عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:09 PM   #30
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]صدام حسين

بقلم د.مصطفى الفقي ٢٢/ ١١/ ٢٠٠٧
لم تثر شخصية من الجدل - علي امتداد العالم كله في العقود الأخيرة - مثل شخصية «صدام حسين» فقد ملأ الدنيا وشغل الناس وسيطر لسنوات علي أحاديث البشر في أركان الدنيا الأربعة، وإذا كانت الأغلبية تري فيه دكتاتورًا دمويا وحاكمًا مستبدًا فإن ما عرفته عنه من قرب يضيف إلي ذلك انطباعات مختلفة وآراءً متباينة،
فقد كان الرجل في اجتماعاته الرسمية وجلساته العادية ودودًا لطيفًا لايبدو فارغ العقل أو محدود المعرفة بل كان شأنه شأن معظم البعثيين الذين تربوا في مدرسة الجدل السياسي وارتبطوا بالفكر القومي، ومازلت أذكر في أحد الاجتماعات الرسمية بين الوفدين المصري والعراقي في أحد قصور «صدام» ببغداد أن وجدناه يقف فجأة ليحرك ستارة النافذة قائلاً (إن أشعة الشمس مركزة علي مقعد الدكتور «أسامة الباز»)
فعل ذلك في بساطة أمام ضيوفه ومعاونيه، كما رأيته أيضًا يقف وفي يديه عباءة عراقية يضعها علي أكتاف الرئيس «مبارك» في ود ومحبة شديدين ولا عجب فلقد كانت مصر والمصريون إحدي نقاط ضعف الرئيس المشنوق «صدام حسين» ففيها عاش بعض سنوات حياته وارتبط بشوارع «الدقي» ومقاهي «القاهرة» وظل حتي نهاية عمره يحمل لها أجمل الذكريات وقد انعكس ذلك بشكل ملموس في معاملته لمعظم المصريين المقيمين في العراق أثناء سنوات حكمه، ومازلت أتذكر ما جري لي ذات يوم في «بغداد»
ونحن نجلس علي مائدة الطعام المشترك للوفدين الرئاسيين المصري والعراقي حيث كان مقعدي علي طرف المائدة المستطيلة كأصغر عضو في الوفد المصري فإذا بالرئيس «مبارك» - وهو معروف بتواضعه وبساطته ومداعبته لمساعديه ورفاق العمل معه - ينظر إلي ويقول ( هل أكلت بطيخ أم لا؟) فلقد كان يعرف شيئًا عن غرامي بتلك الفاكهة الشعبية وعندما سمعه الرئيس «صدام» يقول ذلك وقف يحمل الطبق الكبير بالبطيخ مناديا بعض الخدم قرب المائدة قائلاً (إن الدكتور «مصطفي» يبغي البطيخ)،
وعندما وقف الرئيس الراحل «صدام» وقف الوفد العراقي كله معه وشعرت بحرج شديد بينما الرئيس «مبارك» يبتسم مما جري هو وأعضاء الوفد المصري وأنا أتمتم بعبارات الشكر والثناء وأريد لهذا الموقف أن ينتهي في أسرع وقت، وفي ظني أنه لا يمكن أن تصدر مثل هذه التصرفات إلا عن شخص لديه حس إنساني وشهامة وكرم شديد وكثيرًا ما سألت نفسي كيف يكون ذلك الرجل هو ذاته الذي يشرف علي وجبات الإعدام وحفلات الموت،
ويقتل بمسدسه الشخصي أحيانًا! ولكن يبدو أن كثيرًا من الطغاة لم يكونوا رجال عنف واستبداد فقط ولكن كانت لديهم بضاعة أخري في أوقات مختلفة منها الفكر العميق والقدرة علي الجدل وسبر أغوار الناس، وربما كان الرئيس الراحل هو واحد من ذلك الطراز حيث كان ضعيفًا أمام بعض أصدقائه القدامي ورقيقًا مع المرأة ومعتزًا بذاته إلي أبعد الحدود،
أما عن تقديره لمصر ووعيه بمكانتها فإنني أظنه أكثر حكام العراق الحديث في هذا الشأن باستثناء حكم عائلة «عارف» - الراحلان «عبد السلام» و«عبد الرحمن» - وهما يحسبان علي زعامة «عبد الناصر» القائد العربي أكثر من ارتباطهما بمصر الدولة والشعب وفي هذا السياق فإن «صدام حسين» يعتبر شيئًا مختلفًا، ومازلت أتذكر أن الدكتور «أسامة الباز» قد ذهب يومًا من القاهرة إلي بغداد حاملاً رسالة شفهية من الرئيس «مبارك» إلي الرئيس «صدام حسين»
قبيل زيارة محددة للرئيس المصري إلي «باريس» حيث يتمتع بدلال شديد علي رؤسائها خصوصًا «ميتران» ومن بعده «شيراك» وقد كانت زيارة المبعوث المصري إلي الرئيس العراقي في أوج اشتعال الحرب العراقية الإيرانية وقد فوجئ الدكتور «الباز»
بالرئيس العراقي ينتحي به جانبًا عند مدخل حديقة القصر ويطلب منه أن يتكرم الرئيس «مبارك» بالحديث مع صديقه الرئيس «ميتران» للإفراج عن صفقة أسلحة فرنسية مشتراة من العراق فأبدي الدكتور «الباز» دهشته قائلاً للرئيس العراقي (إن معلوماتنا يا فخامة الرئيس أن علاقتكم وثيقة للغاية بفرنسا خصوصًا من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية)،
فرد عليه الرئيس «صدام» بأن (ذلك قد يكون صحيحًا ولكنهم هناك في باريس لايثقون فينا كثيرًا، وينظرون إلينا أحيانًا باعتبارنا قبائل ترفع علمًا وتختار رئيسًا، أما نظرتهم لمصر فهي مختلفة إذ إن مصداقية الكنانة لديهم ولدي غيرهم تفوق ما عداها لذلك فإنني أريد أن يكون الرئيس «مبارك» - بثقل مصر ومكانته الشخصية - وسيطًا لنا في هذا الأمر)،
هكذا كان ينظر «صدام حسين» إلي مصر شعبًا وحكومة وقائدًا ورغم ذلك لم يستمع إلي نصائح الرئيس «مبارك» الشفهية والمكتوبة بعد غزوه للكويت، وأنا شخصيا شاهد علي عشرات الرسائل المكتوبة من «مبارك» إلي «صدام» والتي حمل بعضها سفير العراق في القاهرة حينذاك الصديق «نبيل نجم»
ولو أن «صدام» أخذ بنصيحة «مبارك» لتجنب العراق وربما المنطقة كلها جزءًا مما نعانيه الآن، وسوف يظل مشهد إعدام هذا الرجل فجر يوم عيد الأضحي مأساة إنسانية مروعة ظهرت فيها شجاعة إنسان صلب أمام جلاديه وبرزت قوة أعصابه علي نحو غير مسبوق، ثم يبقي بعد ذلك حسابه في النهاية بما له وما عليه عند خالقه وحده، فهو الآن في رحاب الله.

البابا شنودة الثالث

بقلم مصطفى الفقى ١٥/ ١١/ ٢٠٠٧
إذا كان تاريخ الكنيسة القبطية يتحدث عن البابا «كيرلس الرابع» باعتباره «أب الإصلاح»، فإن تاريخ الكنيسة القبطية سوف يتحدث قطعًا عن البابا «شنودة الثالث» باعتباره «أب الهوية الوطنية الحديثة للأقباط». وفي ظني أن ذلك الحبر الجليل قد دخل بوابة التاريخ من الزاوية الوطنية وليس فقط الزاوية الدينية.
فالرجل مُسيس حتي النخاع وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة، وصحفي وشاعر عرف جوانب الحياة المصرية قبل أن يدخل سلك الرهبنة ويعلو فيه حتي أصبح أسقف التعليم والمشرف علي «مدارس الأحد»، في ظل قداسة البابا الناسك العابد الزاهد «كيرلس السادس» الذي رحل عن عالمنا بعد رحيل الرئيس «عبد الناصر» بشهور قليلة فاقترنت رئاسة الرئيس «السادات» للدولة المصرية برئاسة البابا «شنودة الثالث» للكنيسة القبطية، بعد انتهاء عصر «عبد الناصر - كيرلس» الذي اتسم بالهدوء الكنسي حيث تراجعت الأحداث الطائفية، إذ إن عصر «عبد الناصر» رغم ضعف المؤسسات الديمقراطية فيه وأحادية التنظيم الشعبي وظهور فلسفة الاستفتاءات الموسمية بديلاً للانتخابات العامة فإن توجهاته الوطنية العلمانية قد اكتسحت أمامها رواسب التعصب الديني والمخاوف الطائفية.
ويرجع الفضل إلي البابا «شنودة الثالث» في دفع الأقباط إلي الساحة القومية بشكل غير مسبوق حتي إن الجماهير العربية تلقبه «بطريرك العرب» بمساندته القوية للقضية الفلسطينية، لذلك كان الرئيس الراحل «ياسر عرفات» حريصًا علي زيارة البابا كلما سنحت له الفرصة أثناء وجوده بالقاهرة، ويكفي أن نتذكر أن قراره بمنع زيارة الأقباط للقدس إلا مع إخوانهم المسلمين بعد التسوية العادلة للقضية الفلسطينية إنما هو قرار - مهما اختلفت الآراء في تقييمه - يصب في خانة التوجه القومي لبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ولقد ربطتني بقداسته علاقة قوية بدأت منذ عملي السابق في المؤسسة السيادية الأولي حيث كنت مبعوثًا إلي قداسته في كثير من المناسبات والأزمات، وامتدت مهمتي تلك في ظروف تالية لخروجي من تلك المؤسسة بحكم قربي من الكنيسة القبطية نتيجة تخصصي الدراسي في شؤونها من جامعة «لندن» منذ قرابة أربعين عامًا، وأتذكر أنني أوفدت ذات مرة إلي قداسة البابا طالبًا تزكيته لمن يري من الشخصيات القبطية للتعيين في «مجلس الشوري» - وكان ذلك في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي - ففوجئت به يملي علي أسماء لبعض المسلمين يتقدمهم الراحل الدكتور «فرج علي فودة» قائلاً ليس يعنيني من هو المعين بدينه ولكن ما يهمني هو إيمانه بالوحدة الوطنية ونبذه التطرف ودعوته للمحبة والتسامح.
وفي مرة أخري حدثني قداسته عن شؤون الأقباط في وعي وطني كامل، بل إنني حضرته مرة وهو يسجل شرائط لإرسالها إلي أقباط المهجر يدعوهم فيها إلي الاعتدال والتوقف عن مهاجمة وطنهم وضرورة فهم ظروفه وعدم الانسياق وراء الشائعات الكاذبة والمعلومات المغلوطة.
ولقد وصلت محبة هذا الرجل العظيم لدرجة أنه حكي لي تفاصيل خلافه مع الرئيس الراحل «السادات» دون مرارة أو حقد، فمثله لا يعرف مشاعر البغضاء، بل تفضل وشرح لي أيضًا أسباب خلافه مع الأنبا «متي المسكين» في موضوعية واحترام، ويكفي أن أقول هنا إنه قد بلغ من احترام دولة مثل المملكة العربية السعودية له درجة إلحاح الأمير «سلمان بن عبد العزيز» علي أن يكون البابا «شنودة الثالث» موجودًا في حفل افتتاح معرض «الرياض اليوم» الذي أقيم في «القاهرة» منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، رغم القطيعة الدبلوماسية بين «القاهرة» والعواصم العربية.
وأشهد أن «الرئيس مبارك» رحب يومها بتلك الدعوة واستجاب للمطلب السعودي لكي يكون البابا «شنودة» في مقدمة الحاضرين بعد فترة وجيزة من عودته من منفاه الاختياري في خلوته الروحية بالدير في أعقاب أزمته الشهيرة مع الرئيس الراحل «أنور السادات»، الذي كان هو الآخر خريج مدارس الأقباط بشهادته في أكثر من مناسبة.
كما أن علاقة «البابا شنودة» بالدولة الشقيقة «الجماهيرية الليبية» قد انتقلت مائة وثمانين درجة من التحفظ والفتور إلي درجة منح البابا جائزة «القذافي» منذ سنوات قليلة وذلك بفضل حكمته وحصافته وذكائه السياسي وتوهجه الفكري. ويملك «البابا شنودة» روحًا ساخرة فقد كنت أحدثه ذات مرة عن دول الجوار فقال لي «إن هناك الجار وهناك أيضًا من استجار!» وهو يستخدم تعبيرًا آخر يقول لقد تحدثت مع شخص ما «فماً لأذن» تدليلاً علي المباشرة والوضوح، وهو صاحب الدعابة الشهيرة حول تنظيم «التكفير والهجرة» عندما اعتبر ذلك دافعًا لغيرهم في «التفكير في الهجرة».
أما عن وطنيته الأصيلة فتكفيه عبارته الشهيرة «إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا». أما عن ثقافته الإسلامية فهي مصدر دهشتي فقد كان ينادي سكرتيره أثناء جلوسنا ويطلب منه أحد كتب التراث ليستخرج من صفحاته إشارة إلي آيات قرآنية بعينها أو وقائع محددة جرت في التاريخ الإسلامي، وأنا أظن مخلصًا أن «البابا شنودة» قد حمي مصر من كثير من الأزمات الطائفية وكبح جماح الانفعالات الدينية، ولقد تعاملت معه خلال كل أزمات الكنيسة ووجدته حزينًا ولكن في هدوء، متأثرًا ولكن في إطار الوطنية المصرية، لذلك لم يكن غريبًا أن امتدت شعبيته بين الأقباط والمسلمين علي حد سواء،
ويكفي أن يتذكر بعض الأقباط الذين يصفونه بالتشدد والصرامة، وأنه هو ذلك البابا الذي تشكلت في عهده الطويل الشخصية القبطية المعاصرة في العالم، فقد جلس علي الكرسي البابوي وللأقباط بضع كنائس في الخارج والآن يتجاوز عددها العشرات في الدولة الأجنبية الواحدة، بل إن دول الخليج العربي الإسلامي استقبلت الكنيسة القبطية في عهده كما لم يحدث من قبل، وهو البابا الذي التقي به رؤساء الدول في كل مكان حل به
ولقد شهدت بعيني وأنا أستقبله في مطار «فيينا» كيف كان «رئيس جمهورية المجر» ينتظره علي الحدود النمساوية المجرية لأن البابا المصري كان هو ضيف الشرف في الاحتفال بألفية أقدم دير في الدولة المجرية، ولا عجب فمصر هي التي اكتشفت الرهبنة وعرفت التوحيد واحتضنت ديانات السماء، فتحية لقداسة «البابا شنودة» المواطن المصري «نظير جيد» قدر ما قدم لأمته ووطنه وطائفته من أعمال جليلة سوف تبقي دائمًا في ضمير التاريخ المعاصر للكنيسة القبطية المصرية.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس