عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:08 PM   #29
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]محمود فوزي»

بقلم د. مصطفي الفقي ٦/ ١٢/ ٢٠٠٧
ترتبط الدبلوماسية المصرية الحديثة بأسماء متعددة لروادها الأوائل من أمثال الباشوات القدامي: «حسن نشأت» و«حافظ عفيفي» و«محمود فخري» و«عبدالفتاح عمرو» و«محمد صلاح الدين»، ثم مرحلة الدكتور «أحمد حسين» و«محمود حسن» و«عوض القوني» و«محمود فوزي»، ولكن يظل الأخير هو أكثرهم شهرة، وأعلاهم مكانة في تاريخ السلك الدبلوماسي المصري،
ذلك أن الرجل - الذي خدم في «اليابان» في مطلع حياته، ثم في أروقة الأمم المتحدة منذ إنشائها - قد جاءت به ثورة يوليو وزيرًا للخارجية، بعد فترة قصيرة شغل فيها السفير «أحمد فراج طايع» ذلك المنصب بعد قيام الثورة مباشرة، وقد كان «طايع» قنصلاً عامًا لمصر في «تريستا» بإيطاليا، وهو ينتمي لواحدة من عائلات الصعيد العريقة، أما «محمود فوزي» فهو ابن «محافظة المنوفية» لواحد من أعيان الريف، يحمل لقب «الفقي»، رغم أنه لم يستخدمه طوال حياته،
وفي ظني أن «فوزي» و«القوني» وبعدهما «محمود رياض» و«إسماعيل فهمي» و«عصمت عبدالمجيد» و«عمرو موسي» و«أسامة الباز» و«أشرف غربال» و«أحمد ماهر» و«نبيل العربي» و«عبدالرؤوف الريدي» و«أحمد صدقي» و«محمد شاكر» وغيرهم، وصولاً إلي جيل الوزير الحالي «أحمد أبوالغيط»، إنما يمثلون جميعًا الطبقة المتوسطة العليا في مصر وأبناء رجال الخدمة المدنية، وبعض رجال الدين، وأعيان الريف.
نعود مرة أخري إلي الدكتور «محمود فوزي» الذي بدأ في السلك الدبلوماسي بدرجة «تلميذ قنصلي»، بعد تصريح «٢٨ فبراير ١٩٢٢»، وقيام السلك الدبلوماسي المصري المستقل، واكتساب مصر حق التمثيل الخارجي، بمقتضي ذلك التصريح ووفقًا لـ«دستور ١٩٢٣»، ولا شك أن «محمود فوزي» قد اكتسب قدرات كثيرة من المواقع التي شغلها طوال حياته الدبلوماسية الثرية، فكان معروفًا بإجادته اللغات الأجنبية، وفصاحته في اللغة العربية،
وهدوئه الشديد، وميله للعزلة، والاستغراق في التأمل، فضلاً عن تذوقه للآداب والفنون، حتي إنه كان مغرمًا بتنسيق الزهور علي الطريقة اليابانية في مستهل حياته الدبلوماسية، كما كان واسع الثقافة، متذوقًا لاختلاف الشخصيات الحضارية في الأماكن التي عمل بها، ولكنني أسمح لنفسي بأن آخذ عليه - رغم كل احترامي له وتقديري لتاريخه - أنه كان سلبيا، إلي حد كبير،
في تعامله مع الضباط الأحرار من شباب ثوار «٢٣ يوليو ١٩٥٢»، ربما لأنه اقتنع منذ البداية بأنهم سوف يفعلون ما يريدون، فآثر السلامة، واكتفي بالجانب المهني والحرفي في وظيفته، فهو المتحدث رفيع الشأن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد تأميم «قناة السويس»،
ثم في أعقاب العدوان الثلاثي، وهو صاحب الخطوة الشهيرة في انتقاد شاه إيران السابق عندما كان الأخير داعمًا لإسرائيل، والتي قال فيها: (لقد شاه وجه الشاه وآن لشعب إيران أن يضحي بشاه)، فضلاً عن أن كفاءته الدبلوماسية لم تكن محل جدل، بل كانت دائمًا مثار احترام وتقدير، دوليا وإقليميا، ولكن الرجل في تعامله مع الرئيس الراحل «عبدالناصر» كان تنفيذيا تبريريا بالدرجة الأولي،
وعندما استشاره «عبدالناصر» في إحدي الخطوات التي يزمع القيام بها، قال له أب الدبلوماسية المصرية «محمود فوزي»: (إن هذا الأمر - يا سيدي الرئيس - يحتاج إلي قرار مستمد من إلهام الزعامة، وليس مجرد رأي وزير الخارجية!) مع أن مهمة رئيس السلك الدبلوماسي هي مهمة سياسية بالدرجة الأولي، فهو المستشار الأول لرئيس الدولة في الشؤون الخارجية، وعندما يتعامل وزير الخارجية مع نظام عسكري، فإن مسؤوليته تكون مضاعفة،
كما أن مهمته تبدو أحيانًا أكثر تعقيدًا، ولكن الفيصل دائمًا هو حسه الوطني وشعوره القومي. وأتذكر الآن اللقاء الوحيد الذي جمعني بالدكتور «محمود فوزي» عندما جاء للعلاج في لندن عام ١٩٧٥، وذهبت مع صديقي وزميلي في السفارة حينذاك السفير «أحمد والي» لزيارة جد ابنه في المستشفي، الذي كان يخضع فيه لعلاج جراحي بالعاصمة البريطانية،
وقد جلسنا معه في حجرته لأكثر من ساعتين، قدمني في بدايتها السكرتير أول «أحمد والي» لصهره السابق نائب رئيس الجمهورية المصرية الدكتور «فوزي»، تقديمًا سخيا، وقال عني إنني قارئ جيد ومتابع دؤوب للشأنين الداخلي والخارجي، عندئذٍ تفتحت شهية الدبلوماسي الكبير للمناقشة - وكان في طور النقاهة من محنته الصحية- وقال لي ما هو تفسيرك أيها الدبلوماسي الشاب لما.
(بدأ في لبنان من حرب أهلية مع بدايات التصدع في الجبهة العربية عمومًا؟)، عندئذٍ استجمعت شجاعتي، رغم ما كنت أشعر به من اضطراب، وأنا أجلس إلي أب الدبلوماسية المصرية، وتفتق ذهني يومها عن رد طويل، أشرت فيه إلي أن ما يجري في الساحة اللبنانية إنما هو محصلة للوضع العربي العام ونتيجة له.
وأعترف بأن الرجل العظيم قد استمع إلي في صبر واهتمام شديدين، ثم فاجأني قائلاً: (مع تقديري لتحليلك يا بني إلا أنني أظن أن السبب غير ذلك)، فتطلعت إليه في شغف وتأدب شديدين، لكي أستمع منه إلي ما يراه تفسيرًا لما يجري في الوطن العربي حينذاك، فإذا به يقول إن السبب هو أننا قد حُسدنا بعد انتصار «أكتوبر ١٩٧٣»!، مضيفًا أنه يجب ألا ننسي أن الحسد مذكور في القرآن الكريم! عندئذٍ لا أعرف لماذا طافت بخاطري مقولة شهيرة لأحد الأئمة الأربعة عندما قال: (آن لـ«الشافعي» أن يمد رجليه).
تلك هي المقابلة الوحيدة التي تشرفت فيها بالحديث إلي أسطورة الدبلوماسية المصرية، والتي لا تنتقص من مكانته الكبيرة وتاريخه الضخم وتأثيره المشهود علي الساحة الدبلوماسية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي،
قبل أن يولّيه الرئيس الراحل «السادات» رئاسة أول حكومة في عهده، ويومها قال الدكتور «محمود فوزي» للإعلام: (إن المصريين يريدون أن يشعروا بأن أمورهم تؤخذ بجدية!).. رحم الله رائد الدبلوماسية المصرية، الذي يذكره الناس في كل مكان بالتوقير والاحترام والعرفان.

محمد البرادعي

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٩/ ١١/ ٢٠٠٧
شنت «الدولة العبرية» هجوما مركزا علي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور «محمد البرادعي» وهي إذ تستهدفه في هذه المرحلة، إنما تقوم بدور أساسي في التمهيد للتداعيات المحتملة في المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ولابد أن أسجل هنا أن «محمد البرادعي» في نظري هو نموذج فريد للإنسان الموضوعي الملتزم الذي تشرف به الوظيفة الدولية التي يشغلها، فهو إنسان صلب متجرد من التأثيرات الجانبية ويتمتع بدرجة عالية من شجاعة الرأي والصدق مع النفس والبعد عن الهوي، ولا غرو فهو ابن لشخصية وطنية مرموقة، فوالده- رحمه الله- نقيب سابق للمحامين في «العصر الناصري» معروف بمواقفه الجريئة ومبادئه الثابتة التي التزم بها في كل الظروف،
ولقد ورث الابن عن أبيه الخلق الرفيع والعلم الغزير والتواضع الذي لا يخلو من مسحة حياء ونزعة كبرياء، وعندما عينت سفيرا لبلادي في العاصمة النمساوية ومندوبا مقيما لمصر لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام ١٩٩٥ سعيت إليه باعتباره مدير إدارة الشؤون القانونية، والعلاقات الخارجية في الوكالة، وكانت تربطني به من قبل صلات قديمة في فترة عمله دبلوماسيا مرموقا بمكتب السيد «إسماعيل فهمي» نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في السبعينيات من القرن الماضي، فضلا عن لقاءات صيفية في قرية الدبلوماسيين الساحل الشمالي،
ولقد لفت نظري عندما بدأت التعامل اليومي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن ذلك المصري العظيم يحظي باحترام شديد لدي الدوائر المختلفة في الوكالة ووفود الدول فيها، كما أنني لاحظت أيضا أن الدكتور «هانز بليكس» المدير العام للوكالة حينذاك- وهو وزير سابق للخارجية في «السويد» وقد أمضي قرابة ستة عشر عاما كمدير للوكالة- يتعامل مع الدكتور «البرادعي» في ندية واحترام شديدين، وعندما قاربت مدة «بليكس» علي الانتهاء وبدأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التفكير في مدير عام من دول الجنوب اتجهت الأنظار نحو ابن مصر «محمد البرادعي»، وقد جرت في كواليس الدبلوماسية المصرية وقتها مناقشات أدت إلي ترشيح شخصية مصرية مرموقة أخري لها صلة وثيقة بقضايا الطاقة النووية علي المستوي الدولي،
ولكن كان واضحا أن «الدكتور البرادعي» هو المطلوب لهذا الموقع شديد الحساسية في المجتمع الدولي المعاصر، وقد كان موقفي حرجا للغاية كمندوب لمصر في الوكالة حيث تعين علي الالتزام بتعليمات بلادي في ظل ذلك الوضع الصعب، إلي أن تقدم الدكتور «البرادعي» للمنصب مرشحا عن القارة الإفريقية كلها، ولم يكن هناك أمامي إلا أن أقرر أن مصر جزء من القارة الأفريقية تلتزم بما أجمعت عليه دولها، وقد تأثرت كثيرا بالروح القدرية التي تمتع بها الدكتور «البرادعي» وشخصيته «الصوفية» دون تمسك بالمنصب أو لهفة عليه أو إلحاح في الوصول إليه،
وعندما جاء وقت التصويت حصل «البرادعي» علي أربعة وثلاثين صوتا من مجموع أعضاء مجلس محافظي الوكالة وعددهم خمس وثلاثون دولة حيث اكتفت «كوريا الجنوبية»- وقد كان لها مرشح منافس هو وزير البحث العلمي الأسبق في «سيول»- بالامتناع عن التصويت ولم تدعم مرشحها بالحد الأدني وهو تصويتها له، ويومها كان «ابن النيل» محط أنظار العالم كله وهو يتقدم نحو أكثر المناصب الدولية حساسية في العصر الحديث وهو منصب ظل يشغله علي امتداد السنوات العشر الماضية، وقد استطاع الدكتور «البرادعي» بحكمته وحصافته أن يرفع الحرج عن نفسه بحكم انتمائه للحضارة العربية الإسلامية التي ينظر إليها الغرب بكثير من الشك والحذر،
ومازلت أتذكر، في اتصال هاتفي تشرفت به مع رأس الدولة المصرية بعد فوز الدكتور «البرادعي» بعدة أيام، أنني سمعت من الرئيس حماسا شديدا له وتقديرا لتاريخه واحتراما لكفاءته وعندما أبلغت ذلك للدكتور «البرادعي» بدا متأثرا بتكريم بلاده له وقد ازداد ذلك التكريم بعدما حصل مع «الوكالة» علي «جائزة نوبل» للسلام، وما أكثر لقاءاتي مع الدكتور «البرادعي» وأسرتينا علي مائدة الطعام في مطعم تركي كنا نفضله وسط العاصمة النمساوية خلال عطلة نهاية الأسبوع،
وكثيرا ما تنقل الدكتور «البرادعي» بين العواصم النووية الساخنة شرقا وغربا بدءا من «بيونج يانج» وصولا إلي «القدس» مرورا «بطهران» وغيرها من مناطق التوتر النووي والنشاط الذري، ولست أنسي أبدا عندما زارني في مكتبي بالسفارة بعد انتخابه مديرا عاما للوكالة الدولية الذرية بأيام قليلة لكي يسلم لي جواز سفره الدبلوماسي المصري بعد أن أعطته «الوكالة» جواز سفر دولياً هو الأقوي من نوعه، ونحن لا ننسي موقفه قبل غزو العراق وبعده ولا نتجاهل شهادته العادلة تجاه البرنامج النووي الإيراني ولا ننسي لقاءه المهم مع «شارون» في العاصمة الإسرائيلية، وأتذكر أيضا كيف عرضت عليه بعد ذلك أرفع المناصب في بلاده فاعتذر شاكرا وآثر أن يواصل مهمته الصعبة في ظل الظروف الدولية الراهنة، إنه صديقي الذي أعتز به وبأسرته وأسعد بلقائه في كل زمان ومكان.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس