عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:24 PM   #7
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


محمد حافظ إسماعيل

بقلم د.مصطفى الفقى ٣٠/ ١٠/ ٢٠٠٨
فى تاريخ الأمم وحياة الشعوب شخصياتٌ استثنائية قد لا يشعر الناس كثيرًا بوجودها ولكنهم بعد حين يفتقدون بشدة غيابها، وهذا النمط الرائع من البشر يعمل غالبًا فى صمت ويتحمل مسؤولياته فى كفاءة،
ويقدم النموذج الرفيع الذى يجب أن يحتذى به الآخرون وأن تتعلق به الأجيال الجديدة بعيدًا عن أجواء الفساد والتخلف والذاتية، فلقد كان «محمد حافظ إسماعيل» مثالاً للمصرى الوطنى رفيع القدر مرفوع القامة عالى الهامة يتميز بالشموخ والكبرياء فى لحظات الانتصار والانكسار على حدٍ سواء،
فلقد وصل إلى رتبة «لواء» بالقوات المسلحة المصرية فى أواخر الثلاثينيات من عمره، وعمل مديرًا لمكتب المشير «عبدالحكيم عامر» وكان مختصًا فقط بجوانب العمل العسكرى البحت من تدريب وتسليح وتنظيم وإدارة، وهو يعتبر الخبير الأول فى مفاوضات صفقة الأسلحة «التشيكية» فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، والتى كانت بمثابة نقلة نوعية فى تسليح الجيش المصرى الحديث، وتميز دائمًا بالكفاءة المطلقة والجدية الكاملة ونظافة اليد وعفة اللسان،
وعندما جاء إلى وزارة الخارجية المصرية فى مطلع الستينيات كان هو بحق العقل المنظم الذى أعطى الخارجية المصرية شخصيتها المطلوبة، فهو الذى قسمها إلى إدارات متخصصة ووضع قواعد محددة للتعيين والترقى والنقل إلى الخارج من حيث المناطق الجغرافية والمدد المرتبطة بكلٍ منها، ومازالت أجيال سبقتنا بسنواتٍ قليلة تتذكر «محمد حافظ إسماعيل» رئيس لجان الامتحان الشفهى للتعيين فى الخارجية،
وأسئلته الدقيقة وملاحظاته الواعية بل ومداعباته الرقيقة، وعندما ذهب إلى باريس سفيرًا فى المرة الأولى وهو لا يتحدث الفرنسية لم تمض إلا شهور قليلة وكان «محمد حافظ إسماعيل» يدخل فى حوارٍ بالفرنسية مع الرئيس العملاق بطل التحرير «شارل ديجول»، وقد عمل أيضًا سفيرًا فى «لندن» وسفيرًا فى «موسكو»،
ثم تم ترشيحه سفيرًا فى «الهند» ولكن الرئيس الراحل «أنور السادات» أجرى تعديلاً على الحركة الدبلوماسية قبل مغادرة «حافظ إسماعيل» القاهرة بأيامٍ قليلة لكى ينقله إلى«باريس» سفيرًا لدى فرنسا للمرة الثانية، وقد عمل «محمد حافظ إسماعيل» رئيسًا للديوان الجمهورى، ثم مستشارًا للأمن القومى فى فترة شديدة الحساسية بالغة الصعوبة من تاريخنا الوطنى وكنَّا نتندر،
نحن شباب الدبلوماسيين، على صرامة «حافظ إسماعيل» وجبينه المقطب دائمًا وابتسامته الغائبة، فكنا نطلق عليه اسم «كيشنجر» على وزن نظيره الأمريكى «كيسنجر»،
ولقد أبلى الرجل دائمًا بلاءً حسنًا فى المفاوضات والمباحثات والمنظمات لأنه كان صاحب عقلية مرتبة للغاية وشخصية جادة فى كل الظروف، وعندما أولانى السيد «عمرو موسى» وزير الخارجية - آنذاك - موقعى مديرًا لمعهد الدراسات الدبلوماسية عام ١٩٩٣ اقترحت تكريمًا سنويًا لإحدى الشخصيات البارزة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية حتى يرى فيهم الدبلوماسيون الجدد قدوة تحتذى ونموذجًا يقتفى،
ومازالت هذه السنة الحميدة تتواجد سنويًا مع زملائى السفراء من مديرى المعهد الدبلوماسى حتى الآن، ولقد بدأت هذه السلسلة من التكريم بالسيد «محمد حافظ إسماعيل» حيث دعوته متحدثًا إلى أبنائه من شباب السلك الدبلوماسى المصرى فى حضور مساعدى وزير الخارجية وعدد من البارزين الذين عملوا إلى جواره فى المواقع العسكرية والمدنية المختلفة،
وأذكر ممن حضروا التكريم الدكاترة «أسامة الباز» و«على السمان» والسفيران «أحمد ماهر» و«على ماهر»، وقد حاول الدكتور «عصمت عبد المجيد» حضور تلك المناسبة، ولكن حالت ظروف ارتباط عمله أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية دون ذلك، والجدير بالذكر أن الدكتور«عصمت» بتاريخه الطويل وخبرته العريقة قد عمل مديراً لمكتب «حافظ إسماعيل» فى مرحلة معينة، ومازلت أتذكر أن السيد «حافظ إسماعيل» فى يوم تكريمه بالمعهد الدبلوماسى كان ودودًا رقيقًا،
كما أهديته يومها باسم الدفعة التى كانت تدرس بالمعهد «شهادة تقدير» تتضمن أسباب تكريمه والمحطات البارزة فى تاريخه النقى النظيف والمتألق المزدهر فى ذات الوقت، وتواصلت علاقتى بذلك الرجل العظيم خصوصًا أثناء عضويتنا معًا فى «لجنة العلوم السياسية» بالمجلس الأعلى للثقافة وكان معنا مديرٌ سابقٌ لمكتبه أيضًا هو السفير «عبد الهادى مخلوف» أطال الله فى عمره ..
وذات يوم انسحب ذلك المقاتل «محمد حافظ إسماعيل» من ساحتى الحرب والدبلوماسية معًا ليزوى فى مقبرةٍ تذكِّر المصريين جميعًا بأن رجلاً عظيمًا قد رحل عن عالمنا تاركًا مدرستين ناجحتين فى القوات المسلحة ووزارة الخارجية، لقد مضى ولكن ذكره سوف يبقى بين الشوامخ من أبناء الكنانة.


محمود نور الدين»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٣/ ١٠/ ٢٠٠٨
إنها شخصية جدلية حار بشأنها المقربون منها واختلف حولها البعيدون عنها، إنه «محمود نور الدين السيد» قائد تنظيم «ثورة مصر» الذى تعقب عدداً من المسؤولين الإسرائيليين فى مصر من العاملين بسفارتها بالقاهرة، أو من شاركوا فى أحد الأعوام فى المعرض الدولى للكتاب بها.
وترجع صلتى به إلى سنوات عملى فى السفارة المصرية بلندن مع بداية سبعينيات القرن الماضى فعندما بدأت العمل هناك لاحظت أن ذلك الشاب طويل القامة لطيف المعشر المعروف بالكرم والمروءة هو موظف محلى بالبعثة، ولكنه يتمتع بنفوذ أكبر من ذلك بكثير، فعلاقاته الشخصية واسعة وزواره الكبار كثر،
ودعواته متكررة لحفلات الغداء والعشاء لى ولزملائى على شرف المسؤولين القادمين من مصر، كما أننى أتذكر أنه كان يقوم بمجاملة معروفة عندما يصل زميل جديد إلى السفارة فيقدم «محمود نور الدين» سيارته الشخصية الثانية ليستخدمها القادم الجديد حتى تصل سيارته المشتراة بعد عدة أسابيع.
وقد عزز من صلتى به معرفته الواسعة بالناس، كما أن قرينته وأم بناته الثلاث السيدة «نادية سري» كانت زميلة عزيزة لى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهى تنتمى إلى عائلة مرموقة تأكد لى من زواجها به أن أهميته تفوق ما نراه عليه فضلاً عن ثرائه الظاهر وجاذبيته الواضحة.
وأتذكر له مواقف تتسم بالرجولة والشهامة معى ومع زملائى أيضاً فعندما مكثت فى لندن عامين إضافيين بعد انتهاء خدمتى الرسمية فى السفارة كى أستكمل دراستى للدكتوراه كان على أن أبعث إلى مصر بمنقولاتى وأثاث منزلى حتى أستفيد من الإعفاء الجمركى الخاص بالعودة إلى الوطن والمرتبط بفترة محددة،
ولقد فوجئت به يبعث إلى بقطع أثاث مؤقتة على سبيل الإعارة لعدة أسابيع حتى أتمكن من تأثيث شقة الطالب الجامعى بديلاً عن مسكن المسؤول الدبلوماسى، وأتذكر عندما كنت أعمل فى الهند مع نهاية السبعينيات من القرن الماضى أن عدت إلى العاصمة البريطانية فى زيارة عائلية وفوجئت به يأتينى من العاصمة السويدية حيث كان يقيم فى تلك الفترة قائلا إنه عرف بوجودى فى لندن من صديق مشترك يعمل فى أحد البنوك وكان وقتها متورطاً فى حملة معارضة قوية ضد سياسات الرئيس الراحل «السادات» بعد توقيعه على «معاهدة السلام» مع إسرائيل،
حيث أصدر «محمود نور الدين» صحيفة «٢٣ يوليو» تحت إشراف الكاتب المصرى الكبير «محمود السعدنى» ـ شفاه الله وعافاه ـ وكان هدف لقاء «محمود نور الدين» بى أثناء زيارتى الخاطفة للندن هو تحميلى رسالة للتوسط وإصلاح ذات البين مع المسؤولين الذين يمكن أن أصل إليهم فى القاهرة، وبالفعل قابلت السفير «حسن أبو سعدة» سفير مصر فى لندن حينذاك ـ شفاه الله وعافاه ـ وأطلعته على تفاصيل اللقاء وأهدافه فأبدى السفير ـ وهو أحد أبطال حرب أكتوبر ـ تفهماً لما فعلت ووعد بتأييد المسعى.
ولقد سمعت عن «محمود نور الدين» روايات كثيرة فمن قائل أنه قد قتل أحد أصدقائه السابقين فى لندن تعذيباً على مدى ثلاثة أيام انتقاما من خيانته له، ومن قائل آخر إنه كان رجل المخابرات المصرية فى العاصمة البريطانية وقائل ثالث إنه كان مقامرا ومغامرا جاءته الثروة بعد أن عمل فى المكتب التجارى المصرى فى لندن قبل أن يلتحق بوظيفته المحلية فى السفارة المصرية،
ولكننى أشهد الله أننى لم أر من ذلك الرجل إلا كل الخصال الحميدة والصفات الطيبة، وعندما جرى اقتحام مسكنه فى القاهرة للقبض عليه كمتهم بقيادة «تنظيم ثورة مصر» الذى مارس سلسلة من محاولات الاغتيال ضد بعض الشخصيات الإسرائيلية طالب «محمود نور الدين» فى بداية التحقيق معه بضرورة حضور شخصية يثق فيها وذكر اسمى تحديدا رغم موقعى الحساس حينذاك كسكرتير للسيد رئيس الجمهورية للمعلومات،
حتى ظهرت صحيفة «الأهالي» فى اليوم التالى بعنوان هو «محاولة الزج باسم مسؤول برئاسة الجمهورية فى قضية أمنية كبرى» ولقد انقطعت صلتى د »محمود نور الدين« فى سنواته الأخيرة، وعندما جاءتنى ابنته ـ وهو يقضى عقوبة السجن المؤبد بعد أن خانه شقيقه وأبلغ عنه السفارة الأمريكية بالقاهرة ودل على محل إقامته ـ تطلب منى شهادة شخصية للسلطات البريطانية وتوقيعاً على استمارة طلبها جواز سفر بريطانى تستحقه بحكم المولد لم أتردد لحظة واحدة فى أن أفعل ذلك،
وقد علمت منها بعد ذلك أن والدها قد تأثر كثيراً من موقفى وأرسل لى من محبسه بخالص تحياته وصادق دعواته، ثم فوجئت ذات صباح بنبأ رحيله عن عالمنا وهو فى محبسه رافضاً للتطبيع مقاوماً للوجود الإسرائيلى فى المنطقة. وقد يختلف البعض عليه أو يتفق معه ولكنه يبقى فى النهاية ظاهرة تستحق الدراسة والبحث على المستويين الشخصى والرسمى ..
رحمه الله وهو فى رحاب ربه يحكى قصته فى الملأ الأعلى ويفتح صندوق أسراره الذى لم نتمكن من معرفة خباياه فى عالمنا الزائل.


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس