عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:59 PM   #24
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]رجاء النقاش

بقلم د. مصطفي الفقي ١٤/ ٢/ ٢٠٠٨
أثناء حضوري اجتماع المجلس الأعلي للثقافة في صيف عام ٢٠٠٧، أطل علينا الكاتب الكبير والناقد الراحل «رجاء النقاش»، وجلس في مقعده، متهالك الصحة، عليل الجسد، لا يبدو من شحوب وجهه الواضح إلا بريق عينين، تحملان وقر السنين وهموم الزمن، وكنت أجلس بين الصديقين المثقف الكبير د. «جابر عصفور»
والأديب الفنان د. «فوزي فهمي»، وبجوارنا مباشرة نقيب الصحفيين الحالي الأستاذ الكبير «مكرم محمد أحمد»، الذي اندفع بتلقائيته ونقائه، مطالباً المجلس الأعلي للثقافة في جلسته المنعقدة، بترشيح الأستاذ «رجاء النقاش» لجائزة «مبارك في الآداب» عن عام ٢٠٠٧، وزاد علي ذلك بأن صعد إلي المنصة،
متحدثاً إلي الوزير الفنان «فاروق حسني»، وزير الثقافة والصديق الأستاذ «علي أبوشادي»، أمين عام المجلس اللذين شرحا له، أن ذلك يخالف ـ للأسف ـ القواعد المعمول بها في إجراءات جوائز الدولة، إذ لابد من ترشيح مسبق من إحدي الهيئات المخولة بذلك، والمرور بمراحل معينة قبل الوصول إلي المجلس الأعلي للثقافة..
وكان الوزير والأمين العام يقولان ذلك وهما أكثر تعاطفاً مع الناقد الراحل من أي شخص فينا، رغم حماسنا الشديد لمكانته الفكرية وقيمته الأدبية، وتأثرنا الواضح بتدهور صحته بشكل قد لا يسمح له بحضور جلسة المجلس في العام التالي، وإن كانت الأعمار بيد الله وحده في النهاية.. ولقد أسعدني أن علمت أن الناقد الراحل قد رُشح بالفعل هذا العام لتلك الجائزة الكبيرة، وأن القواعد تسمح بمنحها بعد الوفاة مادام الترشيح قد تم قبلها..
ثم جمعتني بالراحل الكبير ندوة مصغرة لمناقشة أحد الكتب في دار «أخبار اليوم» وفاجأني في حديثه، بأن أشار إلي قصة حدثت له شخصياً عندما تعرض لظلم وقع علي ابنته في التعيينات الجامعية، وكيف أنه اتصل بي وقتها، فتدخل الرئيس «مبارك» شخصياً وأنصفه بشكل حاسم.
كان «رجاء النقاش» يذكر تلك الحادثة بتأثر دائم وامتنان عميق، ولقد قرأت المقال الذي نشرته الأستاذة «سناء البيسي» ـ المعروفة بأسلوب متميز يدركه كل من يقرأ لها، وهي في ظني أفضل كاتبات جيلها ـ وشعرت معها بالمعاناة الطويلة التي مر بها بيت «النقاش»، وهو بيت علم وثقافة وأدب ودين، وشعرت أيضاً أن من واجبي أن أسجل خواطري مع هذا النجم الذي هوي واختفي، مثل النيازك والشهب التي تعبر الكون بشكل خاطف،
ولكنها تترك أثراً لا ينسي، ولاأزال أتذكر قراءتي لكتابه الشهير عن «العقاد بين اليمين واليسار»، ومعاركه الفكرية والأدبية، وكيف رجعت إلي فقرة منه في أطروحتي للدكتوراه بجامعة «لندن» في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
والواقع أن «رجاء النقاش» كان شديد الحفاوة بالمفكر العظيم «عباس محمود العقاد»، وأيضاً بعميد الأدب العربي الراحل د. «طه حسين».. وما أكثر الوقائع والأحداث التي تعرض لها «رجاء النقاش» في كتاباته حولهما، ومعهما فيلسوف المسرحية العربية «توفيق الحكيم»!
ثم امتدت اهتمامات «النقاش» لتغطي باقتراب شديد وعناية فريدة أعمال صاحب «نوبل» «نجيب محفوظ»، الذي عايشه وحاوره وكتب عنه الكثير في حياته وبعد رحيله.. ولي تجربة لا أنساها مع الراحل الأستاذ «رجاء النقاش» عندما كتبت مقالاً، أثار ضجة كبيرة وكان عنوانه (في جدوي الكتابة)،
وكان ذلك منذ عدة سنوات، ففاجأني الناقد الراحل بمقاله في «الأهرام» في ذات الأسبوع تحت عنوان (مصطفي الفقي وجدوي الكتابة)، حيث عكست سطوره الحماس لما قلت، والكرم الزائد في وصف قيمته، وهو أمر يرفع من قدر أي كاتب، خصوصاً إذا جاء ذلك من رجل بالحجم الثقافي والوزن الفكري لمثل «رجاء النقاش»،
ولا يغيب عن ذهننا أن قيمة «رجاء النقاش» لا تقف عند حدود الوطن المصري فقد كان دائماً هو ذلك الكاتب الشريف والناقد الموضوعي والأديب الموهوب الذي ذاع صيته، وانتشر اسمه مقترناً بالاحترام الزائد والتقدير الكامل في كل مكان، وكان إسهامه في صحافة «الخليج» من خلال واحدة من أشهر دورياتها، مرحلة متميزة في تاريخه الصحفي ومسيرته الأدبية، وكان كل ذلك مقترناً بروح النضال لديه والإحساس بالفقراء، والشعور بمعاناة من يحتاجون إلي حياة أكثر أمناً واستقراراً.
ولا شك أن محنة «رجاء النقاش» مع المرض كانت قاسية وبطيئة، عاني فيها ذلك المفكر المناضل عبر شهور طويلة آلام المرض الجسدي، والحزن النفسي بشكل غير مسبوق، وعندما أُعلن نبأ رحيله المتوقع، بكاه الناس القريبون منه والبعيدون عنه، لأنه كان نموذجاً فريداً، جاء من أسرة أنجبت لمصر نجوماً لامعة في حياتها الثقافية والسياسية..
رحم الله «رجاء النقاش» بقدر ما نقش في قلوبنا من إحساس، وفي عقولنا من بصيرة، فلقد كان علامة مضيئة في حياتنا الفكرية والثقافية وحاضرنا الأدبي والاجتماعي، كما أنه كان نموذجاً للانتماء الذي يعتصم بالرؤية الموضوعية والفكرة العميقة والكلمة الشريفة.


رفعت المحجوب


بقلم د. مصطفي الفقي ٧/ ٢/ ٢٠٠٨
عندما التحقت بكلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» بجامعة القاهرة عام ١٩٦٢، دخل علينا قاعة المحاضرات أستاذ أنيق المظهر عميق الفكر، فصيح العبارة، ليدرس لنا «مبادئ علم الاقتصاد» وعرفت يومها أنه ينتمي إلي «المدرسة الفرنسية» التي تجعل دراسة الاقتصاد فرعًا قريبًا من الدراسات القانونية، بخلاف «المدرسة البريطانية» التي تقترب بعلم الاقتصاد من الدراسات الرياضية والإحصائية،
وكانت الكلية الوليدة في وقتها محط الأنظار، وأمل آلاف الشباب من مصر والعالم العربي باعتبارها كلية وحيدة فريدة في تخصصاتها الأصلية «للاقتصاد» و«السياسة» و«الإحصاء» وكان د. «رفعت المحجوب» - رحمه الله - يغرد في قاعة المحاضرات مازجًا الاقتصاد بالفلسفة والتاريخ البشري بالحضارة الإنسانية، ولقد بهرني أستاذي الراحل عندما بدأ يتحدث عن تعريف علم الاقتصاد باعتباره «علم الندرة» ثم مستطردًا في شرح ذلك بلغة رفيعة وتحليل لا أكاد أجد له نظيرًا،
ثم يعود ليقول مرة أخري أن الاقتصاد هو «علم الحاجة» شارحًا بنفس المستوي ما يريد الوصول إليه، ثم يعود مرة ثالثة ليقول: إن الاقتصاد هو «علم المنفعة» ويمضي مفسرًا ما يريد أن يشرحه، ثم يختتم التعريف بقوله إن الاقتصاد هو «علم الصيرورة» في عمق فلسفي لا أنساه، ولقد تزايد إعجابي بهذا الأستاذ المرموق منذ البداية،
حتي إنني بدأت منذ ذلك الوقت في استبدال «نظارتي الطبية» لتكون مثيلة لتلك التي اشتهر بها د. «المحجوب»، وظللت أتابعه في إعجاب شديد وأراقب طموحاته وهي تمضي معه في «العصر الناصري» كعضو بارز في «المؤتمر الوطني للقوي الشعبية» وجزء من المثلث المتألق في ذلك المؤتمر،
حيث كان رفيقاه هما الراحلان د. «لبيب شقير» ود. «طعيمة الجرف»، وتزايدت طموحات أستاذي الراحل عندما سبقه رفيق عمره د. «شقير» إلي مواقع السلطة الوزارية ثم البرلمانية، وبدا لي د. «رفعت المحجوب» لعدة سنوات محبطًا متبرمًا، وكأنه مشروع إنساني كبير، جري إجهاضه تدريجيا،
وهو الذي ينتمي إلي مدينة «الزرقا» بمحافظة «دمياط» التي أنجبت قبله رئيس وزراء العصر الملكي «إبراهيم باشا عبد الهادي»، وعندما وصل الرئيس الراحل «السادات» إلي الحكم اختار د. «رفعت المحجوب» سكرتيرًا أول للجنة المركزية للتنظيم السياسي الواحد في ذلك الحين، وهو «الاتحاد الاشتراكي العربي»
وهي وظيفة تعادل تقريبًا الأمين العام للحزب الحاكم حاليا، ثم تقلد الأستاذ عمادة «كلية الاقتصاد والعلوم السياسية» مرتين، حتي جاء عصر الرئيس «مبارك» الذي اختاره رئيسًا لـ «مجلس الشعب» مع أنه عضو بالتعيين في سابقة جديدة تقديرًا لمكانة الرجل وقيمته، وعندئذ جمعتني ظروف العمل بأستاذي القديم الذي رسبت لأول مرة في حياتي في مادة «الاشتراكية العربية» علي يديه،
وانتقلت بها إلي السنة الثالثة في الكلية، وعندما ناقشته فيما بعد عن تلك المفارقة التي أذهلت أصدقائي وزملائي كان رده بوضوح ان الورقة احتوت اتجاهًا فكريا فيه مغالاة في قبول الفكر الاشتراكي، وأنه رأي إعطاءها درجة «ضعيف»، تحسبًا لأن تكون ورقة مدسوسة لإثبات خروجه هو عن إطار «الاشتراكية العربية» التي كان يرفعها النظام شعارًا له في ذلك الوقت! ولقد ظللنا نتندر بتلك القصة لعدة سنوات،
وعندما كان د. «رفعت المحجوب» رئيسًا لـ «مجلس الشعب» تألق بصورة مبهرة وكانت خطبته السنوية عند تقديم رئيس الجمهورية في افتتاح البرلمان قطعة رفيعة في الأدب والفكر معًا، وأذكر أنه في إحدي المناسبات ألقي خطبته بالكامل، قياسًا علي الذكر الحكيم، مقتبسًا من القرآن الكريم في روعة تدعو إلي الخشوع والاحترام،
وهو الذي نزل من فوق المنصة في إحدي جلسات «مجلس الشعب» عندما تزايد الهجوم عليه والانتقاد لتصرفات شقيق له، فوقف بين صفوف الأعضاء، وكرر عبارته الشهيرة (لا تكونوا كأهل «أورشليم» كلما جاءهم نبي رموه بحجر)، وما أكثر ما تحدث إلي أستاذي، بحكم ظروف العمل، شارحًا وموضحًا ومستفسرًا،
وكنت أشعر دائمًا أن الرئيس «مبارك» يخصه باحترام خاص، وتقدير واضح، بينما كان ينظر إليه د. «عاطف صدقي» رئيس الوزراء نظرته للقدوة وصاحب الفضل، وأتذكر من الطرائف أن د. «رفعت المحجوب» كان حاضرًا لمراسم استقبال أمير البحرين الراحل في أحد أيام الثمانينيات،
وبينما كان الرئيس «مبارك» يقدمه للعاهل الخليجي داست قدمه - د. «المحجوب» - عن طريق الخطأ علي رداء الأمير الضيف، حتي كاد الأمير أن يسقط علي الأرض بفعل ذلك، وهنا جذب ضباط الحراسة الخاصة المصرية رئيس البرلمان المصري في اتجاه يبعده عن الأمير الزائر، تلافيا لمشكلة «بروتوكولية» لا مبرر لها، وليلتها حدثني د. «المحجوب» تليفونيا وهو شديد التأثر من الواقعة والأسف لما حدث،
ولقد جاءت نهاية أستاذ الراحل حزينة بكل المعاني، فقد كانت نهاية مأساوية لقي فيها الرجل مصرعه برصاصات غاشمة، وبدت قمة المأساة في أنه كان «اغتيالاً خاطئًا»، فقد كان المستهدف هو «وزير الداخلية» الأسبق اللواء «محمد عبد الحليم موسي» ولكن موكب «رئيس البرلمان» سبق موكب «وزير الداخلية» فكانت المأساة،
رحم الله د. «رفعت المحجوب» فقد كان طرازًا فريدًا في الترفع والكبرياء، والعجيب أن قاتليه قد حصلوا علي البراءة، ومازالوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والرجل في رحاب ربه راضيا مرضيا.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس