عرض مشاركة واحدة
قديم 20-01-09, 03:57 AM   #9
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: السيدة خديجة بنت خويلد


المرأة والدعوة الإلهية

في تأريخ البشرية رجال عظماء صنعوا التاريخ ، ورسموا مسار الأحداث ، وفي تأريخ البشرية نساء كبريات ساهمنَ في صناعة التأريخ ، وتحديد المسار ووقفنَ إلى جنب الرجال العظماء يؤازرنهم، ويحرِّكنَ فيهم نوازع القوّة والإقدام .. وكم حفل التأريخ بنساء عظيمات اختططنَ المسار بإرادة ذاتية مستقلّة، وبقرار منطلق من الإيمان بالمبادئ والقيم ، وبما يجب أن يسير وفقه ركب الحياة ..
ذكرَ القرآن امرأة فرعون (آسية بنت مزاحم) وتحدّث عن مريم بنت عمران .. نموذجاً للمرأة العظيمة ، ومثلاً للّذين آمنوا .. نموذجاً للمرأة صانعة الموقف العقيدي ، المرأة التي تحدّت الرّعب والقساوة والإرهاب .. إرهاب الطواغيت ، والأهل ، وذوي النفوذ الأسري والاجتماعي والسياسي ..
مريم تتحدّى قومهـا ، وتقف صامدة بوجه المقاطعـة والحرب والرمي بشتّى التّهم والأكاذيـب .. فتصمد حتى ينتصر الحق معـجزة على لسان عيسى الصبيّ الصغير في المهد .. وقبلها تتحدّى آسية بنت مزاحم طغيان زوجها فرعون مصر .. وتضرب المثل الأعلى في التحدِّي ، ورفض الملك والسلطان والنعيم الزائف القائم على الظلم والطغيان .. إنّها استفاقة امرأة حرّة في قصور الجور والارهاب والفساد واستعباد الانسان .. يعظِّم القرآن شـخصية المرأة في هاتين المرأتين .. إنّه الثناء العظيم الذي يجعل من المرأة نموذجاً للأجيال ـ الرجال والنساء ـ فيضربهما مثلاً للناس :
(وضربَ الله مثلاً للّذينَ آمَنوا امرأة فرعون إذ قالت ربِّي ابنِ لي عندكَ بيتاً في الجنّة ونجِّني من فرعونَ وعمله ونجِّني من القوم الظالمين * ومريم ابنة عمران التي أحصَنت فرجها فنفخنا فيه من روحـنا وصدّقت بكلماتِ ربِّها وكتبه وكانت من القانتين)(التحريم/11ـ12).
ويأتي الرسول الهادي محمّد (ص) ، فيتحدّث عن خديجة مقرونة بآسية بنت مزاحم ، ومريم ابنة عمران في المكانة والمقام ، فيصفها بقوله :
(خير نساء العالمين : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد) (1) .
(أربع نسوة سيِّدات عالمهنّ : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وأفضلهنّ عالماً فاطمة) (2) .
وروى ابن عباس : ( إنّ رسول الله (ص) خطّ في الأرض أربعة خطوط ، قال : أتدرون ما هذا ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، امرأة فرعون) (3) .
وبهذا البيان النبوي الكريم ، توضع خديجـة قدوة وأسوة ، ومثلاً أعلى للرجال والنساء ، إلى جنب آسـية ومريم المذكورتـين في القرآن الكريـم .. فمنطوق الآية : (وضربَ الله مثلاً للّذينَ آمنوا امرأةَ فرعون ... ومريم ابنة عمران ... ) .
إنّ هذا البيان القرآني حريّ بالوقوف عنده والتأمّل فيه ، واستجلاء مفاهيمه ، وهو يتحدّث عن قيمة المرأة في الدعوة الإلهية،ودورها في المجتمع وصراع الحضارات،وصنع التأريخ.
لقد كان في هذا البيان القرآني خطّ فاصل بين مفهومين عن المرأة ، المفهوم الجاهلي المستخفّ بقيمتها وقدرها ، ودورها في الحياة ، وبين مفهوم الاسلام الذي يرسمه القرآن، فيجعل المرأة الصالحة قدوة للرجال، ويدعوهم للاقتداء بمواقفها ، والسّير على نهجها في التحرّر من الظلم والطغيان والخرافة والاستبداد السياسي والارهاب الفكري ، الذي مثّله فرعون ، وطواغيت بني اسرائيل في عصرَي آسية ومريم .
وتجسِّد خديجـة (رض) الموقف نفسه من الظلم والخرافة والطغيان ، ورفض قيم المجتمع المتخلِّف عندما تقف إلى جنب محمد (ص)، مؤمنة مؤازرة، ترصد ما تملك من جهد وإمكان ومال ومشاعر لنصرة الحق، وإنقاذ الانسان .. لذا يتحدّث عنها الرسول (ص) مقرونة بمن سبقها من النساء العظيمات



المرأة في الإسلام

انطلق الاسلام في التعامل مع الانسان كنوع ; لذا تعامل مع هذا النوع على أساس إنسـانيته ، فخاطبـه إنساناً يحمل الغريزة والعقل والشعور الوجداني والاحساس الأخلاقي .. تعامل معه كإنسان من غير أن يفرِّق بين الجنسين: الذكر والاُنثى في الانتماء إلى هذا النوع .. جاء هذا الأساس واضحاً في بيانه القرآني الكريم :
(ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيِّـبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً )( الإسراء / 70 ) .
(يا أيّها الناس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلقَ منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيباً)(النساء/1).
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون ) ( الرّوم / 21 ) .
(ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف ) ( البقرة / 228 ) .
(وعاشروهنّ بالمعروف ) ( النساء / 19 ) .
(ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً حملتهُ أُمّه كُرهاً ووضعتهُ كُرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ( الأحقاف / 15 ) .
(وقضى ربّك ألاّ تعـبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدينِ إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقُل لهما قولاً كريماً * واخْفض لهما جناح الذلِّ من الرّحمةِ وقُل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً )( الإسراء / 23 ـ 24 ) .
(وضربَ الله مثلاً للّذينَ آمنوا إمرأة فرعون إذ قالَت ربِّي إبنِ لي عندكَ بيتاً في الجنّة ونجِّني من فرعونَ وعمله ونجِّني من القومِ الظالمين * ومريم ابنة عمـران التي أحصنت فرجها فنفخـنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربِّها وكُتبهِ وكانت مِنَ القانتين)(التحريم/11ـ12).
إنّ قراءة هذه النصوص النـيِّرة ، واستجلاء ما حوت من قِيَم إنسانية فريدة تكشف لنا عن قيمة المرأة وموقعها في الرؤية القرآنية للإنسان ، ونجد في نصوص السنّة والسيرة النبوية المطهّرة ، المعبِّرتين بدورهما عن روح القرآن .. نجد ما يوسع دوائر الضوء والبيان حول هذه المفاهيم .. في الآيات السالف ذكرها ; نجد :
ولقد كرّمنا بني آدم .
وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا .
خلقكم من نفس واحدة .
خلق منها زوجها .
وبثّ منها رجالاً كثيراً ونساء .
اتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام .
خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها .
وجعل بينكم مودّة ورحمة .
ولهنّ مثل الذي عليهنّ .
عاشروهنّ بالمعروف .
ووصّينا الانسان بوالديه إحساناً .
حملتهُ أُمّهُ كُرهاً ووضعتهُ كُرهاً .
وحمله وفصاله ثلاثون شهراً .
وبالوالدين إحساناً .
فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما .
وقُل لهما قولاً كريماً .
وقُل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً .
ضرب الله مثلاً للّذين آمنوا إمرأة فرعون ...
ومريم ابنة عمران .. وصدّقت بكلمات ربِّها وكتبه وكانت من القانتين .
إنّ القرآن يؤسِّس مفاهيم وقيماً ورؤىً علمية وأخلاقية ثابتة في الحياة البشرية ، توضِّح إنسانية الانسان وقيمتها في الجنسين الذكر والاُنثى .
إنّ القرآن يقرِّر أنّ الناس ـ رجالاً ونساءً ـ خُلِقوا من نفس واحدة هي النفس الانسانية الحاملة لكل خصائص النوع ، وأنّ خالق الانسانية قد كرّم هذا النوع ، وأبى أن يُهان إلاّ مَن أهان نفسه ، فهو المسؤول عن المهانة تلك .
ويقرِّر القرآن مبدأً نفسياً في العلاقة بين الزوجين ، فيوضِّح أنّها علاقة قائمة على المودّة والرحمة والمعاشرة بالمعروف والاحسان .
والزوجة بما تحمل من حبّ ومشاعر إنسانية تجاه زوجها ، هي راحة وسكن وطمأنينة، تبعد عن زوجها القلق والكآبة ومتاعب الحياة ، وبذا تُبنى الاُسرة السعيدة والحياة الزوجية المستقرّة الهانئة .. يوضِّح هذا المعنى قوله تعالى : (لتسكنوا إليها ) ، وقوله : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) ( الأعراف / 189 ) .
وتقرِّر مبادئ القرآن، التكافؤ والمماثلة في حق المعاملة بالحُسنى : (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف ) .
وفي هذه النصـوص ، نجد حق المرأة وكرامتها محفـوظة موقّرة ، سواء أكانت اُمّاً ، أو زوجة ، أو أختاً ، أو ذات رحم .. وإذا كان هذا منهج القرآن في التعامل مع الزوجة ، فإنّه قرنَ احترام الاُم وحُبّها والبرّ بها ، والاحسان إليها بطاعة الله ، ونهى عن أن يُقال لها إلاّ القول الكريم ، وأن تُعامل إلاّ بالمعروف والاحسان ، ولا يصدر من الأبناء حتى كلمة الاُف .
والمرأة في المجتمع كشقيقها الرجل في العلاقة والمسؤولية الاجتماعية والرابطة العقيدية . فهي العنصر المكافئ له في بناء الحياة وإصلاحها ، جاء ذلك في قوله تعالى : (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرونَ بالمعروف وينهونَ عن المنكر ) ( التوبة / 71 ) ..
فهي والرجال أولياء متكافئـون في تولِّي بعضهم للبعض الآخر ، ولها صلاحية أمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، كما له الصلاحية ذاتها ، بل وهي تأمر زوجها بالمعروف وتنهاه عن المنكر ..
وأمرها ونهيها هذا ملزم له .. فأمر الآمر بالمعروف ، ونهي الناهي عن المنكر موليان ، وليسا إرشاديين ، كما يوضِّح الفقهاء ذلك ، أي ملزمان لمن يُؤمر ويُنهى .
وبذا يكون أمر المرأة بالمعروف ونهيها عن المنكر في مجال الفكر والسياسة والأخلاق والممارسات السلوكية ، كأمر الرجل ونهيه ، فالآية تكلِّفها بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، كما تُكلِّف الرجل بذلك .
وجدير ذكره أنّ هذا التكليف يمنحها أهلية المشاركة في الحياة السياسية بكامل أبعادها كما يمنح الرجل هذه الأهلية .
ويفتح أمامها حق المشاركة في أنشطة الحياة الاجتماعية التي يشملها هذا العنوان كافّة (عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولِّي بين المؤمنين والمؤمنات) .
إنّ دراسة الفقه الاسلامي وقوانين تنظيم المجتمع المدني بمختلف أنشطته من مال وزواج وتملّك وهبة وشـفعة وتجارة وقرض وكفالة وبيع وشراء وإجارة وعمل والتزامات مخـتلفة ، توضِّح لنا أنّ هذه القوانـين تقوم على أساس العقـود . والعقود في الشريعة تقوم على أساس توفّر الأهلية في الطرفين .
والمرأة في الفقه الاسلامي طرف مؤهّل كالرجل في إبرام العقود والالتزامات .. فقد لخّص الفقه الاسلامي وبصورة عامّة شروط الأهلية في الطرفين .. بالعقل والبلوغ ، وأن لا يكون هـناك مانع من نفاذ العقد كالحجر والسفه مثلاً . ولم يشترط الذكورة . فللمرأة حق العمل والاجارة والتجارة والبيع والشراء والهـبة والدّين والضمان والوكالة وكافّة التصرّفات .. وتلك من القضايا الواضحة في الفقه الاسلامي .
ويتّضح حق المرأة بشكل متميِّز في اختيار الزواج وإنشاء عقد الزوجية .
فالمرأة في الشريعة الاسلامية هي التي تُنشئ عقد الزواج ، فهي طرف الإيجاب (طرف إنشاء العقد وإيقاعه) .
ويُمثِّل الرجل طرف القبـول ، وصحّة العقد متوقِّفة على رضا الطرفين وقبولهما ، ولا يصحّ عقد المُكره . ولها أن تحدِّد من الشروط ما تشاء ، إلاّ ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً ، كما للرجل الحق ذاته .
وفي دراسـتنا لحـياة المرأة والاُسرة الاُسوة والقـدوة .. خديجـة زوج الرسول (ص) ، تتضح كل تلك المعاني والقيم بشكل عملي مُجسّد ، فدراسة حياة خديجة والاُسرة النبوية الكريمة ، هي دراسة تطبيقية للقيم والمبادئ الاسلامية التي دعا إليها القرآن الكريم ، وبيّنها وطبّقها الرسول الهادي محمد (ص) في بناء الاُسرة والتعامل مع المرأة .
وكم عبّر الرسول (ص) بقوله وفعله عن قيمة المرأة في حياة الرجل وفي حياة المجتمع ، أمثال قوله : «النساء شقائق الرجال» ، و «من أخلاق الأنبياء حُبّ النساء» ، و «ألا خيركم ، خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي» .
من مجمـل هذا العرض ، تُعرَف قيمة المرأة في الاسلام ، وموقـعها في المجتمع ، وحقّها في بناء الحياة والمشاركة فيها .


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس