عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:21 PM   #38
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


أسامة الباز

بقلم د. مصطفى الفقى ١٩/ ٧/ ٢٠٠٧
عاد إلي مصر بعد سنوات قضاها طالباً للدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك في أواخر عام ١٩٦٧ والشباب المصري ينزح إلي خارج وطنه، في أعقاب الهزيمة النكراء والأجواء الخانقة لنكسة يونيو التي أطبقت علي أنفاس جيل بالكامل وسحقته تحت وطأة الغضب والحزن والإحباط بعد سنوات المد القومي والحلم العربي،
عاد إلينا ذلك الشاب المثقف الذي يتحدث الإنجليزية بلكنة أمريكية وفيه من حيوية النشاط السياسي الذي مارسه في الولايات المتحدة الأمريكية رئيساً لاتحاد الطلاب العرب، وفيه من انفتاح وليبرالية سنوات وجوده في الغرب، وفيه من تعددية مصادر المعرفة التي حازها من تجارب في حياته التي بدأها «وكيلاً للنيابة»، تمرس بحياة الشارع ومعاناة الناس، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي في منتصف الخمسينيات وفقاً لدرجته التي وصل إليها في النيابة العامة، وقد ربطته حينذاك صلات مباشرة ببعض ثوار يوليو من الضباط الأحرار من خلال زملاء أخيه الأكبر الذي كان ضابطاً في القوات المسلحة، وقد رأوا في «أسامة الباز»،
ذلك الشاب النجيب، رفيع الثقافة، غزير المعرفة، متوهج الذكاء، نموذجاً يلتقون به ويستمعون إليه، ويستعينون بخبراته، وظل في وزارة الخارجية لعدة أعوام، فيما كان يسمي بالإدارة العامة للأبحاث، حيث تولي موقعه إلي جانب رجل وزارة الخارجية القوي في ذلك الوقت السفير إبراهيم صبري - ابن أخت الزعيم الراحل مصطفي كامل - وذاع اسم أسامة الباز بين أقرانه، نموذجاً للجرأة والبساطة والكفاءة في وقت واحد، ومن خلال معايشتي له واقترابي منه علي مدي الأربعين عاماً الماضية، أستطيع أن أزعم أنه شخصية استثنائية بجميع المعايير، فهو ابن عالم أزهري من محافظة الدقهلية، تلقي دراسته الأولي في مدينة «دمياط» بحكم عمل والده في سلك التعليم،
ومع ذلك فإن درجة تأقلمه - هو وشقيقه عالم جيولوجيا الفضاء «فاروق الباز» - مع مناخ الحياة الغربية، يوحي بالقدرة الرائعة علي التكيف الذكي من بيئة البيت الأزهري إلي طبيعة الحياة المختلفة تماماً في الغرب، كما أن إجادته الواضحة لقواعد اللغة العربية، لم تكن علي حساب تفوقه أيضاً في اللغة الإنجليزية، ولعل الكثيرين لا يعلمون أنه يتميز بخط جميل للغاية في اللغتين معاً، لقد جاءنا ذلك الشاب الرائع ونحن طلاب في معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية في أجواء ١٩٦٧ وما بعدها، فإذا به يأتيناب العالم كله عندنا ونحن مبهورون به،
مشدودون إليه، لقد أتحفنا بأساتذة مرموقين من أمثال جورج أبوصعب، وتحسين بشير، ويحيي العزبي، وعبدالوهاب المسيري، واستقدم لنا من رجال السياسية والفكر والثقافة والإعلام في العالمين الغربي والعربي، فهذا هو لويس عوض، وذلك هو أحمد بهاء الدين، ومعهما كوكبة من صفوة العقول في المنطقة كلها، فاستطاع أسامة الباز أن يربي أجيالاً في الخارجية المصرية، وأن تتكون له مدرسة دبلوماسية متميزة تجمع بين السياستين الداخلية والخارجية علي اعتبار أن كلاً منهما امتداد للأخري، وقد شرفت شخصياً،
ولا أزال، بالانتماء إليها، وعندما اختارني للعمل في مكتبه فور عودتي من خدمتي في «الهند» ألمت به وعكة صحية طارئة، أرسل لي أثناءها كتاباً من مستشفاه، يطلب مني القيام بما أستطيع من أعماله والوفاء بما أقدر عليه من المسؤوليات الملقاة علي عاتقه، عندئذ سنحت لي الفرصة أن أعمل مباشرة مع رئيس الدولة، إلي أن عاد هو معافي من مرضه يواصل دوره، إلي أن التحقت أنا بمؤسسة الرئاسة سكرتيراً للرئيس للمعلومات بعد ذلك بعامين، وأريد أن يعلم الجميع أن شخصية أسامة الباز تقوم علي أسس أخلاقية رصينة، فما رأيته يوماً يدق أسفيناً في شخص، أو يطعن في مكانة غيره، فإذا سئل عن إنسان قال خيراً أو صمت، ولقد لاحظت دائماً إعزاز الرئيس مبارك له وتقديره لمكانته وفهمه لطبيعة شخصيته،
وللدكتور أسامة الباز دائرة واسعة من المعارف والأصدقاء في أعلي المستويات عربياً ودولياً ما أتذكر الصورة الرئيسية في الصفحة الأولي في صحيفة «الأهرام» للرئيس الأمريكي السابق «جيمي كارتر» و«أسامة الباز» وحدهما يراجعان معا بعض ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، فهو من أخبر الناس بتفاصيل القضية الفلسطينية ودهاليز السياسة العربية وطبيعة العلاقات المصرية الأمريكية ولقد سمعت بأذني حديثا لرئيسة وزراء بريطانيا السابقة «مارجريت تاتشر» وهي تشير إليه باحترام وإعجاب شديدين.
إني أكتب عن «أسامة الباز» اعترافا بفضله علي جيلي كله وتقديرا لمدرسته في الدبلوماسية المصرية واعتزازا بدوره الوطني، فقد كان دائما هو المفاوض البارع طوال عمله في مجال العلاقات الدولية المعاصرة، ومن ثم فإنني أنضم إلي غيري من أبناء مصر وبناتها في تحية رجل عاش زاهدا في المناصب، مترفعا عن الصغائر، خادما أمينا للوطن، وعندما فكرنا هذه الأيام في تكريمه بمناسبة عيد ميلاده «الماسي» فإننا لم نجد مكانا أفضل من معهد الدراسات الدبلوماسية الذي علمنا هو فيه، إنه ذلك المعهد الذي تشرفت شخصيا بأن أكون مديرا له في مطلع التسعينيات من القرن الماضي،
وعندما عرضت الفكرة علي مدير المعهد الحالي الدكتور «وليد عبدالناصر» سفيرنا القادم إلي العاصمة اليابانية تحمس للفكرة بحكم انتمائه أيضا لمدرسة «أسامة الباز» ضمن آخر جيل تربي علي يديه، وعرض مدير المعهد الأمر علي وزير الخارجية السيد «أحمد أبوالغيط» الذي سبقنا في حماسنا وقرر أن يطلق اسم «أسامة الباز» علي الدفعة الجديدة بالمعهد الدبلوماسي العريق، لذلك فإن هذه السطور هي تحية لمواطن مصري دخل إلي «المطارات» دائما مع العامة ولم يطلب يوما فتح «صالة كبار الزوار»، وركب «مترو الأنفاق» مع كل الطبقات المصرية، وتمشي وحيدا علي «شاطئ النيل» دون أدني حراسة، إنه نبت الأرض الطيبة وابن الكنانة البار الذي يتواصل دائما عطاؤه وتعلو دوما مكانته.


أشرف مروان



بقلم د.مصطفى الفقى ١٢/ ٧/ ٢٠٠٧
كنت أنتوي الكتابة عنه في ترتيبه، بين من عرفت ولكن رحيله المفاجئ ألزمني بأن أخرجه من «الطابور»، ليتقدم غيره خصوصا أن علاقتي به بدأت مع وصولي إلي «لندن» نائبا للقنصل عام ١٩٧١ بعد خمس سنوات من التحاقي بالسلك الدبلوماسي حيث كان أول رئيس لي هو السفير «محب السمرة» القنصل العام آنذاك- وهو بالمناسبة من أكثر الدبلوماسيين كرما وشهامة- وقد قدمني لسكرتير الرئيس «السادات» للمعلومات «أشرف مروان» ونظرا لتقارب السن بيننا فقد خصني د. أشرف بعلاقة متميزة بلغت حد متابعتي المادة العلمية الواردة من القاهرة والخاصة بتحضيره درجة الدكتوراه التي كان أحد مشرفيها العالم المصري الراحل د. أحمد مصطفي وزير البحث العلمي بعد ذلك.
ويهمني هنا أن أقرر أن د. أشرف مروان الذي دخل دائرة المعلومات والثروة والسلطة في آن واحد مثلما هو الحال لأسماء أخري منها السيدان «كمال أدهم» و«عدنان خاشوقجي» وغيرهما فإن د. مروان كان من أكثر الناس خدمة للآخرين وحرصا عليهم ووفاءً لهم، وقد وظف اتصالاته العربية الواسعة لخدمة الاقتصاد والعسكرية المصريين ولعب دورا حاسما في مرحلة الإعداد لمعركة «أكتوبر» الظافرة.
ولقد ذكر لي د. عبدالخالق حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق ذات يوم أن أشرف مروان كان أحد العوامل الأساسية في دعم الخزانة والجيش المصريين والتمهيد للحظر البترولي أهم أسلحة حرب ١٩٧٣ إلي جانب توثيق العلاقة بين مصر وكل من السعودية وليبيا علي نحو يضعه في مصاف أبطال أكتوبر الذين يعتز بهم الوطن.
وعندما تأتي الشهادة من رجل بحجم د. حجازي ومكانته الرفيعة ونزاهته المعروفة فإننا نضعها في مكانها الصحيح تكريما للراحل الذي مسح الرئيس مبارك عن اسمه ضباب الغموض والظلم وعندما قال كلمته الفاصلة «أشرف مروان كان وطنيا مخلصا لوطنه» فاستحق أن يلتف حول جثمانه علم مصر الخالدة، كما أن جنازته العزاء فيه مساء اليوم نفسه وقد حضرتهما كانا استفتاء رسميا وشعبيا علي مكانة الرجل ومدي الثقة فيه، وأذكر أنه عندما اختارني الرئيس مبارك لكي أشغل المنصب الذي كان يشغله د. أشرف مروان في عصر الرئيس السادات مع الفارق الكبير في نوعية الصلاحيات وطبيعة المسؤوليات فإنني تعاملت معه بمودة دائمة كانت هي امتدادا لموقف الرئيس الذي أعمل معه، والآن دعنا نتحدث عن «شرفات لندن» ودورها مع الشخصيات المصرية.
خصوصا أنني شاهدت واقعتين كبيرتين هناك علي نفس النمط، فقد كنت أنا الذي اتصل به المرحوم د. «عبدالغفار خلاف» المستشار الطبي المصري الذي كان زميلاً لي في القنصلية العامة «بلندن» ليبلغني بأن جثمان الفريق «الليثي ناصف» قائد الحرس الجمهوري السابق والمرشح سفيراً في اليونان ملقي علي قارعة طريق «ميدافيل» بعد سقوطه من شرفة شقته في برج «ستيورات» والتي انتقل إليها قبل الحادث بيوم واحد، فسارعت إلي الذهاب لموقع الحادث ووجدت مأساة إنسانية حقيقية، زوجة منهارة تتحدث فيما يجب وما لا يجب، وتوزيع الاتهامات بلا وعي وابنتين حزينتين وظروف غامضة تحيط بالرحيل المفاجئ لواحد من أبطال حركة ١٥ مايو ١٩٧١، وبعدها بسنوات قليلة - وكنت ألملم أوراقي بعد حصولي علي الدكتوراه - اتصلت بي قيادة القسم الخاص في الشرطة البريطانية لأخذ رأيي في ملابسات مقتل العقيد «علي شفيق» المدير السابق لمكتب المشير «عبدالحكيم عامر» حيث وجد مقتولاً «بالشاكوش» في شقته بعد اشتباك مع قاتليه فقد كان ملاكماً سابقاً ولكن الكثرة تهزم القوة والشجاعة معاً.
وأذكر أنني لاحظت أن الشرطة البريطانية تحاول استيفاء الأوراق وإغلاق الملفات حتي لا تتورط في تفاصيل لا تريد الغوص فيها، ولا أزال أتذكر أن السيد «شمس بدران» وزير الحربية السابق الموجود حينذاك في لندن قد اتصل بي وقال إنني أريد منك إجابة واضحة هل اغتيال علي شفيق سياسي أم جنائي؟ وأجبته بأن الأمر متداخل وغامض وقد كان السيد «شمس بدران» شديد الحذر في تعامله مع الآخرين ويأخذ بكل أسباب الحيطة في تحركاته بمنفاه الاختياري بإنجلترا، إنني أتذكر كل ذلك اليوم لكي أقول إن رائحة المؤامرة ليست بعيدة عن بعض حالات الرحيل المفاجئ للشخصيات الأجنبية المرموقة في العاصمة البريطانية وغيرها من المدن الغربية.
ولكن حزني علي «أشرف مروان» سوف يلازمني لفترة طويلة، خصوصاً أنني التقيته في القاهرة قبل رحيله بأسابيع قليلة وكان حديثنا طويلاً عن مذكراته ورغبته في أن يضع شهادة د. «حجازي» في حقه نقلاً عني في مقدمة تلك المذكرات، ولست أنسي زياراتي للندن في خريف ٢٠٠٦ فعندما علم من الصديق د. «علاء الجندي» المستشار الثقافي المصري حينذاك أنني أزور المكتب كعادتي السنوية منذ حصولي علي الدكتوراه تحت إشراف إدارة البعثات المصرية ومقرها في العاصمة البريطانية، لست أنسي أن «أشرف مروان» عندما علم بوجودي هرع للقائي هناك في محبة تلقائية اتصف بها دائماً تجاه كل من يعرفه، لذلك سوف يظل رحيله المفاجئ لغزاً محيراً لا أظن أجهزة الأمن البريطانية قادرة علي حله أو حتي راغبة في ذلك.


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس