتشريد أهله بالقلاقل والفتن.

في الأسبوع الأول لسقوط حكم طالبان صدحت الموسيقى مؤقتاً ورقص عليها أيضاً لكن تلك الفرحة لم تدم طويلاً فقد داهمت القلاقل أرجاء أفغانستان وأصبحت اللحية ضرورة للتخفي والتنكر، فلم يكن الهدوء النسبي القصير إلا بسبب مقدم الشتاء القارس وانشغال الناس بالبحث عن ذويهم بين الأنقاض التي خلفها الأمريكان في قصف المدن والقرى طوال شهرين و500 ألف طن من المتفجرات.

يظهر الإعلام الأمريكي الصهيوني في صور تلفزة أطفالاً تغمرهم البشاشة لكن معظم آبائهم قضوا على أيدي الأمريكان ونساء تحررن من النقاب لضرورة بعد موت عوائلهن مقابل وعد بتوفير عمل في مشغل للخياطة وشباب تزدحم بهم جامعة كابول لكن مظاهرة 3 أكتوبر الماضي الصاخبة أكدت أن هؤلاء ذهبوا لتوفير مقابل الطعام وليس للدراسة لذاتها.


تخبط أمريكي:
ضاع مشروع مرشال آخر جديد لإعادة إعمار أفغانستان فالقلوب المتكسرة هي التي تحتاج إلى من يرتقها, وحتى الأفغان لا يستطيعون ذلك لأنهم هم أيضاً طرف في المأساة التي شارك الآخرون في صنعها لهم.

في حفل تنصيب الرئيس حامد قرضاي قتلت القوات الأمريكية في قصف من الجو 65 شخصاً ضمن موكب سيارات لزعماء القبائل كانوا في طريقهم إلى قندهار في الجنوب لتهنئة الزعيم الجديد في كابول وكانت تلك إشارة إلى أن أمريكا من خلال هذه العملية تمهد لزعامة مطلقة لرجلها الأول على الجميع لا ينافسه فيها أحد لكن بقية الشيوخ وزعماء القبائل تحسسوا رؤوسهم بعد ذلك وأدركوا أن سيناريو التصفية لن تستثنيهم هم أيضاً.

عندما لجأت أمريكا إلى مخطط استخباري بديل لتصفية الرموز القبلية والسياسية الأخرى منذ يناير 2001م بدأت نار الخلافات تظهر بين رجال السلطة الذين نصبتهم أمريكا بنفسها من الوزراء ونوابهم إلى حكام الأقاليم ومدراء المؤسسات فقتل وزير النقل أولاً ونائب وزير الداخلية بعد ذلك، وفشلت محاولات عديدة لاغتيال الرئيس ووزراء آخرين ونائب لكن قيادات وسطى في أجهزة الأمن والاستخبارات أعلن عن نهايتها في أخبار صغيرة متفرقة طوال أكثر من عام.

ولعل محاولة الصلح المعلنة الوحيدة التي قام بها الملك ظاهر شاه هي التي جرت بين وزير الدفاع فهيم جناح روسيا وعبدالرشيد دوستم ذي الولاء المزدوج (أمريكي-فرنسي) لم تمنع القلاقل والاضطرابات الاجتماعية الأمنية الناشئة عن الفراغ السياسي الذي تركته وراءها حركة طالبان والغزو الأمريكي قادة الفصائل الأفغانية من تحديد طبيعة الأزمة ومن هو الخصم الحقيقي فيها، فكانت الأصابع تتحرك بالاتهام نحو الأمريكان أولاً وأخيراً.

قد يظهر اختلاف حاد بين القبائل والفصائل الأفغانية وهو ما تسعى أمريكا إلى استثماره غير أن يقظة أفغانية لدى صفوة السياسة والقبائل هناك أنهم لن يتركوا فرصة للأمريكان لعبث أكثر.

يرى العقلاء من منظور وطني خالص أن الموضوع باختصار هو احتلال أجنبي لبلادهم ينبغي التصدي له.. لا يختلف في ذلك الرئيس السابق قلب الدين حكمتيار الذي استأنف الجهاد على هذا الأساس ولا الرئيس برهان الدين رباني من الاتحاد الإسلامي تحالف الشمال الذي أكرهته أمريكا على ترك الرئاسة لقرضاي القادم من مطاعم الهمبورغر ولا أيضاً عبدالرب الرسول سياف أو زعماء القبائل الوطنية.

ويدعم هذا التوجه في البلد أيضاً مصالح دول كبرى مثل روسيا وفرنسا والصين وقوى إقليمية مثل إيران والجماعات الباكستانية.




بقلم: عبدالفتاح الحكيمي

فلسطين

ليبيا

افغانستان

العرااق

والقائمة تطووووووووووووووول

وسنجد نفسنا يوما ما شئنا او ابينا وسط الحرب

وإذا لم توقف عند حدها

سوف تأدي على كل الدول العربية

أخوي أحزان ليل

الف شكر لك على هذه المقالة الرائعة جدا



تقبل


اختكم همسة