الوجه الحقيقي للعولمة

المشكلة يا صديقي تكمن فينا وليس بمن صدر منظومة العولمة إذعمل بناء على استراتيجياته وفق ما تتطلبه سياسته
نحن من نظر للعولمة واعتبرها المنظومة الفكرية المخلصة للبشرية وطفق يدافع عنها بكل ما أوتي من قدرة من منظور ما تعود عليه من نفعية زائفة
تصورأن أحدهم ( وهو من كبار المفكرين العرب ) يقول لي : العولمة أخرجتني من طور الانغلاق الفكري والحسي والعاطفي إلى آفاق الانفتاح الكلي .. حتى في الحب غدوت أعشق بطريقة مختلفة ..

بالمناسبة كنت قد قمت بإنتاج عمل تلفزيوني عن ماهية العولمة وأخذت شهادات لـ 62 شخصية عربية من فنانين وباحثين ومنظرين ومفكرين وتجار وإلخ من شرائح التركيبة العربية والاسلامية والتيارات الحزبية بكافة أطيافها
الكارثة أن أحدا منهم لم يكن يعي فرقا مابين ملحقات المجتمع المديني والحضارات .. ثمة خلط عجيب .. سوى المفكر برهان البخاري الذي فصل وبدقة مابينهما ( باختصار أن التقانة وليدة الاحتياجات المدينية " لا يمكن أن تصعد على أقدامك إلى الطابق المئة " ستحتاج حتما إلى مصعد ... لا يمكن كلما احتجت للحديث مع شخص ما أن تسافر إليه مئات الأميال .. أنت بحاجة إلى هاتف إلخ ..... )
في حين أن الحضارة ثقافة تراكمية إنسانية اجتماعية عمرانية ستفرز منها حتما تقانة للتسهيل والمساعدة في تطورها الفكري الانساني وعلومها الانسانية

لاحظ تصنيفات المثقف العربي وتوصيفه والتي أوردتها مفصلة في البرنامج وانتبه إلى أن هؤلاء هم راية الحضارة في الأمم .. شيء غاية في الكورثة :

أولا ً : المثقف السلفي :
يعتبر هذا المثقف أن الحل لأزمة الثقافة العربية هو العودة إلى الماضي والتراث الحضاري الإسلامي القائم على مفهوم جغرافي أشبه بالعولمة القادر على احتضان كل الثقافات والتيارات الفكرية جدلا ً ونقدا ً استنادا ً إلى القيم المثلى التي سادت لدى القبيلة العربية.
النمط السلفي .. يتخذ موقفا ً حدّيّا ً من العولمة
ثانيا ً: المثقف المتطرف :
هذا النمط المثقف يستخدم كل ما ينتجه عصر التقانة فيما يخدم مساره الاستراتيجي على كافة الصعد يعمل على توطيد وجوده السياسي بتوظيف التيكنولوجيا لتوسيع نطاق امتداده الجغرافي وتنظيم جماعاته تنظيما ً دقيقا ً دون التأثر بملحقات التيكنولوجيا الفكرية وأيديولوجياتها الحداثوية فمعتقده الديني لن يخرج عن بنيته التقليدية المذهبية الثابتة كيمين متطرف أو معتقده السياسي التقدمي الحاد كيسار متطرف
ثالثا ً : المثقف المؤيد :
إنه المثقف المواكب لمسار العولمة الخاضع للانبهار التقني وآلياته وما يؤكد على تسميته بحضارة المعلوماتية ما يفرض عليه اختلاق جذور ثقافية لهذه الحضارة فيوظف ثقافته وعلومه في إيجاد ما يثبت مرجعيتها الثقافية مختلقا ً قواسم مشتركة مابين الأسطورةاليهودية والتراث الثقافي والشعبي لحضارتنا القديمة مؤكدا ً على تجذيرها في أصل واحد ليتسنى له تبرير انسياقه مع تيار العولمة وتوظيفه لملكاته الذهنية في ترويج السلعة الأمريكية بأسلوب معاصر على الرغم من إدراكه الجيد للعلاقة الوثيقة مابين العولمة الأمريكية والإسرائيلية
رابعا ً : المثقف الغائب :
يعوم على معاناة تخلـُّـف المجتمعات بطيئة التنمية معلوماتيا ً وتقنيا ً ..
إنه الغائب عن الأغلبية القيمية المتخبطة ما بين المعرفة والأمية الهجائية و الثقافية
يشجع الجنس ويؤدلجه ـ يعمل على تكريس النجومية بكافة أشكالها بغية تحويل إنتاجها إلى سلعة منافسة محليا ً وعالميا ً
خامسا ً : المثقف عابر القارات :
إنه في مراكز الأبحاث الخاصة والعامة داخل وخارج الكليات الرسمية والأهلية
يعمل على التخلي عن القيم التراثية من منطلق ضرورة تغيير المجتمع
إنه المثقف العالمي المباعد مابينه وبين الفئات الاجتماعية المحلية فهو المثقف الخبير المنتمي للثقافة الجديدة والتي جاءت من أموال المعونات الأمريكية وأدوات الأتصال والكمبيوتر
سادسا ً : المثقف المهمش :
إنه مثقف خارج النفعية لاينتمي إلا لإبداعاته الإنسانية يرفض مسايرة الركب المستفيد من التغيرات الحادثة بالنسبة لشركات متعددة الجنسية والتي تقوم على تجنيد المفكرين والكتاب من مختلف البلاد ينظـِّرون ويروجون لأفكار العولمة والكونية مكرسين لفكرة أن الانتماء إلى الوطن والأمة باتت من مخلفات الماضي
هذا المثقف لم يشكل سوى فئة بسيطة لن تستطيع الوقوف أمام الدولة والقوى الاقتصادية الهائلة التي تقف وراءها ليبقى خارج النظام وبالتالي كان مصيره التهميش
سابعا ً: المثقف الجديد :
إنه الخبير بالأعمال ـ هو أقرب إلى رجل الأعمال منه إلى المثقف
يبرع في الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي ومطامع القوى الاستعمارية والمخطط الأمريكي محاورا ً بخبرة ماركسية أتقنها حين كان ينتمي إلى اليسار ولا يستهان به حين يتحدث عن ثقافة السلام وحقوق الإنسان وأطفال الحجارة بحماسة شديدة لاتمنعة البتة عن تقاضي المبالغ الطائلة من جماعات تخفي وجودها خلف أقنعة الشفافية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها
إن من الأهمية بمكان ملاحظة أن مجمل هذه الأنماط ذات سبغة غاية في التناقضات في مستواها العام والخاص تتخبط ما بين التأييد النفعي والرفض غير القائم على قواعد أيديولوجية مستندة إلى موقف ثقافي تاريخي قوميا ً أو استراتيجيا ً أو سياسيا ً ولا حتى دينيا ً ليغدو دور ذلك المثقف تجاه مفهوم غاية في التداخل دورا ً ثنائيا ً يقوم على النقيضين فيعكس ازدواجية الرؤية ليبتعد عن التقييم العقلاني موضوعيا ً تجاه مفهوم العولمة
فالمثقف .. يفترض أنه الفاعل الفكري الأول في تغيير العالم من خلال إبداعاته التي يستطيع من خلالها تغيير واقع السياسات في خلق ممارسات فكرية جديدة دون أن يتحول إلى جزء من مشكلة المجتمع ذا السبغة الإشكالية التي يثيرها وعيه الزائف للموضوعات التي يتوجب معالجتها
إن طبيعة المفاهيم لدى المثقف العربي ثابتة على الرغم من أنها لاتحمل تحديدات دقيقة لثوابتها ما أعمل الخلط الفكري ما بين المثقف تجاه مفهوم واحد نظرا ً لتناقض الرؤية حوله وطالما أنه مستهلك للفكرة غير منتج لها فهو لن يعتمد على إثارة التساؤلات المحورية الدافعة نحو إحداث نقلة نوعية للواقع في إطار القراءة النوعية لماهية الفكرة أو الحدث فما يزال يحلل ويناقش تيارات الفكر العربي المعاصر كالحداثة وما بعدها ونهاية التاريخ وصدام الحضارات والعولمة دونما أية إضافة فكرية ليفقد بالمحصلة سلطته النقدية الفاعلة للواقع
إن كافة المحاولات الفكرية على أهميتها و التي دأب عبرها المثقف العربي في تناوله ظاهرة العولمة من مختلف جوانبها كما بدا له ، تكاد تكون واقفة على حدود الحيادية والمعارضة والتأييد غير قادرة على إيجاد حتى إمكانية إستنهاض مشروع فكري يعتمد على بلورة متكاملة الأسس يتوازى من حيث هيكليتة ومستوى أهميته مقارنة بمشروع مثل مشروع العولمة الذي غدا العصب الرئيس لحركة الأمم
ومما لاشك فيه تلك القدرة التحليلية الهائلة للباحث والمثقف العربي والتي تصل أحيانا ً إلى أعلى درجات الاحترافية نقدا ًوترتيبا ً وتفصيلا ً بيد أنها لم تخرج لغاية الآن بمشروع ٍ فكري يمكنه من التعامل مع ظاهرة العولمة في أدنى الأحوال سواء أكان مناهضاً يأخذ موقع البديل أوالوجود أم كان مؤيدا ًيدرك بدقة مرتكزا ً لهوية تمنحه الثبات واتخاذ الدور الفاعل في منظومة العولمة أو على أقل الآمال إمكانية تحديد موقعه في العالم الجديد بل حول في مجمل بحوثه وتحليلاتة ذلك المد العولمي من مشروع يرتبط بالواقع ارتباطا ً أساسيا ً بعيدا ً عن الفكر والأيديولوجيا إلى مفهوم ثقافي جدلي ذا إشكاليات فكرية متعددة الأبعاد غامضة الاصطلاحات تصعب قراءتها .


الحقيقة أن السعادة غمرتني هنا حين قرأت ما قرأت في مشاركتك المميزة حيث كنت على وشك فقدان الأمل في أن أجد من يقرأ بعين المدرك الذكي لماهية العولمة ما يدفع بي لمواصلة العمل على الموضوع والاستشهاد برأيك وآراء الأخوة على هذه الصفحة

كل محبتي وإعجابي

[ALIGN=CENTER]
الأخ الحبيب
سعد الدهشوري
شاكر لك مرورك الكريم
وأعتذر عن تأخري في الرد
دمت بود
[/ALIGN]

[ALIGN=CENTER][ALIGN=CENTER]
لؤي درويش
جميل ماسطرته
فهو يدل على عقل ناضج
وفكر واضح
وثقافة محددة الملامح والسمات
قرأت ما سطرته بكل إعجاب
وأحيي فيك العقل الواعي
والفكر الرشيد
لك مني كل تقدير
دمت بود
[/ALIGN][/ALIGN]