عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-07, 01:36 PM   #1
 
الصورة الرمزية مس لاجئة

مس لاجئة
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 5461
تاريخ التسجيل : Sep 2006
عدد المشاركات : 5,496
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ مس لاجئة
(فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام


[align=right][align=center]قال مترددا والكلمات تجرح حلقه المتيبس :"اعطني هويتك، انظر فيها قليلا واعيدها ".
وبدا على جاره انه لم يفهم فعاد يقول مادا يده بشيء من نقاد الصبر:"اقصد بطاقتك ، بطاقة الهوية ".
وتحت عصبية اليد الممدودة اخرج الآخر محفظة متآكلة واخرج البطاقة ودفع بها اليه وقبل ان يخطو بها متجاوزا العتبة مرق الصوت من وراء اذنه يقول:" وما تفعل بهويتي يا فلسطيني؟" ولو سمع الجار الشتيمة التي دمدم بها لانتزعها حتما من بين اصابعه . ولكنه سارع بها الى دكانه ورخم أمام الطاولة المبقعة ، وفتحها، ثم مد يده الى جيبه واخرج بطاقته الجديدة ، خضراء يجري فيها رونق . ارزتها سليمة الأغصان لم يتلفها التغضن . جديدة ما تسلمها إلا قبل اسبوعين . صورته على جانب منها وعلى كل طية من طياتها الثلاث ختم مستدير لقسم النفوس في وزارة الداخلية ، ورابع على الوجه الاخر من الطية الرابعة . اربعة اختام مستديرة صريحة لا تنفذ شبهة من حلقتها المفرغة . وتوقيع الرئيس والمأمور يكادان يتعانقان في خطوط ملتوية ملتفة غامضة منيعة لا يبين منها اسم ما شان تواقيع من بيدهم مقدرات الامور....

وتلك بطاقة الجار لا تختلف الا بالصورة العتيقة الباهتة وبتفصيلات الاسم والسن ومكان الولادة وتاريخها ، وبالتغضن والتكسر وكثرة ما تحمل من آثار اصابع ملوثة لا مكترثة لا تحسن الرفق بما يأتي كحق طبيعي لم يقاض صاحب جهدا او قلقا او شكلا او نقودا ...بطاقة لم تكن بنت شعور مغيظ محنق ممض من أنه في الحي الذي يعيش فيه والذي افتتح فيه دكانا تعامل معها الحي اكثر من عشر سنوات نقدا او دينا او (نصبا) ، لم يستطع ان يفرض لنفسه اسما ...فهو في هذا الركن الذي تقوم فيه دكان لا تختلف في شيء عن اكثر الدكاكين ليس اكثر من "فلسطيني" ...بهذا ينادونه ، ويعرفونه ويشتمونه اذا ما اقتضى الامر، شأنه شان ذلك الارمني الاسكافي الذي عرفه في صباه ، والذي سلخ من عمره التعس ثلاثين عاما متداركا نعال الحي بالرقع فلم يبال احد _بل لم يجد حاجة_ بان يعرف احد اهو هاجوب ، كما يمكن لأسماء الأرمن ان تكون ، او سركيس او وارطان ، فالارمني هو كل اسمه ، هكذا عاش وهكذا مات ، فعزله اسمه عن كل الناس حيا وميتا ، ولعل التسمية قد عقدته فما ترحرحت تلك العجمة في لسانه ، ولم ترتفع اهتماماته بما حوله عن مستوى الاقدام !

بطاقتا الهوية امامه ، واصبعه تتنقل بينهما ، والتفاصيل تهتز امام عينيه ، وزبون يدخل فيصرفه بحركة من يده دون ان يرى وجهه ، فيمضي هذا ساخطا لا يعرف لماذا لا يريد الرجل ان يبيع ...والصحيفة تنزلق الى الارض فيرفعها فيرهبه العنوان الاحمر يتوج صور اعضاء العصابة .
وما جدوى ان يقرأ الخبر للمرة الخامسة او المئة؟ فلن يفهم اكثر مما فهم ، والصورة برهان دامغ ... الوجه النحيف وقد اكلت النظارتان اكثر من نصفه ، والصلعة التي تمتد من فوق النظارتين ولكنها لا تكشف عن مخ جهنمي ...وآخرون معه لا يعرف منهم الا وحدا... قد يوحي باي شيء الا بحقيقته ، كان واسطة التعرف الى ذاك الاخر .

اجل كان يلبس بذلة زرقاء حين دخل واشترى علبة كبريت دفع ثمنها (فرنكا) ، ثم مد يده واخرج صندوق سجائره واخذ واحدة وعرض عليه اخرى اعتذر عنها ... ودخن نصف السيجارة وهو على العتبة ووجهه الى الشارع ، ثم عاد وتلكأ كمن يريد ان يجره الى حديث ، اي حديث... ولكنه عاد وطرق الموضوع بصراحة .... لقد سمع _ورفض ان يقول كيف _ انه راغب في ان يلبنن ...فاذا شاء فهناك طريقة واحدة ...والثمن ، اجل هناك ثمن ، الفا ليرة ... اغلى قليلا مما اعتاد عليه الناس ان يدفعوا ، فموقف السلطات بان اصلب ، ولقد نبش الفلسطينيون كل جذور العائلات فما ظلت شجرة لم تمد فرعا لها في فلسطين ...وهؤلاء المحامون الذين اثروا من تجارة التجنس قد بدأ يخذلهم علم الانساب!!


كثير وقبل سنوات لم يهضم ان يدفع ربعه ليبحث عن جد له في قرية لبنانية طيبة ، او ليبتعث تاريخا جديدا لجده ابي صالح الذي ولد فيما يعلم ،ومات فيما يعلم ايضا ، في "الرامة" وبهذا لا يكون قد انكره قبل صياح الديك ثلاثا ، ولكنه يستأذنه في ان يعدل من صدفة جغرافية تعفيه من كلمة (فلسطيني) تشده الى قطيع امحت فيه معالم الفردية ، يتلفظون بها مشفقين حين يرفض ان يكون موضع شفقة ، او ساخطين دون مبرر لسخط ، او متوعدين كلما نفث منافسوه من اصحاب الدكاكين الصغيرة حقدهم ونسجوه اشاعات يفسرون بها الاحداث على هواهم تلتفت حوله خيوطا واهية ولكنها متكاثفة .
ضبابه قلق تحسسه ان وحانوته هذا واولاده الاربعة وزوجه ليسوا اكثر من الهية يتعابث بها مفسرو الحوادث ، وان ضمانته الوحيدة من الترحيل الى مجهول من اللجوء المركّب هي ان يكون متجنسا . وكان الحافز في نفسه يضعف كلما تراخت خيوط الاشاعات ومات خوفه في ثنايا الحياة اليومية ، ويقوى كلما عرض له امر يهز وجوده المتداعي ، حين تخرج ابنه من المدرسة مثلا فما لمّه عمل واحد اكثر من اسبوعين ...القانون صريح ...ومحظور العمل في المصالح والشركات على غير ابناء البلد ، فما وجد الشاب بدا من ان يطير الى الصحراء من هذه الصحارى التي تجمع الناس اخوة على شقاء ، وتتسامح في اشقائهم ولو اختلفت الجنسيات ...
[/align]
[/align]


توقيع : مس لاجئة





مس لاجئة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس