الموضوع: فوائد المرض
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-03, 09:37 PM   #2
 
الصورة الرمزية حياة

حياة
المراقبة العامة

رقم العضوية : 540
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 16,580
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حياة

12ـ ومن فوائد المرض : أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته ، فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة ، فإذا ابتلي العبد كان أكثر همه وأمانيه وآماله العودة إلى حالته الأولى ، وأن يمتعه الله بعافيته ، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة ، ولولا الليل لما عرف قدر النهار ، ولولا هذه الأضداد لما عرفت كثير من النعم ، فكل مريض يجد من هو أشد مرضاً فيحمد الله ،وكل غني يجد من هو أغنى منه ، وكل فقير يجد من هو أفقر منه ، ثم كم نسبة صحة العبد إلى مرضه فوق ما فيه من الفوائد والمنافع التي يجهلها العبد (( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم )) [ البقرة :216] ، ولهذا روي أن آدم لما نشر الله له ذريته رأى الغني والفقير وحسن الصورة ، ورأى الصحيح على هئيته والمبتلى على هيئته ، ورأى الأنبياء على هيئتهم مثل السرج ، قال : يارب ألا سويت بين عبادك ؟ قال : إني أحب أن أشكر ، فإن العبد إذا رأى صاحب البلاء قال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك ، فيعافيه الله من ذلك البلاء بشرط الحمد ، والمبتلى إذا صبر حصل على أجر عظيم 0

والغريب أن العبد إذا نظر في دنياه نظر إلى من هو فوقه ، لكنه إذا نظر في دينه نظر إلى من هو أسفل منه ، فتجده يقول : نحن أفضل من غيرنا ، لكنه لا يقول ذلك في دنياه ، ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة ، وكم نسبة مرضه إلى نسبة صحته ، روي أن الفضيل كانت له بنت صغيرة فمرض كفها فسألها يوماً : يا بنية ، كيف حال كفك ؟ فقالت : يا أبت بخير ، والله لئن كان الله تعالى ابتلى مني قليلاً فلقد عافى الله مني كثيراً ، ابتلى كفي وعافى سائر بدني ، فله الحمد على ذلك 0

13ـ ومن فوائد المرض : أنه إحسان ورحمة من الرب للعبد ، فما خلقه ربه إلا ليرحمه لا ليعذبه (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم )) [ النساء: 147] ، وكما قيل :

وربما كان مكروه النفس إلى....... محبوبها سبب ما مثله سبب

ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته ، ومع هذا فربها يرحمها لجهلها وعجزها ونقصها ، وهذا ورد في بعض الآثار أن العبد إذا أصابته البلوى فيدعو ربه ويستبطئ الإجابة ، ويقول الناس : ألا ترحمه يارب ؟ فيقول الله : (( كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟ )) . فمثلاً الوالد عندما يجبر ابنه على شرب الدواء المر وهو يبكي وأمه تقول: ألا ترحمه ؟ مع أن فعل الوالد هو رحمة به ، ولله المثل الأعلى ، فلا يتهم العبد ربه بابتلائه وليعلم أنه إحسان إليه 0

لعــــــل عتبك محمود عواقبه ...........وربما صحت الأجساد بالعلل

14ـ ومن فوائد المرض : أنه يكون سبباً لصحة كثير من الأمراض ، فلولا تلك الآلام لما حصلت هذه العافية ، وهذا شأن أكبر الأمراض ، ألا وهو الحمى وهي المعروفة الآن بالملاريا ، ففيها منافع للأبدان لا يعلمها إلا الله ، حيث أنها تذيب الفضلات وتتسبب في إنضاج بعض المواد الفاسدة وإخراجها من البدن ، ولا يمكن أن يصل إليه دواء غيرها، يقول بعض الفضلاء من الأطباء: إن كثيراً من الأمراض التي نستبشر فيها الحمى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء الكثير ، فمـــن الأمراض التي تتسبب الحمى في علاجها مرض الــــرمد والفالج واللقوة ـ وهو داء يكون في الوجه يعوج منه الشدق ـ وزيادة على الصحة فهي من أفضل الأمراض في تكفير الذنوب ، ففي مسلم عن جبران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب ، فقال : (( مالك ؟)) فقالت : الحمى ، لا بارك فيها ، فقال : (( لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد )) وعند أحمد بسند صحيح (( حمى يوم كفارة سنة )) [ عن ابن عمرو ] وفي الأدب للبخاري عن أبي هريرة : (( ما من مرض يصيبني أحب إلى من الحمى )) لأنها تدخل في كل الأعضاء والمفاصل وعددها 360 مفصلاً ، وقيل إنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول بالكلية إلا بعد سنة 0

15ـ ومن فوائد الأمراض : تخويف العبد ((ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )) [ المؤمنون : 76 ] ، ((وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )) [الزخرف: 48 ] ، فما ابتلاه الله إلا ليخوفه لعله أن يرجع إلى ربه ، أخرج الإمام أبو داود عن عامر مرفوعاً : (( إن المؤمن إذا أصابه سقم ثم أعفاه منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل ، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه )) 0

16ـ ومن فوائد المرض : أن الله يستخرج به الشكر ، فإن العبد إذا ابتلي بعد الصحة بالمرض وبعد القرب بالبعد اشتاقت نفسه إلى العافية ، وبالتالي تتعرض إلى نفحات الله بالدعاء فإنه لا يرد القدر إلا الدعاء بل ينبغي له أن يتوسل إلى الله ولا يتجلد تجلد الجاهل فيقول : يكفي من سؤالي علمه بحالي !! فإن الله أمر العبد أن يسأله تكرماً وهو يغضب إذا لم تسأله ، فإذا منح الله العبد العافية وردها عليه عرف قدر تلك النعمة ؛ فلهج بشكره شكر من عرف المرض وباشر وذاق آلامه لا شكر من عرف وصفه ولم يقاس ألمه ، فكما يقال : أعرف الناس بالآفات أكثرهم آفات ، فإذا نقله ربه من ضيق المرض والفقر والخوف إلى سعة الأمن والعافية والغنى فإنه يزداد سروره وشكره ومحبته لربه بحسب معرفته وبما كان فيه ، وليس كحال من ولد في العافية والغنى فلا يشعر بغيره 0

17ـ ومن فوائد المرض : معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله ، فأهل السموات والأرض محتاجون إليه سبحانه ، فهم فقراء إليه وهو غني عنهم ولولا أن سلط على العبد هذه الأمراض لنسي نفسه ، فجعله ربه يمرض ويحتاج ليكون تكرار أسباب الحاجة فيه سبب لخمود آثار الدعوى وهو ادعاء الربوبية ، فلو تركه بلا فاقة لتجرأ وادعى ، فإن النفس فيها مضاهاة للربوبية ، ولهذا سلط الله عليه ذل العبودية وهي أربع : ذل الحاجة ، وذل الطاعة ، وذل المحبة ـ فالمحب ذليل لمن أحبه ـ وذل المعصية ، وعلى كل فإذا مرض العبد أحس بفقره وفاقته إلى الله كائناً من كان 0

لعلك تقول : هذه الأخبار ددل على أن البلاء خير في الدنيا من النعيم ، فهل نسأل الله البلاء ؟ فٌول لك : لا وجه لذلك ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال دعائه لما أخرجه أهل الطائف : (( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي )) ، وروى أن العباس لما طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء فقال له : (( سل الله العفو والعافية ، فإنه ما أعطى أحد أفضل من العافية بعد اليقين )) ، وقال الحسن : الخير الذي لا شر فيه العافية مع الشكر ، فكم من منعم عليه غير شاكر ، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى دليل ، فينبغي أن نسأل الله تمام النعمة في الدنيا ودفع البلاء عنا ، لكن إذا ابتلي العبد ببلاء فينبغي له الصبر والرضا بقضاء الله عليه 0

* أخيراً أختم هذه الرسالة بأن المرض نعمة وليس بنقمة ، وأن في المرض لذائذ:

1ـ منها : لذة العطف الذي يحاط به المريض والحب الذي يغمره من أقاربه ومعارفه 0

2ـ ومنها : اللذة الكبرى التي يجدها المريض ساعة اللجوء إلى الله ، هندما يدعوه مخلصاً مضطراً 0

3ـ ومنها : لذة الرضا عن الله عندما تمر لحظات الضيق على المريض وهو مقيد على السرير ، ويبلغ به المرض أقصاه فيفيء لحطتها إلى الله كما حصل في نداء أيوب ، فلا يحكم على المريض أو البائس بمظهره ، فلعل وراء الجدار الخرب قصراً عامراً ، ولعل وراء الباب الضخم كوخاً خرباً 0

4ـ ومنها : لذة المساواة التامة ، فهي سنة الحياة ، فلا يفرق المرض بين غني أو فقير ، فلو كان المرض سببه الفقر أو نقص الغذاء لكان المرض وقفاً على الفقراء ، ولكان الأغنياء في منجى منه ، لكنه لا يعرف حقيراً أو جليلاً ، الناس سواء 0

منقول


حياة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس