عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-07, 02:55 PM   #4
 
الصورة الرمزية مس لاجئة

مس لاجئة
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 5461
تاريخ التسجيل : Sep 2006
عدد المشاركات : 5,496
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ مس لاجئة
رد: (فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام


[align=center]سميرة عزام ... أربعون عاماً من الرحيل





عادل الأسطة

تعدّ سميرة عزام، كما يذهب بعض دارسيها ودارسي القصة القصيرة في فلسطين، رائدة القصة القصيرة الفلسطينية. وربما ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فعدوها رائدة القصة القصيرة العربية. هذا إذا ما قصرنا الأمر على الكاتبات.
ولقد صدر للكاتبة التي توفيت في 8/8/1967، إثر نكبة حزيران، لأن قلبها لـم يحتمل الهزيمة الـمذلة، لقد صدر لها، في حياتها وبعد وفاتها، خمس مجموعات قصصية هي: "أشياء صغيرة" (1954) و"الظل الكبير" (1956) و"وقصص أخرى" (1960) و"الساعة والإنسان" (1963) و"العيد يأتي من النافذة الغربية" (1971).
ولقد لفتت قصصها الأنظار، فأنجز عنها غير دارس مقالة أو دراسة، وهو يدرس فن القصة القصيرة في فلسطين، وخصها بعض الدارسين بكتاب خاص، مثل وليد أبو بكر، وعرفت أن هناك أطروحة دكتوراه أنجزت عن أعمالها، ولا أدري إن كانت صدرت في كتاب.
وكانت دار الأسوار في عكا كرّمت القاصة التي ولدت في الـمدينة، وذلك بإصدار مجموعتها "الساعة والإنسان" في نهاية السبعينيات، وإعادة إصدار مجموعاتها الخمس في العام 1987. ومن خلال دار الأسوار، عرفنا نحن قراء الأدب في فلسطين سميرة عزام وقصصها.
في آب من هذا العام تصادف الذكرى الأربعون لوفاة القاصة، وبهذه الـمناسبة أقدم هذه القراءة النقدية لإحدى قصصها، وهي قصة فلسطيني.

دال العنوان:
إن قراءة بدئية لدال العنوان، دون ربطه باسم سميرة عزام، ستسفر عن معان متعددة، ذلك أنها ستستحضر في أذهان القارئ أزمنة مختلفة، اختلفت النظرة فيها إلى الفلسطيني. تماما كما أن النظرة إليه ستختلف في الزمن نفسه باختلاف الـمكان. النظرة إلى الفلسطيني في العام 1948 حتى العام 1967 هي غير النظرة إليه ما بعد 1967، سواء من الآخر أو من الفلسطيني ذاته. الفلسطيني قبل العام 1967 هو اللاجئ الذي لا يفعل شيئا سوى الانتظار، وهو العالة على الأمم الـمتحدة. والفلسطيني بعد العام 1967 هو الـمقاتل الذي يريد محاربة دولة إسرائيل التي هزمت ثلاث دول عربية. إنه الفدائي الذي يصمد في معركة الكرامة ويرد للجندي الإسرائيلي الـمتغطرس الصاع صاعين، ويكبده، بإمكانات قليلة، خسائر فادحة.
والفلسطيني في الأردن في العام 1970، في نظر النظام هناك، في حينه، هو غير الفلسطيني في سورية في العام نفسه، في نظر النظام هناك. ونظرة الفلسطيني لذاته، في العام ذاته، هي غير نظرة آخرين له قاتلهم وقاتلوه.
وستظل النظرة إليه تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، وسيعترف به من أنكر وجوده. بل وستختلف نظرته هو إلى ذاته، في الزمان وفي الـمكان أيضاً، وحسب الـموقع الذي يكون فيه. قد ينظر الفلسطيني إلى ذاته بإعجاب، وقد يحتقر نفسه أو بعض إخوانه. وقد تختلف نظرته إلى فلسطينيته ما بين فترة وأخرى، ويغدو غير ذاته.
وقد لفتت صورة الفلسطيني في الأدب الفلسطيني، بل وفي الأدب العربي، أنظار الدارسين، فأنجزوا عنها دراسات في الشعر وفي القصة وفي الرواية، ولاحظوا أنها صورة متغيرة في الزمان وفي الـمكان. إنها ليست صورة واحدة إيجابية في الـمطلق، أو سلبية في الـمطلق. بل إنها صورة متنوعة في الزمان نفسه وفي الـمكان نفسه. ويلحظ من يقرأ أشعار إبراهيم طوقان، على سبيل الـمثال، أنه كتب عن الفلسطيني الفدائي فمجده، وكتب عن الزعيم الفلسطيني فسخر منه بشكل عام، وكتب عن السمسار، فرأى أنه ينتمي إلى عصابة، عار على أهل البلاد بقاؤها. إنها عصابة ألعن من إبليس. كان ذلك قبل العام 1948.
وقارئ الأدب الفلسطيني عموماً، الأدب الذي أنجز بعد العام 1948، قادر على استحضار هذه الـمفردة بدلالات مختلفة سلبية وإيجابية. تبدو صورته، في القصة موضع الدراسة، كما سنرى، لا تسر بال صديق، ولكنها في بعض روايات جبرا إبراهيم جبرا ستبدو إيجابية مشرقة، وستبدو لدى شاعر فلسطيني هو علي فودة مدعاة للافتخار، فالفلسطيني كحد السيف. ويعلن أحمد دحبور اعتزازه بفلسطينيته، فلو كانت يد الفلسطيني مشركة لكفره الجليل. كان هذا بعد العام 1967. بعد أن تحول اللاجئ إلى مقاوم يرفض الخنوع والذل. ولكن محمود درويش بعد أحداث غزة في 14/6/2007 سيتساءل: من قال إننا استثناء.

سميرة عزام وصورة الفلسطيني:
إذا أراد الـمرء أن يكتب عن صورة الفلسطيني في قصص سميرة عزام، فلا مناص أمامه من استعراض النماذج الفلسطينية التي برزت في قصصها، ولا بد أيضاً من الاطلاع على ما كان عليه الواقع الفلسطيني في الفترة التي أنجزت فيها الكاتبة قصصها. ما بين العام 1948 و1967 لـم يكن الواقع الفلسطيني عموماً مشرقاً.
لقد تحول الفلسطينيون إلى لاجئين، وغدوا، كما في قصة "لأنه يحبهم" لصوصاً وبغايا ومفسدين ومخبرين. لقد فقدوا الأرض ففقدوا الكرامة. كانت الأرض مصدر رزقهم، وفي الـمنفى ما عادوا يجدون فرص عمل، ولأن الفضيلة في الزمن الصعب، كما يقول أحد أبطال غسان كنفاني في قصة "الصغير يذهب إلى الـمخيم"، تكمن في البقاء على قيد الحياة، إذ لا فضيلة بعدها، فقد أراد الفلسطينيون ألا ينقرضوا، حتى لو سرقوا ومارسوا الرذيلة.
لكن تحول الفلسطيني إلى لص وبغي ومخبر ليست الصورة الوحيدة له، فالفلسطيني قاتل في العام 1948، ودافع عن أرضه ومدينته وفضل البقاء فيها حتى اللحظة الأخيرة، وهذا ما يبرز في قصة "خبز الفداء"، وهو أيضا يحب العمل، ويفضله على الكسل، وعلى أن يكون عالة على الآخرين، حتى لو كانت أمه من الآخرين، وهذا ما يبدو في قصة "سأتعشى الليلة".

قصة فلسطيني:
الفلسطيني في القصة هو اللاجئ، وإذا كان لا بد من تحديد الزمان والـمكان، فالزمان هو ما بعد النكبة، نكبة العام 1948، والـمكان هو لبنان. وهكذا تكتب سميرة عزام عن لاجئ فلسطيني في لبنان، ولا تكتب عن اللاجئين كلهم، وإن لـم يختلف واقعهم في أماكن اللجوء كلها، في الأردن وسورية وقطاع غزة والضفة الغربية، إلا اختلافا طفيفا. ففي حين منحت بعض الدول الجنسية للاجئ، أو الوثيقة، لـم تمنحه إياها دول أخرى. وفي حين عاملت بعض الدول اللاجئ معاملة قاسية، عاملته دول أخرى معاملة أقل قسوة. وربما تذكر الـمرء على سبيل الـمثال، هنا قصيدة عبد الكريم الكرمي "سنعود"، وفيها يقارن بين حياته في دمشق قبل اللجوء، يوم ذهب إليها ليدرس فيها قبل النكبة، وحياته فيها لاجئاً، حيث أقام فيها بعد العام 1948. هل بالغ أبو سلـمى، وبالغت سميرة عزام مثلا؟ هذه قضية أخرى.
والعنوان نكرة. فلسطيني. وتتكرر اللفظة في القصة خمس مرات على النحو التالي:
ــ يطلب الفلسطيني صاحب الدكان من جاره اللبناني هويته، ليقارن هويته اللبنانية الـمزورة بها، فيسأله اللبناني:
"وما تفعل بهويتي يا فلسطيني؟". ولا يناديه باسمه.
ــ يدرك السارد معنى وجود الفلسطيني بعيدا عن فلسطين. إنه غريب ومضطهد وغير معترف به:
"فهو في هذا الركن الذي تقوم فيه دكان لا تختلف في شيء عن أكثر الدكاكين ليس أكثر من فلسطيني ... بهذا ينادونه ويعرفونه، ويشتمونه إذا ما اقتضى الأمر.
ــ يستعيد السارد، أيضاً، ما يدور في أعماق الفلسطيني الذي يريد أن يتلبنن، فيتذكر جده أبا صالح في الرامة: "ولكنه يستأذنه في أن يعدل من صدفة جغرافية تعفيه من كلـمة فلسطيني تشده إلى قطيع انمحت فيه معالـم الفردية، يتلفظون بها مشفقين حين يرفض أن يكون موضع شفقة أو...".
ــ ومع أنه يحصل على الهوية اللبنانية، مقابل مبلغ ألفي ليرة، تعادل نصف محتويات دكانه إلاّ أن الـمرأة اللبنانية "تمد صوتها الأرعن جسراً عبر الشارع تبلغ به صبحي في الكراج الـمواجه وتقول له بلهجتها الـممطوطة الخلية: "وينك يا ولد قل "للفلسطيني" أن يضع لي في السلة زجاجة كولا".
ــ وتنتهي القصة، بما يورده السارد العليم عن إحساس الفلسطيني حين سمع العبارة من الـمرأة مع أنه امتلك هوية لبنانية:
"وأحس "الفلسطيني" في وقفته الـمرتعشة خلف الطاولة بالصوت الـممطوط ينفذ من سترته إلى جيبه الداخلي فيحيل البطاقة إلى مزق، مزق صغيرة تخشخش في جيبه، في غير عنفوان".
ومع أن السارد/ الكاتبة عَرّفَت مفردة فلسطيني، إلا أنها ظلت، حتى في تعريفها، نكرة، فلـم تبرز له اسماً خاصاً به.

واقع الفلسطيني في لبنان ما بين 48 و1967:
إذا كان بعض الدارسين قال إن الشعر ديوان العرب، فيمكن أن أقول: إن القصة القصيرة الفلسطينية ديوان الفلسطينيين. وقصص سميرة عزام، وغسان كنفاني من بعدها، وغيرهما ممن كتبوا القصة القصيرة ما بين 48 و1967، تعد ديوان الفلسطينيين بحق، فهي تسجل ما مروا به ما بين تلك الأعوام، وربما ارتدت إلى ما قبلها، بخاصة في الـمنافي. ولـمن يريد أن يعرف معاناتهم قبل النكبة وبعدها، فما عليه إلا أن يعود إلى مجموعات القصاصين ليقرأها.
قصة "فلسطيني" تعبّر عن معاناة الفلسطينيين اللاجئين في ذلك القطر العربي، من خلال تصوير حالته ومقارنتها بغيرها من الحالات: الأرمني واللبناني. تشبه حالة الفلسطيني حالة الأرمن الذين تجردوا أيضا، بسبب نكبتهم، من ملامحهم الفردية، وغدوا ينادون بالأرمني، حتى لو أقام الواحد منهم في الحي خمسين عاماً. الأرمني أرمني بصرف النظر عن اسمه وملامحه الخاصة، وكذلك الفلسطيني. ويختلف عن هذين ابن البلد، حتى لو تشابه معهما ــ أي الأرمني والفلسطيني ــ وحتى حين يحصل اللاجئ الفلسطيني على هوية لبنانية، ويرغب في أن يتلبنن، ويبحث عن جذور له في قرية لبنانية، يظل فلسطينياً، بما تعنيه الكلـمة من اضطهاد واحتقار وشتيمة.
وعليه لا يستطيع الفلسطيني أن يسافر، وأن يمارس الـمهن التي يمارسها اللبناني، وإذا ما ظلـم واضطهد فعليه أن يصمت، وإذا ما باع من دكانه للزبائن ونصبوا عليه، فعليه أيضا أن يصمت. وهكذا لا يمارس الفلسطيني حياته الطبيعية، لأنه مهاجر ولاجئ، وغريب عن سكان الـمكان الذي لجأ إليه. ولنقرأ الفقرات التالية من القصة:
"حين تخرج ابنه من الـمدرسة مثلاً، فما لَمَّه عمل واحد أكثر من أسبوعين، القانون صريح ... ومحظور العمل في الـمصالح والشركات على غير أبناء البلد، فما وجد الشاب بُداً من أن يطير إلى صحراء من هذه الصحاري التي تجمع الناس إخوة على شقاء، وتتسامح في أشقائهم ولو اختلفت الجنسيات".
"إنه في الحي الذي يعيش فيه، والذي افتتح فيه دكانا تعامل معها الحي أكثر من عشر سنوات نقداً أو ديناً أو (نصباً)، لـم يستطع أن يفرض لنفسه اسماً...".

[/align]


توقيع : مس لاجئة





مس لاجئة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس