عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-03, 12:54 PM   #3
 
الصورة الرمزية sad_girl

sad_girl
فخر زهرة الشرق

رقم العضوية : 334
تاريخ التسجيل : Aug 2002
عدد المشاركات : 2,424
عدد النقاط : 177

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ sad_girl

القسم الثاني

قراءة في المسيرة الاعتقالية في سجون النساء

السجن علمني كيف أعيش بكرامة

الأسيرة مي الغصين

أقامت سلطات الاحتلال منذ عام 1967 ثلاثة مراكز لاعتقال المناضلات الفلسطينيات ، الأول في نابلس ، والثاني في القدس ( المسكوبية ) والثالث في غزة ، وقد شهدت المناضلات في هذه المراكز معاملة قاسية جداً ، وزاد من قساوة ذلك قلة عدد المعتقلات في الأسر في مرحلة البدايات ( 1967 _ 1980 ) الأمر الذي جعل الطلائع الأول للمناضلات الأسيرات وعلى رأسهن فاطمة البرناوي وتريزا هلسة وعبلة طه أكثر معاناة من غيرهن .. خاصة وأنهن واجهن السياسة الشرسة التي استهدفتهن .. ومع ذلك فقد أثبتت أسيرات الثورة قدرتهن على الصمود والمواجهة بالتعاون والتعاضد والتكامل التام والكامل مع أسرى الثورة في المعتقلات الأخرى



لقد كانت مراكز توقيفهن الثلاث الأول ( غزة ، القدس ، نابلس ) مراكز قمعية حقيقية انعدم فيها الحد الأدنى من الشروط الصحية والمعاملة الإنسانية فكان الضرب والإذلال والإهانة من السمات البارزة لتلك المراكز ، وقد تشابهت حالات القمع والإجراءات القاسية التي طبقت على سائر السجون الإجراءات التي استهدفت النساء الأسيرات



وكانت الأسيرة الفلسطينية فاطمة البرناوي أول أسيرة تدخل تجربة الاعتقال ، وهي من مواليد القدس كانت تعمل ممرضة في مستشفى قلقيلية ، اعتقلت في أواخر عام 1967 ، وكان معتقل النساء في سجن الرملة هو المعتقل الذي تم به احتجاز الأسيرات حتى عام 1986 ، حيث تم نقل الأسيرات بعد عملية تبادل الأسرى عام 1985 إلى معتقل تلموند ، وبعد الإفراج عن 25 أسيرة فلسطينية في بداية عام 1997 أعيد استخدام سجن الرملة كمكان لاحتجاز الأسيرات



لقد كان معتقل النساء في الرملة ( نفي ترتسا ) الذي يقع بالقرب من سجن الرملة عبارة عن غرفة واحدة ، ولكن بعد توافد العديد من الجنائيات اليهوديات وبعض المناضلات الفلسطينيات قامت إدارة السجن بإنشاء قسم كبير خاص بالمعتقلات والسجينات ونتيجة تطور نشاط الحركة الثورية وتصاعد المقاومة الفلسطينية اخذ عدد الأسيرات الفلسطينيات يزداد في المعتقل واثر ذلك اضطرت إدارة السجن إلى إقامة قسم خاص بالمناضلات الفلسطينيات وقد أدينت معظم المعتقلات اللواتي اعتقلن في تلك الفترة بالقيام بأعمال عسكرية ضد العدو الصهيوني وصدرت بعضهن أحكام عالية وصلت إلى مدى الحياة



واتسمت نضالات المعتقلات في المرحلة الأولى للمعتقل بالعفوية والتخبط دون تحديد أولويات أو مبادئ للحياة الاعتقالية وهذا يعود إلى افتقار المعتقلات في تلك الفترة إلى الوعي السياسي والتنظيمي وضعف الاتصال بينهن على مختلف الأصعدة ، وكانت العلاقات بين المعتقلات مختلطة وغير منظمة في المرحلة الأولى فلم يكن هناك تنظيمات أو فصائل تحكمها قوانين وضوابط .. بل كان هناك تجمع عام لجميع المعتقلات اللواتي تغلب على علاقاتهن السمة الشخصية أكثر من العلاقة التنظيمية الواعية وحتى فترة متأخرة أوائل الثمانينات لم يكن هناك لجان اعتقالية تمثل المعتقلات لدى إدارة المعتقل ولا حتى لجان تنظيمية تحكم العلاقات بصورة منظمة .. وعلى الرغم من ذلك فقد خاضت المعتقلات منذ أوائل السبعينات وحتى عام 1980 العديد من النضالات من اجل المحافظة على هويتهن السياسية كمناضلات يمثلن المرأة الثائرة ولانتزاع حقوقهن الإنسانية من إدارة السجن التي تحاول دائماً وبشتى الطرق إذابة الهوية النضالية للأسيرات وقتل روح الثورة فيهن … حيث عمدت إدارة المعتقل إلى إجبار المعتقلات على العمل في مرافق العمل الإنتاجية والمشاركة في طهي الطعام لجلداتهن ، وهذا الأسلوب يدخل ضمن استراتيجية العدو الهادفة إلى تحويل اليد التي كانت تحمل السلاح ضده إلى يد تشارك في بناء وتدعيم اقتصاده والى تفريغ المناضلات الفلسطينيات من محتواهن الوطني وتحويلهن إلى مجرد أدوات



وقد اخذ هذا الوضع يتجه وجهة جديدة في أواخر السبعينات واوائل الثمانينات عندما دخلت إلى المعتقل مجموعات من المناضلات اللواتي قطعن شوطاً لا بأس به من الوعي السياسي والتنظيمي ، فبدأت تظهر داخل المعتقل أطر تنظيمية واضحة تتعامل فيما بينها حسب ضوابط وقوانين محددة .. حيث اتسم النضال في هذه المرحلة بسمة منظمة وعملية بعيدة عن الهوجائية والتخبط والتسرع و أفرزت من قبل السجينات لجنة اعتقالية للحوار مع إدارة المعتقل والتمثيل المعتقلات ، ومن ذلك الحين أصبح الوضع يسير بخطى حثيثة واعية نحو الأفضل إذ بدأت الأسيرات بتحديد أولويات الصراع وبناء أسس سليمة لوضع اعتقالي عن طريق خوض النضالات ضد القوانين المفروضة عليهن والتي لا تتناسب مع مبادئهن كثائرات فكان الإضراب الشهير الذي خضنه بتاريخ 28/4/1970 وتمثل شكل الإضراب بفصل طعامهن عن طعام السجانات تعبيراً عن رفضهن المشاركة في صنع طعام سجاناتهن



وقد امتد هذا الإضراب لمدة تسعة اشهر متواصلة مارست إدارة المعتقل خلال هذه الفترة أساليب الضغط والإرهاب حيث صودرت الكتب والمذياع ومنعت الأسيرات من الخروج إلى ( ساحة النزهة ) أو ما تسمى ( الفورة ) وتقلصت زيارات الأقارب إلى زيارة واحدة كل شهرين في محاولة يائسة من إدارة السجون لشل الإضراب وكسره كما تخلل هذه الفترة رش الغاز السام والمسيل للدموع بكميات كثيفة جداً مما سبب إصابة العديد من الأسيرات بإصابات بالغة وحروق وتشويهات وبعد تسعة اشهر توج نضال الأسيرات بقبول الإدارة بمطلبهن وتبع ذلك تثبيت (( اللجنة الاعتقالية )) كممثل شرعي للمعتقلات لدى الإدارة وتحسينات أخرى في الأمور الحياتية للمعتقلات مثل نوع وكمية الطعام المقدم لهن .. وقد تجلت صورة المرأة الفلسطينية القادرة على خوض الصراع بأصعب أشكاله والعيش ضمن أصعب الظروف الاعتقالية والمحافظة على هويتها النضالية



ولم يكن هذا الصراع هو نهاية المطاف ، فالمسيرة النضالية واصلت تفاعلها وارتقاءها ، حيث كانت هناك إضرابا أخرى بهدف تحسين الأوضاع العامة ، وتدرجت الأسيرات في خطواتهن النضالية لتغيير القوانين الجائرة والمفروضة عليهن ، حتى كان إضراب 12/11/1984 المفتوح عن الطعام حيث حدد مطلب رفض العمل في مرافق العمل الإنتاجية الإسرائيلية وحصر العمل في مواقع الخدمات التي تخص الأسيرات أنفسهن كالتنظيف والمطبخ والخياطة إضافة إلى فصلهن التام عن السجينات الجنائيات ووضعهن في قسم خاص بهن وتوفير ظروف إنسانية واعتقالية كتلك الموجودة في بقية السجون ، وقد انتصرت إرادة الأسيرات في نهاية المطاف .. وجدير بالذكر إن الصراع مع إدارة المعتقل لا يتوقف من مجرد استجابة الإدارة لمطالب جزئية ومحددة للأسيرات إذ سرعان ما تحاول الإدارة الانقضاض على إنجازات الأسيرات



وقد خاضت الأسيرات سلسلة من الخطوات النضالية مع سائر الحركة الأسيرة في السجون لأجل تحسين أوضاعهن ووضع حد للسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى قهر وإذلال الإنسان الأسير .. فقد شاركن في الإضراب الشهير الذي استمر سبعة عشر يوماً بتاريخ 27/9/1992 . ( ملحمة القيد ) والذي شاركت به كل السجون من اجل إغلاق قسم العزل في نيتسان الرملة وتحسين شروط الحياة داخل السجون



والذي ميز نضال الأسيرات ، هي الملحمة المجيدة التي سطرنها في 18/6/1995 في الإضراب السياسي الذي خاضته الحركة الأسيرة تحت شعار" الحرية كل الحرية للأسرى دون شرط أو تمييز ) على اثر عدم تطرق اتفاقيات إعلان المبادئ التي وقعت بين م . ت .ف وحكومة “إسرائيل” في 13/9/1993 لموضوع الأسرى ورداً على سياسة الابتزاز والمساومة “الإسرائيلية” وفرض الشروط المذلة على قضية المعتقلين



ويبقى أن نذكر انه لم يحدث في تاريخ الحركة الأسيرة ذلك الموقف الملحمي الأصيل الذي عبرت عنه الأسيرات في بداية عام 1997 على اثر التوقيع على اتفاقية إعادة الانتشار في الخليل عندما رفضن الإفراج المجزوء على اثر اعتراف حكومة “إسرائيل” ورفضها الإفراج عن خمس أسيرات دون سائر الأسيرات الأخرى ، فأعلن التضامن مع بعضهن البعض ورفضن شعار إما الإفراج للجميع ، وإلا فلا نريد الإفراج .. مما اضطر السلطات “الإسرائيلية” وبعد مماطلة استمرت أربعة عشر شهراً إلى الإفراج عن جميع الأسيرات



الخلاصـة

إن تجربة الأسيرات الفلسطينيات كانت تجربة قاسية مليئة بالمعاناة والآلام ، خضن معارك كثيرة وفي ظروف معقدة وصعبة لأجل تحسين أوضاعهن الإنسانية والمعيشية وان التحدي الصريح هو الأسلوب الوحيد الذي استطعن من خلاله تحقيق مطالبهن في مواجهة قمع إدارة المعتقل .. وان ما تحقق لم يكن بلا ثمن ، ولم يكن سهلاً ، بل دفعت الأسيرات ثمناً باهظاً له .. من إهانات ، وقمع بالغاز ، واعتداء عليهن وعزلهن فترات طويلة بالزنازين .. وحرمانهن من الزيارة .. إضافة إلى ما أصاب عدد كبير منهن بأمراض صعبة ، ولكن النتيجة كانت هي الانتصار ، واثبات جدارتهن كنساء فلسطينيات مناضلات على إسقاط الحسابات “الإسرائيلية” وتحطيم قوانينها الأمنية والعسكرية .. وقد حولن السجن إلى مدرسة ثورة ، تعززت من خلاله شخصية الأسيرة ، واكتسابها الثقافة والوعي والقدرة على المجابهة في أقصى الظروف



ونستطيع أن نلخص أهم مطالب الأسيرات في مسيرة معاركهن ضد السياسات ا”لإسرائيلية”

1. وضع حد لممارسات السجينات اليهوديات وفصلهن في قسم خاص

2. إنهاء العمل في مرافق الإنتاج “الإسرائيلية”

3. تحسين الطعام والغذاء كماً ونوعاً والإشراف على طهيه بدل الأسيرات الجنائيات .

4. تحسين التهوية والإضاءة داخل الغرف وتخفيف الازدحام .

5. إدخال الكتب الثقافية والمجلات والصحف .

6. زيارة الأهل بدون شيك أو فاصل في غرف الزيارات .

7. السماح بإدخال الأدوات الرياضية وأدوات التسلية .

8. تثبيت اللجان الاعتقالية كلجان رسمية وممثلة للأسرى لدى إدارة السجن .



الخاتمة

لقد أكدت تجربة الأسيرات المناضلات، عمق وكثافة هذه التجربة التي خاضتها المرأة الفلسطينية بكل مكوناتها النفسية لتحافظ على كرامتها ومبادئها ووجودها من الانسحاق والتحطيم أمام قسوة الأوضاع ووحشيتها .. لقد حولت الأسيرة الفلسطينية السجن إلى مدرسة ووقفت بإرادة صلبة أمام كل أساليب التفريغ والتطويع والاضطهاد ، لتبني داخل السجن مؤسسة ثقافية وتنظيمية وفكرية ، وتخلق حالة إنسانية عالية من التحدي رغم الحصار والقيود

وتبقى هذه التجربة المستمرة جزء من الصراع الدائم والمرير مع الاحتلال ، لعبت المرأة الفلسطينية فيه دور القائد والمقاتل وحملت إليهم الوطني مثلها مثل الرجل ، لم تردعها التقاليد الاجتماعية ، ولم تثنها أساليب الجلادين اللا إنسانية والقمعية ، بل انطلقت بكرامته وشرفها وصلابة عزيمتها تشق دورها الريادي لاجل مستقبل اجمل وخال من الظلم والاستعباد .. فسجون النساء أعطت المجتمع الفلسطيني المبدعات فنياً وثقافياً والقائدات في مجالات العمل المختلفة .. وظلت المرأة الفلسطينية الأسيرة شوكة.

================

ولا بد لليل ِ أن ينجلي ولا بد للقيد ِ أن ينكسر

منقول من : المركز الفلسطيني للأعلام


توقيع : sad_girl


زهرة الشرق

sad_girl غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس