عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-03, 07:03 AM   #1

أحزان ليل
العضوية البرونزية

رقم العضوية : 629
تاريخ التسجيل : Jan 2003
عدد المشاركات : 451
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ أحزان ليل
الرمزية وأثرها في أساليب الشعر


مذهب الرمزيين كما أعتقد يشمل أمورا منها إحلال المشبه به مكان المشبه وحذف المشبه في كثير من المواضع، ومنها إدخال تشبيه في تشبيه واستعارة في استعارة وخيال في خيال، وثالثها الاسترسال في وصف الهواجس النفسية من غير تمهيد أو شرح ويرمزون لهذه الهواجس بأشياء تذكرهم بها، ورابعها أنهم قد يشبهون شيئا بشيء آخر وهذا الشيء الثاني يشبهونه بثالث والثالث برابع الخ.

ثم يحذفون كل هذه الأشياء ما عدا المشبه به الرابع فإنهم يبقون لفظه كي يكون رمزا للمشبه الأول. ولا شك أن هذا المذهب يتطلب ذكاء وانتباها وثقافة من الشاعر والقارئ ولكن أصحابه قد نسوا قول بندار الشاعر الإغريقي القديم (على ما أذكر) وقد أراد أن ينصح شعراء عصره: "ابذروا البذر باليد لا بالزمبيل" يعني أن الزراع إذا رمى بذرا كثيرا في مكان واحد فإن النبات الذي ينبت قد يقتل بعضه بعضا، وكذلك الشاعر إذ أدخل الصور الشعرية بعضها في بعض في جملة واحدة أفسد بعضها بعضا. ثم إن الأسلوب قد يتهم بالضعف اللغوي مهما كان صاحب الأسلوب مضطلعا باللغة وذلك لأن أسباب التعلق بهذا المذهب كثيرة وليس السبب واحدا، فمنها :

1- أن الشاعر قد يلجأ إليه عمدا متكثرا بأخيلته وصوره الفنية ناسيا قول بندار الشاعر الإغريقي بالذي سبق ذكره.
2- ومنها الشاعر قد يلجأ إلى هذا المذهب إذا أعوزته الكلمة الصحيحة فيضع الكلمة التي تحضره ولا يعدم وجه شبه بين مدلول الكلمة الأولى ومدلول الكلمة الثانية فتصير الكلمة التي وضعها رمزا للتي لا يذكرها على سبيل وضع المشبه به مكان المشبه.
3- ومنها أن هذا الوضع قد يكون لمرض في مزاج الشاعر يعرفه الأطباء- ففي الحالة الأولى قد يكون الشاعر مضطلعا بأساليب اللغة خبيرا بها ولكنه في أسلوبه يستوي والشاعر غير المطلع لتشابه طريقتهما والناقد معذورا إذا سوى بينهما.


فالاستكثار من الصور الفنية في الجملة الواحدة باستعمال رموز الشبه يؤدي إلى غموض الصورة العامة كما يؤدي إلى قتل الصور الجزئية بعضها بعضا كما يقتل النبات النبات في المكان الواحد، وأسلوب الشاعر المطلع يختلط بأسلوب الشاعر غير المطلع كما فسرت وما تستدعيه هذه الطريقة يختلط بأسلوب الشاعر غير المطلع كما فسرت ذكاء ولا أفضل انتباها ولا أجل ثقافة.
إن إكثار الشاعر من قرض الشعر ليس بعيب حتى ولو أدى إلى أن يكون في شعره غير المختار، فإن إجادة الشاعر المكثر وإساءته قد تأتيان منه عفوا أثناء إكثاره وقد يفقد بعض إجادته إذا فقد بعض إكثاره فلا يكون الإكثار مستهجنا إلا إذا دفع الشاعر الصانع لعجلته إلى طريقة الرمزيين أي إلى استعمال كلمة مكان أخرى وعبارة مكان عبارة ثم ال لهذا الاستعمال بإيجاد وجه شبه بين الكلمتين أو العبارتين التي حلت إحداهما محل الأخرى على سبيل حذف المشبه وإحلال المشبه به مكانه أو إحلال الرمز مكان الأمر المرموز له. فهذا المذهب إذا قل أتباعه كان حلية تقبل وتستملح إذا قرب وجه الشبه، أما إذا كثر استخدامه وبعد ما بين المشبه به والمشبه المحذوف وما بين الرمز والمرموز له أدى المآخذ التي شرحتها في شرح طريقة الرمزيين، ولا شك أن المكثر العجلان قد يتأثر هذه الطريقة إذا وضع كلمة مكان أخرى أو جملة مكان أخرى. ولكن هذا التأثر قد يكون مرجعه إلى اعتقاد الشاعر أن هذه الطريقة تزيد الأخيلة والصور الفنية في الجملة الواحدة ناسيا أن الصورة تمحو الصورة كما يقتل النبات النبات في المكان الواحد وناسيا أن هذا التكثر بالرموز لا يغنى عن سيل العاطفة المتدفق ولا عن المعنى الهام الأجل. على أن منزلة الشاعر لا تقدر بأن نضع حسانته في كفة ميزان وسيئاته في كفة أخرى ثم نسقط ببعض الحسنات حسنات لا يتغير عنصرها، فمنزلة الشاعر إذا هي منزلة أحسن شعره. هكذا يقيس الدهر أكثر الأمور فيشيد بالحسنات ويقبر السيئات إذا وجد للحسنات مذيعا.

وقد تنشأ السيئات إذا أكثر الشاعر من التجارب كما يصنع الكيميائي وحاول أن يمهد منهجا جديدا وكان جريئا ذاهبا مذهبا بعيدا في هذا الطريق غير المعبد فإن التجارب في الأمر الجديد غير المعروف قد يفشل بعضها كما يحدث في معمل الكيمياء ولكن الشاعر إذا أجاد بسبب جرأته وذهابه مذهبا جديدا كانت إجادته أعظم من إجادة الشاعر المحاكي الذي يتبع الطريق المعروف المملول. وليس من المحتوم أن يفشل الأول في كثير من محاولاته الأولى: ألا ترى أن الكيميائي قد يصيب في أول محاولة؟ وإنما يرجع ذلك إلى استعداد الشاعر وإطلاعه وذكائه وتأنيه حتى يأتيه الشعر بدل أن يسعى هو إلى الشعر، وإنما يسعى الشعر إلى الشاعر في حالات خاصة ليس له سلطان عليها، ولكنها إذا عرضت للشاعر قدحت خياله وذاكرته وحشدت له المعاني والأساليب من غير أن يسعى إليها فتعطيه موضوع قصيدته ومعانيها وصورها الفنية من غير أن يتكلف طريقة الرمزيين اللهم إلا إذا كان مريضا بذلك المرض الذي يغريه بوضع كلمة مكان أخرى وفي هذه الحالة يتبع الطريقة الرمزية حتى في حالات إيحاء العقل الباطني والاندفاع الشعري.






يتبع


أحزان ليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس