عرض مشاركة واحدة
قديم 17-11-02, 10:28 PM   #2

هاوي
جيل الرواد

رقم العضوية : 367
تاريخ التسجيل : Sep 2002
عدد المشاركات : 3,888
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ هاوي

أما الشيخ فقد صبر وجد في الدعوة وشجعه من شجعه من العلماء والأعيان في داخل الجزيرة ، وفي خارجها ، وعزم على ذلك ، واستعان بربه عز وجل ، وعكف على الكتب النافعة ودرسها وعكف قبل ذلك على كتاب الله ، والاستنباط منه ،

وعكف على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه ،وجد في ذلك وتبصر فيه حتى أدرك من ذلك ما أعانه الله به وثبته على الحق فشمر عن ساعد الجد ، وصمم على الدعوة وعلى أن ينشرها بين الناس ويكاتب الأمراء والعلماء في ذلك وليكن في ذلك ما يكون ، فحقق الله له الآمال الطيبة ، ونشر به الدعوة ، وأيد به الحق ، وهيأ له أنصاراً ومساعدين وأعواناً حتى ظهر دين الله وعلت كلمة الله ، فاستمر الشيخ في الدعوة في العيينة بالتعليم والإرشاد ، ثم شمر عن ساعد الجد إلى العمل وإزالة الشرك بالفعل لما رأى الدعوة لم تؤثر في بعض الناس فباشر الدعوة عملياً ليزيل بيده ما تيسر وما أمكن من آثار الشرك . فقال الشيخ للأمير عثمان بن معمر لابد من هدم هذه القبة التي على قبر زيد _ وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع ، وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية ، فكان ممن قتل هناك وبني على قبره قبة فيما يذكرون ، وقد يكون قبر غيره ، لكنه فيما يذكرون أنه قبره _ فوافقه عثمان على ما تقدم ، وهدمت القبة بحمد الله وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة ، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة ، وقصد مستقيم ونصر للحق ، وهناك قبور أخرى منها قبر يقال إنه قبر ضرار بن الأوزر كانت عليه قبة هدمت أيضاً ، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل ، وكانت هناك غيران (جمع غار وهو الكهف في الجبل ) وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا فأزيلت وقضى عليها وحذر الناس عنها . والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة قولاً وعملاً كما تقدم ، ثم إن الشيخ أتته امرأة واعترفت عنده بالزنا عدة مرات ، وسأل عن عقلها فقيل إنها عاقلة ولا بأس بها ، فلما صممت على الاعتراف ، ولم ترجع عن اعترافها ، ولم تدَّع إكراهاً ولا شبهة وكانت محصنة . أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره حالة كونه قاضياً بالعيينة ، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة وبرجم المرأة وبالدعوة العظيمة إلى الله وهجرة المهاجرين إلى العيينة ، وبلغ أمير الأحساء وتوابعها من بني خالد واسمه سليمان بن عريعر الخالدي أمر الشيخ وأنه يدعو إلى الله وأنه يهدم القباب ، وأنه يقيم الحدود فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ ، لأن من عادة البادية إلا من هدى الله ، الإقدام على الظلم ، وسفك الدماء ، ونهب الأموال ، وانتهاك الحرمات ، فخاف إن هذا الشيخ يعظم أمره ويزيل سلطان الأمير البدوي ، فكتب إلى عثمان يتوعده ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة ، وقال : إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا وكذا !! فإما أن تقتله ، وإما أن نقطع خراجك الذي عندنا !!وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب ، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا وأنه لا يحسن منا أن نقتلك وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته ، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت ، فقال له الشيخ إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله ، وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله ، فمن تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه ، فإن صبرت واستقمت وقبلت هذا الخبر فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره ، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته ، فقال : أيها الشيخ إنا لا نستطيع محاربته ، ولا صبر لنا على مخالفته ، فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية ، جاء إليها ماشياً فيما ذكروا حتى وصل إليها في آخر النهار ، وقد خرج من العيينة في أول النهار ماشياً على الأقدام لم يرحله عثمان ، فدخل على شخص من خيارها في أعلى البلد يقال له محمد بن سويلم العريني فنزل عليه ، ويقال إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرض بما رحبت ، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له أبشر بخير ، وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله ، وسوف يظهره الله ، ويقال إن الذي أخبره به زوجته جاء إليها بعض الصالحين وقال لها أخبري محمداً بهذا الرجل ، وشجعيه على قبول دعوته وحرضيه على مؤازرته ومساعدته وكانت امرأة صالحة طيبة ، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له : أبشر بهذه الغنيمة العظيمة ! هذه غنيمة ساقها الله إليك ، رجل داعية يدعو إلى دين الله ، ويدعو إلى كتاب الله ، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يالها من غنيمة ! بادر بقبوله وبادر بنصرته ، ولا تقف في ذلك أبداً ، فقبل الأمير مشورتها ، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه ؟! فأشير عليه ، ويقال إن المرأة أيضاً هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين وقالوا له : لا ينبغي أن تدعوه إليك ، بل ينبغي أن تقصده في منزله ، وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير ، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه وأكرم الله مثواه ، فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم ، وقصده وسلم عليه وتحدث معه ، وقال له : يا شيخ محمد أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة فقال له الشيخ وأنت أبشر بالنصرة أيضاً والتمكين والعاقبة الحميدة ، هذا دين الله من نصره نصره الله ، ومن أيده أيده الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله ، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على أعداء الإسلام ، أن تبتغي غير أرضنا ، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى فقال : لا أبايعك على هذا ..أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج عن بلادك أبداً ، فبايعه على النصرة وعلى البقاء في البلد وأنه يبقى عند الأمير يساعده ، ويجاهد معه في سبيل الله حتى يظهر دين الله ، وتمت البيعة على ذلك .

وتوافد الناس على الدرعية من كل مكان من العيينة وعرقة ومنفوحة والرياض وغير ذلك من البلدان المجاورة ، ولم تزل الدرعية موضع هجرة يهاجر إليها الناس من كل مكان ، وتسامع الناس بأخبار الشيخ ودروسه في الدرعية ودعوته إلى الله وإرشاده إليه ، فأتوا زرافات ووحدانا .

فأقام الشيخ بالدرعية معظماً مؤيداً محبوباً منصوراً ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه وأصوله والحديث . ومصطلحه ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان ، وتعلم الناس عليه في الدرعية الشباب وغيرهم ، ورتب للناس دروساً كثيرة للعامة ، والخاصة ، ونشر العلم في الدرعية واستمر على الدعوة .

ثم بدأ بالجهاد وكاتب الناس إلى الدخول في هذا الميدان وإزالة الشرك الذي في بلادهم ، وبدأ بأهل نجد ، وكاتب أمراءها وعلماؤها . كاتب علماء الرياض وأميرها دهام بن دواس ، كاتب علماء الخرج وأمراءها ، وعلما بلاد الجنوب والقصيم وحائل والوشم ، وسدير وغير ذلك . ولم يزل يكاتبهم ويكاتب علماءهم وأمراءهم . وهكذا علماء الأحساء وعلماء الحرمين الشريفين ، وهكذا علماء الخارج في مصر والشام والعراق والهند واليمن وغير ذلك ولم يزل يكاتب الناس ويقيم الحجج ويذكر الناس ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع ، وليس معنى هذا أنه ليس هناك أنصار للدين بل هناك والله جل وعلا قد ضمن لهذا الدين أن لابد له من ناصر ولا تزال طائفة في هذه الأمة على الحق منصورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، فهناك أنصار للحق في أقطار كثيرة .

ولكن الحديث الآن عن نجد ، فكان فيها من الشر والفساد والشرك والخرافات ما لا يحصيه إلا الله عز وجل . مع أن فيها علماء فيهم خير ، ولكن لم يقدر لهم أن ينشطوا في الدعوة وأن يقوموا بها كما ينبغي ، وهناك أيضاً في اليمن دعاة إلى الحق وأنصار قد عرفوا هذا الشرك وهذه الخرافات ، ولكن لم يقدر الله لدعوتهم من النجاح ما قدر لدعوة الشيخ محمد لأسباب كثيرة ، منها عدم تيسر الناصر المساعد لهم . ومنها : عدم الصبر لكثير من الدعاة وتحمل الأذى في سبيل الله ، ومنها : قلة علوم بعض الدعاة التي يستطيع بها أن يوجه الناس بالأساليب المناسبة ، والعبارات اللائقة ، والحكمة والموعظة الحسنة ، ومنها : أسباب أخرى غير هذه الأسباب ، وبسبب هذه المكاتبات الكثيرة والرسائل والجهاد اشتهر أمر الشيخ ، وظهر أمر الدعوة ، واتصلت رسائله بالعلماء في داخل الجزيرة وفي خارجها .

تأثر بدعوته جمع غفير من الناس في الهند وفي إندونيسيا وفي أفغانستان وفي أفريقيا وفي المغرب وهكذا في مصر والشام والعراق وكان هناك دعاة كثيرون عندهم معرفة بالحق والدعوة إليه فلما بلغتهم دعوة الشيخ زاد نشاطهم ، وزادت قوتهم واشتهروا بالدعوة .

ولم تزل دعوة الشيخ تشتهر وتظهر بين العالم الإسلامي وغيره ، ثم في هذا العصر الأخير طبعت كتبه ، ورسائله ، وكتب أبنائه ، وأحفاده وأنصاره وأعوانه من علماء المسلمين في الجزيرة وخارجها . وكذلك طبعت الكتب المؤلفة في دعوته وترجمته وأحواله وأحوال أنصاره حتى اشتهرت بين الناس في غالب الأقطار والأمصار ، ومن المعلوم أن لكل نعمة حاسداً وأن لكل داعي أعداء كثيرين كما قال الله تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون } .[ سورة الأنعام آية 112 ] .

فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة ، وألف المؤلفات القيمة ونشرها في الناس وكاتبه العلماء ظهر جماعة كثيرون من حساده ، ومن مخالفيه ، وظهر أيضاً أعداء آخرون . وصار أعداؤه وخصومه قسمين : قسم عادوه باسم العلم والدين . وقسم : عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم ، وتستروا باسم الدين ، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء الذين أظهروا عداوته وقالوا إنه على غير حق ، وإنه كيت وكيت . والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه ، ويوضح الدليل ، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي عليه من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطوراً يقولون إنه من الخوارج ، وتارة يقولون : يخرق الإجماع ، ويدعي الاجتهاد المطلق ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منهم وطائفة أخرى قلدت غيرها واعتمدت على غيرها ، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة وتستر باسم الإسلام والدين واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين .


توقيع : هاوي
[align=center]هــ وي ـــا[/align]



zahrah.com

هاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس