الموضوع: كشف الامير
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-12, 03:03 AM   #2
 
الصورة الرمزية رماح

رماح
العضوية الفضية

رقم العضوية : 7426
تاريخ التسجيل : May 2007
عدد المشاركات : 802
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ رماح
مشاركة رد: كشف الامير



مغامرة العقل الأخيرة ..والرحيل في الظلام الى الظلام





من بقلم: نارام سرجون في 25 فبراير، 2012‏ في 11:52 مساءً‏ ·‏


أعرف أنه لن يقرأني المسلحون بالبنادق وقاذفات الصواريخ والملثمون وراكبو الدراجات النارية الذين يتجولون في المدن السورية كعصابات شيكاغو .. ولن يقرأني الراقصون السذج الأميون في الساحات أمام شاشات الجزيرة الذين لايجيدون من القراءة والكتابة الا مايكتبونه من خربشات على قطع كرتونية أمام عدسات هواتفهم عن تاريخ المظاهرات وأسماء القرى الراقصة .. لكنني أعرف أكثر أن حروف كلماتي وحوافها حادة وباردة كالشفرة والامساك بها بعصبية لاقتلاعها يدمي الأصابع ويجرح العقول المغامرة .. وأعرف أيضا أن كلماتي محاطة بالأسلاك الشائكة في مواقع الثورجيين وأن اسمي مطلوب على حواجزهم العقلية ..وأعرف أن كلماتي ملاحقة في مواقع الثورة وبين قادتها بل ان هناك حظرا عليها يشبه الحظر المفروض على غزة حتى اللحظة .. ومع هذا فانني لاأزال كلما قررت ان أكتب في الشأن السوري ينقبض قلبي .. وأصلّي بقلب صاف أن تهتدي روحي دوما الى الحقيقة حيث الطمأنينة .. وأن لايقودني غضبي أو انفعالي وعواطفي أثناء الكتابة .. فليس هناك أكثر شرا من أن نملأ المحبرة بنبيذ العاطفة والانفعال.. فيما نملأ الكؤوس بالحبر الأسود والحقد الأسود ونشرب السواد الأسود .. وابتهل الى الله أن أتمكن دوما من أقف في وسط الميزان .. لأن ماأقوله شهادة لنفسي عن نفسي قبل كل شيء .. وعن وطني ..الذي أحبه
انني أيضا أحس أثناء كتابتي بمسؤولية أخلاقية ووطنية تجاه المتعاطفين مع مايسمونها "الثورة السورية" بمثل احساسي بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه الرافضين لهذه الثورة وعهدي على نفسي بأن لايتم خداع أحد .. فأنا أرى أن اندفاعي في رفض الثورة لايجب ان يخفف اندفاعي لايقاظ من لازال يحلم بالثورة ..
وربما لا أبالغ ان قلت أنني في قلبي أميل للتعاطف مع الحالمين بانتصار الثورة لأنني أدرك كثيرا أنهم "يتامى وأيتام" لاينالون الصدق من آبائهم الروحيين من قيادات الثورجية وزعماء المجالس والغرب والعرب الذين أخذوهم من وهم الى وهم .. ومن كارثة وطنية الى أخرى .. وأوقعوهم في فخ كراهية الآخر في الوطن .. وفوق كل هذا لاتوجد قيادة ناضجة وواعية تجنبهم الخطأ .. قادتهم لم يبادلوهم الصدق وكانوا يحقنونهم بالكذب والسم والكراهية بلا مسؤولية ولا أخلاق .. فلا يزال مؤيدو الثورة في البلاد يجرون خلف جزرة لن ينالوها .. فقد وعدوا بالناتو والناتو لم يصل بعد .. ووعدوا بتركيا وأردوغان، ولكن أردوغان لم يصل بعد .. ووعدوا بركوب الدب الروسي ولكن الدب وراكبيه لم يصلوا بعد .. ووعدوا بفرسان العرب لينقذوهم فصدقوا ..ولكن فرسان العرب في الملمات لايسرجون الا السلاحف .. وآخر هذه الخدع مؤتمر تونس الذي ليست فيه الا رسالة يتيمة لخصها قارئ أميريكي في تعليق على أخبار الموت في سوريا بقوله: "فليقتلوا بعضهم ...هذا جيد ..ليت كل هذا الشرق يتقاتل حتى يفني بعضه دون أن نطلق رصاصة واحدة"..فقد قالت لهم هيلاري نفس الكلام بديبلوماسية منمقة: "حاربوا بالنيابة عنا وتقاتلوا ينصركم الله.. ومن نصرته هيلاري فلا رادّ لنصره" .. فاذا كان قلب الغرب مكمنا للشر، فان قلب الثورة مكمن للغباء والبلادة ..والكذب على النفس..
من يطلع على بعض الأسرار التي "ستخرج الى النور" يوما سيعرف كم كانت الخطط محكمة ومحبوكة .. وكم كان الشر في أقصى حالات التنبه عندما رسم للثورة والربيع العربي .. وكم كان في أكثر حالات ابداعه وقسوته وانحطاطه الأخلاقي .. وأستطيع أن أقول بثقة متناهية أن الأزمة السورية هي منجم الأسرار المذهل الذي خبأ الزمن فيه كل ماحضّره القرن الواحد والعشرون من أقلام وأوراق ليكتب مذكرات العقود القادمة منه وليكتب بحبرها الأحمر القاني مذكراته السرية عن الربيع العربي ..ان أزمة سورية هي منجم المناجم .. وعلى باب هذا المنجم يتصارع الشرق والغرب .. وأمام الباب أيضا يضع العجوز هنري كيسنجر يديه على أذنيه ليخفف من ضجيج طبول الحرب .. الحرب التي يسمعها من كان به الصمم ..
ان كان من توصيف تستحقه هذه "الثورة" فهو أنها "مغامرة العقل الأخيرة" استكمالا للكتاب الرائع للأستاذ فراس السواح الشهير باسم (مغامرة العقل الأولى) والذي رصد فيه بداية انطلاق العقل نحو الأسطورة الدينية القديمة في سورية وبلاد الرافدين .. وهو من أكثر الكتب التي نالت اعجابي ..ولست هنا بوارد مناقشته بالطبع لكنني أحس أن المرحلة الحالية ..تحتاج منا الى ضبط هذا العقل الذي انطلق في مغامرته الأولى في البحث عن الخلاص بالأسطورة منذ آلاف السنين ..ولكنه الآن يقوم بمغامرة جديدة بحثا عن الله والحرية يقوده فيها المغفلون الى مصير مجهول .. وقد تكون تلك الرحلة المتوترة رحلته الأخيرة ..أو مغامرته الأخيرة .. قبل ان يناله الدمار والخراب اذا لم نبادر لانقاذه بكل ماأوتينا من قوة الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية ..بحكم أننا ورثة العقول التي أطلقت "مغامرة العقل الأولى" ..
لم يعد الصراع السياسي هو مايعنيني ولا الحرية ولاالديمقراطية ولا الاسلاميون ولاالدستور ولاالديكتاتوريات .. بل مايعنيني هو تفسير هذه الظاهرة التي فككت العقل العربي والثقافة العربية تفكيكا مريعا سريعا .. ولا أدري كيفية اعادة تجميع ولملمة قطع الوعي العربي الذي تفكك بسرعة خلال عام واحد ويتم تحضيره مع العقل العربي للخروج في مغامرة في الظلام لاتعرف نهايتها.. ..
فكل هذا الربيع العربي قام على فكرة جهنمية وهي تدمير دعائم العقل العربي المؤسس منذ مرحلة الاستقلال والصراع العربي الاسرائيلي على فكرة محاربة الاستعمار الغربي الذي بدأ بفلسطين وانتهى بأكل العراق والسودان وليبيا واجتراره دول الخليج .. وكان هذا العقل موجها لاسترداد فلسطين بالقوة لأنها أخذت بالقوة .. ولانها المعركة الأخيرة الكبرى مع الاستعمار الأوروبي ..
فما وجدته القوى الغربية في صراعها مع الشرق العربي عبر احتكاكها معه في نقطة الالتحام الساخنة (فلسطين) هو أن الشرق مسكون دوما بفكرة الانتصار القادم في فلسطين .. وأن الهزائم الماحقة التي تعرض لها لم يتم تقبلها كواقع نهائي حتى الآن.. فبعد الهزيمة المدوية للعرب في 1967 خرج الناس في مصر يرددون (ح نحارب ..ح نحارب) ..وبدلا من أن ينصرف عبد الناصر تم "استدعاؤه بضغط جماهيري" عربي واسع الى الخرطوم ليعلن لاءاته الثلاث الشهيرة .. والفلسطيني رغم كل الحصار العالمي والعربي عليه لم يعلن هزيمته واضطر الاسرائيليون لاستدراجه في النهاية للحصول على توقيعه في أوسلو للاعتراف باسرائيل ..التوقيع كان يراد منه ادخال فكرة الهزيمة الى الوعي الجمعي وليس اعادة الأرض..
ثم كانت الصدمة في عام 2006 عندما بدأ العقل الشرقي يدرك أنه لم يكن مخطئا وبدأ ينتصر .. ..
وكان السؤال هو ماطرحته أطروحات اسرائيلية وأمريكية ومضمونها: كيف نوصل هذا الشرق الى ما أوصلنا اليه اليابانيين والألمان بالشعور النهائي بالهزيمة والتسليم، حيث نسيت الأمّتان فكرة التمرد على الهزيمة وحيث لازال الجيش الأمريكي في قواعده في ألمانيا واليابان تحت حجج وذرائع كثيرة رغم نهاية الحرب منذ 60 سنة؟ وكيف نفكك هذه العقيدة الشرقية العربية القديمة بحيث تتوقف عن انتاج أحلام النصر؟ ...فمن يملك الحلم سيبحث عن مشروع لتحقيق الحلم
ويبدو الآن جليا أن الجواب حمله لنا الربيع العربي الذي هو مغامرة أخرى ليدمر العقل العربي نفسه بالديناميت وأحزمة الثورات العربية الناسفة بدل اقناعه بالهزيمة .. فارتدّ العقل العربي والوعي الجمعي عن آلام الكعبة المشرفة (التي تتأوه من حكم فاسد متورط بهدر ثروة هائلة لن تعود ومن تواطؤ مخجل مع الغرب .. ومحكومة بعقلية وأد البنات والروح والجسد) ..ارتد هذا العقل الى آلام الزبداني .. وتحول العقل العربي عن أنين المسجد الأقصى من ضربات المعاول التي تنهشه ومن تمدده فوق الأنفاق الاسرائيلية التي ترسم قبره لاحتضان جثمانه قريبا..ارتد الى آلام بابا عمرو..
الربيع العربي الذي بشرونا به لم يعقد اجتماعا واحدا حتى لشرب القهوة على شرف فلسطين .. بل أورق هذا الربيع اجتماعات ومجالس وفتاوى ومبادرات بالعشرات من أجل انقاذ الشعب السوري ..ويشرب الجميع الأنخاب في حفلات البكاء ورقص السامبا على الجثث .. وتصطدم الكؤوس العربية الثورية بالكؤوس النفطية والكؤوس الغربية في "صحة ثورة سورية" ...
مايحدث الآن هو اطلاق العقل العربي نحو مغامرة من مغامراته وفيها يتم تفكيك "العدو القديم" في الدماغ العربي وتغيير الهدف والرحلة .. أقلام وأفلام يوتيوبية يتم استعمالها كمفكات البراغي في تفكيك العقل العربي الى قطع خردة كما لو كانت العملية هي تركيب قطع غيار لمحرك سيارة .. الاعلام العربي والغربي يقوم بعملية العد التنازلي لانطلاق الرحلة الخطيرة المحفوفة بالمخاطر .. واذا كانت الديكتاتوريات تذيب المعارضين بأحواض الأسيد كما قيل، فان العقل العربي يرمى اليوم بكامله الى ممرات مغامرة اجبارية تنتهي به في بحيرات الأسيد الثوري ليذوب كقطعة أيس كريم ويتلاشى ..
الجميع منفعلون ولايفكرون .. تعطلت الحواس والآذان وملكة التحليل .. والجميع مشحونون بأحلام النصر والمغامرة.. والجميع مندفعون لدعم الثورات .. والجميع ينتقل بسرعة من رصيف العداء للغرب الى صف العرفان بجميل الغرب !! والصلوات التي كانت تتلى لتحرير فلسطين صارت تتلى لتحرير سورية .. ومن نكب العراق يراد له أن ينهض سورية .. وتحرير فلسطين يبدأ من اسقاط ايران وحزب الله وسوريا !! والثورات العربية تنحني لحضور هيلاري كلينتون ..كل اللحى المؤمنة ذهبت الى تونس لتنحني لفستانها ولشعرها الأشقر !!
ومن رأى بالأمس السيد اسماعيل هنية خطيبا منفعلا في الازهر الشريف يعرف تماما ما أعني .. لأن العقل المغامر المنفعل الباحث عن الله الذي أطلق في الربيع العربي هو الذي كان يتحدث بالأمس وليس العقل الذي بناه الشيخ عز الدين القسام وعبد الناصر والثورة الجزائرية والفدائيون الفلسطينيون في الأغوار وليس مابناه زكي الأرسوزي ولاميشيل عفلق ولا أنطون سعادة .. هنية الذي كان يخطب من الأزهر ليحرر الأقصى كان وللمفارقة المفجعة في مهرجان آخر ..مهرجان لتحرير سوريا .. وكانت النداءات حوله تضع اسرائيل وحزب الله وايران وسوريا معا في سلة واحدة على مسمع منه بطريقة تدعو للرثاء على ماأصاب هذا العقل من خلط وفوضى وفقدان ذاكرة وفقدان البندقية وضياع جعبة الرصاص .. وبالطبع كان لاسرائيل النصيب الأقل من النداءات..انها انطلاقة مغامرة العقل الأخيرة .. الخطيرة ..


..


djfuيتبع


رماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس