عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:13 PM   #32
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]«خالد محيي الدين»

بقلم د.مصطفى الفقي ٢٥/ ١٠/ ٢٠٠٧
قد يذكر التاريخ المعاصر أن «خالد محيي الدين» هو أبرز الشخصيات السياسية المصرية، علي امتداد الفترة منذ عام ١٩٥٢ حتي الآن، ولا يقاس الأمر هنا بالمناصب الرسمية أو المواقع السيادية، ولكن الفيصل هو تواصل العطاء لمصر والإخلاص للوطن الغالي. «وخالد محيي الدين» نموذج فريد لا نكاد نجد له نظيراً في تاريخنا الحديث،
وعلي الرغم من أن الرجل يحمل «ميدالية لينين الكبري» من قيادة الاتحاد السوفيتي السابق «والميدالية التذكارية لثورة ١٩٥٢» في عيدها الخمسين من الرئيس «مبارك» فإن مجلس قيادة الثورة، عندما منح كل أعضائه «قلادة النيل»، حرم ذلك الفارس النبيل «خالد محيي الدين» منها، وكأنما أخذ الرجل علي نفسه عهداً من ذلك الحين بألا يحضر مناسبات رسمية أبداً حتي لا يشعر، من خلال الترتيب «البروتوكولي»،
بالظلم الذي وقع عليه، وهو واحد من أبرز قادة تنظيم الضباط الأحرار، ومن أشجع ثوار «٢٣ يوليو» وأكثرهم ثقافة وإيماناً بالحرية ودفاعاً عنها، ورغم انتمائه العقائدي المعروف لليسار المصري فإنه وظف ذلك لخدمة الوطنية المصرية قبل أي اعتبار آخر. ولقد جمعتني بهذا الرجل العظيم فترة عضويته للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري منذ عام ٢٠٠٠ حتي عام ٢٠٠٥،
حيث ترأسها في العام الأول الراحل «ماهر أباظة»، ثم انتُخبت بعده رئيساً لها، ولن أنسي حرص السيد «خالد محيي الدين»، بتاريخه الطويل واسمه الكبير وماضيه المشرف، علي حضور جلسات اللجنة في مواظبة شديدة والتزام واضح، وهو في ثمانينيات العمر، وهو أيضاً ذلك الثائر الذي قرر مجلس قيادة الثورة تعيينه رئيساً للوزراء، لامتصاص ثورة ضباط سلاح الفرسان، في وقت كنت أنا ومعظم زملائي في اللجنة لانزال نرتدي «الشورت» أطفالاً ونلهو في فناء المدرسة الابتدائية!
وقد كان حضور الرجل دائماً مؤثراً وفعالاً، فهو يشارك في الرأي ويبدي الملاحظات في لغة واضحة وسهلة مع عفة في اللسان وعمق في التفكير وسلام شديد مع النفس دون مرارة تنغص عليه حياته، بسبب الثمن الذي دفعه،
في شجاعة وتجرد، من أجل الديمقراطية فيما سُمي «أزمة مارس ١٩٥٤» وما بعدها، حيث فرض عليه رفاقه النفي في «سويسرا» ليبتعد بشعبيته داخل الجيش عن الساحة كلها، لأنه كان يحظي باحترام وحب شديدين بين الضباط من مختلف الرتب. وعندما قرر الدكتور «أحمد فتحي سرور»، رئيس مجلس الشعب، تشكيل وفد كبير لزيارة رسمية للبرلمان الأوروبي كان من أعضائه السادة «خالد محيي الدين»، «ومنير فخري عبدالنور»، «ومنصور عامر»، والدكتورة «فائقة الرفاعي».
حرص الدكتور «سرور» علي أن يستمزج رأي الأستاذ «خالد محيي الدين» في المشاركة ضمن وفد يترأسه رئيس لجنة العلاقات الخارجية، ولكن الرجل، بتواضعه المعروف وأدبه الجم وشخصيته الراقية،
لم يمانع في ذلك، وكان حضوره معنا في الوفد كشخصية تاريخية مرموقة قومياً ومعروفة دولياً ما أكسبنا مزيداً من الاحترام، وحقق لمهمتنا النجاح المطلوب، وكنت أحرص علي تقديمه عنا جميعاً، وأكاد أحمل عنه حقيبة يده أحياناً تقديراً لمكانته وحباً لشخصه. ولقد تسابق أعضاء الوفد في رعايته والحفاوة به، وأتذكر أنه عند زيارتنا مدينة «ستراسبرج»،
المقر التبادلي للبرلمان الأوروبي، أن نائباً فرنسياً يترأس لجنة المشرق ـ وهو جزائري الأصل ويعتبر شخصية برلمانية معروفة ـ قال لنا عندما رأي الأستاذ «خالد محيي الدين»: لقد تحققت أحد أحلامي، فلقد كنت أريد أن أري الرجل الذي قرأت عنه كثيراً، وها هو الحلم يتحول إلي حقيقة أخيراً!
إنه السيد «خالد محيي الدين» الذي ترك رئاسة «حزب التجمع» طواعية، في بادرة غير مسبوقة علي مسرح السياسة المصرية في العقود الأخيرة، حتي اختاره أعضاء الحزب رئيساً فخرياً لهم مدي الحياة، ولقد لفت نظري كثيراً أن هذا الرجل الكبير كان يحمل هموم دائرته الانتخابية في تفانٍ وإخلاصٍ واضحين،
ويساعد كل من يلجأ إليه، ويسعي لتلبية طلب كل من يتصل به، ولا أنسي أحاديثي الطويلة معه حول «٢٣ يوليو» وتحول أسلوبها إلي نمط سلوكي في السياسة والحكم داخل مصر وخارجها، وكان الرجل موضوعياً فيما يقول، صادقاً فيما يحكي، لا يتحامل علي أحد، ولا يشوه التاريخ، الذي هو جزء مهم منه،
وكان يتحدث عن «عبدالناصر» في مودة، وعن «السادات» في موضوعية، وهو صاحب التوليفة التاريخية بين «الفكر الماركسي» «والشخصية الإسلامية»، فلقد أجري الرجل مصالحة نفسية بينهما منذ البداية، وعاش في صدق مع الذات بصورة يحسد عليها. لقد عرفت «خالد محيي الدين» عن قرب لسنوات عديدة، وازددت كل يوم احتراماً له وتقديراً لدوره في الحياة السياسية والعمل الوطني علي امتداد ستة عقود. وسوف يظل «خالد محيي الدين» جزءاً لا يتجزأ من ضمير مصر وأمتها العربية، فالحوار معه ميزة، والاستماع إليه متعة. أمد الله في عمره رمزاً، ومكانة، وقدوة.

ماهر أباظة

بقلم د.مصطفى الفقى ١٨/ ١٠/ ٢٠٠٧
ربطتني بهذه الشخصية المتميزة علاقات وثيقة ومواقف متعددة، فلقد تعاملت مع ماهر أباظة بحكم موقعي في مؤسسة سيادية لسنوات طويلة، وأدهشني فيه كفاءته العالية وإلمامه الشامل بكل التفاصيل والمشكلات المتعلقة بقطاع الطاقة والكهرباء، وقدرته الفريدة علي تطوير ذلك القطاع في سنوات قليلة، ليصبح واحداً من أقل القطاعات إثارة للمتاعب، وأكثرها أملاً في المستقبل، فهو «تكنوقراط» رفيع الشأن، امتدت علي يديه شبكة الربط الكهربائي من الكونغو غرباً إلي تركيا شرقاً، حتي حظيت مصر بخبرة مشهودة في هذا المجال، جعلتها تبادر بالمشاركة في دعم الأشقاء والأصدقاء عند الحاجة،
بدءاً من الكويت إلي لبنان، مروراً بفلسطين، وصولاً إلي عدد كبير من الدول الأفريقية، ولعلنا نتذكر أن الكهرباء في مصر قبل «ماهر أباظة» كانت شيئاً مختلفاً تماماً عما هي عليه حالياً، والفضل في ذلك يرجع إلي رجل عشق مهنته وأجاد تخصصه وخدم بلده، ومازلت أتذكر دقته فيما كان يقول، حتي إنه اتصل بي ذات يوم ليصحح تعبيراً خاصاً بقياسات التيار الكهربائي،
جري استخدامه خطأ في عديد من المناسبات الرسمية، وقد فعل الرجل ذلك بلا تردد أو مواربة، وعندما أقصيت عن موقعي في تلك المؤسسة السيادية، انزويت في مكتب صغير بوزارة الخارجية، وجدت الوزير المتألق ماهر أباظة يسعي إلي مكتبي في تواضع جم وأدب شديد، ويمضي في ضيافتي ساعة أو بعض ساعة، في حديث طيب يرطب النفس ويبدد الغيوم ويحيي الشعور بالثقة بالناس في لحظات قاسية لا يعرفها إلا من مر بها،
وقد كان ـ رحمه الله ـ وهو سليل عائلة عريقة بكل المقاييس لا يذكر أحداً بسوء، ويتحدث عن الناس جميعاً بمحبة زائدة ومودة ملحوظة، ويعطي الفضل لأهله ويشيد بإنجازات غيره، كما كان طلق المحيا، بشوش الوجه اجتماعياً بفطرته مقبلاً علي الناس بطبيعته، وعندما ذهبنا معاً ذات مرة في وفد رئاسي إلي «دمشق» سعي إليه عشرات من أبناء الأسرة الأباظية الضخمة من قاطني الشام، وبدأوا يتحدثون عن أصول العائلة في إقليم «أبخازيا» بالاتحاد السوفيتي السابق،
واكتشفت يومها أن للرجل وعائلته فروعاً في معظم دول غرب آسيا وشمال أفريقيا، وعرفت ماهر أباظة عن قرب في محنة مرض زوجته الراحلة، التي أمضت معنا أكثر من ستة شهور تحت العلاج المكثف في العاصمة النمساوية، عندما كنت سفيراً لبلادي هناك، وكان الرجل يتسلل من أعبائه الضخمة ومهامه الثقيلة ليأتي إلي «فيينا» في عطلة الأسبوع، يزور زوجته المريضة ويطمئن علي رفيقة حياته وشريكة عمره في حنو وعطف بالغين، وقد كان لي شرف استضافته في منزلي طوال فترات وجوده في «فيينا»،
فازدادت علاقتي به توثقاً وأصبحت قريباً منه علي نحو غير مسبوق وعرفت أعماقه الطيبة وخلقه الحميد بصورة لا أنساها أبداً. ولقد كان ماهر أباظة مجاملاً بغير حدود، ودوداً بلا غاية، عطوفاً علي الفقراء والضعفاء، رحب الصدر أمام شكاوي الناس ومطالب المحتاجين، كما كان محسناً معطاء عفيف النفس شفاف السريرة، وعندما انتقلت من وزارة الخارجية إلي مجلس الشعب، وعملت تحت رئاسته في لجنة العلاقات الخارجية، كان الرجل كبيراً كالمعتاد،
فقد ترك لي جزءاً كبيراً من مهام رئاسة اللجنة، وأعطاني تفويضاً في العديد من صلاحياته، لأن الكبير يظل كبيراً في كل موقع، وعندما تقرر في العام التالي أن اترأس اللجنة استقبل الرجل العظيم الأمر في رقة بالغة، واتصل بي هاتفياً مهنئاً وسعي إلي مشاركاً، وظلت علاقتنا متينة، كما هي بفضل مساحة الثقة بالذات لديه، والصدق مع النفس في شخصيته،
ولقد لفت نظري احترام العائلة الأباظية له باعتباره عميدها، بعد رحيل المرحومين أحمد أباظة ووجيه أباظة، حتي إن ابن أخيه الدكتور محمود أباظة، رئيس حزب الوفد لم يفكر في احتلال مقعد العائلة بالبرلمان، إلا بعد أن زهد عمه ماهر أباظة فيه، وسيطرت عليه هموم حالته الصحية في السنوات الأخيرة، وتلك تقاليد رفيعة لا نجدها إلا في البيوت العريقة، وأتذكر الآن أن الراحل الكبير كان يتحدث الإنجليزية والألمانية والفرنسية، وأتذكر كذلك أنه عندما ترك المهندس ماهر أباظة موقعه الوزاري كان موزعاً بين شعورين مزدوجين، أولهما الارتياح،
لتخففه من أعباء المنصب بعد قرابة عشرين عاماً فيه، والثاني شعوره بالقلق من أن يكون انتهاء دوره مرتبطاً بتقصير في عمله، أو ملاحظات علي أدائه، حتي جاءت «قلادة النيل» تتهادي إليه لتهدئ من نفسه ولتطمئن شخصيته ذات الحساسية المفرطة في الأدب والرقة، وعندما رحل عن عالمنا منذ أيام شعر المواطن العادي في بلادي بأن الرجل الذي أضاء مصر قد أصبح في رحاب الله، وأن قبره لن يعرف الظلام أبداً، جزاء ما قدم لوطنه وشعبه وأسرته.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس