عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-11, 10:31 AM   #36
 
الصورة الرمزية رماح

رماح
العضوية الفضية

رقم العضوية : 7426
تاريخ التسجيل : May 2007
عدد المشاركات : 802
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ رماح
رد: صباح فيروزي صوت كزقزقة العصافير عند السحر


ديك الجن- شاعرا واديبا

--------------------------------------------------------------------------------




ديك الجنِِّ واسمه عبد السلام بن رغبان شاعر سوري مولود عام (161 هجري) في مدينة حمص في سوريا،وتوفى عام (236 هجري).

ديك الجن الحمصي ، وصل شعره مفرّقاً في كتب الأدب والنقد والتراجم، يدلّ سياقها على أنها منتزعة من القصائد الأمّ ومن ديوان ديك الجن ،لتكون شواهد على موضوعات الكتاب التي أوردها. وأكاد أجزم أن الناقد ( ابن وَكِيع التَنيسي )، كان يضع أمامه نسخة من ديوان ديك الجن الحمصي ، عندما ألف كتابه ( المنصف في نقد الشعر ) الذي درس فيه شعر المتنبي، وتتبع سرقاته الشعرية وأعادها إلى مواطنها، ولقد كان شعر ديك الجن من أهم المواطن التي سطا عليها المتنبي. وما ينطبق على ابن وكيع، ينطبق على ( السريّ الرفّاء ) في كتابه (المحبّ والمحبوبّ )( ) الذي تناول فيه الخمر وأوصافها في الشعر. إنه لا يستطيع أن يتخيرّ ما تخيّره إلا من ديوان يسمح له باختيار الشاهد المناسب على موضوعه المحدد. لقد تقصّيت طويلاً أثر هذا المخطوط الضائع، ولكنني لم أستطع الوصول إليه حتى الآن، مما يدفعني إلى الاعتقاد بأنه ضاع، مع ما ضاع من تراثنا، وإن كنت يخامرني الظنّ، أحياناً، أنه يرقد في مكتبة من المكتبات منتظراً اليد التي تنفض عنه غبار النسيان.)


اسمة ومولده


في مدينة حمص على نهر العاصي ب سورية، وفي واحد من أحيائها القديمة ( باب الدُريب) ، ولد عبد السلام بن رغبان أو ديك الجن وعاش في هذه المدينة حياته الحافلة التي امتدت قرابة خمسة وسبعين عاماً. ونستطيع أن نميز في حياته مراحل ثلاثاً، مع الانتباه إلى أن الحياة كل واحد يصعب فصله, عاش ديك الجن في طفولته حياة عادية، لم يأبه بها أحد، وليس هناك ما يميزه من أترابه، كما أن كتب التراث لا تذكر شيئاً عن طفولته. لقد أصاب هذه الطفولة من النسيان والتجاهل ما يصيب طفولة معظم المبدعين الذين لا يُلتفت إليهم إلا بعد ظهور مواهبهم وتأكُّدها. وما نستطيع الجزم به أن ديك الجن دُفع في طفولته إلى المساجد حيث المعلمون والعلماء، وحيث حلقات الدرس والبحث. ولقد انسحبت هذه الفترة على طفولته ومراهقته وصدر شبابه، لأن آراءه وشعره ينطقان بتحصيل كم وافر من مختلف علوم عصره. ولقد سارت حياة عبد السلام، في مرحلة شبابه، على صورة واحدة لا تتخطاها ولا تحيد عنها، وكانت اللذة المادية في شتى أشكالها وألوانها هي المكوّن الأساسي لهذه الصورة. لقد انكب على اللذات انكباباً مطلقاً فأدمن معاقرة الخمر ومطاردة الفتيات والنساء والغلمان، جرياً وراء اللذة المادية الجسدية، ولم يعرف الحب الإنساني الذي ينهض على أساس من العواطف النبيلة والمشاعر الرقيقة. كان لقاء ديك الجن بورد حادثة معترضة في مسيرة حياته اللاهية العابثة، ولكن هذه الحادثة لم تـنقض بسلام، بل مرت في حياته مرور العاصفة العنيفة التي انقشعت بعد حين مخلّفة وراءها خراباً لا يُعَمَّر، وكسراً لم تجبره يد الأُساة. لقد أحدثت شرخاً عميقاً في قلب ديك الجن، واستمر هذا الشرخ المتفجّع ينـزف مرارة وفجيعة، صابغاً أيامه بلون الدم المُراق، فكان لا يرى إلا الحُمرة، وكان لا يحسّ إلا بالوجع المرّ، ولا ندري كم امتدّت آثار هذه العاصفة في حياة الشاعر، وإلى أيّ مدى بقيت طريّة مُعْوِلَةً في ذاكرته، ولكن من المؤكّد أنه لم ينسها بقية أيامه, وأرجح الظن، في رأيي، أن ورداً واحدةٌ من جاراته النصرانيات أحبها ديك الجن، وأحبته، فأسلمت على يديه، وتزوجها. ولا غرابة في ذلك، ومثل هذه الحادثة يقع كثيراً في مجتمعاتنا المتسامحة، ولكن الغرابة تنبع من النهاية المأساوية الفاجعة لهذا الزواج. لقد انتهى بمصرع ( ورد ) بسيف زوجها، العاشق الغيور، فكان هذا الزواج وما رافقه من قصة حب فوّارة بالعواطف الإنسانية، ثم ما استتبعه من قتل مأساويّ، حدثاً فريداً في تاريخنا الأدبي.) ، و يضيف المؤلف (عاش ديك الجن في أوساط أسرة متعلمة معروفة، تقلّب بعض رجالها في أعمال الدولة، كما أسلفت، فكان من الطبيعي أن يُدفع الصبي إلى المسجد، حيث حلقاتُ الدرس ومجالسُ العلماء. وفي المسجد تَلَقَّى علوم عصره، فوعى علوم اللغة والأدب والدين والتاريخ، وحصّل كَمّاً جيّداً من المعارف، كان موضع فخره، فهو يقول :

ماالذّنْبُ إلاّ لجدّي حين وَرَّثني علماً وورَّثَهُ مِن قبلِ ذاكَ أبي

ولقد انصبّ اهتمام ديك الجن على اللغة والأدب والتاريخ، وكان له منها مكوّناتٌ ثقافية ممتازة، ظهرت بوضوح في شعره. فوعيه لعلوم اللغة جعله مالكاً لناصيتها، قادراً على التصرّف بها، واستيعاب مفرداتها، وتوظيف دلالاتها المعنوية لإبراز أفكاره ومعانيه، مع سلامة من اللحن، وقدرة على ترتيب المفردات في أنساق لغوية سليمة، تجري على سنن العرب. كما قرأ ما وصل إلى عصره من آداب العرب السالفين، ووقف طويلاً عند الشعر الجاهلي عامّة، وشعر الصعاليك خاصة. وقد أعجب بالصعاليك وفلسفتهم القائِمة على التمرّد والرفض، بل لقد فاق صعاليك الجاهلية في تمرّده ورفضه، فرأى فيهم أطفالاً رُضّعا إذا ما قيسوا به. فهو القائل يصف نفسه:

وَخَوْضُ ليلٍ تخافُ الجِنُّ لُجَّتَهُ ويَنْطوي جيشُها عن جيشه اللَّجِبِ

[color="Blue"]ما الشَنْفَرَى وسُلَيْكٌ في مُغَيَّبَةٍ إلا رَضِيـعا لَبـانٍ في حِمىً أَشِبِ لقد عاش ديك الجن قمة الثقافة والازدهار الحضاري في العصر العباسي، وكان على الشاعر أن يكون مثقفاً، مُلِمّاً بفنون عصره وعلومه، ليتمكن من السير في زحمة حركات الإبداع والتجديد، وقد استطاع أن يكون واحداً من شعراء عصره المثقّفين المبدعين والمجدّدين. ولا يخفى على العارفين التطوّرُ الكبير الذي وصل إليه فنّ الموسيقى في زمنه، وما استتبعه من تطور في فنّ الغناء، وانتشار المغنيّن والمغنيّات من كلّ لون وجنس .لقد خطّ هذا الفن لنفسه طرقاً واضحة المعالم، وكان له علماؤه ومجيدوه، وكان لـه عشاقه ومؤيدوه. وديك الجن واحد من عشاق الغناء والموسيقى، فالشعر والموسيقى فنّان متواشجان، وهما جناحا الغناء، وبهما ينهض، كما أنّ موسيقى الشعر عنصر هام من عناصر بنائه الفنيّ. أقبل ديك الجن على الغناء إقبال المشارِك المبدع، فتعلم العزف، وأتقن قواعد الغناء، ولقد غدا ما تعلمّه في هذا الباب، جزءاً من مكوّناته الثقافية والفنية. كان حسن الصوت، مجيداً للضرب ( بالطُّنْبُور ) ، وكان يتغنّى بشعره، لنفسه، أو لندمائه الذين كانوا يتحلّقون حوله في مجالس الشراب، فيلتذّ بشعره وغنائه، ويلتذّ بما يحدثه من إعجاب في نفوس سامعيه).

(إن تشيّع ديك الجن لا يعني أنه كان إنساناً متديّناً، مطبقاً لما أمر به الإسلام أو نهى عنه، لقد كان هناك انفصال تامّ بين انتمائه السياسي ومواقفه الدينية. يقول أبو الفرج على لسان ابن أخي ديك الجن : " كان عمّي خَليعاً ماجناً"). (أما ( تشكّكه ) بوجود اليوم الآخر والحساب، فقد اتّخذ طابعاً أكثر حدّة، وصل به إلى الانفجار والتصريح بعدم إيمانه بالقيامة والبعث. وربما كانت هذه الحدّة نابعة من التمرّد والتحدّي، والتصدي للوعّاظ الذين يلاحقونه في كل مكان، مذكّرين بالموت والحساب، والجنة والنار. إنه في البداية يجنح إلى مناقشتهم مناقشة تنطوي على الكثير من الاضطراب والقلق والتردّد والشك، فإذا كانوا كاذبين في ادّعائهم بوجود الحياة الآخرة، فقد أَمِنَ ونجا من العقاب عمّا اقترفه من آثام، أما إذا صدقوا فإنه سينجو أيضاً، لأن الله هو الذي ابتلاه بهذه الآثام، وهو الذي سيسامح ويعفو، وما ذنبه فيما قدّر الله لـه ؟! ثم ينفجر بغتة، معلناً عدم إيمانه بالقيامة، قائلاً :

هيَ الدُّنيا وقد نَعِموا بأُخرىوتسويفُ النّفوسِ من السَّوافِ

فإنْ كذبوا أمنتَ، وإنْ أصابوافإنّ المبتليـكَ هو المعافـي

وأصدقُ ما أبثُّك أنَّ قلبـي بتصديقِ القيامةِ غيرُ صافي

إن هذا التصريح وأمثاله دفع الناس إلى اتهامه بالإلحاد (على أنّ من أطرف المواقف من ديك الجن ومعتقده، موقفَ أبي العلاء المعري الذي كان متعاطفاً مع أخيه في الشعر، ولذلك فقد منحه البراءة من تهمة الإلحاد. يقول في (رسالة الغفران) : " ورأى بعضهم عبدَ السَّلامِ بنَ رغبانَ المعروف بديك الجن في النوم، وهو بحُسن حال، فذكر له الأبيات الفائية التي فيها : هي الدُّنيا وقد نَعموا بأخرى وتسويفُ النفوسِ من السَّوافِ
]


رماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس