عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-10, 01:17 AM   #1
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
مظاهر من فواجع المشهد السياسي


مظاهر من فواجع المشهد العراقي

--------------------------------------------------------------------------------


مظاهر من فواجع المشهد العراقي
التشبث بمركب طهران الغارق.. وغياب منطق الدولة

الكثير من السياسيين أصبحوا مادة ساخنة للبرامج التلفزيونية، وخصوصاً بعدما غادروا الحياة أو اعتزلوا السياسة. أما أن يكون بعض هؤلاء نجوماً لروايات مقدمي البرامج وهم أحياء أصحاء أم عاجزين فهو الحالة النادرة...
لعلي بهذه المقدمة المختصرة أوجز بعض أحاسيس المواطن العراقي أو لنقل النخبة العراقية المثقفة التي تراقب عن كثب ما يجري في بغداد هذه الأيام من سلوكيات بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية..
لقد دأب الكاتب والصحفي المشهور محمد حسنين هيكل منذ أمد ليس بالقصير على مواجهة المواطن العربي مساء كل خميس ومن خلال شاشة قناة الجزيرة الفضائية للحديث حول ما يعتبره مسائل ذات صلة بالأمن القومي العربي في أقطاره المختلفة.
لقد أعجبني مصطلح (البيض المخفوق) الذي استخدمه (هيكل) في وصف سوء التخطيط الذي ساد الدوائر المعنية بالأمن القومي في البلدان العربية، وقد نقل (هيكل) في تلك الحلقة من برنامج قولاً منسوباً إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني يشرح فيه بعض جوانب من مقابلة له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأن طالباني قال لبوتين ((سيادة الرئيس نحن جئنا إليكم في روسيا..لأننا لا نريد أن نضع بيضنا كله في سلة واحدة)) وكان يقصد ((مراهناته السياسية))...فما كان من بوتين إلاّ ونصحه بالقول ((إياك أن تضع البيض كله في سلة واحدة..أنا أضع بيضي كله في سلتي..لا أوزع بيضي على أحد..!!))..
وعقّب (هيكل على تلك القصة بالقول (( لسوء الحظ أن العرب وزعوا كل البيض على كل السلال..والذين أخذوا السلال كسروا البيض وعملوا منه بيضاً مخفوقاً.. ولم يعد بإمكان العرب أن يسترجعوا بيضهم.. حيث أصبحت أوضاع العالم العربي بيضاً مخفوقاً...!!))...
وما استدعاني لتلك القصة..تأملاتي في زيارة كل من الرئيس العراقي جلال الطالباني ونائبه السيد عادل عبد المهدي إلى طهران بذريعة تلبية دعوة رسمية من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.. هذه الزيارة التي شهدت عدة لقاءات مهمة مع المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم الرئيس نجاد والمرشد خامنئي ..الذين دغدغوا مشاعر فخامة الرئيس من خلال التأكيد على ضرورة تسنم مام جلال الرئاسة لولاية ثانية، باعتباره صمام الأمان للعراق وأنه الشخصية المهمة والمناسبة ....
وأعتقد بأنه لو أصطحب نائبه الآخر طارق الهاشمي لكان بإمكاننا القول أن مجلس الرئاسة العراقي قد انتقل إلى طهران، وعندها سنكون أما طريفة جديدة تضاف إلى طرائف فخامة السيد الرئيس..!!
إذن ذهب الطالباني وعبد المهدي للمشاركة في اجتماع لرؤساء الدول الناطقة بالـ.. ..عفواً المحتفلة بعيد النوروز.. وقد صحح المراقبون المعنيون بشؤون المنطقة ذلك بإطلاق مصطلح ((مفاوضات طهران)) للتباحث حول تحالفات ما بعد الانتخابات العامة في العراق، ومما يعطي ذلك القول مصداقية كبيرة أن جمهرة كبيرة من السياسيين العراقيين شدوا الرحال إلى معبد النار.. التي دل دخانها الأسود على النوايا المبيتة لإحياء جريمة المحاصصة الفئوية المدمرة لمستقبل العراق، وتنسيق الأدوار للالتفاف على النصر الانتخابي الذي حققه المشروع الوطني العراقي بغض النظر عن كل ما يقال عن الرموز التي رفعت شعارات ورايات هذا المشروع..!!
عجيب أمر الطالباني...كان يفترض أن يكون أول من يستفيد من موعظة بوتين.. فهو من سمعها منه مباشرة، ولعله كان بإمكانه أن يفيد السياسيين العراقيين الآخرين منها..!!
ولكن رب قائل يقول بأن التحليل الأكثر منطقية لما حدث مع هذه الجمهرة أنها استفادت من تلك النصيحة وقررت أن تحتفظ بالبيض العراقي في سلة الفقيه الإيراني وقائد فيلقه وصبيانه في العراق..!!
ورأي آخر يطرحه أحد الضليعين في متابعة مسيرة هذه الجمهرة المجتهدة في الصلاة نحو كعبة الشرق... أن القوم تشابه البقر عليهم...بل تشابه الدجاج وبيضه عليهم فلم يعودوا يملكون قدرة التمييز بين السلة العراقية المشبعة بروائح القتل والترويع والدمار، والسلة الإيرانية التي يفوح منها طعم الزعفران والأفيون..واحسرتاه لقد اختلطت عليهم وتشابهت لديهم السلال..!!
وانتم أيها العراقيون..فلسوء حظكم إن تعرفوا أن معظم ساستكم وزعوا رهانات العراق السياسية والإستراتيجية والأمنية على سلال غير سلتكم..سلال إقليمية ودولية خارجية..بعدما وزعوا قبل ذلك رهانات الوحدة الوطنية والوئام الاجتماعي والمصالحة على سلال بائسة فئوية وحزبية داخلية، وشتتوا رهانات الهوية والانتماء على سلال الإيديولوجيا والعقد النفسية التاريخية...
الله لكم والشرفاء الوطنيين أيها العراقيون... فأنتم من يدفع الثمن من أمنكم الوطني وسلامة بلدكم ووحدة شعبكم وانتمائكم وهويتكم الحضارية..!!
ربما لم يشهد العراق طيلة تاريخ الدولة العراقية الحديثة رئيساً ألعوبة كما هو الحال مع السيد طالباني، وتتحمل القوى السياسية العراقية، وفي المقدمة منهم نائباه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي، المسؤولية الكاملة عن عدم مكاشفة الشعب العراقي عن حقيقة وضع رئيسهم ..الذي أثبت طيلة دورته الرئاسية وأمدها أربع سنوات وسنة أخرى قبلها، عجزه المزمن عن تكييف نفسه من زعيم حزب قومي شوفيني أو ناشط في صفوف المعارضة إلى رمز وطني ورجل دولة..!!
والكثير من المراقبين للشأن العراقي سواء من العراقيين أم من غيرهم اتخذوا من واقع حال السيد الطالباني كشاهد لمدى التدهور الذي يشهده العراق...فهذا الباحث العراقي الدكتور يحيى الكبيسي يورد الطريقة التي اتبعها الطالباني في الترحيب برئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني (هاشمي رفسنجاني) خلال زيارته لبغداد، حيث قال ((إن تلك الزيارة نعمة من الله... ورفسنجاني أعز صديق للشعب العراقي... وأنه كان عوناً ونصيراً للعراقيين في أيام النضال ضد الدكتاتورية... وأن القادة العراقيين يتطلعون إلى الإفادة من خبرته الواسعة...وأنه القائد الذي حقق لإيران هذا التقدم الذي تشهده حالياً)).. ولم يبق له إلا أن يقول أنه إله...ونسي فخامة الرئيس آلاف الشهداء العراقيين الذين ذبحتهم أوامر الرفسنجاني وجوقة المعممين من سربه من الطامعين بأرض وثروات العراق.. في إراقة دمائهم والتآمر على مستقبل بلدهم..!!
والأكثر من ذلك أن فخامة الرئيس يسترد ولعه بالحديث على طبل الهوية الإثنية ـ الطائفية، التي لم يفتأ ينقر عليها حتى الآن، فيحشر موضوع الموقف من منظمة مجاهدي، مسترجعاً خطاباً روجته المعارضة العراقية قبل احتلال العراق في 9 نيسان 2003م فيثني على قول لرفسنجاني عن منظمة مجاهدي خلق بقوله ((إن معاداة مجاهدي خلق لم تقتصر على الأكراد بل أيضاً على العرب الشيعة في العراق..!!)).
ويستنتج الدكتور يحيى الكبيسي بأن الطالباني كان يتحدث وكأنه رئيس حزب سياسي وليس رئيس دولة... وحقيقة الأمر فهو كذلك.. إنه يعبر عن رأي الاتحاد الوطني الكردستاني المتحالف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الممتد لما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن..!!
ويبدو أن القول الحكيم ((من شب على شيء شاب عليه)) يؤكد حقيقة أن الطالباني ما يزال يفضل التحرك باعتباره زعيماً حزبياً كردياً لا باعتباره رئيساً لدولة العراق..!!
لقد تسببت زيارة الطالباني وجوقته إلى طهران بضرر بالغ للعراق وشعبه وانتمائه العربي.. وبغيابه عن حضور القمة العربية في ليبيا فإنه أضاع فرصة جديدة كما هو دأبه لتمكين العراق من تأكيد حضوره العربي وتفعيل دوره الإقليمي واستعادة حضوره ضمن المنظومة العربية..!!
وأكرر هنا بأن نائباه وكذلك رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب كذلك يتحملون جميعاً المسؤولية عن السكوت على استهتار رئيس الجمهورية بالمصالح العليا للبلاد... فالرئيس أصر على التغيب عن المؤتمر وتنكر لمهامه الرسمية...والتحليل البسيط المرجح لسلوكه أنه لم يكلف أحد نائبيه لينوب عنه في القمة هو أنه أراد أن لا يصب هذا التكليف في صالح أحدهما سياسياً، لاسيما في موسم الترشيحات للمناصب الحكومية الجديدة..!!
إن ما قام به الطالباني كان بمثابة رسالة بليغة موجهة إلى الزعماء العرب تؤكد عجز العراق عن بلورة سياسة خارجية متوازنة تحفظ مصالحه العليا، وتحقق التكافؤ والتوازن بين علاقاته مع الإيرانيين من جهة والإيفاء باستحقاقات انتمائه العربي..!!
إن قوى سياسية عراقية بعينها وفي المقدمة منها ائتلاف المالكي... يهمها تعزيز هذه التوجهات المختلة لطالباني، وإيهام الرجل بأنه يقوم بدور تاريخي في العراق، ويصف دوره في العملية السياسية العرجاء في العراق بـ(الأبوي)..!!
والمرجح أن خداع الرجل بهكذا مسميات إنما هدفها إغراقه في جلسات السمر السياسي والطرائف والنكات والقفشات الساخرة.. وبالتالي إفراغ منصب رئاسة الجمهورية من أي محتوى سياسي ذا قيمة ...فضلاً عن إقحامه في نوبات التعصب القومي الشوفيني بين الحين والآخر لتجعله يتصرف كزعيم حزبي متشدد لا يلقي بالاً لاستحقاقات وهيبة منصب رئيس جمهورية العراق... هل هذه هي الإدارة الأبوية للعملية السياسية..؟؟... هل قدر الشعب العراقي أن يستكين لرئيس يصر يومياً على التنكر لمنطق الدولة واستحقاقات المنصب والاستعاضة عنها بعقلية حزبية فئوية لا تقيم وزناً لكرامة العراق وسمعته وتاريخه ومصالحه..؟؟
لقد كان الأجدر بالطالباني أن يبقى في بغداد ليمارس دوره الأبوي الكارتوني العتيد في هذه المرحلة المهمة...فالبلاد كانت تحبس أنفاسها بانتظار الإعلان عن نتائج الانتخابات، وما سيترتب عليها من تطورات دراماتيكية مصيرية في المشهد السياسي العراقي..!!
أليس معيباً بأي مسؤول يحترم نفسه وشعبه ...فضلاً عن الرئيس، الانسلاخ عن الحالة الوطنية في هكذا لحظة تاريخية.. والتسلل كاللصوص شرقاً إلى طهران..؟؟؟
أليس من حق المواطن العراقي بعد الذي حصل أن يعرف ... أيهما أكثر أهمية للعراق، حضور احتفال لزعماء يتراقصون على ألسنة نيران النوروز، وهي المناسبة التي سعت إيران لتوظيفها جيو ـ سياسياً في تكريس نفوذها الثقافي كركيزة لنفوذها السياسي...أم حضور قمة عربية تضع على جدول أعمالها مناقشة حق العراق في استضافة حق العراق في استضافة القمة العربية المقبلة..؟؟.. وأيهما أكثر أهمية مشاركة الرئيس في ذلك الاحتفال أم بقاءه في العاصمة بغداد لمشاركة أبناء الشعب وقواه السياسية ورعايته (الأبوية) لهم في مرحلة تاريخية عصيبة وحساسة تقرر مصيرهم ووجود دولتهم..؟؟
لقد حرصت على تحليل الكثير من خطابات المسؤولين العراقيين، وكذلك الكثير من التقارير والأبحاث التي تناولت الشأن العراقي... وكان استنتاجنا هو أن العراق ونظامه السياسي الراهن يعيش أزمة ((ثقافة الدولة))...فأعضاء النخب السياسية العراقية ما يزالون يعيشون في أجواء المعارضة الحزبية للنظام السابق..ولم يبذلوا ما يقتضيه تطور الحال للتحول إلى رجال دولة ومسؤولين ملتزمين وطنياً...بل على العكس، فبدل ارتقاء قمة الوطنية فقد انحدروا إلى السفوح وأصبحوا أمراء طوائف ومتحزبين متعصبين وتجار حروب ومنتهزي فرص...!!
إن هناك بوناً شاسعاً بين عقلية وثقافة الدولة وبين نماذج السياسيين العراقيين، الذين لا يزالون يتعاملون مع العالم الخارجي والمجتمع الدولي وفق منطق الحزب، أو منطق المكون الاثني أو الطائفي، وليس بمنطق الدولة الراشدة التي تفكر بمصالحها وأمنها بحكمة وعقلانية وتروٍ واتزان...!!!
ؤلاء إلا مصير واحد محتوم هو الانتحار السياسي السريع..!!!!

ميلاد اسكندر يوسف
كاتب من العراق

يتبع

منقول


توقيع : حسين الحمداني


زهرة الشرق

zahrah.com

حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس