العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 22-10-13, 01:25 AM   #1
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
...شاعر الوجدان:احمد الصافي النجفي


[align=center]علم عراقي مهمش...شاعر الوجدان:احمد الصافي النجفي

--------------------------------------------------------------------------------



أحمد الصافي النجفي

أحمد الصافي النجفي (1897 - 1977). هو أحمد بن علي الصافي الحسيني العلوي يعود نسبه إلى الامام موسى بن جعفر الكاظم


حياته:

ولد أحمد الصافي النجفي في مدينة النجف1897 وتوفي في بغداد، وعاش في إيران وسوريا ولبنان وتنحدر أصوله من اسرة علمية دينية يتصل نسبها بـ الإمام موسى الكاظم تعرف بآل السيد عبد العزيز، توفي والده بوباءالكوليرا, الذي انتشر في العالم في تلك الفترة عندما بلغ عمره 11 عاما, فكفله أخوه الأكبر محمد رضا, ثم توفيت والدته سنة 1912 وتلقى علومه الأدبية والدينية وبقية العلوم الطبيعية ومحاضرات عن الفلك والكواكب والطب الإسلامي في مجالس الدرس من خلال جهود علماء الدين ثم أخذ يدرس قواعد اللغة والمنطق وعلم الكلام والمعاني والبيان والأصول وشيئا من الفقه على يد الاساتذة المرموقين في النجف وبدأ يقول الشعر في سن مبكرة، عند بلوغه سن العشرين وابان الحرب العالمية الأولى انتقل من النجف إلى البصرة بحثا عن العمل, ولكنه لم يحظى بتلك الفرصة لضعف بنيته واعتلال صحته, فتركها إلى عبادان ومنها إلى الكويت. عاد لالنجف بعد أشهر قليله خالي الوفاض, فانكب على دراسة اللغة العربية وفنونها, في العام 1918 شارك مع اخيه الأكبر في ثورة النجف ضد الاحتلال البريطاني, في العام 1920 اسهم واخيه كذلك اسهاما فعالا في ثورة العشرين, فحكم على اخيه بالاعدام الذي خفف للسجن وفي ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 زّج الإنكليز به في السجن بعد فشل الثورة, يقول السيد فالح نصيف الحجية في كتاب شعراء النهضة العربية ص 143 : عاد أحمد الصافي النجفي خلسة إلى العراق، وراح ينظم الشعر الوطني- يهاجم فيه الاستعمار والمستعمرين- حتى ألهب الحماس في قلوب العراقيين :

لئن أُسْجَنْ فما الأقفاصُ إلا *** لليثِ الغابِ أو للعندليبِ...
ألا يا بلبلاً سجنوك ظلماً *** فنُحْتَ لفُرقةِ الغصنِ الرطيب
في حين استطاع هو التخفي والتنقل من بلدة لأخرى. انتهى به الامر بالهرب إلى إيران وعكف هناك على دراسة اللغة الفارسية وعمل مدرسا للادب العربي في المدارس الثانوية في طهران، بعد عامين ترك التدريس واشتغل بالترجمة والتحرير في الصحف الإيرانية، عاد لـ العراق بعد 8 سنوات قضاها في إيران, لكن صحته تتدهورت بشكل سريع وتكالبت عليه الامراض المختلفة فنصحه الاطباء بالسفر لسوريا أو لبنان لاعتدال جوهما مما يعينه على الراحة والاستشفاء، وصل لسوريا في صيف 1930, فطاب له المقام فيها لسنوات طويلة. أمضى خلالها 46 عاما متنقلا بين سورياولبنان. لقد عاش حياة عجافاً، حياة ممزقة بين السقم واليتم والألم والحرمان حتى انشد قائلاً :
أسيرُ بِجسمٍ مُشْبِهٍ جسمَ مَيِّتٍ *** كأنّي إذا أمشي بهِ حامِلاً نَعْشِي
لقد عاش معاناة الغربة في السجن ووصفها بالغربة داخل الغربة لأنه سجن خارج وطنه فانشد قائلاً :
أري في غربةِ الإنسانِ سجناً *** فكيف بسجنِ إنسانٍ غريبِ؟

ترجمة بلون ادبي:

أحمد الصافي النجفي، شاعر ولد في قرية (الغريّ) القريبة من مدينة النجف في العراق، فاشتهر بالنجفي نسبة إليها. وكان منذ طفولته ضعيف البنية هزيل الجسد عليل الصحة، كليل البصر. وقد حمل علله معه طوال حياته المديدة حتى وفاته في العراق وهو في الثمانين من عمره. لم يرقه العيش في قريته البائسة الفقيرة التي كانت أرضها مدفناً للعديد من موتى الشيعة الوافدين من ربوع شتى فنزح إلى إيران عقب ثورة العراق ضد المحتلين الإنكليز سنة 1920 وإخفاقها، والحكم على أخيه الكبير محمد بالإعدام وعاش في طهران زهاء ثماني سنوات. ثم غادرها إلى دمشق سنة 1928 وهو في حال شديدة من الفقر والبؤس. فطاب لـه المقام فيها واتخذها وطنه الأثير.
يقول:
أتيت جلق مجتازاً على عجل فأعجبتني حتى اخترتها وطنا
وفي دمشق نعم بالصحبة الحسنة والشهرة الواسعة، وغدا سعيداً بحياته المستقرة:
أيقنت أني من أهل الجنان ففي دمشق أسكن جنات تفيض هنا
وقد اعتاد ارتياد المقاهي ولا سيما (الكمال والهافانا) التي كانت شابةً بندوات اخوانية عفوية تجمع ثلة من الأدباء والصحفيين الذين يأخذون بأطراف الأحاديث، وهم يرتشفون كؤوس الشاي في أجواء عابثة بهيجة.
كان الصافي شخصية منفردة متميزة غريبة الأطوار، كما كان ساخراً سريع البديهة خفيف الروح، وقد أحبه الناس على علاته، ولكنهم نفروا من سوء مظهره وهيئته المزرية. فقد كان بدوياً في مظهره، جافي الطبع في مسلكه. وقد تمسك بكوفيته وعقاله وثوبه الفضفاض، ولم يكن يأبه لقلة نظافته ورداءة لباسه، وظل طوال حياته بدوياً صحراوياً في قلب العواصم المتحضرة مثل دمشق وبيروت، بدعوى الحرص على الأصالة وعراقة الانتماء.
لزمت زيي ففيه حفظ أمجادي أرى بزيي آبائي وأجدادي وكان طبيعياً أن يلقى الانتقاد أو الاستهجان لمظهره هذا، ولكنه كان يواجه ذلك بمزيد من الإصرار والتحدي:
كم تحملت لاحتفاظي بزيي من عبيد التقليد و(الموضات) أمضى الصافي سحابة عمره في سورية، ثم بدا لـه أن يغادرها بعد إقامته فيها أربعين سنة، فقصد لبنان سنة 1966، وكانت تجربة جديدة لـه هناك حيث سبقته شهرته إلى تلك الأوساط الثقافية، ولقي لديها قدراً من الترحيب والتقدير، كما انعقدت بينه وبين عدد من الأدباء والنقاد صلات حسنة عادت عليه بمزيد من الشهرة، وأصبح للبحر في بيروت وفي صور حيز في قريحته تجلى في العديد من أشعاره:
هلم يا بحر أنقذني من البر أكاد أقذف فيك النفس من فرح ففيك ألقي بعبء الهم عن ظهري معانقاً لاثماً للموج والصخر
ولكـن بيروت، بصخبها وبهارجها ومظاهر التفرنج والتغريب فيها ما كانت الوسط الذي يتيح لمثلـه التأقلم معها والاندماج في حياتها، فظل طافياً على سطحها كنقطة الزيت.
ولا ريب في أنه كان بالغ الحنين إلى ريفه ونخيله وباديته، حيث الطبيعة البكر والهدوء والاطمئنان والنقاء:
يا ليتني كالحيوان، عيشي من حشائش الأرض كي أنأى عن المدن خصائص شعره:

شعر الصافي فهو مرآة جلية لحياته في تعثرها وانطلاقها. وقصائده في مجملها تظهر تجاربه البسيطة والغنية معاً في واقعه المعيشي، وتنطوي على كثير من رؤاه تجاه الإنسان والكون، ونظراته الواخزة إلى حياة الناس ومواضعات المجتمع. وشعره بمجمله سهل سلس سائغ قريب المنال، ومعانيه واضحة جلية خلت من الغموض والإبهام، وإذا فاتها العمق فقد امتازت بالطرافة. وهو أشبه ما يكون بالشاعر أبي العتاهية كما أنه شبيه من ناحية أخرى بالشاعر ابن الرومي، من حيث تناوله العديد من الموضوعات المستمدة من حياة الناس، ومن حيث سخريته ممن حولـه، وإيثاره المنحى «الكاريكاتوري» في تصويره لملامح شخصياته ولا سيما في انتقاداته وأهاجيه.
غير أن أشعاره في يسرها وقرب تناولها تفتقر أحياناً إلى جزالة اللفظ ومتانة السبك، كما يتضاءل فيها عنصر الموسيقى والجرس والإيقاع. وتعد الطرافة في موضوعاته وأفكاره ومعانيه، وجرأته وصراحته في طليعة خصائص شعره.
ترجم رباعيات عمر الخيام، وبقي في ترجمتها ثلاث سنوات، ويعد إلى جانب الشاعر محمد الفراتي أبرز الذين ترجموا الرباعيات مباشرة عن الفارسية. كما ظهر أثر هذه الرباعيات في كثير من مقطعاته الشعرية، من حيث الشكل العروضي، فقد استهواه النظم على هذا المنوال الرباعي، كذلك تأثر الصافي بكثير من آراء الخيام المتطرفة، حتى بدا محتذياً لمذهبه، ناسجاً على منواله. وفي صدد هذا الأثر المهم يقول « أنا أمين في ترجمتي وفي شعري، ففي ترجمتي لم أدخل شيئاً من فكري. وفي شعري لم أدخل شيئاً من فكر غيري.
ومن خصائص شخصيته المتفرده رفضه مبدأ الالتزام في الأدب الذي ساد الأوساط الثقافية والأدبية والفنية في الوطن العربي عهدئذٍ، ولا سيما في سورية ولبنان ومصر. فقد ندد به وبدعاته، ووجد في ذلك قيداً لقريحة الشاعر والأديب، وحداً من حرية التفكير والتعبير. وقد تناول ذلك في العديد من أشعاره، وأيضاً في مقدمته لديوانه «الشلال».


يُعَرف الشاعر أحمد الصافي النجفي بسيرته الشعرية والنضالية قيمة تراثية تستحق التأمل والانبهار في كل حين، وصفه عباس محمود العقاد بقوله: "الصافي أكبر شعراء العربية"
الاعمال:


غلاف ديوان هواجس


صدرت لـه نحو عشر مجموعات شعرية منذ عام 1932.
وترك الصافي الأعمال الآتية:
«الأمواج»، «التيار»، «شرر»، «الأغوار»، «الشلال»، «ألحان اللهيب»، «أشعة ملونة»، «اللفحات»، «حصاد السجن»، وكتاب «هزل وجد»، ثم ترجمة «رباعيات الخيام».


أعماله

قام بترجمة العديد من الكتب والمؤلفات من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية
من أثاره النادرة في هذا المجال ترجمته الرائعة لرباعيات الشاعر الفارسي " عمر الخيام " والتي طبعت في دور النشر اللبنانية.
صدرت بعد رحيله مجموعته الشعرية " قصائدي الأخيرة " التي تضم آخر ما كتب من قصائد.
تمكن من إيصال رسالة الثورة ثورة عام 1920 في مناهضة قوى الاحتلال ومطالبته بالاستقلال من خلال الكثير من القصائد الوطنية التي كتبها ودون فيها تفاصيل الثورة ومواقف الثوار والحوادث التي حصلت من المقاومة الباسلة والقتال الذي تكبدت فيه بريطانيا وقواتها أفدح الخسائر.
رحل عن الحياة في السابع والعشرين من شهر يونية (حزيران) سنة 1977 وهو في الثمانين من عمره ، بعد أن ترك تراثاً شعرياً خصباً ، وترجمة دقيقة لرباعيات الخيام الخالدة.
من مؤلفاته الشعرية

الامواج 1932
اشعة ملونة 1938
الاغوار 1944
الحان اللهيب 1944
شرار 1952
اللفحات 1955
له ترجمات ومقالات منها:

رباعيات عمر الخيام 1934
حصاد السجن
ابيات مختارة

من أعجب العجب إنه لم يقم للصافي النجفي مهرجان تكريمي في حياته، رغم كثرة المعجبين وعظم مراتبهم، أو أمسية تكريمية في حياته، وقد تحايل عليه الكثيرون، لكن بلا طائل، لأنه لم يألف المجاملة. وحصل أن همس بأذنه أحد المعجبين، من الذين لا يعرفهم، قائلاً أنت «الطائرُ المحكيُّ والآخرُ الصدى» فاعتبر هذا مهرجانه، لخلوه من المجاملة والمحاباة وما إليهما، وعندها قال:
جاء مَنْ لم أعرفه، قال سـلامُ *** قلت مَنْ؟ قال مَنْ بشعرِك هامُوا
كان ذاك السلامُ لـي مهرجاناً *** مهرجاني على الرصيف يُقـامُ!
سُئل ذات مرة في لبنان عن أمير الشعراء فقال :
سألتـْني الشعراءُ أيـن أميرُهمْ *** فأجبـتُ: إيليـا بقـولٍ مطلقِ
قالوا: وأنت! فقلتُ: ذاك أميرُكمْ *** فأنا الأميرُ لأمةٍ لم تُخْلَقِ
عندما اشتدّ عليه المرض في السجن وکان الإنجليز يعلّلونه کل يوم بأنهم أبرقوا إلي حکومة العراق يسألونها رأيها فيه، وقد مرّ عليه سبعة وعشرون يوماً وهو يستغيث من الداء وهم لا يسمحون بنقله إلي المستشفي، ولمّا اشتدّت عليه وطأة الداء أنشأ قائلاً :
سُجِنتُ وقد أصبحت سلوتي *** من السقمِ، عَدّي لأضلُعي
أعالجُ بالصبرِ برحَ السّقامِ *** ولکنّ علاجيَ لم ينجعِ
أتاني الطبيبُ وولّي سُديً *** وراحَ الشفيعُ فلم يشفعِ
وکم قيلَ مدِّدْ مدي الاصطبارِ *** ومهما عراکَ فلا تجزع
وکم ذا أمدُّ مدي الاصطبارِ *** فإن زدتُ في مدِّه يُقطع
ولکنّهم صادفوا عقدةً *** بأمريَ تُعيي حِجي الألمعي
حکومةُ لبنانَ قد راجعت *** فرنسا لفکِّي فلم تسطعِ
وراحت فرنسا إلي الإنکليزِ *** تراجعُهم جَلَّ مِن مرجعِ
وقد راجعَ الإنکليزُ العراقَ *** ولليومِ بالأمرِ لم يُصدَعِ
فقلتُ: إعجبوا أيّها السامعونَ *** ويا أيّها الخلقُ قولوا معي:
أمِن قوّتي صرتُ أم من ضعفِهم *** خطيراً علي دولٍ أربعِ؟!
بعد ثورة العشرين كان من الأشخاص المطلوبين للاعتقال والمحاكمة ثم الصادر بحقهم عقوبة الشنق، فقال في ذلك :
. [/align]


توقيع : حسين الحمداني


زهرة الشرق

zahrah.com

حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-13, 01:26 AM   #2
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: ...شاعر الوجدان:احمد الصافي النجفي


ولئن أُشْنَقْ تكنْ مقبرتي *** منبراً يعلنُ جرمَ الإنجليزِ
وذات مرة اعتقلته القوات البريطانية إثر وشاية ملفقة، وزجّته في السجن لمدة 43 يوماً تفاقمت إثرها حالته الصحية، وشارف على الخطر، لكن القائمين على السجن نقلوه تحت الحراسة إلى مستشفى سان جورج، ثم أعادوه إلى السجن حينما تماثل للشفاء فكتب في مدة سجنة تلك ديواناً كاملاً باسم حصاد السجن ومن ابيات هذا الديوان :
رمونا كالبضائعِ في سجونٍ *** وعافونا ولم يُبدوا اكتراثا
رمونا في السجن بلا أثاثٍ *** فأصبحْنا لسجنِهمُ أثاثا
وفاته:

رحل عن الحياة في السابع والعشرين من شهر يونيو (حزيران) سنة 1977 في وهج الحرب الاهلية اللبنانية حيث اصابته رصاصة أطلقها عليه قناص في منتصف يناير 1976 وهو يبحث عن رغيف خبز يأكله بعد أن أمضى ثلاثة أيام لم يذق فيها الطعام, فحمله بعض المارة إلى مستشفى المقاصد, ولم يطل بها مكوثه لصعوبة الوضع القائم انذاك, فنقل إلى بغداد وقد كف بصره قبل عودته وأصبح مقعداً لابستطيع الحراك فلما وصلها انشد قائلا:
يا عودةً للدارِ ما أقساها *** أسمعُ بغدادَ ولا أراها.
وقال بعدها :
بين الرصاصِ نفدتُّ ضمنَ معاركٍ *** فبرغمِ أنفِ الموتِ ها أنا سالمُ
ولها ثقوبٌ في جداري خمسةٌ *** قد أخطأتْ جسمي وهنّ علائمُ
وهناك اجريت له عملية جراحية ناجحة لإخراج الرصاصة من صدره، ولكن العملية زادت جسده نحولا وضعفا فاسلم الروح بعد عدة ايام لبارئها وهو في "80" من عمره، بعد أن ترك تراثاً شعرياً خصباً، وترجمة دقيقة لـ رباعيات الخيام الخالدة.

المصادر: ويكيبيديا___المعرفة.
__________________________________________________ _____
مقتطفات من شعره:
كان يدعى شاعر التشرد في المقاهي وعلى الأرصفة لأنه ضاق ذرعا بزمانه ومتناقضاته وألوان التمزق التي تنخر كيانه في السر والعلانية. كان أكبر من زمانه بكثير، بحيث حباه الله من صفاء الضمير، ونبل القلب ورحابة الأفق، وقناعة الوجدان، ما جعله يزدري اللذات الزائفة، ويعزف إلا على ما فيه الكفاف والعفاف والغنى عن الناس ..كما يفضح كل زيغ وانحراف، ويشهر بكل اعوجاج وخروج عن سنة الصفاء والنقاء والبساطة والتواضع. وكان شديد الإيمان بالحياة البدوية البسيطة التي ترى أن الإنسان مهما بلغ، ومهما طغى وتجبر، ومهما ملك واختزن، فإنه لا يعدو أن يكون حفنة تراب، فيجب أن يتواضع للأرض التي منها خلقه الله، وسوف يعود إليها، وسيخرجه منها تارة أخرى ليحاسبه على أفعاله وأعماله، خيرا كانت أم شرا.
هذا هو الشاعر الفيلسوف الذي كن من رواد مقاهي البرج وساحة رياض الصلح، وبالأخص مقهى –الهافانا- بدمشق الفيحاء. إنه ذلك البدوي الذي كان يجلس القرفصاء أمام قدح الشاي، متأملا تارة وناثرا على جلساته شذرات في شعره الإنساني الرفيع لقد غاب عنا مؤرخا، وإلى الأبد، في العراق مسقط رأسه، بعد أن قضى معظم سنين حياته شريدا تائها في دمشق وبيروت، زاهدا في الدنيا ومباهجها ومفاتنها يقنع بالقليل، ويترفع عن الدنيا والشوائب والأوصاب والتفاهات والقوقعيات. لقد كان نحيلا في رهافة السيف، يلبس ثوبا فضفاضا كعلقة الكبير، وخياله المجنح الواسع، وأحلامه المخملية العطرة. وكان ذا رأس حليق، كأنه يرمز به إلى شمولية تفكره على جميع أصقاع الكرة الأرضية. إنه معين لا ينضب، وكوثر لا ينقطع، يتحدث عن الأدب والسياسة، وذكريات الماضي، ويصف كيف تم طرده من العراق بسبب قصائده النارية التي كلها توعية للغافلين، وثورة عارمة على الاستبداد والإقطاع.
والمرحوم أحمد الصافي النجفي، شأنه شأن العباقرة الأعلام والنوابع الأفذاذ، إنما هو في الحقيقة في تلك الشموع التي تذوب وتفنى لتضيء ما حولها، من غير أن تضيء أساسها والجود بالنفس أقصى غاية الوجود.
فلنستمع إليه، وهو يخاطب الفلاح :

يتنازعون على امتلاكك بينهم
فلهم عليك تشاجر وكفاح
كم دارت الأقداح بينهمو، ولم
تملأ بغير دموعك الأقداح!
يا غارس الشجر المؤمل نفعه
دعه، فإن ثماره الأتراح
أقلعه، فالثمر اللذيذ محرم
للغارسين، وللقوى مباح

إن شاعرنا العظيم يكره الأنانية من صميم قلبه، ويطبق في حياته العملية مبدأ التقشف، والزهد ونكران الذات، والابتعاد عن النرجسية (أي الحب المفرط للنفس). فهو الغريب الذي عاش ثمانين سنة بلا أهل ولا أقرباء، وبلا وطن .. فقد كان كثير التنقل بين دمشق وبيوت .. وفي أخريات أيامه، رصدت له الحكومة العراقية راتبا مدى الحياة. لكنه بقي كما كان، لا يتنكر لطبيعته، بل استمر في القسوة على نفسه، حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، فرجع إلى وطنه العراق ضريرا. وهناك لبى داعي ربه، وأسلم نفسه العذبة لخالقها، وانتهت الرحلة الطويلة للشقاء والقهر والتشرد.
ويصف فتنته بسوريا إذ يقول :
يا سوريا ما أنت غير خريدة
قد كثر العشاق فيك جمال
هذا الجمال عليك جر مصائبا :
إن الجمال على ذويه وبال
قد كان يعطيك المحب فؤاده
لو عز منك على المحب وصال
وللفقيد العزيز أحمد الصافي النجفي شعر غزير، وموهبة ثرة تجود بالكثير من العطاء الخير الدافق الذي ينضج في دواوين "الأمواج" –"التيار" – "الأشعة" – "ألحان اللهيب" – "الشرر" – "ترجمة رباعيات الخيام عن الفارسية".
إلا أن شعره الأخير كان يقتصر على أبيات قليلة يضمنها أفكاره واستخلاص العبرة والموعظة والحكمة من الحياة. فهو يرسل القريض عفويا من دون تكلف ولا تنميق، متحريا الوضوح والبساطة في الديباجة والمحتوى. وهو يصوغ ذلك في قوله :

قيل لي : فيم لست تعنى بوشى
أو بتنسيق فائض الأشعار
قلت : شأني إرسال شعري سيلا،
ما على التنسيق للأنهار

إنه كان حلو المعشر حقا، ومحبوبا من لدن المعجبين الكثيرين ببساطة شخصيته، وحدة نباهته، وسرعة خاطره، وذلاقة لسانه. وكان يجد في الشاي مشروبه المفضل، لأنه ينشطه ويروي غليله، ويزيل عنه الضجر والكدر والعناء، ويطفئ نيران الغربة والجوى المتأججين، في قلبه وفي ذلك يقول :

إذا صب في كأس الزجاج حسبته
مذاب عقيق صب في كأس جوهر
به احتسى شهدا وراحا وسكرا،
وانشق منه عبق مسك وعنبر
يغيب شعور المرء في أكؤس الطلا
ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر
يجد سرور المرء من غير نشوة،
فأحبب به من منعش غير مسكر

ويقول في وصف دمشق، والافتتان بحسنها وبهائها :

لا يبرح الحسن يوما عن مرابعها
كأنما الحسن من قدم بها افتتنا
لا يرتضي الطرف شغلا عن محاسنها
حتى تعادي فيها المقلة الوسنا
أيقنت أني من أهل الجنان، ففي
دمشق أسكن جنات تفيض هنا

ويقول في وصفه زحلة، وواديها الأخضر، ومرابعها الغناء، ونسميها العليل :

فيما وادي العرائش أنت واد
يفر لك الفؤاد من الهموم
نجوم الكهرباء بكل ليل
تكون فيك أفقا من نجوم



توقيع : حسين الحمداني


زهرة الشرق

zahrah.com

حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-13, 01:27 AM   #3
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,722
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: ...شاعر الوجدان:احمد الصافي النجفي


ويصف ثلج لبنان في لوحة جميلة أخاذة، وهو يرى الأرض قد فرشت ببساط أبيض ناعم، فيقول :

يا من أحيلى الثلج محل أعين،
أو ملعبا أو مفرشا أو مريضا
يلقى به اللاهون عيشا ناعما،
أو جنة بيضاء، أو متروضا
وإذا قضى اللاهي رأى كفنا به،
ورأى فراشا ناعما أن أمرضا

ويقول في وصف أعمدة بعلبك الستة الباقية على مر العصور والأجيال :

يا لست من العواميد ظلت
كشموع الدهر تجلو الظلاما !
قد تعالين فاتحدن رؤوسا،
ثم أحكمن في الثرى الأقداما
حكايات وسط الفضا أخوات
قد تماسكن، واتحدن غراما
وحد الحسن بينهن بتاج
حيث في الحسن قد بلغن التماما
فتعاهدن في كفاح الليالي
لا يبارحن خطهن انهزاما
أو كقواد جحفل قد أطلوا
يعدون الآراء والأحكاما

والشاعر أحمد الصافي النجفي مشهور بمواقفه الوطنية الصادقة .. فهو قد غادر العراق سنة 1920 عندما علم أن الحكومة البريطانية تسعى إلى اعتقاله بسبب مواقفه الوطنية ضد الانتداب من لدن الدخيل الأجنبي. وكان في غربته ووحشته يحس بكثير من اللواعج والهموم. فلنستمع إليه إذ يقول :

لقد جر لي شعري الشقاء كأنني
بنظم قريضى، أنظم البؤس لا الدرا
قبلت بحظ، وارتضيت بقسمي
من الشعر لو أستطيع أن أنشر الشعرا

وهو قد نظم الشعر في كل شيء : في البرغوث، والفأر، والقط، والدجاج. وتوخى البساطة المتناهية، معتنيا بالفكرة والصورة، وروعة المضمون في سذاجة القالب. إنه كان ينظم الشعر فقط ليدركه القراء، لا ليعجبوا بألفاظه وصياغته وديباجته. فهو شعر بسيط سهل واضح، بعيد عن التعقيد والتصنع والغموض سهل واضح، بعيد عن التعقيد والتصنع والغموض والرمزية الجوفاء. ويبدو ذلك جليا في دواوينه "الأغوار" – "اللفحات" – "ألحان الشيب"..
وكان نظيف الكف، عف الضمير واللحظات، عميق الغور والخطرات، يملء شعره الطابع الإنساني بكل ما في الكلمة من معنى، فتقرأ فيه أبا الطيب المتنبي، وابن الرومي، وأبا العلاء المعري، وسواهم من الفحول .. ولذلك تستأنس به، ويقترب منك بروحه، ولو لم تكن لك به معرفة سابقة .. فهو يضم إلى براءة الأطفال، نقاء الثلج، وصفاء المنطق والقلب، في صراحة لا يعتريها أقل غموض حتى مع نفسه، فكيف بالآخرين ؟
إنه هو القائل :

أتيت بديواني لأطبعه، وقد
حوى من بنات الفكر ما ينعش الفكر
وقد كدت أنهيه، ولكن قريحتي
من الشعر في مد، وكيسي شكا الجزرا
فقال ولى الطبع : هات زيادة
من المال، أو سد من شعرك البحرا

وهو يصف نفسه، فيرينا ثباته وصموده أمام الخطوب التي لم تستطع أن توهن عزيمته، وتضرب نفسه وتوقف مسيرته الدؤوب في دروب الحياة، فيقول :

لئن أضعفت جسمي الخطوب وحملها
فما أضعفت نفسي ولا وهنت عزمي
كأني خيال حين أمشي من الضنى،
وليث عرين حين أسطو على خصمي
حياتي بنفسي لا بجسمي منوطة،
وقوتي قوت الروح والقلب، لا الجسم

وهكذا فشعره نابض بالحياة، مليء بالحكم والمواعظ. فلنتأمل هذه الأبيات حيث يقول :

عجبا من طبيعة الكون تنشى
واحدا أغيدا، وألفا ذميما
يتعادون في هواه، ولولا
فتنة الحسن لم يكونوا خصوما
كم صريع منهم قضى في هواه،
وكئيب يرعى الدجى والنجوما
وهو يدعو : لقد وهبتك قلبي
يا حبيبي فكن بقلبي رحيما !

وقد عبر في مرارة عن شكايته بمن غدروا به، ولم يقدروا إخلاصه لهم ووفاءه بعهودهم. وكان يتلطف إليهم، ولا يكيد لهم ولا يطعنهم في ظهورهم، على النقيض مما كانوا يعاملونه به من قساوة وشراسة في الطباع، وجفاء في السلوك.
فيقول في هذا الخصوص :

أخلصت للصحب، لكن
لم ألق من خلصاء
وقد بليت بغدر
حتى من الأوفياء
قلوبهم مثل ضخر،
ولطفهم لطف ماء
غرست وردا وواد،
فصار شوك عداء !

وهو الساخر من واقعه، يندد بالأشخاص الذين أنكروا جميله، ولم يحمدوا أياديه البيضاء، بالرغم من أنهم كانوا لديه من المقربين، فهو يأنف من هذا المستنقع الآسن، ويقول في تهكم صارخ :

سخرت، وسوف أسخر من حياة
بنا سخرت، لا غبنها كغبني
سأضحك في سخافتها زمانا
كما ضحكت على عقلي وذهني

لقد كافح الكفاح النبيل من أجل الحصول على السعادة، ولكن الشقاء كان يترصده في كل وجهة هو موليها. فهو القائل في عاطفة جياشة :

سعيت لتحصيل السعادة جاهدا
فزاد شقائي من ضياع جهودي
فطورا حسب العلم يحبو سعادة
إذا السعد يمشي نحو كل بليد
وطورا ظننت الصيت يسعد أهله
فلم أستفد بالصيت غير قيود

إن الدموع هي النصير الوحيد في ساعة الشدة. ومهما كانت المعاكسات والمعوقات والمتبطات البشرية فإن القلب الجريح الذي يعصره الألم، لا بد وأن ينال نفحة من النفحات السماوية، لأن الوري إذا لم يرحموك، فإن ربك لن يزال عفوا حليما كريما رحيما.
وهكذا نجد شاعرنا –حينما أصابه مرض كان فيه على قاب قوسين من الموت- ينشد في إيمان واحتساب:

يضعضع الداء أيامي فأمسكها،
ويقتل الدهر آمالي فأحييها
تبنى على الليالي من نوائبها
سجنا، فتنفد روحي من مبانيها
يا علة رافقت جسمي بمولده
حتى استحالت كجزء الروح أحويها
أخاف فقد حياتي حين أفقدها،
وأختشى من فنائي حين أفنيها
كانت دموعي نصيري عند كارثتي،
ترش نيران أحزاني فتطفيها !

ويصور لنا شاعرنا العظيم جنون العبقرية في لوحة هزلية لا تخلو من سخرية ومرارة للواقع الذي لا يتلاءم والروح التحريرية التي ينشدها، ويجد عزاءه فيها، فيقول :

إذا الشاعر رام اقترانا بزوجة
ففي البيت مجنونان يصطرعان
كفتني جنون العبقرية شاغلا،
أأصفى عليه من جنون غوان ؟
فكيف إذا زوجت شاعرة ؟ إذن
أعيش ومجنونين يصطدمان
فللمرأة الحسناء تأثير خمرة،
فما اجتمعت والعقل ضمن مكان

فما نحن نرى أنه ينفر حتى من المرأة الحسناء التي لها تأثير الخمر التي لا يمكن أن تجتمع هي والعقل في مكان واحد. وهذا رفض وتحدي حتى لما يمكن أن يكون مصدر الوحي والإلهام عند البعض، في حين أنه في
نظره هو، يتنافى مع العقل الذي يجب أن يبقى صافيا لينفذ إلى أعماق الحكمة وأغوارها، ويعثر على الطمأنينة الروحانية الباطنية التي ينشدها. وفي ذلك قمة النبل وسمو العاطفة، وسعة الأفق الذي يترفع عن الاستهلاك المادي الزائف، ويعرج إلى النورانية الفكرية المطلقة التي هي فوق المعايير والمقاييس الاعتيادية الزائغة عن المثل الأعلى المطلوب, وإذا كان هو ذاك جنون العبقرية، فحبذا به من جنون !
ويرد على من ينتقدوه من ترجمته لرباعيات الخيام، فيقول في براعة متناهية :

ظننت ترجمة الخيام مأثرة
إذا بها لضعاف الرأي أجرام
إن كان هذا مثال الشعر في نفير،
لا كان شعر ولا خمر وخيام !

ويرسم لنا لوحة عن الشحاذين والأمير، فيصف نفسه – كعادته الساخرة الضاحكة- أمام الذين قد ابتلاهم الله بالنظرة السطحية إلى الأشخاص والأشياء، فيحسبون المتعففين الطائفين لماء وجوههم، أغنياء من التعفف، ويسمونهم بغير أسمائهم الحقيقية، وينعتونهم بغير نعوتهم اللائقة بنفوسهم الكبيرة، وقلوبهم القانعة والعامرة بأنوار الإيمان واليقين، والخالية من الأطماع والتمويهات والأماني العفنة ..
فيقول في ذلك :

ومقهى قد جلست به وعقلي،
من الإفلاس قد بلغ الجنونا
أرجى الرزق من ربي، ولكن
أرى الشحاذ نحوي مقبلينا
وكم جاهل فيهم أتاني
يجر بناته تلو البنينا
ينادي : قد عجزت فأطعموا لي
صغاري، إن تكونوا راحمينا
وكم من أحمق منهم دعاني
أمير، فامتلأ قلبي شجونا
دعاني بالأمير، وكنت أولى
بأن أدعى أمير المفلسينا !

أن هذه الأبيات تنم –وأيم الحق- على نبل المشاعر التي لا ترضى احتراف التسول، ما دامت كرامة الإنسان يجب أن تكون أغلى عليه من الدنيا وما فيها. فالعمل مع الالتجاء إلى الخالق الرازق سبحانه، أولى بالمرء من التواكل والعجز، ومد اليد إلى المخلوق الواهن البائس الفقير الذليل، بينما الله وحده هو القوي الحميد المجيد الغني القدير العزيز الذي يحتاج إليه كل ما عداه، ولا يحتاج هو إلى أي أحد سواه.
وشاعرنا يأبى العبودية والتقيد، ويعشق السياحة في أرض الله، باحثا عن الأسرار وحقائق الحياة وخفاياها. فلنصغ إليه إذ يقول في صدق وصراحة :

قد اخترت منذ القدم عيش التشرد
لفقري، والفوضى، وحب التجرد
ولو أنني أسلو التشرد عاد لي
فكيف سلوي رفقتني في التشرد ؟
تعلمت ما لم تعطني الكتب منهمو
فجئت إلى الدنيا بهذا التجدد
معاشهم و ما يكسبون بيومهم
ومرقدهم ما عن من متوسد
وواحدهم إن لم يجد متوسدا،
توسد مرتاحا، وأغفى على اليد
يعيشون في مقهاهمو كعشيرة،
وإن ينتسب كل لأرض ومحتد
وهل نسب مثل التشرد جامع،
تجمع فيه كل شمل مبدد؟ !
فليت به (جمعية الأمم) اقتدت
لتهدي إلى التوحيد من ليس يهتدي !
أراني حرا أن أكون بجمعهم
ولو في سواهم عيش عبد مقيد
فشيطان شعري فوضى بطبعه
له ولع مثلي يعيش مشرد

والواقع أنه أبدع وأجاد في هذا الوصف الوجداني النفساني الدقيق. والحديث عن عمق الذات من أصعب
أنواع الحديث. لكن الشاعر توخى الحقيقة كلها فيما يقول : فهو لا ينكر فقره وفوضاه وحبه للتجرد، وهو لا يجحد طبيعته، ولا طبيعة رفقائه الذين يخبر عنهم بأنه يتعلم منهم ما لم تعلمه الكتب إياه. وهذا تجديد بالنسبة إليه وتلك عصامية تستحق كامل التنويه والإشادة والثناء, إنه يعشق البساطة، ومبدأ الاستغناء والقناعة ويعتبر أن الغربة هو القاسم المشترك بين جميع الغرباء، وأنه النسب الوحيد الذي يؤلف بينهم، ويعطي بذلك درسا لمن يتوخون التوحيد على أعلى المستويات، وتلك هي الحرية المنشودة في عالم تكثر فيه السدود والقيود، والعبودية والأغلال والفوارق الاجتماعية والطبقية والعنصرية. فإن كان هذا هو التشرد في عصرنا الصاخب المليء بالمتناقضات والصراعات الجوفاء، فمرحبا به وبالداعين إليه!
ويطيب لنا أن نورد فيما يلي هذه القصيدة التي يدافع فيها الشاعر دفاعا مستميتا عن مبدئه في التشرد وهل الحياة سوى شرود مستمر، وغفلة لا تنتهي إلا بانتهاء الآجال ؟ فالناس نيام، فإذا ماتوا استيقظوا. وخلاصة ما يمر على البرايا أنهم عاشوا وتأملوا وماتوا ! وذلك باختصار هو تاريخ البشرية كلها.
فلله در شاعرنا إذ يقول في قمة الإجادة :

يقولون : بيتي سوف يغدو محجة
إذا ما طوى شخصي القضاء المحتم
يحج له عشاق شعري مواكبا
يقبله هذا، وذاك يسلم
وذاك بكفيه يمس تبركا،
جدارا له، والبعض ساه يعظم
وذاك يشم الأرض منه تيمنا،
وهذا على أيامه يترحم
فقلت : هل لي أي بيت يضمني،
وعمري طواف مزمن وتبرم ؟ !
فبيتي مقاه جمة وفنادق،
أقيم بها حينا فأشقى وأهرم
وبيتي زوايا لا تعد سكنتها،
وروض وصحراء بها كنت أنعم
وكرسي مقهى كنت أجلس فوقه،
وشاطئ بحر فيه أهنا وأسلم
وبيتي خرابات بشعري عمرتها
أجيء لها أنعى الهدوء وأنظم
سأتعب عشاقي طوافا ورحلة،
فينجد ذا بحثا ، وذلك يتهم،
أرى حظ عشاقي كحظي تشردا،
فأنهمو مني، كما أنا منهمو !!

وبعد ... فرحم الله الشاعر الإنساني الخالد، وبلبل العروية الصداح الفريد، أحمد الصافي النجفي، وسقى جدته الطاهر بشئابيب المغفرة والرضوان ..فليس لنا ما يغرينا ويسلينا في فقدانه –وهو الذي قال عنه الأستاذ عباس محمود العقاد بأنه "أشعر شعراء العربية" –سوى هذه الآثار المبدعة، والنفحات الزكية المنبثقة من القلب الشفاف، والروح المرهفة المشرقة الوضاءة. والواقع أن الشاعر يعيش عيشة الخلد والأبد والسرمدية في ثبون شعره، وعرائس نبوغه، وشواهد عبقريته وذكائه، واستمرارية النور في ومضاته اللانهائية، وفيما يخلفه للأجيال من نفحات عطرة، وكواثر لا ينضب معينها، ولا يغور سلسبيلها، وفيما يحمله من مشاعر وهاجة لن تخبو جذوتها، وتضيء دروب الحق والخير، مدى الدهور والعصور والأجيال


توقيع : حسين الحمداني


زهرة الشرق

zahrah.com

حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
...شاعر , الصافي , الوجدان:احمد , النجفي

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رباعيات الخيام (ترجمة الصافي النجفي) حسين الحمداني أوراق ثقافية 18 27-12-15 12:24 AM
زيت الزيتون الصافي يقي من سرطان الثدي امل2005 الأعشاب والدواء 4 15-01-09 01:01 AM
شاعر الدعوة.. وليد الأعظمي hedaya أشعار وقصائد 1 26-04-07 01:52 PM
محاورة بين شاعر وشاعرة (( ليلة الدخلة )) زاحفين الاكحــل الترفيه والرياضة والفروسية 12 06-01-03 09:57 AM


الساعة الآن 07:47 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)