عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:03 PM   #26
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]محمد حسنين هيكل

بقلم د. مصطفي الفقي ١٧/ ١/ ٢٠٠٨
إن «الأستاذ» هو ظاهرة فريدة في ذاتها، ومؤسسة مستقلة تمشي علي قدمين، ومهما اختلف الناس معه فإن التشكيك في قيمته يبدو نوعاً من العبث، كما أن المساس بمكانته هو تطاول لا يليق،
فإذا أخذنا «محمد حسنين هيكل» من الناحية «المنهاجية» فقط ودون الغوص في الأفكار والأعماق والآفاق، فإننا أمام عقلية منظمة للغاية، وذاكرة قوية بلا حدود، وقدرة علي الملاحظة الاستثنائية، لا نكاد نجد لها نظيراً، فالرجل يفهم بعينيه ويستقبل بأذنيه ويرصد كل ما حوله في دقة بالغة وذكاء حاد ورؤية شاملة،
ولا شك أن مسار حياته يعتبر نموذجاً غير متكرر، ولا أظن أن كاتباً في التاريخ العربي الحديث نال من ذيوع الشهرة وانتشار الاسم واحترام الكلمة مثلما تحقق للأستاذ «هيكل»، ولقد رأيته أول مرة في حياتي في نهاية الستينيات، من خلال ندوة دعاني إليها أستاذي د. «عبد الملك عودة» مساعد الأستاذ «هيكل»، رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير «الأهرام» في ذلك الوقت،
وعندما قدمني إليه أستاذي كان الأستاذ «هيكل» مشغولاً بالحديث مع بعض كبار ضيوف الندوة، فلم تتح لي فرصة الحديث إليه، وتذكرت لحظتها ما حدث عام ١٩٦٥، عندما كنت رئيساً لاتحاد طلاب كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» وبادرت مع زميل لي بالذهاب إلي المبني القديم لمؤسسة «الأهرام» القديم، لندعو الأستاذ «هيكل» إلي لقاء مفتوح مع طلاب الكلية الذين كانت بينهم زميلة دفعتي، الدكتورة «هدي جمال عبد الناصر»، والمشهود لها بالتفوق الدراسي حينذاك،
وعندما ذهبنا إلي مكتب الأستاذ «هيكل» استقبلتنا سكرتيرته الراحلة السيدة «نوال المحلاوي» وتصورت أنا ـ وهماً ـ أنني لو دعوت «الأستاذ» للحديث في موضوع ثقافي عام فسوف يكون ذلك أدعي لقبوله الدعوة، فقلت للسيدة «نوال» إن اتحاد طلاب كلية الاقتصاد يتشرف بدعوة «الأستاذ» للحديث في موضوع غير سياسي، حتي لا نثقل عليه، وإننا نقترح موضوع (أزمة المثقفين بين أهل الثقة وأهل الخبرة) فنظرت إلي سكرتيرة الأستاذ «هيكل» وقالت لي: وهل هذا موضوع غير سياسي؟!
إنه يقع في جوهر القضايا السياسية! وعندئذ انصرفت أنا وزميلي شاكرين، ثم التقيت «الأستاذ» في ندوات مختلفة إلي أن أتاحت لي فرصة عملي في مؤسسة الرئاسة المزيد من المعرفة والتواصل مع ذلك النجم الكبير، الذي أشعر تجاهه دائماً بالعجز الكامل، الذي يصيب الإنسان العادي، عندما يتطلع إلي عملاق في الفكر والثقافة مع إلمام موسوعي بحقائق الكون وشؤون الحياة وهو شعور يتجدد كلما أتاحت لي الظروف لقاء «الأستاذ»، وما أكثر ما دار بيني وبينه من أحاديث أستفيد منها وأجترها،
كلما احتجت إلي لحظات تأمل صادق أو فرصة فكر عميق، فالرجل صنع نفسه بنفسه وفرض اسمه علي الدنيا وأصبح واحداً من أولئك الكتاب الذين يعدون علي أصابع اليدين في العالم كله، وإنني أندهش كثيراً عندما أتابع سلسلة حلقاته علي إحدي الفضائيات، وأعجب بذاكرة ذلك الثمانيني المخضرم،
الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وأتذكر يوم أن هبط العاصمة البريطانية وأنا دبلوماسي في مقتبل العمر مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، ودعاه يومها سفير الجزائر لدي المملكة المتحدة، وهو الدبلوماسي الدولي المعروف الأستاذ «الأخضر الإبراهيمي» ـ صديق الأستاذ «هيكل» منذ سنوات طويلة ـ لحضور حفل استقبال العيد القومي «للجزائر»،
وعندما شاع خبر وجوده في «لندن» تهافت الدبلوماسيون والسياسيون والإعلاميون في العاصمة البريطانية للقاء «الأستاذ» والاستمتاع بالتحدث معه، ولست أري زائراً دولياً مرموقاً يهبط «القاهرة» إلا وهو يسعي للذهاب إلي «برقاش» لمقابلة «الأستاذ» والاستماع إلي آرائه والإفادة من تحليلاته،
والمذهل أن الرجل لايزال يملك رصيداً من المعلومات الطازجة والمتجددة، التي قد لا تتوافر في أروقة الدوائر الدبلوماسية أو الهيئات الأمنية، فقد اختار لنفسه طريقاً منذ البداية ومضي فيه ووضع لذاته تصوراً سعي إليه، فأثري الفكر السياسي المعاصر ووضع الصحافة في مكانها الرفيع، وأبي أن يمضي دون أن ينشئ مؤسسة تعليمية عالمية لتدريب الصحفيين الشبان، إيماناً منه بالتواصل بين الأجيال، واحتراماً للعلاقة بين المعلم والصبيان!،
وكلما التقيته في السنوات الأخيرة وجدته ناقداً لبعض ما أكتب، عاتباً علي المضي في بعض الاتجاهات التي لا جدوي منها، وأنا الآن أقف بين يدي «الأستاذ» لأجدد احترامي وأقول له: «لك العتبي حتي ترضي»!

الصادق المهدي

بقلم د.مصطفى الفقي ١٠/ ١/ ٢٠٠٨
تربطني بالسيد «الصادق المهدي» صلة قوية، لأنني أري فيه نموذجًا مشرفًا للعربي الأفريقي، الذي حصل علي تعليم راق وحاز ثقافة عالية، وكانت أول مرة رأيته فيها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، متحدثًا في مؤتمر كبير في قاعة «الأمير ألبرت»، الشهيرة بوسط العاصمة البريطانية، ويومها أدهشتني كثيرًا فصاحته بالإنجليزية، وتدفقه اللغوي الرصين إلي جانب أفكاره المتميزة، ولا غرو فقد درس في جامعة «أكسفورد»،
وكان رئيسًا لوزراء بلاده لأول مرة في الستينيات من القرن العشرين، عندما كان لايزال في العشرينيات من عمره، لأنه وريث بيت عريق فهو حفيد الإمام «المهدي الكبير»، الذي حاول في يوم من الأيام أن يتفادي مقتل «جوردون باشا» ليقايض به «عرابي»، حتي يعود من منفاه، و«المهدية» - لمن لا يعرف - حركة دينية سياسية كبري ارتبطت بالكفاح الوطني والسعي لاستقلال السودان، ووصفت دائمًا بالتحفظ تجاه «مصر» مع وجود حساسيات تاريخية حيالها،
ولقد ظل هذا الانطباع سائدًا حتي عندما تولي «الصادق المهدي» رئاسة الحكومة السودانية، بعد سقوط نظام «نميري» في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حيث لم تكن «الكيمياء البشرية»، متفاعلة بينه وبين القيادة السياسية والأمنية في شمال الوادي، وأذكر أن لقاءه الوحيد برئيس مصر علي هامش إحدي القمم الأفريقية في مدينة «أديس أبابا» لم يكن له من النجاح ذلك القدر المطلوب،
ولكن يرجع الفضل الأساسي في رفع الحساسيات التاريخية، وذوبان الشكوك الموروثة بين «الصادق المهدي» و«مصر» إلي فترة ما بعد قيام «ثورة الإنقاذ» في السودان عام ١٩٨٩، حيث بدأ السيد «الصادق» يتردد علي «مصر» بانتظام، ويقضي فيها أوقاتًا ليست قصيرة، كما اقتني منزلاً بمدينة نصر، واختلط بفئات الشعب المصري بمختلف مستوياته، ورأي منهم جميعًا حبهم الشديد للسودان واحترامهم الكامل له، باعتباره سليل «بيت المهدي» العريق، كما سعي إليه المثقفون المصريون والمفكرون والكتاب،
وفي مقدمتهم شيخ المعنيين بالشأن السوداني الدكتور «ميلاد حنا»، وكان لي شخصيا شرف لقائه، والحديث إليه كلما سمحت الظروف، بل إنني اشتركت معه، متحدثًا، في عدد من الندوات المتعلقة بشؤون السودان والأوضاع العربية والأفريقية، ولقد اندمج السيد «الصادق المهدي» في الشارع المصري حتي أصبح يتردد علي نادي «هليوبوليس»، ليلعب التنس في الصباح الباكر،
ولعلي أقول إنه لو لم يكن «لثورة الإنقاذ» في السودان من فضل فيكفيها أنها أزالت الحساسية بين الزعامة «المهدية» والدولة المصرية، ورغم أن السيد «الصادق المهدي» يميل إلي التنظير أحيانًا فإنه مرتبط بالواقع، دائمًا، متابع للأحداث الدولية والإقليمية بشكل يدعو إلي الإعجاب، ويتميز بقدر من الكبرياء الشخصي المستمد من قيمته الفكرية والثقافية،
ومازلت أذكر من لقاءاتي مع الرئيس السوداني السابق «جعفر نميري» أنه كان شديد التحفظ علي شخصية «الصادق المهدي» ومكانته السياسية، وقد جمعتني بالسيد «الصادق المهدي»، مناسبات اجتماعية كثيرة منها تلك التي كان يدعونا فيها علي الغداء دائمًا الصديق الدكتور «محمود أباظة»، رئيس «حزب الوفد» بداره في الزمالك، إعزازًا للعلاقة التاريخية بين الحزب والسودان الشقيق،
وكثيرًا ما سمعنا من السيد «الصادق المهدي» في السنوات الأخيرة تحليلات موضوعية حول الدور المصري في السودان والضغوط الدولية التي تتعرض لها «القاهرة» في هذا الشأن، ولا شك أن اختلاط السيد «الصادق المهدي»، في السنوات الأخيرة بمثقفي مصر ومفكريها وأدبائها قد أتاح له أيضًا أن يعرف «مصر» أكثر وأكثر، وذلك يذكرني بعبارة قالها لي القيادي الديني والسياسي الدكتور «حسن الترابي» ذات يوم، عندما عبر عن استيائه من أن من يستقبلونه في «مصر» هم من الجهات الأمنية والسياسية،
بينما هو يتطلع إلي لقاء مع الكتاب والمفكرين في مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام مثلاً، أو تتاح له فرصة محاضرة وحوار في إحدي قاعات «الأزهر الشريف»، ورغم أن «الترابي» يقف علي مسافة بعيدة من صهره «الصادق المهدي» فكريا وسياسيا فإن طبيعة الحساسيات لديهما من أسلوب التعامل المصري كانت متشابهة إلي حد كبير،
لذلك عدلت «مصر» في السنوات الأخيرة عن إرسال سفير لها في «الخرطوم» يأتي من مؤسسة أمنية، وفضلت أن يكون دائمًا دبلوماسيا محترفًا، تأكيدًا لطبيعة الندية بين البلدين التوأمين، ولسوف يظل اسم «الصادق المهدي» مرتبطًا بحاضر السودان ومستقبله، مثلما كان الأمر في الماضي بالنسبة لأبيه وجده، وسوف تزول إلي الأبد حساسيات أحداث جزيرة «أبا»، ويدرك الأنصار في السودان أن «مصر» طرف مباشر ومتكافئ مع كل القوي السياسية في السودان بغير استثناء.
تلك لمحات عابرة من صلة وثيقة بزعيم كبير، وصديق عزيز هو السيد «الصادق المهدي»، حفيد الإمام «محمد أحمد المهدي»، أبرز قادة السودان في القرنين التاسع عشر والعشرين.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس