عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:07 PM   #28
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]أحمد زويل

بقلم د.مصطفى الفقي ٢٠/ ١٢/ ٢٠٠٧
عشنا في مدينة واحدة، هي «دمنهور»، معظم سنوات الدراسة، قبل أن ينتقل هو وأسرته إلي مدينة «دسوق»، ليجاور «سيدي إبراهيم» بمسجده الكبير وساحته الواسعة، إنه ابن مصر العظيم الذي رفع رأسها في وقت كانت تحتاج فيه إلي ذلك، فلقد نفض عنها غبار التخلف العلمي والتكنولوجي، مضيفاً إلي الكوكبة المتألقة من علمائها الكبار اسماً جديداً يرصع سماءها أمام العالم.
وبرغم أنني شخصياً كنت طالباً متفوقاً في سنوات الدراسة، وكنت الأول علي منطقة «البحيرة» التعليمية في الشهادة العامة، فإن أحمد زويل ظل هو فرس الرهان، والاسم الذي نعتز به جميعاً. لقد كان تخصصي في المرحلة الثانوية هو علم «الفيزياء»، إلا أنني تحولت إلي طريق آخر هو دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية.
أما هذا العالم الفذ فلقد واصل طريقه، معروفاً طوال حياته بالذكاء الحاد، والتوهج العقلي، ودماثة الخلق، والبساطة والتواضع اللذين ظلا يلازمانه حتي أصبح نجماً دولياً، رفيع الشأن، متألق المكانة، فجائزة «نوبل» في العلوم تختلف عنها في السلام أو في الآداب، لأنها لا تخضع في هذه الحالة لاعتبارات سياسية أو توزيع جغرافي بين الحضارات والثقافات، إذ لا يحصل عليها إلا من أوتي العلم الحقيقي، ومن قدم للإنسانية جديداً يدفعها إلي الأمام.
وهذا شأن «أحمد زويل»، الذي لا يختلف اثنان علي إسهامه الضخم في التقدم العلمي علي مستوي العالم، الذي لايزال مستمراً في أبحاثه الجادة، وقد يتوج عمله الحالي بـ«نوبل» الثانية بعد سنوات قليلة، خصوصاً أنه يكرس جهود مجموعته حالياً في خدمة الطب وصحة الإنسان، ويركز علي مرض «ألزهايمر» والتغيرات الكيميائية التي تصيب خلايا المخ فتؤدي إليه.
وأحمد زويل - لمن لا يعرف - يحظي باحترام دولي كاسح، فلقد حضرت له منذ سنوات قليلة محاضرة ضخمة في أعرق جامعة ببرلين، وكان موضوعها عن عالم «الضوء» العربي «الحسن بن الهيثم»، ويومها احتشد له في القاعة مئات العلماء الألمان، وكنت أشعر وقتها بأن قامتي تطول فخراً بهذا العالم المصري المرموق،
وقد حكي لي زميلي الدكتور خيرالدين عبداللطيف، سفير مصر السابق في الهند، كيف احتشد أيضاً لأحمد زويل علماء الهند - وهم بالمناسبة قوة علمية هائلة لا يستهان بها - وكيف كان إعجابهم واحترامهم بالعالم الكبير من دلتا النيل محل دهشة سفيرنا وسعادته، وتبدو قيمة زويل الحقيقية في أنه ليس عالماً فحسب، ولكنه أيضاً مفكر رفيع الشأن ومتذوق حساس للآداب والفنون، ولاأزال أتذكر جلستنا الأخيرة في «مقهي الفيشاوي» بحي «الحسين»، عندما جمعتنا الظروف نحن الثلاثة: العالم الفذ أحمد زويل، والشاعر الكبير فاروق جويدة، وأنا،
وتحركت بيننا ذكريات العمر والدراسة، فنحن أبناء محافظة واحدة، ودرس ثلاثتنا بمدينة دمنهور العريقة في الوقت ذاته، ويومها انطلقت روح الفن الكامنة لدي العالم المصري وهو يتحدث عن أم كلثوم، ودور صوتها في حياته وإنجازاته، بينما كانت تسجيلاتها تصدح في المكان، وتعيد إلينا عبق الستينيات من القرن الماضي. إنه أحمد زويل المهموم بالقضايا الكبري في عالم اليوم، خصوصاً في مجال التنمية ورفع مستوي الحياة بين الشعوب،
وهو المهموم أكثر بالشأن الوطني في بلاده بصورة كادت تظلمه، توهم البعض أنه يفكر في دور سياسي رسمي داخل مصر، وذلك في ظني أمر لم يفكر فيه لأنه يعلو فوقه، فقيمة العالم لا تطاولها قيمة أخري. ولقد لعب الإعلام المصري المتهافت علي جاذبية ذلك العالم الكبير دوراً مؤثراً، ولأن الرجل ببساطته كان يستجيب حياء وكرماً، فإنهم قد أسرفوا عليه، ولكن لحسن الحظ لم يسيئوا إليه.
إنه أحمد زويل الذي التقاه قادة العالم ومعظم الحكام العرب، وعرض عليه الجميع استضافة علمه الفريد وجهده المتميز في خدمة البشرية وشعوبها، إلا وطنه الأم الذي أرهقته فيه الإجراءات البيروقراطية والشائعات المغرضة، بل بعض المواقف الحذرة إلي حد التوجس والتخوف،
وظل الرجل صامداً، عاشقاً لمصر، قانعاً بتكريم رئيس بلاده له، راضياً بحب الناس. ولقد رأيت بعيني رجل الشارع العادي وفقراء مصر وكادحيها وهم يلهثون إليه ويسعون إلي مصافحته، وأخذ صور تذكارية معه، لأنهم يؤمنون بأن ذلك الرجل البسيط في شخصه، الضخم في علمه، يسعي لخدمتهم والارتقاء بالظروف المحيطة بهم، لأنه معني بالإنسان حياة وصحة ورفاهية، وقد قالوا قديماً: «إن شاعر الحي لا يطربه»، وأنه «لا كرامة لنبي في وطنه»،
وكلتا المقولتين تنطبق علي ما شعر به أحمد زويل في مصر، التي أنجبته وقدمته هدية للعالم المعاصر. دعونا نعترف - ليس من قبيل جلد الذات، ولكن رغبة في تصحيح المواقف - بأننا أعطينا أحمد زويل قيمته إعلامياً، ولكننا لم نستفد منه علمياً، رغم أن الرجل سعي إلي ذلك حثيثاً وحاوله جاداً، ولكننا لم نتمكن من توظيف علمه واستخدام مكانته لإقامة مركز علمي لبحوث التكنولوجيا المعاصرة، واكتفينا بالمناسبات الاحتفالية والأحاديث الصحفية، ولم ندرك أن أحمد زويل ظاهرة تستحق الإمساك بها والاعتزاز بوجودها، ووضع جميع إمكانات الوطن العلمية والبحثية في خدمته،
خصوصاً أن جامعاتنا العريقة تضم حشداً ضخماً من العلماء، الذين لو تعاملوا مع العبقري المصري أحمد زويل لاستطعنا أن ندفع إلي الساحة العالمية، بعشرات الأسماء ممن يتجهون نحو «نوبل» العالمية، ويمضون علي خطي «زويل» العظيم.

«توماس كليستل»

بقلم د.مصطفى الفقي ١٣/ ١٢/ ٢٠٠٧
هو الرئيس السابق لدولة النمسا، وقد اشتغل بالسلك الدبلوماسي حتي وصل إلي أعلي درجاته، مندوبًا لبلاده لدي الأمم المتحدة، وكانت أول مرة رأيته فيها بعد وصولي إلي «فيينا» بعدة أيام عندما دعا الرئيس النمساوي الراحل إلي حضور قداس كبير في الكاتدرائية الكبري بالعاصمة النمساوية، حيث يسبق السفراء جميعًا سفير الكرسي البابوي، الذي هو عميد للسلك الدبلوماسي، بحكم وضعه كسفير لدولة «الفاتيكان» بغض النظر عن تاريخ وصوله، وموعد تقديم أوراق اعتماده، وهو تقليد متبع في عدد من الدول الكاثوليكية، ومنها «النمسا»: ولقد اكتشفت أن الاختلاف المذهبي داخل الديانة المسيحية قد يفوق أحيانًا الاختلاف بينها وبين الديانتين السماويتين الأخريين الإسلام واليهودية، فلقد شعرت بحماس من الحكومة النمساوية لإنشاء الأكاديمية الإسلامية التابعة «للأزهر الشريف»،
والتي تشرفت بأن أكون مع الدكتور «محمود حمدي زقزوق» وزير الأوقاف، والدكتور «أحمد عمر هاشم» رئيس جامعة الأزهر ـ حينذاك ـ من مؤسسيها في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، ولكن الذي أدهشني كثيرًا أنني عندما ذهبت إلي الخارجية النمساوية، طالبًا استضافة الأقباط المصريين، عند إقامة صلواتهم ومناسباتهم في إحدي الكنائس الكاثوليكية القديمة المغلقة منذ سنوات طويلة، والسماح بتحويلها إلي كنيسة قبطية أرثوذكسية بمقابل مادي مفتوح، فوجئت برفض السلطات النمساوية، بل استنكارها الطلب، وأحالوني إلي عمدة «فيينا» الذي أتاح للأشقاء الأقباط شراء قطعة أرض بنوا عليها كنيستهم، التي سعدنا بافتتاحها جميعًا، في حضور قداسة البابا «شنودة الثالث».
أقول ذلك لأنني أريد أن أضع القارئ أمام شخصية الدولة التي جاء منها رئيسها السابق «توماس كليتسل» بعد رئيسها الأسبق «كورت فالدهايم» صاحب المحنة الشهيرة مع اليهود، والذي كتبنا عنه من قبل. ولعلي أذكر هنا أن «توماس كليستل» قد هجر زوجته الأولي، وأم أولاده، وتزوج بدبلوماسية نمساوية شابة تصغره بقرابة ثلاثين عامًا، حتي إن الوضع البروتوكولي للزوجة الأولي كان يمثل مشكلة في كل دولة زارتها بعد ذلك، حيث كان القصر الرئاسي النمساوي ينتقد أي حفاوة بها، رغم أنها أم أبناء رئيس الجمهورية،
وعندما تمكنت من نقل السفارة المصرية والقسم القنصلي ومنزل السفير في «فيينا» إلي واحد من أعرق وأفخم قصور العاصمة النمساوية، وهو القصر الذي أمضي فيه «أدولف هتلر» ليلة زيارته لـ «فيينا» قبيل الحرب العالمية الثانية عندما خاطب سكانها من شرفة القصر الرئاسي «الهوفبورج» كان جاري المباشر هو رئيس الجمهورية «توماس كليستل»، وعندما كنت أتمشي مع زوجتي أمام منزلنا - إذا سمح الطقس بذلك - كنا نلتقي كثيرًا الرئيس النمساوي، وقرينته الشابة، وكان «كليستل» يبادرني دائمًا بقوله مازحًا، هل يمكن أن نتبادل المباني بين منزل رئيس الجمهورية ومقر السفير المصري؟،
تعبيرًا عن إعجابه بما تحقق للوجود المصري في العاصمة النمساوية من صرح كبير تتوسطه «مسلة» فرعونية ضخمة من جرانيت «أسوان»، وهو أمر سوف يبقي شاهدًا علي مكانة مصر في دولة «موزارت» و«فاجنر» و«بيتهوفن» (ألماني الأصل) وغيرهم من أساطين الموسيقي الكلاسيكية. ولقد أسرني كثيرًا الرئيس النمساوي الراحل «توماس كليستل» بمبادرته في الأسبوع الأخير من خدمتي في «فيينا» عندما أوعز إلي مدير مكتبه ليتصل بي قائلاً:
«إن رئيس الجمهورية يريد أن يستقبلك قبل مغادرتك البلاد، ولكن ذلك تقليد غير متبع في (النمسا) وإذا حدث فسوف يطلب جميع السفراء المغادرين المعاملة نفسها، لذلك فإن الرئيس قد حدد لك موعدًا لزيارة مدير مكتبه - وهو سفير قديم من الخارجية النمساوية - وسوف يدلف الرئيس من مكتبه إلي الحجرة المجاورة ليتناول معك فنجان شاي تحية لبلادك ولك». وكان الرئيس رقيقًا معي للغاية حتي استمر لقاؤنا أكثر من نصف ساعة، قدم لي فيها هدية رمزية منه مع صورة له موقعة بإمضائه،
وودعني بنفسه حتي حجرة مدير مكتبه. ولقد حزنت كثيرًا عندما رحل هذا الرجل عن عالمنا منذ سنوات قليلة حيث دخل في غيبوبة مرضية طويلة وتردد وقتها أن زوجته الشابة قد طلبت رفع أجهزة التنفس الصناعي عنه قبل انتهاء ولايته الرئاسية بيوم واحد، حتي يموت وهو رئيس الدولة، فتنعم هي بمعاش الرئاسة كاملاً! وقد تكون هذه الرواية مغرضة، ولكن المؤكد أن الرجل كان معتزًا ببلادي، كريمًا معي، ودودًا في كل لقاء.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس