عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:41 PM   #16
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]علي صبري

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٦/ ٦/ ٢٠٠٨
في صبيحة أحد أيام شهر فبراير عام ١٩٦٦ - وكنت طالبًا في السنة النهائية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أنتظر التخرج بعد شهور قليلة - اتصل بي الأستاذ الدكتور «حسين كامل بهاء الدين»، أمين الشباب في الاتحاد الاشتراكي العربي حينذاك،
وهو بالمناسبة صاحب عقلية علمية وتنظيمية عالية القدرات، لكي يبلغني بأنه قد حدد لي موعدًا مع السيد «علي صبري» نائب رئيس الجمهورية وأمين عام الاتحاد الاشتراكي العربي في مقر التنظيم السياسي الواحد علي كورنيش النيل،
وأنه يتعين علي أن أذهب في الحادية عشرة صباحًا ليأخذني السيد «جمال عرفي» مدير مكتب السيد النائب للقائه في الموعد المحدد، وتهيبت الموقف في البداية إذ كيف يستقبل نائب رئيس الجمهورية طالبًا في السنة الرابعة بالجامعة،
ولكنني أدركت بعد ذلك أن تلك هي خصائص التنظيم السياسي الذي لا يعترف بفوارق العمر أو اختلاف المواقع السياسية، لأنه لا يعمل وفقًا لروتين الحكومات المعتاد، وقد استقبلني السيد «علي صبري» ببشاشة ولفت نظري في مكتبه جهاز تكييف كبير ونباتات خضراء،
وبهرني كثيرًا تنظيم المكان الذي لم يكن معتادًا في مكاتب أساتذة الجامعة البسيطة بظروفها، بل الفقيرة أحيانًا بمقتضي الحال! وبادرني السيد «علي صبري» بقوله (إن الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» تحدث عنك حديثًا طيبًا ورشحك لعضوية التنظيم الطليعي)، ثم استطرد يتحدث عن السياستين الخارجية والداخلية وقد تزامن اللقاء يومها مع انقلاب عسكري في «غانا» ضد الرئيس «كوامي نكروما»،
لذلك سألني عن رأيي في ذلك الحدث ليتعرف علي قدرتي في التحليل السياسي ومتابعتي للشؤون الأفريقية، ثم تحدث عن نقص الكوادر المطلوبة في الاتحاد الاشتراكي وأن أي دعم له يكون علي حساب الجهاز التنفيذي والهيكل الإداري للدولة، ثم تحدث عن مظاهر الإقطاع الباقية وتحكم بعض العائلات في مقدرات القري والمدن الصغيرة والأحياء في المدن الكبيرة،
وقد عبرت له يومها عن قلقنا مما أشيع عن احتمال تولي السيد «شوقي عبد الناصر» شقيق رئيس الدولة أمانة الشباب بديلاً للدكتور «حسين كامل بهاء الدين» أسوة بما فعله الرئيس التنزاني «جوليوس نيريري» عندما عين شقيقه رئيسًا لشباب الحزب الحاكم في بلاده فنفي السيد «علي صبري» الشائعة،
التي كان دافعها في ظني ذلك الصراع الصامت بين مجموعة «هيكل» أو ما يسمي بالتيار اليميني في ذلك الوقت ومجموعة «علي صبري» والمحسوبين علي اليسار في الجانب الآخر،
كما أن «منظمة الشباب» التي كنت عضوًا في لجنتها المركزية ومسؤولاً بها عن التثقيف السياسي لمحافظة القاهرة موضع شك وريبة في كثير من الأوساط بما في ذلك المؤسسة العسكرية ذاتها.
وقد استمر لقائي مع السيد «علي صبري» لأكثر من ساعة ونصف استمع فيها إلي شاب صغير بعناية واهتمام وتحدث إليه في رعاية كاملة وهدوء زائد وأعطاني يومها بضع أوراق عن التنظيم الطليعي، من ذلك النوع الذي توجد به ثقوب محددة تأكيدًا للسرية، وودعني علي أمل لقاء قادم.
وبعد ذلك بشهور قليلة جاء السيد «علي صبري» متحدثًا في أحد معسكرات التدريب التي كنت موجودًا فيها وفتح باب الحوار، ووجدتني أرفع يدي في تلقائية وأسأل رجل النظام القوي عن سبب اعتقال عدد من زملائي فيما سمي حينذاك بتنظيم «القوميين العرب»،
ولقد أجاب الرجل بعبارات ذلك العهد وشعاراته ولكن استقبل زملائي سؤالي بالاستحسان والإعجاب لأن الأمور كانت تتم في صمت وسرية ولم يكن هناك مجال كبير للحوار العلني في تلك الفترة، وظل السيد «علي صبري» - وهو الذي أجري اتصالاً عشية قيام الثورة بالملحق الجوي الأمريكي ليبلغه باعتباره رفيق سلاح بطبيعة «الضباط الأحرار»
وأهدافهم ورغبتهم في حياد الولايات المتحدة الأمريكية ثم دعمها إذا تحركت القوات البريطانية من منطقة القناة صوب العاصمة لقمع الانقلاب العسكري كما كانوا يطلقون عليه - قريبًا لقلب الرئيس «عبدالناصر» عندما كان يوظف بنجاح صراع اليمين واليسار علي الساحة السياسية لمصلحة الحكم في عهده حتي ولي السيد «علي صبري» رئاسة الحكومة وقدمه يومها للجماهير في عبارات سخية للغاية.
ولابد أن أعترف هنا أن الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» ومجموعة مساعديه يتقدمهم الدكاترة «مفيد شهاب» و«عبدالأحد جمال الدين» و«محمود شريف» و«عادل عبدالفتاح» مسؤول التنظيم، والسيدان «عبد الغفار شكر» و«هاشم العشيري» كانوا يعملون جميعًا لوجه اللّه والوطن،
ولم يكونوا جزءًا من الصراع السياسي الصامت الذي كان السيد «علي صبري» أحد رموزه، لذلك ظللت وفيا لهذه المنظمة السياسية - بما لها وما عليها - مدينًا لها في التربية السياسية التي أهلتنا للحياة العامة بعد ذلك. وقد أصدر الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»
قرارًا جمهوريا بتعيين سبعة من شباب المنظمة دبلوماسيين في وزارة الخارجية كنت واحدًا منهم في واقعة غير مسبوقة في تاريخ السلك الدبلوماسي المصري الحديث، وهو ما أدي إلي ردود فعل سلبية في وزارة الخارجية قبيل النكسة بشهور قليلة،
وإن كان معروفًا أنني كنت الوحيد بينهم المنقول من رئاسة الجمهورية - التي كان وضعي مجمدًا فيها بسبب عضويتي في التنظيم الطليعي - إلي السلك الدبلوماسي
وقد انتهي بي المطاف إلي تحقيق تنظيمي شارك فيه الراحلان «فتحي الديب» و«محمد عبدالفتاح أبوالفضل» وانتهي بفصلي من التنظيم الطليعي بسبب عدم التزامي بقواعد العضوية ومشاركتي في اجتماعات تتصل بما سمي وقتها بمشروع «الحركة العربية الواحدة» وكان ذلك في شهر أبريل من عام ١٩٦٧.
وقد قال لي أمين الشباب الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» يومها إن السيد «علي صبري» عاتب عليك بشدة وهو يقول إن لديك من الذكاء ما كان يجب أن يمنعك من الانخراط في تجمعات الطلاب واللاجئين العرب والحماس لآرائهم رغم عضويتك في التنظيم الطليعي،
وبذلك طويت صفحة أعتز بها من مرحلة الشباب وأقدر فيها ما تعلمناه من قدرات الدكتور «حسين كامل» التنظيمية وأساليبه العلمية في التفكير والتنفيذ وخرجت منها أحمل احترامًا للسيد «علي صبري» الذي قذفت به قضية مراكز القوي إلي قاع زنزانة السجن محكومًا عليه بالإعدام الذي جري تخفيفه إلي السجن المؤبد مع الشهور الأولي لحكم الرئيس السادات» - رحمهماالله - فهما معًا في رحابه ومحكمة التاريخ وحدها هي الفيصل بين الجميع.

إسماعيل فهمي

بقلم د. مصطفي الفقي ١٩/ ٦/ ٢٠٠٨
لا أظن أن مسؤولاً كبيراً في تاريخ الحياة السياسية المصرية الحديثة قد انسحب من موقعه طواعية، وقدم استقالته من منصبه المرموق احتراماً لقناعته الشخصية وموقفه القومي - بغض النظر عن تقييمنا لنتائج ذلك - إلا ما فعله السيد «إسماعيل فهمي» عشية سفر الرئيس الراحل «أنور السادات» إلي القدس في زيارته الشهيرة «نوفمبر ١٩٧٧»، لكي يعبر عن استقلالية في الرأي، واحترام للذات،
وإيمان عميق بضرورة تطابق أفكاره مع تصرفاته حتي ولو كانت تأتيه التعليمات من خلال توجيهات سيادية.. «إسماعيل فهمي» فصل كبير من كتاب الدبلوماسية المصرية في القرن العشرين، فهو صاحب مدرسة متميزة في السلك الدبلوماسي، وما من موقع إلا ووجدنا له فيه بصمة أو أثراً إيجابياً يشير إليه، فعندما ذهبت إلي «فيينا» سفيراً، وجدت أن الذي وقَّع علي عقد إيجار مبني القنصلية المصرية في العاصمة النمساوية عام ١٩٥١، هو «إسماعيل فهمي»،
الذي كان دبلوماسياً صغيراً فيها ثم عاد إليها سفيراً مع منتصف الستينيات، وهي الدولة الوحيدة التي خدم فيها ذلك الدبلوماسي اللامع سفيراً لبلاده ومندوباً لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وغيرها من هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها هناك، ولقد كنت أشعر دائماً - ولا أزال - باعتزاز شديد، أن المرة الوحيدة التي خدمت فيها سفيراً بالخارج كانت تكراراً لما فعله السيد «إسماعيل فهمي»،
وإن كنت لا أدعي أن لي قدراته الدبلوماسية الكبيرة أو اسمه اللامع في الدبلوماسية الدولية، فقد كان رئيساً للجنة الأولي «السياسية» في الأمم المتحدة، كما أن له إسهامات دولية مشهودة، ولست أنسي أن «كورت فالدهايم»، رئيس جمهورية النمسا، سكرتير عام الأمم المتحدة الأسبق لفترتين متتاليتين، قد قال لي مباشرة في أحد لقاءاتنا بالعاصمة النمساوية،
إن الفضل يرجع إلي «إسماعيل فهمي» في اختياره أميناً عاماً للأمم المتحدة، ولولاه لما تحقق ذلك في حياته، وأذكر أنني التقيت أول مرة السيد «إسماعيل فهمي» في منتصف السبعينيات بالعاصمة البريطانية،
عندما ذهبت إلي الدكتوره «أسامة الباز» مدير مكتب وزير الخارجية حينذاك - أستاذ جيل من الدبلوماسيين أنتمي شخصياً إليه - وقد سعيت إليه في فندق «هيلتون» الجديد وقتها بمنطقة «هولند بارك» في مدينة الضباب، لأسلمه بعض البرقيات الشفرية الواردة للسيد «إسماعيل فهمي»
من القاهرة، ولكن الدكتور «أسامة الباز» - كعادته دائماً - قدمني مباشرة إلي وزير الخارجية «إسماعيل فهمي» في جناحه وذكرني أمامه بكلمات طيبة، وقد أمضيت بعض الوقت أعرض ما لدي وأكتب ما يمليه علي الدكتور «أسامة الباز»،
بناء علي توجيهات الوزير الذي عاملني بلطف زائد، رغم ما كان يشاع عنه من ترفع دائم وكبرياء ملحوظ، ثم كانت المرة الثانية التي ألتقي فيها ذلك الدبلوماسي المعلم، هي عندما جمعتنا مائدة العشاء لدي سفير الكويت بالقاهرة زميل دراستي «عبدالرزاق الكندري»، وكان «إسماعيل فهمي» في ذلك الوقت بعيداً عن مواقع السلطة ولكنه كان محتفظاً بشموخه المعهود وكبريائه المعتاد،
وكان حاضراً في ذلك العشاء الدبلوماسيان المرموقان الدكتوران «أحمد عصمت عبدالمجيد» و«أشرف غربال»، ثم كانت محادثتي الأخيرة مع ذلك المعلم الكبير «إسماعيل فهمي» بعد أن صدر القرار الجمهوري بتعييني سفيراً لبلادي في «فيينا» ومندوباً لدي المنظمات الدولية فيها عام ١٩٩٥، وقد قال لي عبر الهاتف إن «فيينا» ليست عاصمة عادية،
لأن فيها علاقات ثنائية وعلاقات متعددة الأطراف في ذات الوقت، فضلاً عن وجود مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو»، والمقر الثالث للأمم المتحدة، ثم أضاف في رعاية أبوية واضحة بالنص: «ولكنك يا مصطفي قدها وقدود»! واعتبرت تزكية ذلك الرجل الكبير لي أوراق اعتماد أخري إلي العاصمة التي عمل فيها مرتين،
ولايزال كبار المسؤولين فيها يتذكرونه بالإجلال والاحترام، وعندما أصدر السيد «إسماعيل فهمي» كتاب مذكراته، التقطه الخبراء والمؤرخون بنهم واهتمام شديدين، لأن الرجل لم يكن ظاهرة عادية في تاريخ الخارجية المصرية ولكنه كان صاحب مدرسة لاتزال تمارس تأثيرها في العمل الدبلوماسي حتي الآن، ولاتزال ذاكرتي تحتفظ بموقف لا أنساه أبداً عندما كنت ملحقاً دبلوماسياً في إدارة غرب أوروبا بوزارة الخارجية في مبناها بالجيزة عام ١٩٦٧،
ورأيت السيد «محمود رياض»، وزير الخارجية حينذاك، يصعد علي درج الوزارة متجهاً إلي إدارة الهيئات الدولية، ليزور مديرها المستشار «إسماعيل فهمي»..
وهو وضع لا أظن أنه قد تكرر من قبل في ذلك الوقت، بحيث يتحرك الوزير بنفسه إلي مكتب أحد معاونيه بدلاً من أن يستدعيه إليه، وتلك الواقعة الصغيرة تعكس احترام الرؤساء والمرؤوسين لذلك النجم الذي هوي منذ سنوات بعد أن فضل العزلة الاختيارية علي بريق الموقع مهما علا شأنه..
رحم الله «إسماعيل فهمي» الذي نذكره بفضل عطائه لوطنه وللدبلوماسية المصرية والمحافل الدولية علي امتداد سنوات خدمته الشامخة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس