عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:48 PM   #20
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]

عمرو موسي

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٤/ ٤/ ٢٠٠٨
إنه شخصية استثنائية بكل المعايير، فهو يملك «كاريزما» شخصية وضعته في موقع رفيع في تاريخ الدبلوماسية العربية، ولكنها أيضاً كانت محسوبة عليه، عندما غني له «شعبان عبدالرحيم» ودعا له الخطباء من فوق منابر المساجد، عندما ألمت به وعكة صحية خفيفة، فكما أن ذكاء المرء محسوب عليه فإن تألق المسؤول يكون خصماً منه. وفي تاريخنا العربي الحديث تعلمنا دائماً أنه ويل لمن تطول قامته أكثر من اللازم!،
وعندما تخرج السيد «عمرو موسي» في كلية «الحقوق» والتحق بوزارة الخارجية المصرية في بداية النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي.. تحدث عنه المحيطون به في تلك السن المبكرة، باعتباره وزير الخارجية القادم، فهو متحدث متميز وصاحب رد فعل سريع وقدرة ملحوظة علي اتخاذ القرار، إلي جانب شعور ملموس بالذات لا نعتبره غروراً، ولكن نراه انعكاساً لحساسيته وكرامته الشخصية بعد كرامة أمته ووطنه، اللذين يضعهما علي قمة أولوياته في حياته الدبلوماسية والسياسية،
ولا شك أن تربيته علي يد جده لأمه ـ فقد فقدَ والده صغيراً ـ قد تركت أثراً كبيراً في تكوينه الشخصي وتربيته الأولي، إذ إن جد والدته هو «عثمان الهرميل»، عضو مجلس شوري القوانين عن مديرية الغربية في القرن التاسع عشر، وينبغي أن أسجل هنا نقطة جديرة بالاهتمام، فالكثيرون يتصورون أن «عمرو موسي» يعتمد فقط علي شخصيته القوية وتأثيره الواضح فيمن حوله،
وأنا أري في ذلك ظلماً شديداًً للرجل.. فهو في ظني يملك مقومات فكرية ووظيفية لا يمكن الإقلال من قيمتهما.. ولعلي أتذكر الآن أول احتكاك مباشر لي بالسيد «عمرو موسي»، عندما أوفدنا «د. بطرس بطرس غالي» ـ «د. محمود مرتضي»
وأنا ـ كمستشار وسكرتير أول يعملان تحت إشراف وزير الدولة للشؤون الخارجية لإصدار مجموعة من «الكتب البيضاء» حول القضايا والاتفاقيات والسياسات المهمة المتصلة بتاريخ الخارجية المصرية، وكان الهدف من ذلك هو حفظ ذاكرة الأمة وتجميع وثائق الخارجية في أرشيف متكامل ودائم، وفي ذلك الوقت من منتصف السبعينيات، ذهبنا إلي المستشار «عمرو موسي»، مدير إدارة الهيئات الدولية في مكتبه، وجلسنا ـ «د. مرتضي» وأنا ـ نستمع إليه في انبهار وهو يشرح لنا باستفاضة تفاصيل قرارات مجلس الأمن، ويتحدث عن الوثائق بترتيب منتظم، وقد أطلَّت من عينيه أشعة الذكاء الحاد وبريق الشخصية القوية،
وعندما برحنا مكتبه ـ زميلي وأنا ـ نظر كل منا إلي الآخر وقال: إن هذا هو وزير الخارجية القادم يوماً ما لا محالة.. وعندما عملت في العاصمة الهندية أربع سنوات، جاءني السيد «عمرو موسي» علي رأس وفد خبراء الخارجية المصرية، استعداداً لقمة «عدم الانحياز»، فتوطدت علاقتي به أكثر، وارتبط هو «بالهند» منذ تلك الأيام لكي يعود إليها سفيراً، بعد أن انتهت خدمتي مستشاراً فيها، فلم يقدر لي أن أعمل معه في «نيودلهي»، حيث كان سفيري الذي سعدت بالعمل معه هو القاضي الدولي الدكتور «نبيل العربي»،
ولقد ارتبطت علي امتداد الخمسة والعشرين عاماً الماضية بشخصية «عمرو موسي»، وأصبحت صديقاً قريباً منه.. أستقبله في المطار وهو عائد من «الهند»، وأودعه عند كل ذهاب إليها، إعجاباً به وحباً له وتحوطاً لمستقبل سوف يكون هو فيه وزيراً للخارجية!، وقد حدث ذلك بالفعل، فكان واحداً من ألمع وزراء الخارجية في التاريخ العربي الحديث، ولعل الكثيرين لا يعلمون أنه من ذلك النوع الذي أهَّل نفسه بالمقومات المطلوبة لعمله، فهو نموذج رائع لدبلوماسية المؤتمرات ودبلوماسية التفاوض معاً في وقت واحد، فقد عمل في إطار العلاقات متعددة الأطراف بالأمم المتحدة والدبلوماسية الثنائية في «الهند وسويسرا» وغيرهما،
ولعل أهم ما يميزه هو أنه يقرأ الموضوع المطروح عليه ويرتب أفكاره قبل أي لقاء دبلوماسي كبير، ويمتلك ناصية التأثير في الآخرين من خلال شخصية مرحة في غير أوقات العمل شديدة الجدية أثناءه، ولقد رافقته كثيراً في جولاته بالطائرة الصغيرة عندما كان وزيراً للخارجية، حيث كنت مساعداً له للشؤون العربية، فقد كان يتحفنا بسندوتشات «الفول» و«الطعمية» كوجبة رئيسية أثناء الرحلات، ثم يؤدي الصلاة في مواعيدها، جالساً بمقعده في الطائرة، وقد نلعب «الشطرنج» أو «الطاولة» إذا ما كان هناك بعض الوقت لذلك، وهو متحدث لطيف المعشر، ورغم كبريائه الشخصي فإنه قريب من البسطاء والعامة..
ومن النوادر التي لا أنساها أننا عندما دخلنا مكتب الرئيس الراحل «حافظ الأسد» في «دمشق»، بادره السيد «عمرو موسي» قائلاً: (إن «مصطفي الفقي» يعاني من زكام طارئ)، فكان من الطبيعي أن يصافحني الرئيس الراحل مبتعداً قليلاً عني وقلقاً مني طوال الجلسة، خصوصاً أن الرئيس الراحل كان في ذلك الوقت قد بدأ العد التنازلي لصحته المتدهورة.. وللسيد «عمرو موسي» قفشات ونوادر يعرفها أصدقاؤه المقربون.. وأذكر أنني كنت أقود سيارتي وهو معي في العاصمة الهندية أثناء قمة «عدم الانحياز»، فكان يتعرف علي الشوارع من خلال علامات غريبة، منها ضريح نادر علي أحد الأرصفة في بلد تُحرق فيه جثث الموتي!.
إنه «عمرو موسي» الذي يحترمه خصومه، وتنظر إليه الدول ذات السياسات المختلفة معه أحياناً - ومنها «الولايات المتحدة الأمريكية» - بكثير من التقدير والإكبار، ورغم اعتزازه الشديد بكرامته وكبرياء وطنه، فإنه يبدو ضاحكاً مرحاً قريباً من القلوب في المناسبات الاجتماعية المختلفة.. إنه «عمرو موسي» الذي تعتز به أمته وتعتمد عليه كواجهة مشرقة للعمل العربي المشترك في هذا الزمن الرديء.




وجيه أباظة»



بقلم د.مصطفى الفقى ١/ ٥/ ٢٠٠٨
عرفته وأنا طالب صغير في مدرسة «دمنهور» الثانوية في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي حيث كان هو محافظ الإقليم المتميز بين أقرانه والذي يرجع إليه الفضل في تخطيط مدينة «دمنهور» بل محافظة «البحيرة» بوضعها الحالي، فهو الذي أنشأ مصنع السجاد الشهير وبني الإستاد الكبير ومبني ديوان عام المحافظة وقدم خدمات جليلة لذلك الإقليم الزراعي المترامي الأطراف.
بل إن المركز الطبي المتمثل في المستشفي المركزي العام بـ«دمنهور» كان مزاراً للوفود الأجنبية أثناء وجوده محافظاً لـ«البحيرة»، وكنت أنا ذلك الطالب الصغير والأول علي الشهادة الإعدادية في منطقة «البحيرة» التعليمية ورئيس اتحاد طلاب المدرسة الثانوية فأحاطني ذلك الرجل الكبير برعايته واهتمامه وجعلني قريباً من أبنائه، خصوصاً أن ابنه «حسين» ـ عضو مجلس الشوري حالياً ـ كان زميلي في المدرسة وعند بداية تعارفنا حسبني مدرساً فيها بعدما ألقيت خطاباً في جموع الطلاب يوم الانفصال وقلت فيه «هيهات أن يحصد الانفصاليون ما يريدونه من جريمتهم ضد الأمة والوطن» لذلك فإن «حسين وجيه أباظة» كلما التقينا بادرني قائلاً «هيهات».
ولقد تمتع «وجيه أباظة» في «البحيرة» بشعبية كاسحة وعندما ذهب إلي أحد مراكز الإقليم لأداء واجب العزاء، بعد أن ترك المحافظة بسنوات طويلة، حاولت جموع الناس الغفيرة أن تحمل سيارته من فوق الأرض اعتزازاً به وتكريماً له. ومازالت المدرسة التي تحمل اسمه موضع اهتمامي ورعايتي باعتباري نائباً في مجلس الشعب عن بندر «دمنهور».
إنه «وجيه أباظة» ذلك الطيار الذي لعب دوراً مرموقاً في السنوات الأولي للثورة في مجال النشر لها والإعلام عنها والترويج لسياساتها وكان دائماً أحد النجوم الساطعة في سماء الوطن، فقد كان حسن المظهر بهي الطلعة موضع احترام الجميع وكانت علاقته بالرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» طيبة من البداية إلي النهاية وكان قريباً من جناح الطيران بين رجال الثورة ومنهم «البغدادي» و«علي صبري»، وهو يعتبر أيضاً من قيادات الطيران التي أحبها الرئيس «مبارك» واعتز بها،
ومازلت أتذكر أنه طلب موعداً عاجلاً مع الرئيس في أحد أيام الصيف في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي فدعاه الرئيس فوراً إلي المركز الرياضي في أثناء استراحة الظهيرة حيث كان الرئيس يختلس ساعة - أو بعض ساعة - يمارس فيها هوايته في لعب «الاسكواش» وجاء «وجيه أباظة» إلي الرئيس الذي اندهش عندما رأي الراحل «وجيه أباظة» يعانقني قائلاً «إنه ابني الذي تربي علي يدي»..
وقد كان السيد «وجيه أباظة» محل رعاية الرئيس «مبارك» حتي آخر أيامه بحكم رفقة السلاح واقتراب التاريخ المشترك، إنه «وجيه أباظة» الذي أنشأ فرقة "الفنون الشعبية" «بالبحيرة» وكانت ذائعة الشهرة وقتها كما أنه هو الذي أقام بحيرة «البط البكيني» كأحد مظاهر التقدم في ذلك الإقليم المظلوم تاريخياً في الخدمات عموماً، وعندما جري التحفظ عليه فيما سمي «مؤامرة مراكز القوي» في بدايات عهد الرئيس الراحل «أنور السادات» ظل الرجل شامخاً صلباً بعد أن كان محافظاً لـ«البحيرة» و«الغربية» و«القاهرة»،
ومن يومها انخرط الرجل في العمل التجاري الحر وأبلي فيه بلاء كبيراً بحكم عقليته المتميزة وشخصيته الجذابة فحصل علي توكيل سيارات «بيچو» التي مازالت تحمل اسمه إلي يومنا هذا ولا عجب فهو ينتمي إلي عائلة مرموقة للغاية توزعت شخصياتها بين الأحزاب السياسية عبر تاريخ مصر الحديث ولمعت فيها أسماء مثل «إبراهيم الدسوقي أباظة» و«فكري أباظة» و«أحمد أباظة» و«ماهر أباظة» وغيرهم من العلامات المضيئة في تاريخ السياسة المصرية، ويكفي أن منها أيضاً ذلك الشاعر الفحل «عزيز باشا أباظة» الذي كان محافظاً لـ«البحيرة» أيضاً و«ثروت أباظة» الكاتب الراحل الذي كان معروفاً برقة الشعور وطيبة القلب.
إن «وجيه أباظة» سوف يبقي في ضمير أمتنا قمراً ساطعاً ونجماً لامعاً لا ينساه من عرفوه، ويكفي أن أقول إنه لا يغيب أبداً عن ذاكرة أبناء «البحيرة» باعتبارها المحافظة التي قضي فيها أطول مدة من العمل المخلص الجاد فارتبطت باسمه واقترنت صورتها الحديثة بإنجازاته الضخمة، وعندما رحل عن عالمنا منذ سنوات بكته مصر إنساناً عزيزاً وابناً باراً يحمل أبناؤه شعلته المضيئة بكل الالتزام والولاء لاسمه الكبير.
ولا شك أن تلك العائلة العريقة القادمة من إقليم «أبخازيا» - من أعمال «الاتحاد السوفيتي السابق» - قد قدمت لمصر نماذج متفوقة لعل آخرها الصديق الدكتور «محمود أباظة» رئيس «حزب الوفد» حالياً وشقيقه الأصغر الصديق «أمين أباظة» وزير الزراعة الحالي.
ولن أختتم مقالي هذا إلا بطرفة واحدة عندما التقي المحافظ «وجيه أباظة» باتحاد طلاب المدارس الثانوية في محافظة «البحيرة» فشكا له أحد الطلاب من سطوة بوليس الآداب في تعقب طلاب مدرسة «دمنهور» الثانوية للبنين عندما يتجهون إلي معاكسة الفتيات عند انصراف طالبات مدرسة «دمنهور» الثانوية للبنات، فرد عليه المحافظ الراحل: «سوف أطلب منهم إقلال سطوتهم لو بدأت أنت في إقلال سطوتك في تعقب الفتيات الصغيرات» وضج الجميع بالضحك.
إنه ذلك الرجل الذي كان له من اسمه نصيب كبير وارتبطت به قلوب الناس لأنه دخلها بغير استئذان وبقي فيها إلي الآن. [/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس