عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:00 PM   #25
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]الأمير تشارلز

بقلم د.مصطفى الفقي ٣١/ ١/ ٢٠٠٨
هو الوريث الأول لعرش إمبراطورية كانت لا تغرب عنها الشمس، أمه ملكة بريطانيا لفترة تقترب من ستين عاماً، وأبوه الأمير «فيليب» الذي ينحدر من أصول يونانية، أما «أمير ويلز» وهذا هو اللقب الذي يحمله الأمير «تشارلز»، فقد ملأ الدنيا، وشغل الناس بالفعل، تارة بمغامراته العاطفية، وأخري بزواجه الفاشل، وثالثة بموقفه المعتدل تجاه الإسلام واحترامه لذلك الدين الحنيف، وقد جمعتني به مباشرة مناسبات عديدة، كانت أولاها في حفل جامع بالمتحف البريطاني في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان الأمير متألقاً مهذباً راقياً كعادة أبناء الملوك وورثة العروش..
وكانت «أميرة القلوب» ـ كما يسمونها ـ «ديانا» تجلس إلي جانبه، تزيده بهاءً وتألقاً، ثم كانت المناسبة الثانية في منتصف التسعينيات عندما دعاني السفير البريطاني الأسبق «لونج» مع مجموعة محدودة من المثقفين وكبار العسكريين المصريين علي شرف الأمير الذي كان يقيم في منزل السفير البريطاني بالقاهرة أثناء زيارته، والذي دخل قاعة الطعام وهو يرتدي الزي الأسكتلندي بالتنورة المزركشة ذات المربعات الزاهية، حيث وزع الأمير اهتمامه علي الحاضرين، سائلاً كل ضيف عن وظيفته،
محاولاً خلق مادة للحديث حولها ومتواصلاً في حواره مع الجميع في رقة وأدب شديدين، وقد لفت نظري يومها أن السفير البريطاني ألقي كلمة ترحيب بصاحب السمو الملكي ولي العهد، ولكن الأمير «تشارلز» لم يرد بكلمة مماثلة، لأن «البروتوكول» يعفي العائلة المتربعة علي بلاط «سان جيمس» من ذلك التقليد، وعندما لقيت الأميرة «ديانا» مصرعها في الحادث المأساوي الغامض مع نهاية أغسطس ١٩٩٧ انخفضت شعبية الأمير بشكل ملحوظ، بل تراجعت صورة العائلة كلها،
بما في ذلك الملكة وزوجها علي نحو غير مسبوق، لأن «ديانا» بدت للبريطانيين بعد رحيلها وكأنها شهيدة المراسم الملكية العتيقة وحياة القصور البالية، وأنها عندما حاولت التحرر من تلك القيود وانتهاج حياة بسيطة بين الناس كان ذلك هو مصيرها المحتوم..
أما اللقاء الثالث فكان عندما تشرفت مع الأستاذ «محمد فريد خميس»، رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية، باستقبال سيدة مصر الأولي «سوزان مبارك» ومعها الأمير «تشارلز» وزوجته الجديدة ورفيقة عمره قبل زواجه بـ«ديانا» وأثناءه وبعده السيدة «كاميلا»، وذلك في افتتاح «الجامعة البريطانية» بمصر ـ والتي أتشرف برئاستها ـ وكان ذلك في الثاني والعشرين من مارس عام ٢٠٠٦ ويومها رأيت عجباً، فالأمير متعلق بزوجته الجديدة بشكل ملحوظ رغم أنها غير مهتمة بالجمال الصارخ، ولكنها الكيمياء البشرية التي لا يعرف سرها إلا الخالق وحده، وهي نفس الكيمياء التي أزاحت «ديانا» بجمالها وشبابها، وأحلت مكانها امرأة هي دونها شكلاً وموضوعاً، ولكنها أيضاً قوانين الحياة الغامضة التي لا نعرف لها تفسيراً..
وقد كانت حفاوة الأمير بزوجته الحالية ورعايته لها في تلك المناسبة موضع الاهتمام، بل والتأمل، وعندما كانا يدخلان أحد معامل الكيمياء قالت له إنني لم أهتم من قبل بهذا الفرع من العلوم لذلك لا أعرف عنه الكثير فقال لها في حنو بالغ لا تقلقي يا حبيبتي فأنا معك!
وقد سنحت لي الفرصة يومها لكي أتحدث إلي الأمير حديثاً مطولاً فسألته في البداية عن سبب اهتمامه بالإسلام والحديث الدائم عنه والحوار حوله، فقال لي في تواضع شديد، إن ذلك بدأ نتيجة اهتمامه المبكر بالطرز المعمارية، ومنها العمارة الإسلامية التي شدته، وبالتالي إلي دراسة أعمق لذلك الدين العظيم.. عندئذ ذكرته بمحاضرته الشهيرة في جامعة «أكسفورد» عام ١٩٩٣ والتي كانت نقطة تحول ملحوظ في رؤية الغرب للإسلام،
وأضفت له قائلاً: إنني أشترك معك يا صاحب السمو في يوم عيد الميلاد «الرابع عشر من نوفمبر» مع اختلاف السنوات، ونشترك في ذلك مع «جواهر لال نهرو» السياسي الهندي الراحل، والملك «حسين بن طلال»، عاهل الأردن الذي مضي إلي رحاب ربه عام ١٩٩٩، وعميد الأدب العربي الدكتور «طه حسين»، وكذلك أمين عام الأمم المتحدة الأسبق الدكتور «بطرس غالي»..
وقد داعبت الأمير قائلاً: لعلك تلاحظ يا صاحب السمو أنهم عظماء جميعاً، وليس بينهم مغمور واحد إلا أنا، فرد علي بأدب الملوك بعبارة ثناء لا أستحقه، ولكنها تلك هي تقاليد ورثة التاج البريطاني العريق، ولقد ظللت طوال حياتي أتابع الأمير في أزماته المتكررة وكبواته المتتالية وعثراته الشهيرة، ولكنني ظللت دائماً مشدوداً إلي شخصيته الجذابة وثقافته الواسعة، ولست أنسي له علاقته الوثيقة بالداعية المصري صديقي الراحل الدكتور «زكي بدوي»، الذي استقي منه الأمير الكثير من معلوماته عن الإسلام وتعاليمه والرد علي افتراءات خصومه،
وأظن أن الراحل الدكتور «زكي بدوي» ـ بلغته الإنجليزية الرفيعة وقد كان متزوجاً من بريطانية ـ هو الذي صاغ الأفكار الرئيسية لمحاضرة الأمير «تشارلز» المشار إليها في جامعة «أكسفورد»، ومحاضرته الثانية بجامعة «الأزهر الشريف» في مارس ٢٠٠٦، وسوف يظل الأمير متطلعاً إلي كرسي العرش الذي يقترب منه ثم يبتعد عنه، لأن صاحبة الجلالة لا تريد أن تتخلي عن عرشها حتي لحظة الرحيل عن هذا العالم.. ثم يبقي لديه بعد ذلك ابناه من «ديانا أميرة القلوب» وهما: «وليم» و«هاري» اللذان يقترب العرش من أكبرهما بفرص أعلي من أبيه.. إنها سُنة الحياة وقانون الوجود وفلسفة الزمان.

چون جارانج

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٤/ ١/ ٢٠٠٨
لا يخالجني شك في أن الرحيل الغامض الذي حدث بالمصرع المفاجئ للعقيد «چون جارانج» قائد حركة التمرد الكبري في الجنوب السوداني في حادث طائرة ـ لا يبدو كامل البراءة حتي الآن ـ إنما يمثل خسارة كبيرة لوحدة السودان وسلامة أراضيه وضمان مستقبله، فقد كان «جارانج» وحدوياً رغم أنه كان يقود حركة ترفع شعارات يصل بعضها إلي التلويح بالانفصال،
ومازلت أذكر أول لقاء لي مع ذلك القائد الذي خرج من الجيش السوداني برتبة عقيد، وحصل علي «الدكتوراه» في الخارج وعاد ليقود الحركة الشعبية لتحرير السودان في منزل السفير المصري في «أديس أبابا» «أحمد الزنط» ـ رحمه الله ـ في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ويومها كان «جارانج» معبراً بقوة عن تقديره لمصر
وارتباط جنوب السودان تاريخياً بالدولة المصرية، مؤكداً أن مصر لم تلعب يوماً دوراً انتهازياً في الصراع القائم بين شمال السودان وجنوبه، وقد تحدث معي «جارانج» بلغة عربية واضحة عن أمله في ظهور سودان جديد يكون موحداً وديمقراطياً في ذات الوقت، كما أبدي اعتزازه باللغة العربية واحترامه للدين الإسلامي وفهمه للعلاقة بين المزاج الإفريقي والشخصية العربية.
وأتذكر يوماً أنه كان يجلس مع السيد «عمرو موسي»، وزير خارجية مصر الأسبق، فبادر الدكتور «جارانج» الوزير المصري بقوله (إنني أريد أن أشارك في حكم السودان ولا يجب أن يكون هناك مانع يحول بيني وبين هذا الحق كمواطن سوداني أصيل)، فرد عليه الوزير بذكاء شديد قائلاً (نعم هذا حقك يمكن أن تحصل عليه بالحوار الوطني والعمل السياسي ولكن لا يمكن الوصول إلي ذلك الهدف «بالبندقية» فالعنف لا يصنع المستقبل،
ولا يفتح الأبواب نحو المجتمع الذي ينعم بالتعددية السياسية والفكرية علي حد سواء)، وكان اللقاء الثالث الذي جمعني بالشهيد «چون جارانج» في دار مولانا «محمد الميرغني» «بشارع الخرطوم» في مصر الجديدة علي عشاء أقيم تكريماً له وكانت معه السيدة قرينته التي كانت تسعي يومها لدعم حملة تنوير وتحديث في جنوب السودان لرفع مستوي الحياة بين أبنائه، حتي إنها طالبت بإنشاء مدارس لتعليم اللغة العربية بصورة تؤكد التوجهات الوحدوية لزوجها في إطار سودان موحد وديمقراطي تنعم فيه كل الطوائف والثقافات بقدر متكافئ من الحقوق والواجبات،
وعلي الرغم من الصلات الوثيقة التي ربطت بين «جارانج» وحركته في جانب والولايات المتحدة والغرب في جانب آخر، بل اتصالاته المستمرة بالكنائس الغربية إلا أن الرجل كان يعمل في حدود علمي سعياً نحو وحدة السودان ومستقبله الديمقراطي ولم يكن خيار الانفصال هو الأول لديه،
ولكنه كان تعبيراً عن تنامي دور الجبهة الإسلامية وتأثيرها علي أركان الحكم في «الخرطوم» إذ يجب ألا ننسي أن «جارانج» هو ابن الجيش السوداني الباسل تربي فيه وتخرج منه وقد اعتمد علي مستشار سياسي رفيع القدر هو الصديق د.«منصور خالد» وزير خارجية «السودان» الأسبق، كما أن الرجل كان يرتبط بعلاقات طيبة مع عدد من العواصم العربية ربما كان أبرزها «القاهرة» و«طرابلس».
ونحن إذ نستشعر الخسارة الكبيرة لرحيله في ظروف صعبة لا نشكك في كفاءة خلفائه ولكننا نري أن غيابه هو افتقاد لدوره الوحدوي في مستقبل جنوب السودان، كما أن مصر علي وجه الأخص كانت تري فيه أملاً لوحدة ذلك القطر الشقيق، خصوصاً أن ارتباط الجنوب بمصر كان قوياً دائماً،
خصوصاً علي مستوي المنح الدراسية والأنشطة التعليمية، ولم يكن ذلك أمراً جديداً، ولكنه ظل تقليداً استمر في العصرين الملكي والجمهوري دون تراجع أو توقف، وعندما عبرت أرملة الزعيم السوداني الراحل ـ الذي تزامن مصرعه مع وفاة الملك «فهد بن عبد العزيز» ـ عن شكوكها حول طبيعة حادث الطائرة الذي أودي بحياته رغم سلامة التحقيقات التي تمت واستبعاد أي شبهة جنائية فيه،
فإنها قد فتحت ملفاً يظل محل جدل ونقاش قد يستمر لعدة سنوات قادمة لأن توقيت رحيل الدكتور «چون جارانج» كان مأساوياً بكل المعايير لا بالنسبة لأسرته وحدها بل للسودان كله ومستقبل أبنائه، حيث مازالت تعصف به الرياح علي نحو يدعو إلي القلق ويتطلب اليقظة لأن أكبر الدول الإفريقية مساحة وأكثرها ثراء في الأرض والمياه لا يمكن أن تكون مجرد مسألة موسمية نؤمن بها حين نريد ونبتعد عنها حين نشاء!.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس