عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:17 PM   #35
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]محمد متولي الشعراوي»

بقلم د.مصطفى الفقى ١٣/ ٩/ ٢٠٠٧
هو إمام الدعاة في النصف الثاني من القرن العشرين بغير منازع، وهو أكثر علماء الإسلام شعبية في العقود الأخيرة، حتي دخلت مكانته إلي قلوب الملايين في العالمين العربي والإسلامي، وقد كنت مدعواً منذ شهور قليلة لدي الفنان العالمي «عمر الشريف»، وأدهشني كثيراً غرام الفنان الكبير بالشيخ الراحل، وقدرته الفذة علي تقليده وحفظ مقاطع كاملة من أحاديثه، وهو ما يعني أن «كاريزما» الشيخ قد شملت الجميع، ووصلت إلي الناس بمختلف ثقافاتهم وتوجهاتهم وأفكارهم، ورغم ما يتردد من أن تفسير الشيخ للقرآن الكريم كان يعتمد علي الجانب اللغوي، بحيث يغوص في أعماق العبارات البليغة، إلا أنه امتلك جاذبية خاصة صنعت درجة عالية في التعلق الشديد بالإمام،
وجعلت منه مؤسسة دينية مستقلة، لا نكاد نعرف لها نظيراً بين دعاة العصر. وعندما تردد أن مشيخة الأزهر قد عُرضت عليه أثناء وزارة الدكتور «فؤاد محيي الدين»، وأن الشيخ قد اعتذر عنها، انتابني شعور بالحزن علي فرصة ضاعت علي الإسلام والمسلمين، وعبرت عن ذلك لصديقي منذ عشرات السنين الشيخ الجليل «محمود عاشور»، وقد كان قريباً من إمام الدعاة ـ وقد أصبح وكيلاً للأزهر فيما بعد ـ فعاد بعد حديثنا بأيام ليقول لي- نقلاً عن الإمام- إن مشيخة الأزهر لم تعرض عليه. وأضاف أنه ربما كان هناك توجيه من الرئيس بعرضها عليه، ولكن الراحل «فؤاد محيي الدين» لم يتحمس، لأنه لم يكن من محبي الشيخ ولا من مريديه.
ولي مع الشيخ «الشعراوي» مواقف كثيرة، لعل أشدها تأثيراً في نفسي هو ما فعله معي في نهاية ١٩٩٢ عندما تركت موقعي في مؤسسة الرئاسة، حيث تلقيت اتصالاً هاتفياً من وزير الأوقاف الأسبق السيد «أحمد عبدالله طعيمة» ـ وهو من الضباط الأحرار وكان شديد القرب من إمام الدعاة ـ يقول لي فيه إن الشيخ يريد الدعوة لعشاء، تكريماً لشخصي، نظراً للعلاقة الطيبة التي ربطتني به لعدة سنوات، وعندما ذهبت إلي ذلك العشاء وجدت الشيخ متهللاً ومرحباً ومازحاً في ليلة لا أنسي كرمه فيها، وكان من الحاضرين وزير كويتي سابق ومحافظون وسفراء سابقون وعدد كبير من مريدي الشيخ ومحبيه، وأجلسني إلي جانبه علي مائدة الطعام،
وظل يناولني الأطباق بيديه في تواضع وسماحة يستحقان التقدير والعرفان، وقال في حقي كلاماً طيباً، ربما لا أستحقه، وظل يحكي عن ذكرياته وطرائف حياته، بصورة خلقت جواً من المحبة، حتي إنني أذكر أنه كان من بين الحاضرين ضيف قبطي، صديق لأحد المقربين من الإمام الراحل، وعندما خرجنا من منزل الوزير «طعيمة» في أحد شوارع الزمالك بعد العشاء بدأ الشيخ يوزع حسنات بغير حدود علي طوابير من الفقراء يقفون في انتظاره، ليعطيهم صدقة من الأموال التي كانت تأتيه من أهل الميسرة ليوجهها في مصارف الخير.
وعندما مرض الشيخ واعتلت صحته، وذهب إلي لندن للعلاج، سعي إليه عدد من كبار الأطباء الأقباط في العاصمة البريطانية بتوجيه من قداسة البابا «شنودة»، وأسهموا بشكل كبير في رعايته والاهتمام بصحته، وأظن أن ذلك الأمر قد أثر في الشيخ كثيراً، وأحدث لديه تحولاً فكرياً جعله يدرك أكثر من ذي قبل قرب المسيحيين من المسلمين، ووطد علاقته أيضاً بالبابا «شنودة الثالث»،
وقطع الطريق علي كثير من الادعاءات حول ما تردد عن عبارات تمس النصاري في بعض أحاديث الشيخ السابقة. ولن ينسي المصريون يوم عاد الرئيس «مبارك» سالماً من محاولة الاغتيال الغادرة في «أديس بابا» عندما وقف الشيخ متحدثاً ليقول عبارته الشهيرة: «إذا كنت قدرنا فأعاننا الله عليك، وإذا كنا قدرك أعانك الله علينا»، ويومها هرع رئيس ديوان رئيس الجمهورية بنفسه ليستند عليه الشيخ في مشيته، احتراماً لمكانته وتقديراً لهيبته،
ورغم أنني لا أميل إلي التفسير التآمري للأحداث فإنني أتذكر جيداً أن صديقي الراحل الشهيد «فرج فودة» قد لقي مصرعه اغتيالاً في نفس الأسبوع، الذي كتب فيه مقالاً في مجلة «أكتوبر»، تضمن تلميحات سلبية حول شخصية الشيخ بصورة تنال من هيبته، وتمس مكانته وتؤثر في شعبيته الكاسحة. ولست أنسي أبداً عندما رأيت مصرياً نحيلاً طويل القامة، يرتدي حلة غربية أنيقة في أحد شوارع لندن في السبعينيات من القرن الماضي برفقة صديقين، وكان هو الشيخ «الشعراوي» وزير الأوقاف حينذاك. إنه ذلك العالم الفذ الذي قضي سنوات من عمره في الجزائر والسعودية، وعرفه الناس من خلال شاشات التليفزيون عندما أصبح نجم حلقات برنامج «نور علي نور» الذي كان يقدمه الإعلامي الراحل «أحمد فراج».
ولست أنسي أيضاً يوماً كنت فيه بمطار القاهرة عام ١٩٩٤ مسافراً، وحدث لبس في الإجراءات حول فتح صالة كبار الزوار لمودعي الشيخ «الشعراوي»، الذي كان مسافراً إلي الأراضي المقدسة، وكانوا كثراً، وقد غضب الشيخ يومها بشدة، وتدخلت شخصياً، وطيبت خاطره، وأشهد أن الرجل استسلم لما أقول في طيبة ووداعة شديدين، وأذكر أنني قلت له إن رئيس ميناء القاهرة الجوي رجل تقي هو اللواء طيار «عبدالعزيز بدر»، وهو صهر لواحد من أكبر البيوت الإسلامية في وسط آسيا،
وهو بيت «المجددي» كبري عائلات «أفغانستان»، فكان لتلك الكلمات وقع طيب لدي الشيخ، وسافر راضياً، وقد نشرت صحيفة الأهرام هذه الواقعة في صفحتها الأخيرة في اليوم التالي.
.. ذلك هو إمام الدعاة بحق، وأقرب رجال الدين إلي قلب رجل الشارع في العصر الحديث، وهو الداعية الذي كنا نترقب أحاديثه في شهر رمضان وفي غيره من شهور العام.

ريمون بار

بقلم مصطفى الفقى ٦/ ٩/ ٢٠٠٧
إنه ذلك السياسي الفرنسي المخضرم، الذي تولي رئاسة الوزراء في بلاده ١٩٧٦ ـ ١٩٨١، ورشحته قطاعات كبيرة من المجتمع الفرنسي لرئاسة الدولة، منافساً لشيراك في فترته الأولي، إنه رجل الدولة المخضرم البدين جسداً الهادئ عقلاً والذي رحل عن عالمنا منذ أيام، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عاماً.
وقصتي مع رئيس وزراء فرنسا الأسبق تتلخص في أنني تلقيت دعوة من المنتدي الاقتصادي في «دافوس»، وهو ذلك المنتدي السنوي الشهير الذي يؤمه رؤساء دول وحكومات ووزراء وساسة ورجال أعمال ومفكرون ودبلوماسيون وإعلاميون، وذلك كي أكون متحدثاً في اليوم الأول للمؤتمر، وفي قاعته الكبري، حول موضوع «الدين والسياسة في الشرق الأوسط»، وقد كان ذلك في نهاية شهر يناير عام ١٩٩٥.
وأظن أن الذي نصح إدارة المنتدي بدعوتي للحديث في ذلك الموضوع المثير للجدل، كان هو البروفيسور الفرنسي الشهير «كيبيل» وكنت قد التقيته في صيف ١٩٩٤ ودار بيننا حديث طويل حول الأصولية والإسلام السياسي والغرب، وعندما ذهبت إلي «دافوس» وجدت أنني أول المتحدثين بعد مراسم الجلسة الافتتاحية مباشرة، وأن الذي يدير الجلسة هو السيد «ريمون بار» رئيس وزراء فرنسا الأسبق، والذي كان اسمه لايزال يتردد كمرشح محتمل للرئاسة الفرنسية، ووجدتني أمام رجل صافي الذهن هادئ الطبع رتيب الحركة، وعندما قدمني لجمهور الحاضرين وهم صفوة متميزة من رواد ذلك المنتدي السنوي الشهير، حيث تنقل شاشات العرض وقائع الجلسة في أبهاء المبني الكبير الذي يعتبر مقراً لذلك اللقاء السنوي المهم.
فوجئت بأن السيد «ريمون بار» يمثل نموذجاً متواضعاً للغاية في التعامل مع الآخرين، ولفت نظري أنه استعرض تاريخ حياتي الشخصية عند تقديمي بصورة تدعو إلي الدهشة، فقد أشار إلي تفاصيل كثيرة، فأمنت أن الرجال العظام يدرسون الشخصيات التي سوف يتعاملون معها قبل الالتقاء بها، وأذكر أن الجلسة كانت مثيرة وعاصفة، كما دار حوار طويل بيني وبين السفير الإيراني الشهير «جواد ظريف»، وهو واحد من ألمع مندوبي إيران الثورة الإسلامية في المنظمات الدولية.
كما أن الحضور كانوا يمثلون حشداً كبيراً من شعوب العالم، وأذكر منهم رئيس جمهورية قبرص السابق، ومجموعة إسرائيلية مدربة تتحرك بشكل مدروس بين أروقة المنتدي، وقد تطرق النقاش يومها إلي الأصولية اليهودي والتشدد المسيحي والتطرف الإسلامي، وظل «ريمون بار» محتفظاً بهدوئه في أكثر اللحظات حدة في الحديث وتوتراً في الحوار، وبدا لي متعاطفاً إلي حد كبير مع أفكار الشرق وفلسفاته ودياناته.
وليس ذلك غريباً علي مثقف فرنسي لعبت بلاده دوراً رئيسياً في صحوة المنطقة العربية، وإيقاظ الشخصية المصرية، وميلاد الدولة الحديثة فيها، وعندما انتهت الندوة جلست إلي السياسي الفرنسي الكبير علي مائدة الغداء ودار بيننا حديث طويل قلت له فيه.. إن «نابليون» هو أهم شخصية في التاريخ الأوروبي خلال القرن التاسع عشر، وأن «ديجول» هو واحد من أبرز الشخصيات العالمية في القرن العشرين، وسألته أن يفاضل بينهما، فذكر أن التأثير الحضاري والثقافي لغزوات «نابليون بونابرت» ومغامراته يختلف عن دور المنقذ الذي لعبه «شارل ديجول» في الأخذ بيد الأمة الفرنسية مرتين.
الأولي في قيادته للمقاومة ضد النازي في الحرب العالمية الثانية، وكانت المرة الأخري عندما أنقذ سمعة فرنسا المتورطة في الوحل أثناء حرب التحرير الجزائرية، فبينما رحل «نابليون» مهزوماً وحبيساً في جزيرة «سانت هيلانة»، فإن «ديجول» قد قضي للقاء ربه بعد أن خذلته أصوات الفرنسيين في أعقاب «حركة الطلاب عام ١٩٦٨»، عندما لم تتحقق له نسبة من الأغلبية اشترط الحصول عليها لمواصلة قيادته فرنسا.
إنه كبرياء الجنرال طويل القامة في وقت يظل فيه تأثير «بونابرت» قصير القامة، مذكوراً حتي الآن في تاريخ العلاقات الأوروبية والحملات الشرق أوسطية، ثم يبقي أيضاً «كود أوف نابليون» علامة مضيئة في تاريخ التشريعات المدنية المعاصرة، ولقد استمر التواصل بيني وبين السياسي الفرنسي إلي أن انقطع منذ سنوات، حتي فوجئت بالدولة الفرنسية تنعاه في الرابع والعشرين من أغسطس ٢٠٠٧، بعد أكثر من اثني عشر عاماً منذ لقائي الأول به.
وأريد أن أسجل هنا أن الحديث إلي جيل السياسيين القدامي في أوروبا يجعلنا نشعر أنهم يفهموننا أكثر من غيرهم، لأنهم عايشوا الحقبة الاستعمارية وعاصروا تواجد دولهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل إنني استمعت يوماً إلي السيد «كوف دي مورفيل» رئيس وزراء فرنسا الأسبق والذي كان سفيراً لفرنسا بالقاهرة، عندما قامت «ثورة يوليو ١٩٥٢»، وبهرتني تعليقاته العميقة حول الثورة والضباط الأحرار، إنه جيل عظيم مضي ولن يعود، رحم الله «ريمون بار» أستاذ الاقتصاد السياسي الذي لم يبحث عن الشعبية الزائفة، ولم يتبع الأساليب «الديماغوجية» الرخيصة، ولعب دوراً حاسماً في دعم السياسات الاقتصادية لبلاده في فترة حكم الرئيس الفرنسي الأسبق «جيسكار فاليري ديستان»، إنه حقاً واحد من آخر الساسة المحترمين!.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس