عرض مشاركة واحدة
قديم 24-10-09, 03:11 PM   #7
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: شهيرات الإسلام ( خولة بنت الأزور )


سنة حسنة

يقول الأستاذ حيدر قفة: عندما جئتُ إلى العمل في قطر وجدتُ في وزارةِ المعارف سنة حسنة، لا أعلم أنَّ لها مثيلاً في بلد آخر أو في وزارة أخرى وهي من الأمور التي تفرَّدت بها وزارة المعارف، ودولة قطر، وهي من الحسناتِ الكبار التي تتوج للعاملين بوزارة المعارف هذه السنة الحسنة هي ما يفعله الموظفون عندما يموت لهم زميل في الوزارة سواء من المدرسين أو الإداريين فيتبرع كل منهم بما يُعادل راتب يوم واحد من معاشه، تدفع هذه المبالغ مجتمعة لورثة زميلهم، وكم أحيا هذه النظام أو هذه السنة أُسرًا، وكم ستر على عائلات، وكم حافظ على أيتام وأرامل من الضياع والتشرد، ولا تزال هذه السنة قائمة إلى وقت كتابة هذا الكتاب، والتي يدعو كل العاملين في الوزارة لمَن كان السبب فيها، ولمن أوجدها ودلَّ عليها، وما أحسبها إلا حسنة من حسنات عبد البديع وأثرًا من آثاره يوم أن كان مديرًا لمعارف قطر.



كتب ومكتبات

شعر عبد البديع- رحمه الله- بخبرته الطويلة في مجالِ الدعوة أنَّ الناسَ في حاجةٍ إلى كتابٍ صغير الحجم كبير النفع يشرح الإسلام بإيجاز ويضع الإجابات السليمة الموفقة السديدة لكل تساؤلاتِ الناس لا سيما الشباب منهم لأن لا صبرَ لهم على المطولات فقدَّم- رحمه الله- مشروع كتاب الجيب وهو كتاب تتضافر جهود العلماء في أكثر من بلدٍ لكتابةِ هذا الكتاب، ففي العمل الجماعي تنتفي مظنة الخطأ أو الحجر على الناس على حسبِ مفهوم الكاتب الواحد لا سيما كتاب سيعمم على بلادِ العالم.. ولكن هذه الفكرة ماتت في مهدها؛ حيث إنَّ فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود تصدي لها.



وقد بذل الشيخ عبد البديع قصارى جهده لنشر التراثِ الإسلامي، وأمهات الكتب الفقهية وغيرها؛ حيث كان يشير على حاكم قطر السابق "علي بن عبدالله آل ثاني"، ثم من بعده ابنه "أحمد بن علي آل ثاني"، بطباعةِ تلك الكتب القديمة التي عزَّ وجودها بين أيدي الناس؛ فيستجيب الحاكم لطباعتها على نفقته؛ حسبةً لله تعالى.



كتب الإمام الشهيد "حسن البنا" عن كتاب الأستاذ "عبدالبديع صقر": "كيف ندعو الناس؟"، قائلاً: "كنت وضعتُ ملاحظاتٍ للإخوة، وعزمتُ على العودةِ إليها؛ لتكميلها وتنقيحها ونشرها، وقد طالعتُ هذه الرسالة للأخ "عبدالبديع صقر"، فرأيتُ فيها ما كفى وأغنى؛ فسُررت وفرحت، وسألت الله له دوام التوفيق، وأن يُحسن عن الدعوةِ مثوبته، وأُوصِي الإخوةَ بها، وأن يسيروا على ضوئها".



له عدة مؤلفات منها الأخلاق للبنات, التجويد، وعلوم القرآن, رحلة الحج، الوصايا الخالدة، شاعرات العرب، مختارات الحسن والصحيح من الحديث الشريف، رسالة الإيمان، نقد البردة، نساء فاضلات، التربية الأساسية للفرد المسلم, حديث إلى دعاة الإسلام.



اهتمامه بالأطفال

ومن إيمانه الراسخ بجدوى الدعوة إلى الله أن تبدأ هذه الدعوة مع الأطفال بأن ينشأوا تنشئة إسلامية في محاضن إسلامية تحت إشراف المخلصين.



ولما كانت علاقته بحكامِ الإمارات حسنة بحكم صلته بحاكم قطر، عرض مشروع إنشاء (روضات إسلامية) على حكام الإمارات سنة 1969م فرحبوا بالفكرة ومنهم من وعده بأرضٍ للبناء ومنهم من سهل له الإنشاء.



ولكن إمكانيات الشيخ عبد البديع- رحمه الله- كانت ضعيفة لا تمكنه من بناءِ عمارة إلا أنه أخذ بمبدأ (ما لا يُدرك كله لا يترك جله) فاستأجر بناءً في عجمان وأنشأ فيها روضة صغيرة من صف وحضانة واحدة، ويذكر أنَّ مقاعد الدراسة لم تتجاوز العشرة ولا يتعدى ثمنها ألفي ريال (قطر ودبي) آنذاك والمراجيح ولعب الأطفال في حدود ألف ريال أي أنَّ روضةَ عجمان لم تكلف ثلاثة آلالف ريال.



وتبع ذلك إنشاء روضة أطفال في دبي وأشرف عليها الشيخ كاظم حبيب، ثم روضة الشارقة وتبع ذلك في أبي ظبي والعين ورأس الخيمة.



العمل في الخليج

لقد عمل الأستاذ "عبدالبديع صقر" فترةً طويلةً في قطر والإمارات، فكان مديرًا للمعارف بقطر، ثم مديرًا لدار الكتب القطرية، ثم مستشارًا ثقافيًّا لحاكم قطر.



يذكر بعض العارفين لأحواله أنه حين كان مديرًا للمعارف في قطر، كان يؤشر على طلبِ الإجازة للوفاة بعبارة: "مع الموافقة على منحه ثلاثة أيام، وعظَّم الله أجره، وأحسن عزاءه، وغفر لميته"، ويُؤشر على طلبِ الإجازة للزواج بعبارة: "مع الموافقة، بارك الله في عروسه، وبارك لها فيه، وجمع بينهما في خير".



وكان أمراء الخليج يُجلُّون الأستاذ "عبد البديع صقر"، ويُقدرونه، ويحترمونه، فضلاً عن محبة العامة وجماهير الناس له؛ لحسنِ خلقه، وتواضعه، وخدماته الكثيرة، وقد عرفوه متحدثًا، ومحاضرًا، وخطيبًا، وواعظًا، وكاتبًا، ومفكرًا ومصلحًا، وداعيةً.



وفاء نادر

كان الأستاذ "عبدالبديع صقر" من الأوفياء لإخوانه، البارِّين بزملائه، وكان يتفقدهم ويتعهدهم بالزيارة، والسؤال عنهم، أو مراسلتهم مهما تشتت بهم الأقطار.



ومن هؤلاء الدكتور "سعيد رمضان"- رحمه الله- زوج ابنة الشهيد "حسن البنا"، الذي كان يقيم في جنيف؛ مطارَدًا من الرئيس "جمال عبدالناصر"، الذي أسقط عنه الجنسية، وحُكم عليه بالإعدام غيابيًّا، فكان الأستاذ "صقر" يتعهده بالزيارة، والسؤال عنه.



يروي الأستاذ "حيدر" عن وفائه لزملائه أن الأستاذ "زهير الشاويش"- صاحب المكتب الإسلامي بدمشق وبيروت- دخل مرةً على الشيخ "عبد البديع" في منزله في الدوحة بعد العشاء، وبعد إلقاء السلام على الحاضرين بالمجلس قال: "يا أبا إبراهيم، أقرضني مائة ريال، فقد خلا الجيب؛ فما قام "عبدالبديع" من مكانه، ولكنه قال لزهير ببساطته المتناهية: "الدرج بجوارك، خذ منه ما تشاء"، فأخذها "زهير"، وخرج دون أن يجلس.



شهادات

كتب الأستاذ "زهير الشاويش" في مجلة "المجتمع" الكويتية، عدد ديسمبر 1987م، بعد وفاة "عبد البديع صقر" يقول: "أرى لزامًا عليَّ أن أؤدي الشهادة فيما تيقنته عنه بعد خبرة وتجربة، فقد عرفت في الأخ "عبد البديع" نزاهة اليد والتعفف عن جرِّ المنفعة لنفسه، أو أخذ قرشٍ مما كان يُوكل إليه إنفاقه على طبعِ الكتب، بل زهدَ في أموالِ الأغنياء؛ فعوَّضه الله عن ذلك بالحلالِ الطيب، وأشهد أنه طالما أنفقَ من ماله الخاص- على قلته- كلما رأى حاجةً للإنفاق في موطنٍ شحَّت عن البذل فيه أيدي الأغنياء".



يذكر المستشار "عبدالله العقيل" أنه حين كان في الكويت دُعي إلى الإمارات لإلقاء محاضرة في (جمعية الإصلاح) بدبي، وعقب المحاضرة أمطره الجمهور بسيل من الأسئلة الكثيرة، قاربت مدتها مدة المحاضرة، وحين توقف عند أحد الأسئلة بادر- رحمه الله- بالجواب عنه.



ويحكي المستشار "العقيل" عنه أيضًا: "كان من أوائل من التقيت بهم في مصر أواخر عام 1949م؛ حيث اجتمعت معه في منزل أحد الإخوان، ولما حان وقت الصلاة قدموه للإمامة، ولفت نظره وجود صورة على الحائط، فما كان منه- رحمه الله- إلا أن سترها، ثم أدينا الصلاة؛ فأدركتُ من وقتها أن الأستاذ "عبدالبديع صقر" ذو نزعة سلفية، يحرص على الالتزام بما صحَّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما سار عليه السلف الصالح".



وكان عبد البديع صقر شخصية مرحة متميزة، كان يزور الشخص ولا يطيل، ويقول: أعتقد أننا شرفنا! ثم يستأذن وينصرف.



وكان يعزم الناس على الغداء عنده، ثم ينسى أن يخبر أهل بيته، فيفاجأ بالناس وقت الغداء يدقون عليه الباب، فيرحِّب بهم، ويأكلون ما حضر، ويقول لهم: نسيتُ أن أبلغ وزارة الداخلية!



وأحيانًا يقول لأهله: اصنعوا لنا ثريدًا، ويقول: إنَّ قصعة الثريد تقبل القسمة على أيِّ عدد!
وقد بقي مديرًا للمعارف حتى تغيَّر الوضع، وأُعفي الوجيه قاسم درويش، وجيء بالشيخ قاسم بن حمد، واحتضن الشيخ علي ثم الشيخ أحمد الشيخ عبد البديع، ليشرف على مكتبته الخاصة، وعلى المكتبات العامة في قطر.



وفاته

كان رحمة الله عليه قُبيل وفاته بفترةٍ يقول: أنا لم يبقَ لي في الدنيا شيء لقد فرغت من الدنيا وقبل سفره من دبي إلى مصر أقام وليمة كبيرة لجمع كبير من الناس وتكلَّم فيهم وكان مما قال: "لعلنا لا نلتقي بعد اليوم".



ولما وصل إلى مصر أقام وليمةً كبيرةً في بيته دعا إليها جمعًا كبيرًا من الأقاربِ والأرحارم كأنما يودع الناس، ثم زار قبر زوجته رحمها الله تعالي.



وقد انتقل- رحمه الله- إلى جوار ربه مساء السبت (12 من ربيع الأول 1407هـ، الموافق 13/12/1986م) في مصر؛ حيث توجَّه إلى مدينة (بلبيس) بالقربِ من مدينة الزقازيق لإلقاءِ محاضرة، وبعد المحاضرة ركب سيارته قاصدًا الزقازيق، فمات وهو يقود السيارة، فانحرفت به إلى جانب الطريق، وسقط في مجرى مائي، ولم يدركه الناس إلا في وقتٍ متأخر؛ حيث حُمل إلى المستشفى، وغُسِّل، ودُفن إلى جوار زوجته "أم إبراهيم"، التي سبقته إلى الدار الآخرة قبل أكثر من عام.



نسأل المولى الكريم أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يغفر لنا وله، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته.

-----------


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس