عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:54 PM   #22
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]نجيب محفوظ»

بقلم د.مصطفى الفقي ٣/ ٤/ ٢٠٠٨
ظلت صلتي بالروائي الكبير «نجيب محفوظ» محدودة لسنوات طويلة، نعم.. كنت ألتهم صفحات رواياته في العطلة الصيفية مع غيرها من روائع الأدب العالمي وتراث الفكر الإنساني ـ مثل الكثيرين من أبناء جيله ـ وكان يعجبني فيه استغراقه الشديد في المحلية، وشعرت مع صفحات كتبه أنه روائي عظيم ولكنه يخفي وراء سطور كتاباته آراءً سياسية حبيسة ومواقف مختفية تجاه السلطة والحكم،
ولم أكن في حاجة إلي جهد كبير لكي أكتشف أن ذلك الروائي الضخم أقرب إلي المعسكر العلماني الليبرالي منه إلي المعسكر الديني العقيدي، ثم بدأت القراءة «لمحفوظ» منذ ذلك اليوم الذي دق فيه جرس التليفون ليبلغني الكاتب الراحل «موسي صبري» بوصول جائزة «نوبل» التي جاءت تتهادي نحو الأدب العربي لأول مرة متجسداً في شخص «نجيب محفوظ»، ولقد كرمه رئيس مصر تكريماً غير مسبوق في احتفال رفيع الشأن وقلده أرفع ما تقلد به مصر أبناءها العظام.
ولقد تعرفت علي الروائي الكبير بعد ذلك من لقاءات متعددة رتبها بعض الأصدقاء وكان أولهم الأستاذ «محمود السعدني» ـ شفاه الله وعافاه ـ حيث كان لنا لقاء كبير في إحدي الأمسيات بمنزل «عمدة الجيزة» الفلاح الراحل «إبراهيم نافع»، وفي حضور عدد من الأصدقاء بينهم أدباء وسياسيون وقانونيون،
وكان «نجيب محفوظ» متجلياً في تلك الليلة يداعب الجميع بضحكته العالية ويجيب عما يريد أن يتحدث بشأنه، ويتعلل بثقل السمع للهروب من الإجابة عما لا يرحب بالخوض فيه، وكان في ذلك الوقت قد خرج من حملة عربية معادية تصف حصوله علي الجائزة الدولية الرفيعة بأنه مكافأة لموقفه من اتفاقيات السلام مع إسرائيل وإلحاده الواضح ـ من وجهة نظر أعدائه ـ في الرواية الشهيرة «أولاد حارتنا»،
وهم الذين اعتبروه كاتباً معادياً للعروبة مؤيداً للتطبيع مع إسرائيل، فضلاً عن أنه لم يتحمس كثيراً للكتابة في الإسلاميات شأن د. «طه حسين» أو «العقاد» أو «د. محمد حسين هيكل» أو حتي الفيلسوف العظيم «توفيق الحكيم»، بل يضيف هؤلاء أيضاً ـ تعبيراً عن حقدهم عليه ومحاولتهم الإقلال من مكانته ـ أن جائزة «نوبل» في الأدب قد خضعت لاعتبارات سياسية وكانت تستهدف «نجيب محفوظ» تحديداً بدليل أنها لم تصل إليه
إلا في العام التالي لرحيل «توفيق الحكيم» الذي كان يصعب تخطيه في هذا السياق، وقد تعددت لقاءاتي بالأستاذ «نجيب محفوظ» من خلال بعض الأصدقاء، في مقدمتهم «محمد سلماوي» و«جمال الغيطاني» و«يوسف القعيد» خصوصاً في الاحتفال السنوي بعيد ميلاده وجلساته المنتظمة في قاعته بفندق «شبرد» علي ضفاف نيل القاهرة،
وبهرني فيه ـ وهو في تسعينيات العمر ـ روحه المرحة فضلاً عن تدخينه المستمر وهو في تلك السن المتقدمة!، وأذكر مرة أن إحدي المعجبات الأوروبيات التي يعرفها من قبل قد جاءت وقبلته علي وجنتيه في عيد ميلاده فتصور البعض أنه لا يعرف من هي لضعف بصره، ولكنه قهقه قائلاً لقد عرفتها من طريقة تقبيلها لي والتي لا أنساها أبداً!
ولقد كتبت عن «نجيب محفوظ» مقالاً في «الأهرام» منذ عدة أعوام وجعلت عنوانه «نجيب محفوظ بين الأدب والسياسة» فتلقيت منه برقية طويلة أحتفظ بها وأسعد بما جاء فيها وأعتبره تكريماً من شخصية رفيعة أعتز بها علي الدوام. وعندما جري الاعتداء الجسدي عليه وانغرس نصل سكين صدئة في عنق ذلك الروائي الكبير،
بفعل عمل إجرامي لا يغفره الوطن، هرعنا جميعاً إلي صاحب «نوبل» باعتباره رمزاً للعطاء العربي والالتزام الإنساني، وناقل الحارة المصرية إلي صفحات الكتب في الشرق والغرب علي السواء، إنه «نجيب محفوظ» الذي لم يركب طائرة في حياته إلا مضطراً في زيارة إلي «اليمن» الثائر لدعم الجناح الجمهوري،
وذلك في وقت لم يكن فيه أحد يستطيع أن يعترض علي تعليمات الرئيس «جمال عبد الناصر»، وهو ما جعل الأستاذ «نجيب محفوظ» يؤثر السلامة ـ طوال ذلك العهد ـ نظراً لأنه حويط بالطبيعة، حذر بالفطرة فيه دهاء صامت وإنسانية فائقة وقدرة علي الهروب من المواقف الحدية، ورغبة عارمة في الارتباط بالوطن والحرص عليه. إنه «نجيب محفوظ» الذي حمل هموم العصر وتوقف عن الكتابة لعدة سنوات بسبب مخاوفه من نظام يوليو برمته،
رغم أنه لا يعفي نفسه من حبه لـ «عبدالناصر» و«الكاريزما» السياسية التي تمتع بها ذلك القائد الراحل، إنه «نجيب محفوظ» الذي يحمل اسم الطبيب الشهير الذي أشرف علي ولادته، فكأنما ظل ذلك الروائي المسلم يبشر بالوحدة الوطنية وهو يحمل اسم ذلك النطاسي القبطي الذي يعتز به الطب المصري كما اعتز بالوليد العظيم ملك الرواية العربية «نجيب محفوظ».



ميريت غالي»

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٠/ ٣/ ٢٠٠٨
أشعر بإغراء شديد للكتابة عن هذه الشخصية الرائعة، التي قد لا يعرفها الكثيرون، إنه «ميريت بك بطرس غالي»، الذي كان وزيراً قبل الثورة وبعدها، وهو أمر لم يتكرر إلا في حالته وحالة صديقه الدكتور «إبراهيم بيومي مدكور». الطريف في الأمر أن كتاب «ميريت غالي»، الشهير بعنوان «سياسة الغد ( برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي)»،
الذي أصدرته مطبعة «الرسالة» عام ١٩٣٨ قد تصدره إهداء المؤلف «ميريت غالي» إلي صديقه الدكتور «إبراهيم بيومي مدكور»، الرئيس الأسبق لمجمع اللغة العربية، ومن المصادفات أنهما أصبحا معاً ـ «غالي» و«مدكور» ـ وزيرين في آخر وزارة قبل الثورة، وأول وزارة بعدها، فاستأثرا بوضع فريد جعلهما وزيرين في عهدين مختلفين تماماً، قبل ثورة يوليو وبعدها، وقد طلب مني أستاذي الدكتور بطرس غالي، أمين عام الأمم المتحدة الأسبق أن أكتب عن ابن عمه «ميريت غالي»،
لأنه يعلم أنني كنت قريباً منه في سنوات عمره الأخيرة، عندما كان يقف علي مشارف التسعينيات من عمره الثري بعطائه للوطن المصري، وتبدأ معرفتي بتلك الشخصية المتميزة عندما بدأ مشروع مصري دولي لإصدار «الموسوعة القبطية»، ورأي القائمون عليها إشراك بعض المتخصصين من غير المسيحيين في إصدارها،
فاستقبلني «ميريت غالي» في منزله علي النيل بالجيزة ـ وهو شيخ طاعن في السن يقطر خبرة، ويحمل علي كتفيه وقر السنين، وتجارب الأيام، وكان وقتها عضواً في مجلس الشوري وذلك في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ـ وطلب مني إعداد فصل كامل عن أكثر الشخصيات القبطية لمعاناً في الحياة السياسية،
وكان يقصد بذلك «مكرم عبيد باشا» ولقد فعلت وأصبحت أنا المسلم المنحدر من بيت متدين واحداً من مؤلفي «الموسوعة القبطية»، وأتذكر أن «ميريت غالي» عرض علي مبلغاً من المال في مقابل ما فعلت، ولكنني اعتذرت عن ذلك، وقلت له: «لا يؤجر صاحب علم بما يعلم» فسعد بهذا الرد، وكتبه علي الإيصال الذي كان من المفروض أن أوقعه،
وتواصلت بيني وبين ذلك المفكر الكبير أواصر الصلة الطيبة، فقد كنت معتزاً بدوره في المناداة بالإصلاح قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، لأنه كان قريباً من الإرهاصات الأولي لقانون الإصلاح الزراعي، كما لم يكن بعيداً عن الجمعيات التنموية قبل الثورة مثل جماعة «الرواد»،
وجماعة «الفلاح» وغيرهما من ومضات الضوء الباهرة في العصر الملكي بكل ما له وما عليه. ثم جاءت المناسبة الثانية لتوثيق علاقتنا، عندما اكتشفت أن كل السيارات الخاصة في مصر أصبحت ترفع شعارات دينية، تبدو مستفزة للطرف الآخر وبدت السيارات المتحركة وكأنها مساجد وكنائس صغيرة، وذلك أمر من شأنه أن يقسم الأمة المصرية،
وأن يضرب الوحدة الوطنية في مقتل، وكان ذلك في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، فكتبت مقالاً شهيراً في «الأهرام» بعنوان «ظواهر وفدت علي مصر» وطالبت فيه برفع تلك الملصقات واستخدام وزير الداخلية صلاحياته في إعمال قانون المرور والالتزام بتطبيقه في هذا الشأن ووجهنا رسالة مشتركة وقعها الأستاذ «ميريت غالي» عضو مجلس الشوري،
وأنا - المستشار بوزارة الخارجية المصرية حينذاك - ورفعناها إلي السيد وزير الداخلية الذي استجاب إلي ذلك المطلب الوطني كما شاركنا «البابا شنودة» بوعيه المعروف ووطنيته الصادقة، فأعفي أبناءه من أي مسؤولية دينية تلحق بهم، نتيجة رفعهم تلك الملصقات،
واستجاب الجميع ـ مسلمين وأقباطاً ـ لتلك الدعوة المصرية الخالصة، وأصبحنا محل حديث الصحف وتقدير ذوي الأمر، ولقد لاحظت أن الدكتور «بطرس غالي» ينظر إلي ابن عمه نظرة إكبار وعرفان، ويري فيه أخاه الأكبر الذي يفيض وطنية، ويتوهج وعياً، ولا يقول إلا فصل الخطاب.
إنه «ميريت غالي» الذي رحل عن عالمنا بعد ذلك بسنوات قليلة، ولكنه ترك تراثاً فكرياً وإرثاً تقدمياً يجعلني أعتز بصلتي به، خصوصاً أنني عرفته في سنواته الأخيرة، فأصبحت كمن لحق بالقطار السريع في آخر محطة له، رحم الله «ميريت غالي»، وأثاب الدكتور «بطرس غالي» الذي عرفني به، ودفعني إلي الكتابة عنه تكريماً للمعاني الوطنية والمؤشرات الفكرية والإسهامات الثقافية، التي ترتبط بتلك الشخصية الكبيرة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس