عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-03, 03:59 AM   #5

أحزان ليل
العضوية البرونزية

رقم العضوية : 629
تاريخ التسجيل : Jan 2003
عدد المشاركات : 451
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ أحزان ليل

الخاتمة :

أفادت ملاحظاتنا السابقة تنبه ابن سلام ت231 هـ إلى بعض الخصائص المميزة لطبيعة الشعر، يسهل العثور على امتداد لها في آراء النقاد العرب التالين له. لكننا نكتفي الآن بالإشارة إلى آراء متشابهة بينه وبين أرسطو، لا نمتلك أدلة نصية أو تاريخية على استفادة ابن سلام لها من أرسطو، وان كانت حركة الترجمة من تراث الأمم القديمة،قد بدأت عند العرب في وقت مبكر، يقول .احسان عباس: (إن عهد الترجمة لم ينتظر مجيء المأمون، ولا كان وليد رغبته الجارفة في الثقافة الهلينية، وانما كان قد بدأ قبل ذلك بكثير في فترة ما في الدولة الأموية بين سنتي 105 ـ132 هـ ) (27 ). ويقول د.شكري عياد: (ونحن نعرف من رواية الفهرست وابن أبي أصيبعة أن الكندي قد لخص كتاب الشعر، وكتب مقالة أو مقالتين في صناعة الشعر والبلاغة)(28) وربما كان ذلك عن (ترجمة سريانية قديمة)(29) لكتاب أرسطو. وقد كان نشاطه العلمي فيما يبدو -في أواخر أيام المأمون (198-218هـ) وطوال حكم المعتصم (218-227)(30).
ومن هذه الآراء التي تبدو متشابهة مع آراء أرسطو:

1- القول بأن الشعر صناعة؛ فقد قال ابن سلام: (للشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم به كسائر أصناف العلم والصناعات) ص5ج1. وذلك في محاولة منه لإرساء معرفة لنقد الشعر مستقلة قابلة للتنمية، يشتغل بها المتخصصون بواسطة مفهوم ملائم لتحضر المجتمع العربي، وتعقد حياة أصحابه، بعد أن اتسعت دولتهم، وصارت وريثة لإمبراطوريات العالم القديم.
ومهما يكن من اقتضاء طبيعة الظروف الحضارية للمجتمع العربي لهذا المفهوم، فقد وجد من قبل لدى الإغريق؛ وقد ميز أرسطو بين ثلاثة أنواع من التفكير هي: النظري، والعملي، والمنتج (وهذه الأنواع الثلاثة من التفكير تقابل الفلسفة النظرية، والعملية، والصناعات الإنتاجية)(31). وتحت النوع الثالث من التفكير تندرج الخطابة والشعر(32)، يقول أرسطو في مفتتح كتابه في الشعر: (إنا متكلمون الآن في صناعة الشعر وأنواعها)(33).

2- قال ابن سلام بأن الشعر لا يقوم بالوزن فقط، فقد يوجد الوزن، ولا يعد المنظوم شعراً، مثال ذلك ما يرويه ابن إسحاق لعاد وثمود يقول ابن سلام: (فكتب لهم أشعاراً كثيرة، وليس بشعر، إنما هو كلام مؤلف معقود بقواف) ص8ج1. وذلك لأن للشعر خصائصه الذاتية في ألفاظه ومعانيه واستخداماته، التي يشير إليها مثل قوله: (وفي الشعر مصنوع مفتعل، موضوع كثير، لا خير فيه، ولا حجة في عربية، ولا أدب يستفاد، ولا معنى يستخرج، ولا مثل يضرب، ولا مديح رائع، ولا هجاء مقذع، ولا فخر معجب، ولا نسيب مستطرف) ص4ج1.ويقول أرسطو -والنقل عن ترجمة متى بن يونس- (على أنك لا تجد شيئاً مشتركاً بين هوميروس وامبدوكليس ما خلا الوزن، بحيث يحق لك أن تسمي الأول منهما شاعراً، أما الثاني فيصدق عليه اسم الطبيعي أكثر من اسم الشاعر)(34).

3- يذكر د. إحسان عباس أن مما اتفق فيه العرب واليونان من مفاهيم أدبية، القول بأن الشعر ديوانهم؛ يقول: (اعتقد العرب -مثلما اعتقد اليونانيون- أن الشعر ديوانهم؛ ولهذا كان اليونانيون يرون أن أوميرس هو نموذج التراث، ولم يحد العرب عن هذا المعتقد، إلا حين رسخت لديهم العلوم وتدريسها، أما اليونان فإن المفهوم تغير لديهم قليلاً بعيد عصر الفلسفة)(35). وهذا المفهوم شائع لدى ابن سلام على سبيل المثال قوله: (وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم، به يأخذون وإليه يصيرون)، وينسب إلى عمر بن الخطاب قوله (كان الشعر علم قوم، لم يكن لديهم علم أصح منه) ص24ج1.
وأخيراً، على الرغم مما يمكن قوله من انتماء ابن سلام إلى بيئة سنية محافظة (بيئة المحدثين) التي لها ثقافتها العربية الخالصة. فإن البحث في كتاب ابن سلام -في تصوري- يمكن أن يكشف عن مؤثرات فارسية ويونانية، كانت مما يشيع في البيئة العربية، بحكم التغيرات التي طرأت على المجتمع العربي وقتذاك. ويظهر ذلك عند التحليل اللغوي لاصطلاحاته، ورد بعضها إلى أصولها اللغوية غير العربية، خاصة وأن مصادر ترجمته، تذكر - في سلامة نيته - أنه التقى ببعض الشخصيات التي أظن أنها حاملة لثقافات الأمم القديمة غير العربية، مثل يوحنا بن ماسويه(36) الطبيب الذي عالجه من علة أصابته عام 222هـ، وتوقع له أن يعيش عشر سنوات أخرى(37) ، ذلك فضلاً على معرفته باللغة الفارسية التي أشار إليها محقق الكتاب ص37ج1.


المصادر والمراجع

أ-المصادر:
1-الآمدى: أبو القاسم الحسن بن بشرت 370هـ، الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، تحقيق: السيد أحمد صقر. ط. دار المعارف. ط.2-1972.
2-ابن الأنباري، أبو البركات كمال الدين ت570هـ، نزهة الألباء في طبقات الأدباء، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. ط. دار نهضة مصر للطباعة والنشر. د
3-ابن خلدون: أبو زيد عبدالرحمن بن محمد ت808هـ، المقدمة، تحقيق: د.علي عبدالواحد وافي، دار نهضة مصر -القاهرة.
4-ابن جلجل، أبو داود سليمان بن حسان الأندلسي، طبقات الأطباء والحكماء (صنف عام 377هـ)، تحقيق: فؤاد سيد، مط.المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة-1955.
5-ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد ت595هـ، تلخيص كتاب الشعر، تحقيق: د. تشارلس بترورث، وط. أحمد عبدالمجيد هريدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1987.
6-ابن رشيق، أبو علي الحسن القيرواني ت463هـ، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الجيل. ط.4-1972.
7-ابن سلام، أبو عبدالله محمد ت231هـ، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود شاكر. مط. المدني1974.
8-ابن سنان الخفاجي، أبو محمد عبدالله بن محمد بن سعيد ت466هـ سر الفصاحة. شرح وتصحيح: عبدالمتعال الصعيدي. مط صبيح-1969.
9-ابن سينا، الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبدالله ت428هـ فن الشعر من كتاب الشفاء، ضمن مجموعة فن الشعر لأرسطو تحقيق: د. عبدالرحمن بدوي، دار الثثقافة -بيروت. لبنان، ط2 1973.
10-ابن قتيبة: أبو محمد عبدالله بن مسلم ت276هـ، الشعر والشعراء. الجزء الأول، تحقيق أحمد محمد شاكر -دار المعارف بمصر 1966-.
11-ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم المصري الخزرجي ت711هـ، لسان العرب، تحقيق: عبدالله بن علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي. ط.دار المعارف.
12-الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر ت255هـ. البيان والتبيينز الجزء الأول، تحقيق وشرح: حسن السندوبي، الطبعة الثانية: القاهرة:1351هـ-1932م، المكتية التجارية الكبرى.
13-الجرجاني أبو بكر عبدالقاهر بن عبدالرحمن ت471هـ، أسرار البلاغة، تعليق وإيضاح وتنقيح: محمد عبدالعزيز النجار لنشرة السيد رشيد رضا ط.صبيح.
14-القاضي الجرجاني: علي بن عبدالعزيز ت392هـ، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، ط.البابي الخلبي1966.
15-العسكري: أبو هلال الحسن بن عبدالله ت395هـ، كتاب الصناعتين، تحقيق: علي محمد البجاوي-محمد أبو الفضل إبراهيم ط.عيسى البابي الحلبي1971.
16-الفارابي، أبو نصر محمد بن محمود بن طرخان ت339، مقالة في قوانين صناعة الشعراء، ضمن مجموعة فن الشعر لأرسطو. نشر د.عبدالرحمن بدوي دار الثقافة-بيروت لبنان1973.
17-المرزباني، أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى ت384هـ، الموشح، تحقيق: علي محمد البجاوي.ط.دار نهضة مصر 1965.
18-المعري، أبو العلاء أحمد بن سليمان ت449هـ، رسالة الغفران، تحقيق وشرح: د.عائشة عبدالرحمن، الطبعة الرابعة-دار المعارف بمصر.


ب - المراجع
1-د. إحسان عباس:
أ-تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة-بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة: 1401هـ-1981م.
ب- ملامح يونانية في الأدب العربي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت-1977.
2-د. جلال موسى، منهج البحث العلمي عند العرب، دار الكتاب اللبناني-بيروت.
3-د. رجاء عبيد:
أ- بواكير المصطلحات النقدية. قراءة في كتاب طبقات فحول الشعراء، م.فصول.م السادس. ع. الثاني الهيئة المصرية العامة للكتاب-مارس1986.
ب- التراث النقدي. نصوص ودراسة، منشأة المعارف بالإسكندرية.
4- د. شكري عياد، كتاب أرسطوطاليس في الشعر، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر-القاهرة1967.
الهوامش
1- لسان العرب: مادة قرح.ط.دار الشعب ص3752ج4.
2- الجاحظ: البيان والتبيين: ص128ج1.
3- الجاحظ: المصدر السابق: ص178-180ج1، والحيوان ص381ج4.
4- ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص81،ص93ج1.
5- القاضي الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه ص15.
6- ابن سنان: سر الفصاحة ص83-84.
7- ابن خلدون: المقدمة ص935ج2.
8- المصدر السابق والصفحة.
9- د. رجاء عبيد: بواكير المصطلحات النقدية قراءة في كتاب (طبقات فحول الشعراء). م. فصول. مج6 ع2 مارس1986 ص118.
10- انظر: الفارابي: مقالة في قوانين صناعة الشعراء -كتاب فن الشعر ص151. وابن سينا: الفن التاسع من الجملة الأولى من كتاب الشفاء-كتاب فن الشعر ص161-162. ويختلف موقف ابن رشد عنهما. انظر:ابن رشد: تلخيص كتاب الشعر ص77-78.
11- عبدالقاهر الجرجاني: أسرار البلاغة ص250.
12- أبو العلاء العري: رسالة الغفران ص416.
13- أبو هلال العسكري: كتاب الصناعتين ص142-143.
14- ابن رشيق القيرواني: العمدة: ص22ج1.
15- ابن منظور: لسان الرب ج21 مادة زور ص1888-1889.
16- ابن رشيق القيرواني: العمدة: ص22ج1.
17- ابن منظور: لسان العرب ج28 مادة صنع ص2508.
18- د. رجاء عبيد: بواكير المصطلحات النقدية. قراءة في كتاب طبقات فحول الشعراء. م.فصول م.السادس ع.الثاني ص108.
19- ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص110ج1.
20- الآمدي: الموازنة ص420ج1.
21- د. رجاء عبيد: بواكير المصطلحات النقدية. قراءة في كتاب طبقات فحول الشعراء. م. فصول م. السادس ع. الثاني ص119. والتراث النقدي ص134.
22- المرزباني: الموشح ص273.
23- قدامة بن جعفر: نقد الشعر ص95، الآمدي الموازنة ج1 ص293. وقد أدرك الآمدي منها ضرورة محافظة الشاعر على النظام الطبقي، ووصف كل طبقة بما يليق بها. فقال: (إنه أراد أن لا يمدح السوقة بما يمدح به الملوك، ولا يمدح التجار وأصحاب الصناعات بما يمدح به الصعاليك والأبطال وحملة السلاح، فإن الشاعر إذا فعل ذلك فقد وصف كل فريق بما ليس فيه).
24- د. إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب ص143.
25- د. رجاء عيد: بواكير المصطلحات النقدية-قراءة في كتاب طبقات فحول الشعراء م.فصول م.السادس ع.الثاني ص116.
26- الآمدي: الموازنةج1 ص24، 259،304.
27- د. إحسان عباس: ملامح يونانية في الأدب العربي ص11.
28- د. شكري عياد: كتاب أرسطوطاليس في الشعر ص231.
29- المرجع السابق: ص193.
30- نفسه: هامش ص193.
31- د. جلال موسى: منهج البحث العلمي عند العرب ص58 ح59.
32- المرجع السابق ص65.
33- د. شكري عياد: كتاب أرسطوطاليس في الشعر ص29.
34- المرجع السابق ص30.
35- د. إحسان عباس: ملامح يونانية في الأدب العربي ص178.
36- يوحنا بن ماسويه، من أطباء مدرسة جنديسابور، قلده الرشيد ترجمة الكتب القديمة، ووضعه أميناً على الترجمة. وجعله المأمون في سن'215هـ رئساً لبيت الحكمة، وكان حنين بن إسحاق تلميذه وخادمه. وتوفي عام243هـ. انظر ابن جلجل: طبقات الأطباء والحكماء: ص65-66 وهوامش المحقق
37- ابن الأنباري: نزهة الألباء ص157-158.


د. عمر عبد الواحد


للجميع


توقيع : أحزان ليل





أحزان ليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس