عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-11, 12:32 AM   #3
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: القاضي أبن شريك النخعي


وظيفة القضاء بين الاسلام و المسلمين ( المقال الحادى عشر ) شريك النخعي نموذج القاضى العادل في الدولة العباسية بقلم: آحمد صبحي منصور

تاريخ النشر: 2009-11-04




هو شريك عبد الله بن أبي شريك ، وجده هو الحارث بن أوس بن الحارث بن ذهل بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع بن مذجح .. وكان جده الحارث بن أوس قد شهد موقعة القادسية مع سعد بن أبي وقاص .
في سنة 95 هـ ولد شريك في مدينة بخاري في خراسان ونشأ بها ، ويبدو أن أباه مات وهو صغير فتعلم أن يكون عصاميا يعتمد علي نفسه وهو يحكي عن نفسه وعن بدايته يقول :" أدبتني نفسي والله ، ولدت بخراسان ببخاري فحملني ابن عم لنا حتي طرحني عند بني عم لي بنهر صرصر ، فكنت أجلس إلي معلم لهم فعلق بقل&Egravبي تعلم القرآن فجئت إلي شيخهم فقلت يا عماه أريد أن أتعلم بالكوفة ، فأرسلني إليها فكنت في الكوفة اضرب اللبن وأبيعه واشتري دفاتر فأكتب فيها العلم ثم طلبت الفقه فبلغت ما تري " وكان شريك يتحدث بذلك أمام المستنير النخعي أحد شيوخ قبيلة النخع وقد أجهده تعليم أولاده ، فقال المستنير لأولاده : سمعتم قول ابن عمكم ، وقد أكثرت عليكم في الأدب ولا أراكم تفلحون فيه ، فليؤدب كل رجل منكم نفسه فمن أحسن فلها ومن أساء فعليها".

أساتذته وتلامذته
كانت مدرسة الكوفة في مطلع القرن الثاني للهجرة أحد المراكز الأساسية للعلم ، وبها نشأ شريك النخعي يتلقى العلم بعصاميته وطموحه ، فقد سمع العلم من أبي اسحق السبيعي ومنصور بن المعتمر
وعبد الملك بن عمير وسماك بن حرب وسلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن الأقمر وزبيد اليامي وعاصم الأحول وعبد الله بن محمد بن عقيل ومخول بن راشد وهلال الوزان وأشعث بن سوار وشبيب بن غرقدة وحكيم بن جبير وجابر الجعفي وعلي بن بذيمة وعمار الدهني وسليمان الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد .. وبعبارة أخري أخذ العلم عن كل شيوخ الكوفة .
ثم ما لبث أن تصدر للعلم والرواية والفتوى فأخذ عنه أعلام كبار أمثال عبد الله بن المبارك وعبد الله بن عون الخراز وعباد بن العوام ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق الأزرق ويزيد بن هارون وأبي نعيم ويحيي بن الحماني وعلي بن الجعد ومحمد بن سليمان ، ثم قدم إلي بغداد عدة مرات وصار له فيها تلاميذ.

بينه وبين علماء عصره
ولأنه احتل الصف الأول بين علماء عصره فقد كانوا يقارنون بينه وبين غيره من المشاهير ، فكان عباد بن العوام يقول قدم علينا معمر وشريك ، وكان شريك أرجح عندنا من معمر، وكان بعضهم يفضله علي أبي الأحوص ، فقيل ليحيي بن معين : أيهما أحب إلي، وقد قدمه يحيي بن معين أيضا علي أبي إسحاق وإسرائيل وهما من كبار المحدثين .
بل إن شريك النخعي كان في موضع المقارنة بسفيان الثوري كبير الزهاد والفقهاء في زمنه ، يقول أبو أحمد الزبيري " كنت إذا جلست إلي سفيان الثوري ، رجعت وقد هممت أن أعمل عملا صالحا، وكنت إذا جلست إلي شريك بن عبد الله رجعت وقد استفدت أدبا حسنا ".

إلا أن تولية القضاء جعل بعضهم ينفر منه إذ كانوا يعتبرون من الورع عدم التعامل مع أهل السلطان وألا يتولى أحدهم منصب القضاء . وقد تأثر بعضهم بذلك في حكمه عليه ، فقال مثلا : أبو علي صالح بن محمد " شريك صدوق ولما ولي القضاء اضطرب حفظه " أي كانت العلاقات سيئة بينه وبينهم لذلك اتهمه بعضهم بالضعف وعدم الثقة وقلة الحفظ .

احتجاح أصحابه عليه لقبوله منصب القضاء
وشريك من أشهر القضاة في العصر العباسي الأول ، بل هو أشهر من تولي القضاء في عصر المنصور وابنه المهدي ، وقد رفض في البداية أن يتولى القضاء ثم رضي بالأمر ، وكان يدافع عن نفسه أنهم قد أكرهوه علي ذلك المنصب ليمتص سخط رفاقه من العلماء والزهاد، ولكنهم كانوا يردون عليه هذه الحجة ، مثلا يحكي أن شريك قال لبعض إخوانه أكرهت علي القضاء ، قالوا له : أفأكرهوك علي اخذ الأجر ؟
ويروي يحيي بن يمان أنهم أكرهوا شريك علي تولي القضاء حتي كانوا يحيطونه بالشرطة يحفظونه ، ثم طاب له المنصب فصار يجلس للقضاء بدون شرطة تحفظه.
وبلغ سفيان الثوري إنه صار يجلس للمنصب باختياره ، فجاء إليه ، فقام إليه شريك وبالغ في تعظيمه وسأله عن حاجته ، فقال له الثوري : ما تقول في امرأة جاءت فجلست علي باب رجل ، ففتح الرجل الباب فاحتملها ففجر بها فعلي من تقيم الحدّ ؟ فقال له شريك : علي الرجل أما هي فلا عليها لأنها مغصوبة ، فقال له الثوري ، فإذا جاءت المرأة من الغد فتزينت وتعطرت وجلست علي ذلك الباب ففتح الرجل الباب فرآها فاحتملها وفجر بها فعلي أيهما تقيم الحد؟ فقال شريك : عليهما جميعا لأنها جاءت من نفسها وقد عرفت الخبر من الأمس ، فقال له سفيان الثوري : أنت كان لك عذرك حين كانت الشرطة تحفظك وتحيط بك ، فاليوم أي عذر لك ؟ ثم قام عنه مخاصما له ..
وكان الثوري يقول عنه : أي رجل كان شريك لو لم يفسدوه.
وكان خصومه له بالمرصاد بعد توليه القضاء وقيامه بمستلزمات ذلك المنصب ، فقد حدث أن اقترب ركب الخيزران زوجة الخليفة المهدي قادمة من الحج ، فركب شريك ينتظر قدومها، وظل ثلاثة أيام حتي يبس الخبز الذي كان معه فصار يبلله بالماء ويأكله، فقال العلاء بن المنهال‏:‏
فإن كان الذى قد قلت حقا بأنْ قد أكرهوك على القضاء
فمالك موضعًا في كل يوم تلقَى من يحج من النساء
مقيم في قرى شاهي ثلاثآ بلا زاد سوى كسر وماء

ويروي ابن سعد في الطبقات الكبرى أن أبا جعفر المنصور استدعي شريك وقال له : إني أريد أن أوليك قضاء الكوفة فقال : اعفني يا أمير المؤمنين ، فقال : لست أعفيك ، قال : انصرف يومي هذا وأعود فيري أمير المؤمنين رأيه ، فقال له المنصور : إنما تريد أن تخرج فتغيب عني ، والله لئن فعلت لأقدمن علي خمسين من قومك بما تكره ، فلما سمعه شريك يحلف يهدده بالانتقام من قومه عاد إليه ولم يتغيب ، وتولي قضاء الكوفة .
وجدير بالذكر أن أبا جعفر المنصور عاقب أبا حنيفة حين رفض تولي القضاء ولم يكن ذلك الخليفة يتراجع في تهديد ، فقد سفك الكثير من دماء بنى عمه من العلويين ، وأمر بضر ب الإمام مالك بن أنس ، وكان شريك متهما عنده بحب العلويين وتلك تهمة تبيح دمه لدي الخليفة العباسي ، لذا آثر شريك السلامة ورضي بمنصب القضاء ، وسار فيه بالعدل حتي في مواجهة أتباع الدولة العباسية ورؤوسها.
وابن سعد في تاريخه الطبقات هو أقدم الكتب التاريخية وأقربها للصدق والتوثيق وقد ترجم لشريك ترجمة قصيرة ذكر فيها قصة توليه القضاء ، ولكن خصوم شريك ما لبثوا أن أشاعوا رواية أخري عن نفس الموضوع نقلها فيما بعد المؤرخ المملوكي خليل بن ايبك الصفدي فى موسوعته ( الوافى بالوفيات ) تقول إن شريك دخل علي الخليفة المهدي فقال له :لابد لك من احدي ثلاث ، إما أن تلي القضاء أو تؤدب أولادي و تحدثهم أو تأكل عندي أكلة. فقال : الأكلة اخف عندي ، فعمل له طباخ الخليفة ألوان الأطعمة ما لم يسمع به شريك من قبل ، فأكل . فقال الطباخ : لا يفلح بعدها ، وفعلا عمل لديه معلما وتولي القضاء .
وتلك الرواية تناقض ماهو معروف من سيرة شريك الذي تولي القضاء في عهد أبي جعفر المنصور واستمر قاضيا في عهد ابنه المهدي حتي عزله المهدي عن القضاء.
ثم إن تلك الرواية بعينها قد قيلت في تولية القاضي المشهور أبو يوسف والذي عرض عليه احدي ثلاث هو الخليفة الرشيد وذلك ما رددته كتب التاريخ .
وخليل بن ايبك الصفدي ينقل رواية أخري يبدو فيها الإصرار علي تشويه صورة شريك ، يقول فيها إن الخليفة المهدي كتب ضيعة لشريكة وماطله في إعطائها ، طالبه بها شريك ، فقال له الخليفة : إنك لم تبع بها قماشا ، فقال له شريك : بل والله بعت ديني.
وتلك الرواية لا تستقيم مع أخبار شريك في تحري العدل ووقوفه ضد الظلمة من العباسيين وأعوانهم. ولم يذكر خليل الصفدي شيئا من تلك الروايات التى ترفع هامة شريك فى تحرى العدل والوقوف ضد الظالمين من العباسيين ، بينما ذكرتها كتب التاريخ المتقدمة مثل المنتظم لابن الجوزي وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي مما يدل على ان تلك الروايات التى انفرد بها المؤرخ المملوكى خليل بن أيبك الصفدى والتى تنال من مكانته قد تم وضعها وتاليفها فيما بعد .
ولقد ذكر ابن الجوزي والخطيب البغدادي وابن كثير أن شريك كان إذا افتتح مجلس القضاء أخرج ورقة وقرأها ، وكان مكتوبا فيها " يا شريك بن عبد الله اذكر الصراط وحدته ، يا شريك بن عبد الله اذكر الموقف بين يدي الله تعالي " ، وقبل أن يجلس للقضاء كان يأتي المسجد ويصلي ركعتين ، ثم بعد أن يقرأ تلك الورقة التي تذكره بمسئوليته أمام الله تعالي يدعو الخصوم للتقاضي .

عدله في القضاء
1 ـ علي أن القول الفصل في الحكم علي شخصية شريك يكمن في مدي تحقيقه العدل حين كان قاضيا ، والروايات في ذلك الشأن يظهر منها أنه تحري العدل وواجه ظلم الجبابرة وكان يهددهم بالاستقالة من منصبه ، وبهذا الموقف العملى ربما تترجح حجة شريك فى تولى منصب القضاء لكى يحقق بعض العدل لبعض الناس فى دولة قامت على الظلم . وربما كان شريك يرى أن الأجدى بالفقهاء الورعين أمثال سفيان الثوري أن يحذو حذوه في المواجهة لا أن يكتفي بالهرب والاعتزال بدعوى الزهد ومقاطعة الظلمة من الحكام . وكان الظلم مستفحلا فى بغداد وغيرها ، ووصل الى الكوفة فى إثناء تولى شريك القضاء فيها.وكانت الحاجة ماسة الى رجال من نوعية شريك تنصف بعض المظاليم.

2 ـ يروي مجالد بن سعيد أنه كان عند شريك في بيته وقد تأخر عن الذهاب لمجلس القضاء بسبب أنه غسل ثيابه ولم تكن قد جفت بعد ، وذلك يدل علي تقشفه العملي.ولكن القصة التى حدثت وقتها تبين نوعية شريك المختلفة عن أبى يوسف ومدرسته من قضاة الظلم .
كان شريك يجلس مع ابن سعيد وهو ـ شريك ـ ينتظر أن تجف ثيابه ، وكانا يتناقشان في مسألة فقهية عن العبد الذي يتزوج بغير إذن سيده ، وأثناء ذلك كانت الخيزران زوجة الخليفة المهدي وأم ولديه الهادى و الرشيد وصاحبة النفوذ الأكبر فى الدولة العباسية قد أرسلت إلي الكوفة خادما من أتباعها ليرعى ضياعها ، وأمرت والي الكوفة وهو موسي بن عيسي العباسي ألا يعصى له أمرا ، فاستفحل نفوذ ذلك الخادم بالكوفة ، وأثناء حديث ابن سعيد مع شريك في بيته كان ذلك الخادم يسير في موكب فخم في الشارع ورجل يسير بين يديه مكتوفا وهو يصرخ مستغيثا بالله وبعدل القاضي شريك وآثار السياط علي ظهره .
وأسرع شريك بالخروج من داره فرأي ذلك المنظر ، وشكا المظلوم إلي شريك كيف أن ذلك الرجل خادم الخيزران قد استأجره بالسخرة منذ أربعة اشهر وحبسه حتي أضاع عياله ، وعندما هرب منه استطاع أن يقبض عليه ويلهب ظهره بالسياط .
وسمع القاضي مقالة الأجير فقال لخادم الخيزران : قم فاجلس مع خصمك .فرفض الخادم ، فقال له شريك : ما هذه الآثار التي بظهر الرجل ، فقال الخادم : أصلح الله القاضي إنما ضربته أسواطا وهو يستحق أكثر من هذا ، وطلب الخادم من القاضي شريك أن يدخله السجن تنفيذا لأوامر الخيزران صاحبة النفوذ، فما كان من شريك إلا أن ألقي كساءه الذي لم يجف ودخل داره وخرج ومعه سوط وانهال به ضربا علي خادم الخيزران ، وتجمع أعوان الخادم ليخلصوه من يديه فنادي شريك في فتيان الحي فأتوا إليه وأمرهم بالقبض علي أعوان الخادم والخادم وأن يذهبوا بهم إلي الحبس.
وأخذ الخادم يبكي ويقول مهددا لشريك : ستعلم عاقبة فعلك ، وأطلق شريك الأجير المظلوم ثم التفت إلي جليسه مجالد بن سعيد يقول له : يا أبا حفص ما تقول في العبد يتزوج بغير إذن سيده ، ودخل في النقاش الفقهي الذي كان كأن شيئا لم يحدث ، وقال له مجالد بن سعيد : والله لقد فعلت اليوم فعلة ستكون لها عاقبة مكروهة ، فلم يزد شريك علي أن قال له : من أعز أمر الله أعزه الله ، ودعاه إلي الاستمرار في المناقشة الفقهية.
وذهب خادم الخيزران إلي الوالي موسي بن عيسي العباسي يشكو إليه ، وقد صار معه أعوان الوالي ، إلا أن الوالي قال لهم : والله ما أتعرض لشريك ولا أقدر عليه ، فأصاب الخادم خزي ولحق ببغداد وما جرؤ علي أن يعود للكوفة، واكتسب شريك بذلك عداوة الخيزران .!.
يتبع


توقيع : حسين الحمداني


زهرة الشرق

zahrah.com

حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس