الموضوع: حالة ضيق.!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-09, 09:40 PM   #1
 
الصورة الرمزية امل2005

امل2005
المشرفة العامة

رقم العضوية : 4124
تاريخ التسجيل : Feb 2006
عدد المشاركات : 8,226
عدد النقاط : 50

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ امل2005
حالة ضيق.!!


قال الراوي:سمعتُ شيخنا ذات يومٍ يحكي قصة أحد الصالحين ، وقد مرت به حالة ضيق كدّرت عليه حاله مع الله تعالى ، وشعر معها بثقل شديد ، وانقباض نفس ، وفتور همة ، ونحو هذا مما تضيق به نفسه ..فما كان منه وقد أفزعه ما رأى من نفسه ، وهاله أن يجد نفسه في أسفل السافلين على هذه الصورة ،
ما كان منه إلا أن أخذ يقلّب وجهه في السماء ، ولسان حاله وقلبه يهتف وينادي ويناجي للخلاص مما يجد ويعاني ، وكبارقة من بوراق الأمل ، لاحت له آية كريمة ، كأنما هو يقرأها في صفحة السماء بوضوح ، أو كأنما يسمع من يهمس بها في أذن قلبه ، فتهللت روحه ، وكان أشبه بغريق يكاد يغوص تحت الماء ، ثم رأى طوق نجاة يسقط قريبا منه ..!كانت الآية الكريمة هي قول الحق تبارك اسمه :



(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )

فكأنما أفاق من غيبوبة كان فيها ، ورنت في زوايا قلبه كلمة ( شفاء ) ،

ففزع إلى كتاب الله على هذا اليقين ، وانزوى في ركن قصي من المسجد ، وشرع يتلو ..!كان يمر بالآيات مرور الكرام ، لا يكاد يستوعب شيئا مما يمر به ، كانت حالته النفسية لا تزال ملازمة له ، وهو يصر على مغالبتها .. وأحس كأن صوت الشيطان في صحن أذنه يقول له :لا جدوى مما تفعل ..! ابحث عن وسيلة أخرى تفرج بها عن نفسك ، وتحل بها هذا الكرب الذي تعانيه ..!!

لكنه نفض رأسه ، وأصر على أن يواصل قراءته ، وأخذ يذكر نفسه كأنما يخاطبها ويخاطب معها شيطانها :ألم يقل الله سبحانه
( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ؟
فكل حرف أقرأه _بفهم أو بدون فهم _ فإن لي به عشر حسنات ، والحسنات يذهبن السيئات ،وذهب السيئات انقشاع للسواد الذي خيم على وجه القلب ، ودحر للظلمة التي جثمت على أجواء الروح !! وما أنا فيه من حال سيئة ، إنما مرده إلى حال قلبي هذا اليوم ، ومن ثم فلابد أن أواصل حتى أجد هذا الأثر ..!!

وعاد إلى قراءته ، وعادت نفسه إلى التشويش والتهويش عليه !وبقي هذا الصراع النفسي قائماً بين رغبة شديدة في الانصراف عن القرآن إلى غيره ، وضغط من الشيطان والنفس في هذا الاتجاه .. وبين إصرار على المضي وإن لم يفهم شيئا ، وإن لم يستوعب حرفا ، وإن بقي شتات قلبه على ما هو عليه ..!!
كان لسانه يدور بكلام الله ، لكن عقله في حجاب عن المعنى ، وقلبه في شتات عن هذا الجو الروحي ،وجند النفس والشيطان لا يزال يواصل ضغطه بلا هوادة ..!!

ومرت عليه نصف ساعة ويحسبها دهراً ..! غير أنه أبى إلا أن يصل إلى حالة إشراق ، وكأنما عزم أن لا يقوم من مكانه ، حتى تهب على قلبه نسائمها !

وانقدحت في ذهنه فكرة ، وجد نفسه يتبسم لها ، وسط هذا الجو الروحي الخانق الذي يمر به !قفزت إلى ذهنه قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذي جاءه يشكو بطن أخيه ، وأنه يستطلق ! فأوصاه رسول الله أن يعطيه عسلاً ، فعاد الرجل ليقول أن بطن أخيه ازداد سوءاً !!فأوصاه رسول الله أن يعطيه عسلاً مرة أخرى .. فعاد الرجل للمرة الثالثة ليقول : أن بطن أحيه لا زال في حال سيئة !! فقال له رسول الله في ثقة ويقين :

اسقه عسلاً ، صدق الله وكذب بطن أخيك !! ،، فعاد يسقيه عسلاً فشفي !!!كان لهذه القصة في هذا الظرف مفعول السحر على صاحبنا ، فقد توجه بكل ثقة إلى نفسه يخاطبها وهي لا تزال تضغط عليه أن ينصرف إلى شيء آخر قال : صدق الله وكذبتِ !!وعاد يذكرها بقول الله تعالى :


(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )

شفاء .. وهدى .. ورحمة .. وتلحين عليّ بالانصراف إلى غير هذا الينبوع ...!!!بئس الصاحبة أنتِ ..!!

وكأنما أعطته هذه الفكرة شحنة قوية ، وبعثت فيه عزيمة ماضية ، وفجرت فيه كوامن خامدة ،وشعر كأنما انزاحت غشاوة من على وجه قلبه ، أو كأنما رُفعت ستارة سوداء ، فبدأ النور يتسلل إلى حجرات قلبه شيئا فشيئا ..!!كان في تلك اللحظات يقرأ في سورة يوسف عليه السلام ، ولما وصل إلى قوله تعالى يحكي ما كان من أمر يعقوب عليه السلام :

(قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .

استوقفته هذه الآية بقوة .. فعاد يكرر مقطعها الأول ، بلسان حاله هو لا بلسان حال يعقوب ! (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ) ...!!يكررها وكأنما ينوح على نفسه ، ويستعطف ربه ، ويستدر رحمته ، ويطرق بابه بكل ضراعة قلبه المنكسر ..!

فكان الفرج ، وجاء المدد ، وهبت رياح الرحمات ، فانحدرت دموع ، ورف قلب ، وشفت روح ، وانفجر الينبوع ، وتدفق السيل ، وفاضت الأنوار ، وانقلب ليل القلب إلى نهار متوهج ، واستحال خريف الروح ، إلى ربيع كل شيء فيه مورق مبهج يكاد يتكلم حسنا وجمالاً ..!!

وبكى كما لم يبكِ من قبل .. !!وشعر بعد هذا الفيض الذي غرق في أنواره ، شعر بشعور غريب وعجيب ،،!!

شعر أن تلك الحالة من الضيق التي مرت به ، كانت عطاء لا حرمانا ، ومنحةً لا محنة !! فلولاها ما كان الذي كان ، ولا حصل على ما حصل عليه ، ولا تعرض قلبه لمثل هذا التيار من نفحات السماء بكل هذه القوة وكل هذا الفيض .. !!

وبقي في مكانه يدير لسانه بالتسبيح والاستغفار والحمد لله رب العالمين ، ثم دعا وانصرف !لكنه انصرف غير الإنسان الذي كان ..!!انصرف حياً وقد كان ميتاً ..! أو قل انصرف متعافياً سليما ، وقد كان مريضا معلولاً ، مشرفاً على الموت !!

فسبحان من جعل كلامه شفاء وهدى ونور ...!!وسبحان من يضيق على عباده بحكمة ليمنحهم الكثير ، إذا فهموا عنه حكمته ..!!




المصدر : موقع طريق التوبة


توقيع : امل2005
زهرة الشرق
zahrah.com

امل2005 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس