عرض مشاركة واحدة
قديم 03-11-14, 06:28 AM   #34
 
الصورة الرمزية حبىالزهرة

حبىالزهرة
المراقب العـام

رقم العضوية : 1295
تاريخ التسجيل : Oct 2003
عدد المشاركات : 29,780
عدد النقاط : 263

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حبىالزهرة
رد: بقلم - جاسم المطوع


رجل يبكي والتاج على رأسه
الاثنين 3 نوفمبر 2014 - الأنباء

[BIMG]http://www.alanba.com.kw/absolutenmnew/templates/GlobalTemplate/492_3.jpg[/BIMG]

رجل ضخم طويل كبير وقف أمامي بهيئته العسكرية والتاج على رأسه، يرجو رجلا ضعيف البنية نحيف الجسم، والدموع تنحدر من عينيه أن يمهله وقتا إضافيا لاستكمال سداد دينه، والمقرض صامت رافض ولسان حاله يقول: لقد أمهلتك كثيرا، فطلبت من المقرض إعطاءه آخر مهلة لسداد الدين فوافق على طلبي، فلما انصرفا قلت في نفسي: سبحان الله، رجل عسكري مرفوع الهامة يسمعه ويطيعه في ثكنته العسكرية أكثر من ألف جندي لا يعصون له أمرا، ولكنه أمام هذا الرجل الضعيف يقف ذليلا وتتساقط دموعه من أجل امهاله وقتا إضافيا لسداد القرض الذي أخذه منه.
ففهمت حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما استعاذ من «غلبة الدين وقهر الرجال»، والحديث هو «اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»، فالهم هو توقع المستقبل، كأن يهتم الإنسان بهل سينجح أو هل سيرزق بولد أو هل سيفوز بالصفقة وهكذا، أما الحزن فيكون في حالة فوات الخير أو وقوع الشر على الإنسان، أما الفرق بين العجز والكسل فإن العجز هو عدم القدرة على فعل الشيء، والكسل هو أن تكون لديك القدرة على فعل الشيء، ولكنك تتأخر أو تهمل فعله، فالعجز والكسل هما ضد الإنجاز، أما الجبن فهو البعد عن مواجهة الأحداث حتى يستبيح الآخرون مالك وعرضك وممتلكاتك وأنت ساكت صامت، والبخل هو عدم الإنفاق والعطاء حتى يكون البخيل سببا في شقاء الآخرين، فيتمنى أهله وفاته ومفارقته، فهذه الأمور الستة من منقصات السعادة في الحياة، ولهذا استعاذ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم منها وهي «الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل»، أما «غلبة الدين وقهر الرجال» فهو موضوعنا اليوم.

فالدين عندنا في الإسلام له ضوابط وشروط، فمن أخذ دينا تلاعبا وهو يخطط مسبقا بعدم سداده دمر الله حياته، ومن أخذه بنية صادقة وكان حريصا على رده في وقته أعانه الله على سرعة سداده، ولهذا قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله»، والأصل في القرض أن يؤخذ للأمور الضرورية في الحياة وليس للأشياء الكمالية، وقد مرت علي حالات كثيرة لأسر تفككت بسبب ديون أخذتها بنية عدم ردها أو للصرف على كماليات الحياة، كأن يقترض رب الأسرة من أجل برامج ترفيهية أو سياحية أو شراء أغراض إضافية لا يحتاج إليها، أو أخذ قرض من أجل الدخول في مشاريع غير مدروسة ولا مخطط لها، ففي هذه الحالة «الدين يغلبه» فيكون سببا في إذلاله، مثل هذا العسكري الذي يهز البلد بسلطته ومنصبه، ولكن دين صغير هز حياته وشخصيته، أما قهر الرجال فمن معانيه أن يتسلط عليك رجل يؤذيك ويخطط ضدك فتنشغل به وبالرد عليه فيشتت تفكيرك وحياتك.

وأذكر أن امرأة كانت تشتكي من كثرة رفع طليقها عليها قضايا في المحكمة والتفنن في إيذائها من خلال إغلاق الكهرباء عليها في مسكن الحضانة، أو تنفيس هواء عجلات سيارتها، أو يسلط من يتصل عليها لإيذائها وتهديدها، فقلت لها هذا من «قهر الرجال»، وعليك بالدعاء الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الأنصاري أبي أمامه رضي الله عنه عندما رآه بالمسجد مهموما بسبب هموم وديون كثرت عليه، فقال له: «ألا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضي دينك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز الكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني»، فالتزمت المرأة المطلقة بهذا الدعاء حتى فرج الله عنها قهر الرجل.

أما غلبة الدين فإن بنوكنا اليوم تتفنن في تسهيل القروض والديون حتى يغرق الإنسان بها، ولابد من معالجة ذلك بالتشريعات، فقد قنن الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه هذا الموضوع حتى لا يتلاعب الناس بالقروض فكتب عدة رسائل في قضاء الديون عن المعسرين، منها رسالته إلى عامله على العراق عبدالحميد بن عبدالرحمن، قال فيها «انظر من أدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه»، ونلاحظ هنا كلمته بالتحديد على الديون التي أخذها أصحابها «من غير سفه ولا سرف» أي ليست ديونا في الكماليات وإنما للضرورات، فمشكلة أخذ الديون على الكماليات منذ القدم، ولكن كانت التشريعات سابقا تحاربها ولا تشجعها وهذا ما نحتاجه اليوم لحماية الأسرة.

ولعل من غرائب ما عالجت من مشاكل زوجية بسبب الديون أن زوجة كانت تشتكي من عدم قرب زوجها لها بالفراش لأكثر من سنة، ولما بحثت في الأسباب بعد محاورتها وزوجها اكتشفت أن هم الدين الذي كان يعيشه هو السبب الرئيسي في عدم رغبته في معاشرة زوجته، فلما علمت أن باقي عليه ستة أشهر للسداد، طلبت من الزوجة الصبر حتى يسدد دينه، فوافقت على مقترحي على الرغم من عدم اقتناعها بما قلت، ولكن كانت المفاجأة لها أن علاقتهما بالفراش صارت صحية بعد سداد دينه، فهذا الرجل غلبه دينه، ولهذا قال لقمان الحكيم «وحملت الأثقال كلها فما وجدت شيئا أثقل من الدين».

drjasem@



توقيع : حبىالزهرة

الصدق في أقوالنا أقوى لنا
والكذب في أفعالنا أفعى لنا


زهرة الشرق .. أكبر تجمع عائلي

حبىالزهرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس