عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:19 PM   #37
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]عبدالحليم حافظ»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢/ ٨/ ٢٠٠٧
في مثل هذه الأيام من كل عام، نتذكر أغاني «عبدالحليم حافظ» في عيد الثورة المصرية، وهي أيام أعترف بأن الكثيرين من جيلي مرتبطون بها عاطفياً حتي ولو رفضوا نتائجها عقلياً. فعلاقتنا بزعامة «عبدالناصر» لا تزال كالحلم الجميل الذي كنا لا نريد أن نستيقظ منه،
بينما نعترف أيضاً بأن «السادات» تحرك بواقعية - اتفقنا معه أو اختلفنا - علي نحو يضعه في خانة «رجل الدولة» الذي جاء بعد «زعامة تاريخية» ضخمة، لذلك فإن الأغاني الوطنية «لعبدالحليم حافظ» سوف تظل استكمالاً طبيعياً لأغانيه العاطفية، فكلاهما يمجد عاطفة الحب، سواء كان ذلك لحبيبته الغالية أو للمعشوق الأعظم،
وهو الوطن الكبير. بل إنني أعترف هنا أنني كلما استمعت إلي أغنيته «صورة» عادت بي الذاكرة إلي منتصف الستينيات، ووضعتني في حالة شجن عاطفي ووطني بغير حدود، وعندما أستمع إلي «رسالة من تحت الماء» أو «قارئة الفنجان»، وقبلهما عشرات من روائع ذلك الفنان شديد الحساسية، الذي امتلك صوتاً ذكياً، وإن لم يكن قوياً، معبراً،
وإن لم يكن سخي الموهبة، مؤثراً لأنه لفنان خرج من طين محافظة الشرقية، وتربي في ملجأ للأيتام، ودفع حياته ثمناً لمرض مصري شائع سببته دودة «البلهارسيا» حتي تكون حياته ومماته مرتبطتين بالأرض الطيبة ونيلها الخالد، وسوف تظل رحلة «عبدالحليم حافظ» مع المرض مأساة إنسانية فريدة،
ولقد تعرفت عليه في مطلع السبعينيات من القرن الماضي بالعاصمة البريطانية عندما قدمتني إليه السيدة «عنايات الحكيم» شقيقة الإعلامي الكبير «وجدي الحكيم» - رفيق دربه وصديق عمره - وكان كلما جاء إلي «لندن» سأل عني، فسعيت إليه حيث كان يقيم في شقته بنفس الحي الذي أقيم فيه «سان جونز وود»، وما زالت لدي بعض منقولاته البسيطة التي صمم علي إهدائها لي عندما انتقل من شقته الأولي التي ما زال يعيش في نفس عمارتها الصديق «علاء بدراوي» بالعاصمة البريطانية،
وما أكثر ما التقيت به أنا وزميلي الدبلوماسي المصري «محمد أنيس» الذي يشغل حالياً موقعاً مرموقاً في منظمة «اليونيسيف»، وكنا نري دائماً الحزن العميق يطل من عيني العندليب الأسمر، وكأنه يجتر دائماً ذكريات السنوات الصعبة قبل أن تبتسم له الدنيا التي لم ينعم بها طويلاً، لأن المرض داهمه في سنوات الشباب وما زلت أتذكر آخر لقاء لنا في يوم «سبت» كنت أتسوق فيه بمتجر «سيلفريدج» في لندن،
فإذا بي ألتقي مصادفة بـ «عبدالحليم حافظ» وجهاً لوجه، حيث كان يشتري بعض المفروشات لاستكمال تأثيث شقته الجديدة، وعندما رآني اندفع نحوي وقال: «إنني وصلت أمس وكنت أطلب من سكرتيرتي السيدة سهير علي - وقد عملت بعد ذلك سكرتيرة للسفير المصري بعد رحيل العندليب - أن ترتب لقاء لي معك ومع محمد أنيس وهاهي الفرصة جاءت لأني أريد الآن أن أستطلع رأيك في أمر يتعلق بحالتي الصحية، فأنا أتعرض لعملية حقن لدوالي المريء كل عام لمنع النزيف المحتمل،
ولكن هناك فرصة طبية جديدة يقدمها طبيب هولندي تقوم علي أساس إجراء جراحة تجعلني لا أحتاج إلي حقن الدوالي إلا كل خمس سنوات، فما رأيك في ذلك؟» فأجبته: «إنني أفضل الطرق التقليدية في التعامل مع الصحة ولا أميل كثيراً إلي المجازفة، وقد يكون الحقن السنوي المضمون أفضل من جراحة مجهولة العواقب»،
ثم داعبته قائلاً: «إن وزنك قد زاد وهذه علامة تحسن في الصحة»، فأجاب ضاحكاً: «بل هي دليل علي تقدم في السن»، وكان يقترب وقتها من الخمسين فقط من عمره القصير نسبياً، الطويل فنياً، المؤثر إنسانياً، ثم استطرد يحكي لي عن حفلاته في المغرب وبعض الأغاني المرتبطة بالمناسبات الملكية لعرش «الحسن الثاني» وأولاده وأهميتها،
رغم أنها غير معروفة للمستمع المصري، وتصافحنا علي أمل اللقاء بعد خروجه من المستشفي، ولم تمض إلا أيام قليلة إلا ومحطات التليفزيون البريطاني تقطع برامجها لتعلن في خبر عاجل رحيل أشهر «مغني» في الشرق الأوسط، فاندفع المصريون والعرب إلي فناء المستشفي في مظاهرة حزينة تعبر عن نهاية جيل من الطرب العاطفي والوطني،
ويومها أرسل ملك المغرب طائرة خاصة لنقل جثمان الفنان الصديق، وأرسل الأمير «بدر بن عبد العزيز» طائرة أخري لنفس الغرض ولكن السلطات المصرية صممت علي أن تحمل طائرة مصر للطيران جثمان الفنان الذي غني للوطن والثورة، للحب والمرأة، للحاضر والمستقبل،
لذلك سوف يظل اسمه مبعثاً لذكريات دفينة جمعتني فيها الظروف بذلك الفنان شديد الحساسية، الذي غني للهزيمة والانتصار، وردد القصائد والأشعار، وجعلنا نستغرق في سنوات الحلم الجميل، نحلق في سماوات الأمل ونعيش أروع سنوات العمر.
زكريا محيي الدين

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٦/ ٧/ ٢٠٠٧
ونحن نحيي الذكري الخامسة والخمسين لثورة يوليو ١٩٥٢ فإننا نتذكر بعض ثوارها، ممن تركوا بصمات علي صفحة الحياة السياسية المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين، ولقد اخترت من بينهم رجلا ترفع عن المهاترات، ولم ينزلق إلي حرب المذكرات، وآثر أن يطوي صفحة الماضي، وأن يمضي بقية عمره في شموخ وكبرياء، معتزلا الحياة العامة، فلم يقف تحت دائرة الضوء في العقود الثلاثة الأخيرة إلا مرة واحدة، عندما سلمه رئيس الدولة المصرية «ميدالية الثورة» في حفل تخريج إحدي دفعات الكلية الحربية منذ سنوات قليلة. وقصة هذا الرجل مع وطنه تثير الاحترام إلي حد كبير، فهو سليل عائلة معطاءة، قدمت للوطن شخصيات مرموقة، حيث يقف هو وابن عمه المناضل التاريخي خالد محيي الدين علي قمتها، وتليهما في الموكب الرائع أسماء أخري،
مثل د. فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء الأسبق، وصديقي العزيز الاقتصادي اللامع د. عمرو محيي الدين، بالإضافة إلي عبدالعزيز وصفوت محيي الدين وغيرهما، وصولا إلي آخر العنقود الدكتور محمود محيي الدين، لذلك فإن «كفر شكر» لا تباهي فقط بفاكهتها الشهيرة، ولكنها تباهي أيضا بذلك العقد الفريد الذي يرصع جيدها أمام غيرها من مدن الدلتا والصعيد، ومازلت أذكر غداة رحيل قائد الثورة جمال عبدالناصر، أن صحيفة «الأهرام» نشرت في مربع خاص عزاء منفردا من السيد زكريا محيي الدين، ينعي فيه رفيق النضال وشريك الثورة،
ولا أظن أن ذلك كان عفو الخاطر، فالكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، رئيس التحرير وقتها كان شديد اليقظة لما تنشره «الأهرام»، ولا يترك سطرا يرتبط بتلك المناسبة الحزينة دون أن يكون له مغزي رغم لوعته لرحيل الزعيم الذي قضي كالأسد الجريح، والأرض محتلة والوطن يقف في شجاعة ليبني حائط الصواريخ بعد حرب استنزاف باسلة هي من أمجد حروب الشعب المصري،
وأكثرها تضحية وفداء. وأنا أظن أن الأستاذ هيكل كان يعبر فيما نشرته «الأهرام» عن رأيه الشخصي فيمن يخلف القائد، الذي مضي إلي رحاب ربه رغم أن زكريا محيي الدين كان قد ترك المواقع الرسمية قبل ذلك بعامين، وهو بالمناسبة وزير الداخلية الحازم وأبرز مؤسسي جهاز المخابرات المصري، ورئيس الوزراء القوي،
والرجل الذي امتلك من الهيبة والاحترام ما جعله محسوبا علي اليمين الوطني قريبا في ذهن الناس من الغرب، حتي إنه كان مبعوث عبدالناصر إلي واشنطن في زيارة لم تتم، لأنها صادفت اليوم الأول في «حرب الأيام الستة»، ويجب ألا يغيب عن أذهاننا أن زكريا محيي الدين هو واضع خطة تحركات قوات الثورة ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، فهو رجل «عمليات» موهوب، ومخطط ذكي وعسكري رصين، وعندما وقعت الواقعة وظهر الرئيس عبدالناصر علي شاشات التلفزة، ليعلن لشعبه وأمته رسميا نبأ الهزيمة وتداعياتها فإنه رشح زكريا محيي الدين لخلافته،
إما عن رغبة حقيقية في ذلك أو لحرق البديل في ظل يوم تعيس هو التاسع من يونيو ١٩٦٧ حتي كادت الجماهير تتطاول علي الوزير آنذاك السيد محمد فايق ـ وهو شخصية مرموقة استحوذت علي التقدير الأفريقي والعربي والمصري في آن واحد ـ لمجرد التشابه بينه وبين السيد زكريا محيي الدين، خصوصا في صلعة الرأس، وفي ظروف ظلام تلك الليلة الليلاء. ولعلي أسجل هنا أنني واحد من القلائل الذين شرفوا بالاستماع إلي ملاحظات موجزة من السيد زكريا محيي الدين مباشرة رغم عزوفه المعروف عن التعليق علي الماضي. ففي مطلع صيف ١٩٩٩، وأنا سفير لمصر في العاصمة النمساوية، اتصل بي زميلي سفيرنا في «براغ» لكي يبلغني أن السيد زكريا محيي الدين سوف يقضي عدة ساعات في مطار «فيينا» في طريق عودته إلي الوطن بعد أيام قضاها في إحدي المصحات، وأعطاني رقم الهاتف الخاص بالزائر الكبير،
فاتصلت بالسيد زكريا محيي الدين، وأسعدني أنه كان يعرف شيئا عني، ثم سعيت إليه بالمطار في اليوم التالي، وقضيت إلي جانبه ساعات أشبع فضولي، وأتعرف علي رجل بقيمة ومكانة زكريا محيي الدين، وقد كان حاضر الذهن، قوي الذاكرة، متقد التفكير، ولا يحول بينه وبين الحياة العادية إلا ثقل الحركة في قدميه علي نحو يستعين فيه بابنته الفاضلة، التي كانت ترافقه في رحلته الاستشفائية. وأتذكر مما قاله أنه عندما انتهي من رسم خطة العمليات كتابة أمام جمال عبدالناصر ورفاقه عشية الثورة، فإن القائد مازحه بقوله «إن من حدد سير العمليات يتوهم أنه هو صانع الثورة الوحيد»، ولكن ذلك وغيره لم يمنع زكريا محيي الدين ابن البيت العريق وصاحب السجل النظيف من أن يتحدث عن جمال عبدالناصر بإكبار وتعظيم، رغم ما اعتري علاقتهما من شوائب،
وما اقترن بها من صعود وهبوط أدي به إلي الانسحاب من المناصب الرسمية، والانزواء بعد عام من نكسة يونيو ١٩٦٧، التي كان مرشحا في أعقابها رئيسا لمصر، وهو أيضا الذي قاد تيارا قويا يعارض توجهات الاتحاد الاشتراكي بقيادة السيد علي صبري قبيل النكسة. تلك صفحة مطوية من تاريخ شخصية وطنية، اتسمت بالغموض أحيانا، واتهمت بالقسوة أحيانا أخري، ولكنها بقيت دائما علامة تاريخية في سماء الوطن والثورة معا.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس