عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:42 PM   #17
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]مصطفي خليل»

بقلم د. مصطفي الفقي ١٢/ ٦/ ٢٠٠٨
كان رئيسًا للوزراء من طراز خاص، يحسبه الناس متعاليا، ولكن كبرياءه احترام للذات وترفع عن الصغائر، وهو أحد النماذج القليلة التي تألقت في عصور الرؤساء الثلاثة «عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، فلقد بدأ في منتصف الخمسينيات ضمن مجموعة «التكنوقراط» المتميزين الذين التقطتهم ثورة يوليو ١٩٥٢، من أمثال «عزيز صدقي»، و«القيسوني» و«سيد مرعي» وغيرهم من الرموز الوطنية والكوادر الفنية التي التحقت بركب الثورة وأبلت بلاءً حسنًا عبر تاريخها الطويل،
ولقد تميز «مصطفي خليل»، من بين أقرانه، بالهدوء والاتزان علي نحو اكتسب به احترام كل من حوله، وتولي وزارات مختلفة باعتباره أستاذًا مرموقًا في الهندسة، وفي أواخر عصر الرئيس «عبدالناصر»، عندما سعي آخر وزير إعلام في عصره السيد «محمد حسنين هيكل» إلي إعادة تنظيم قطاع الإذاعة والتليفزيون وتشكيل مجلس أمناء لاتحاده،
لم يجد أفضل من الدكتور «مصطفي خليل» لكي يتولي رئاسة ذلك المجلس الوليد في ظروف ما بعد النكسة وما قبل التحرير، وعندما وصل الرئيس «السادات» إلي السلطة ازداد د. «مصطفي خليل» تألقًا وصعد نجمه لكي يكون رئيسًا للوزراء، وليشارك بفاعلية وجدية وخبرة في المفاوضات الشاقة مع الجانب الإسرائيلي،
ولاتزال الرسائل المتبادلة بين د. «مصطفي خليل»، و«مناحم بيجن»، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هي بمثابة وثائق تاريخية صلبة، خصوصًا أن د. «مصطفي خليل»، قد رافق الرئيس «السادات» في رحلته الشهيرة إلي «القدس»، وأثناء إلقاء خطابه القوي في «الكنيست»، وربما كانت هذه الرؤية المبكرة من جانب د. «مصطفي خليل» وحماسه للسلام العادل مع إسرائيل أحد المطاعن التي حاول بها خصومه أن ينالوا من توجهاته السياسية،
ولكن الرجل استطاع أن يمتص كل هذه المواقف وأن يقف في النهاية شامخًا متمسكًا برؤيته الوطنية وفكره المعتدل، ولقد سعي إليه الإسرائيليون في مناسبات كثيرة، وكان هو دائمًا ذلك الوطني الصلب الذي يؤمن بالسلام العادل والشامل دون شعارات زاعقة أو عبارات رنانة، فلقد كان هدوء الرجل وثقته في نفسه إحدي الركائز التي استند إليها طوال مسيرة حياته،
ونحن لا ننسي أنه كان رئيس وزراء محترمًا للغاية وكانت له رؤي بعيدة ونظرة ثاقبة، استطاع بها أن يستشرف المستقبل، وأن يكون الوحيد من بين ساسة جيله الذي يبدو مقتنعًا بمسيرة الرئيس «السادات» السلمية، وقد ظل دائمًا ملتزمًا بما اقتنع به مدافعًا عنه في دماثة خلق ورقة،
لا نكاد نري لهما نظيرًا في أجيالنا الحالية، ولاأزال أتذكر من ذكرياتي مع هذا الراحل الكبير أنه قد جمعتنا مناسبة اجتماعية في إحدي الأمسيات، بعد تركي الموقع الذي كنت أشغله بجانب رئيس الدولة، فرأيت أن أطرح عليه بعض همومي، فإذا به يعبر عن تقديره لشخصي ويزيد علي ذلك رغبته في التوسط لتحسين موقفي عند ولي الأمر، وهو أمر لا أنساه له، خصوصًا أنني لم أعمل معه مباشرة،
رغم أنه جمع بين وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء بعد أن عاني الرئيس «السادات» من فرار وزيرين للخارجية بسبب اختلافهما مع رؤية الرئيس الراحل السلام مع إسرائيل، وقد أتاحت لي الظروف بعد ذلك أن استضيف د. «مصطفي خليل» في صالون «إحسان عبدالقدوس» بمبني «روزاليوسف»، عندما كنت مشرفًا علي ذلك الصالون الفكري والأدبي في منتصف التسعينيات،
وكان الرجل هادئًا في حديثه، ودودًا في تعامله، أنيقًا في ملبسه، راقيا في حواره لا ينفعل ولا يخرج عن الإطار الذي رسمه لنفسه، وعندما انتخب نجله الصديق «هشام» عضوًا في البرلمان كان والده قد دخل في حالة بيات شتوي عميق، ولكن الابن استطاع أن يحصل من أبيه علي مباركته لما يفعله من خلال الحديث الصامت بالإشارة الموجزة.
رحم الله رجلاً أعطي لوطنه في شموخ، واختلف مع غيره في كبرياء، وتواصل عطاؤه في ثلاثة عهود.

حامد ربيع»

بقلم د. مصطفي الفقي ٥/ ٦/ ٢٠٠٨
لم أكن مديناً لشخص في حياتي الأكاديمية مثلما هو الأمر بالنسبة لأستاذنا الراحل الدكتور «حامد ربيع» فإليه يرجع الفضل في جدولة ذهن تلاميذه وترتيب أولوياتهم الفكرية وتنسيق عقلياتهم العلمية. وما كتبت في حياتي شيئاً أعتز به إلا وتذكرت أستاذنا الراحل الذي كان بحق هو «الدكاترة حامد ربيع»، فلقد ضرب في كل المعارف بسهم وتشكلت لديه رؤية رائعة للفلسفة الإسلامية والحضارة الغربية في وقت واحد،
فضلاً عن قدرته علي التحريض الفكري وإثارة درجة عالية من حرارة التحليل في العلوم السلوكية. وأتذكر الآن أول يوم رأيته فيه بجسده الضخم وهو يدخل علينا المدرج عائداً بعد سنوات قضاها بين إيطاليا وفرنسا يجوب الجامعات ويبحث في المخطوطات داخل «الأديرة» ويجمع بصورة فريدة بين فهمه للحضارة الإسلامية وتذوقه للحضارة الغربية وتعمقه فيهما معاً بصورة لا نكاد نجد لها نظيراً.
وما رأيت في حياتي قدرة علي التنظير مثل تلك التي تمتع بها أستاذنا الدكتور «حامد ربيع» فهو يرد الأمور إلي أصولها ويتعقب الظواهر إلي أسبابها ويملك أدوات متميزة في البحث العلمي يطبقها علي الفكر السياسي بشكل فريد، حتي إن بعض المقاطع من كتاباته في علم السياسة تقترب من الرياضيات العليا كما أنه في ظني أستاذ أساتذة علوم مناهج البحث، ولقد أعانته دراسته القانونية إلي جانب اتصاله الواسع بالثقافتين الإغريقية والرومانية ثم ارتباطه بالحضارة الإسلامية كي يصبح بحق مؤسسة فكرية تمشي علي قدمين.
ولقد أدركت للوهلة الأولي أنني أمام منجم ربما لن أعثر علي مثله في حياتي لذلك كان يبدو غريباً لي أن أحصل علي درجة الامتياز في مادة «الرأي العام» التي كان يدرسها لنا بينما كانت نسبة رسوب زملائي فيها عالية، والغريب أن ذلك الرجل المستغرق في النظريات قد استطاع أن يوظف النظرية السياسية الحديثة لخدمة طلابه وقرائه ومريديه علي نحو غير مسبوق.
وما تركت فرصة أستمع فيها إليه إلا وسعيت لها وكانت محاضراته لي ولزملائي كالمعزوفة الشيقة التي ينبهر بها الكل ويعجز أمامها الجميع فلقد كانت كلماته مزيجاً من الفكر والفلسفة، من الأدب والفن، من الثقافة والعلم، كما أنه كان صاحب رؤية شاملة تستوعب الكون والخلق والأشياء،
ولسوء حظنا أن الرئيس العراقي الأسبق «صدام حسين» قد سمع بأمره فاستقدمه إلي «بغداد» ليعمل هناك لعدة سنوات أدار فيها الحملة النفسية العراقية في سنوات الحرب مع «إيران»، ويبدو أن د. «حامد ربيع» قد عرف من أمر «صدام»
ونظامه أكثر مما يجب فتعقبته الاستخبارات العراقية إلي مصر ليقضي في «القاهرة» مسموماً بعد وجبة غذاء دعاه إليها مسئول عراقي مجهول، ويومها شعرت بفداحة الخسارة وأدركت أننا قد فقدنا كوكباً يشع بالمعرفة حيث اغتالته يد الغدر والتآمر والظلام من أولئك الذين لم يروا فيه إلا مستودعاً للمعلومات وليس أيضاً معملاً للأفكار والرؤي والمبادرات.
ومنذ فترة قصيرة ـ أثناء رئاستي للجامعة البريطانية ـ مر أمامي اسم أحد الطلاب الذي بدا لي ابناً لأستاذي الراحل وتأكدت من صدق حدسي عندما اكتشفت أن ذلك الشاب المصري هو من مواليد «بغداد» في نهاية الثمانينيات لأم عراقية فأيقنت بعد ذلك أنه ابن أستاذي الراحل الذي أدين له بالفضل أنا وأبناء جيلي جميعاً،
والغريب أن ذلك الأستاذ العظيم كان يحتفظ بعلاقات سيئة بزملائه الأساتذة كما أن سمعته بين طلابه كانت لا تخلو من كراهية وخوف، ولا عجب فهو صاحب تعبير «الصفر الملوث» وهو ما يعني ما هو دون الرسوب ذاته.
ولقد تميز الدكتور «ربيع» بالعصبية الحادة أحياناً والسخرية اللاذعة أحياناً أخري وكان يولي المرأة اهتماماً خاصاً في حياته فتعددت زيجاته وتلك علي ما يبدو سمة تصيب بعض المفكرين الذين يجدون في جمال المرأة ملاذاً من ضغوط الحياة ووطأة الفكر!!
ولقد تميز الدكتور «حامد ربيع» بأنه أصبح صاحب مدرسة متكاملة في علم السياسة من روادها علماء وأساتذة وسفراء كما أن له تلاميذ علي امتداد العالم العربي كله تأثروا به وبطرقه غير التقليدية في التفكير والتعبير.
ولقد جمعتني بأستاذي هذا مناسبات عديدة ومناقشات طويلة وعلي الرغم من أن صلته بزملائه الأساتذة لم تكن طيبة في مجملها إلا أن علاقاته ببعض تلاميذه كانت أفضل من ذلك بكثير خصوصاً أن الرجل كان يقف علي الحافة بين العلم والفكر فهو عالم ومفكر في آن واحد.
.. رحمه الله جزاء ما قدم لأمته من علم، ولطلابه من معرفة، ولعلم السياسة من تأصيل ارتفع به من مستوي الهواة إلي درجة الفرع العلمي الكامل.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس