عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-09, 04:08 AM   #32
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: حكم علي بن ابي طالب (كرم الله وجهه)نهج البلاغه


[color="الشّبهة الثّالثة: طول الخطب
كم حاولوا أن يعدّوا طول الخطب دليلاً على ضعف انتسابها إلى مولى المتّقين! بَيْد أنّ الحقيقة هي أنّ قصر الكلام أو طوله لا يمثّل دليلاً على صحّة انتسابه إلى قائله، ولا دليلاً على سقم انتسابه إليه، لا سيّما أنّ النّاطق به هو أمير الخطباء وفارس ميدان الفصاحة والبلاغة، الّذي يعلم موضع الإيجاز من موضع التّطويل في الكلام.
وليس هذا في خطبه فحسب، بل كان ملحوظاً في خطب غيره من الخطباء المشهورين يومذاك أيضاً. فقد قيل إنّ سُحْبان بن وائل المشهور عند العرب بالفصاحة، حين اقتضى منه المقام قام خطيباً بعد صلاة الظّهر، ولم ينقطع حتّى صلاة العصر، دون أن يَعيبه أحد أو يرى كلامه مخالفاً لقواعد البلاغة وأصول الكلام (13).
يقول الدكتور زكي مبارك في كتاب «النّثر الفنيّ في القرن الرابع عشر» بهذا الشّأن: (ورسائل عليّ بن أبي طالب وخطبه ووصاياه وعهوده إلى ولاته تجري على هذا النّمط، فهو يُطيل حين يكتب عهداً يبيّن فيه ما يجب على الحاكم في سياسة القطر الّذي يرعاه، ويوجز حين يكتب إلى بعض خواصّه في شأن معيّن لا يقتضي التطّويل) (14).


الشّبهة الرّابعة: وجود السَّجْع والمحسّنات اللفظيّة
أمّا الحقيقة، فهي أنّ وجود السّجع أو غيره من المحسّنات اللفظيّة في الكلام لا يعود إلى عصر الشّريف الرّضيّ وليس من بنات ذلك الزّمان! فالمحسّنات اللفظيّة موجودة في القرآن الكريم والحديث النّبويّ، وكلام الخطباء المشهورين في عصر صدر الإسلام. من هنا فهي ليست بِدعاً من الأثر، كما لا تمثّل دليلاً على ضعف السّند في نهج البلاغة.


الشّبهة الخامسة: الأوصاف الدّقيقة
الأوصاف الدّقيقة في نهج البلاغة، على ما قيل في غرابتها وتميّز نصوصها عن نصوص ذلك العصر، لا تمثّل نقطة ضعف، بل إنّها في الواقع تمثّل نقطة قوّةٍ وفضيلة.
يضاف إلى هذا أنّها كانت ملحوظة في النّصوص الأدبيّة لعصر صدر الإسلام. كما زخر الشعر الجاهليّ بالأوصاف الدّقيقة: للفَرَس، والظَّبي، والناقة، والأطلال، ونظائرها. وبلغت من الدّقّة والتّركيز مبلغاً أنّ عدداً من أبيات القصيدة يتناول وصفه عيون الظبي أو الفَرَس فحسب.


الشّبهة السّادسة: وجود ضروب التّقسيم والتقطيع
وهذه كسابقتها ليست إلاّ مَعْلماً على دقّة الكلام وإحكامه واتّزانه، لا على ضعفه ووهن انتسابه إلى رجلٍ كان أميرَ الخطباء وفارس ميدان البلاغة.
يضاف إليه أنّ التّقسيم والتقطيع لا يعودان إلى عصر الشّريف الرّضي، فقد حفل بهما كلام النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وصحابته. وفيه نماذج جمّه، منها قوله صلّى الله عليه وآله:«أوصاني ربّي بسبعٍ وأنا أوصيكم بها...»، وقوله: «ثلاثة لا يكاد يسلم منهنّ أحد...». وقول عمر: «ثلاث فعلتهنّ ودِدتُ أنّي تركتهنّ، وثلاث تركتهنّ ودِدت أنّي فعلتهنّ...» (15).


الشّبهة السّابعة: وجود كلمات يُشَمُّ منها علم الغيب
صحيح أنّ في نهج البلاغة أحياناً نبوءات دقيقة وواضحة للمستقبل، حتّى يمكن بنظرة بسيطة أن نخالها مفردات لعلم الإمام عليه السّلام بالغيب. بَيْد أنّ الذي يتبيّن بتأمّل يسير هو أنْ أفراداً يتمتّعون بوعي اجتماعيّ سياسيّ دقيق شامل، وفهم عميق، يتسنّى لهم أن يتنبّأوا بأحداث المستقبل.من هنا، إذا كان أمير المؤمنين عليه السّلام قد تنبّأ بالمستقبل، فليس هذا مؤاخذة بل هو دليل على انطوائه على مكنون علوم جمّة.
وهو عليه السّلام نفسه يرفض أن يُخالَ إخبارُه علماً بالغيب الخاص، كما نجده عندما أخبر عن الفتن الّتي ستنشب في البصرة، وقال له أحد السّامعين: لقد أُعطيتَ يا أمير المؤمنين علم الغيب! ضحك وقال له ـ وكان كلبيّاً: يا أخا كلبٍ، ليس هو بعلم غيب، وإنّما هو تعلّم من ذي علمٍ. وإنّما علم الغيب علم السّاعة، وما عدّد الله سبحانه بقوله: «إنّ الله عنده علم السّاعة» (16) الآية، فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، وقبيحٍ أو جميل، وسخيّ أو بخيل، وشقيّ أو سعيد، ومن يكون في النار حطباً، أو في الجنان للنبيّين مرافقاً. فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه أحد إلاّ الله، وما سوى ذلك فعلمٌ علّمه الله نبيَّه فعلَّمنيهِ، ودعا لي بأن يعيَه صدري، وتضطمّ عليه جوانحي (17).


الشّبهة الثّامنة: الاهتمام بالزّهد والتّقوى
إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يوصي في كلامه بالزّهد وذكر الموت، وزمانه السّابق لزمان أمير المؤمنين عليه السّلام زمان عُسرة وشدّة، فلا تبدو التوصية بهما في عصر أمير المؤمنين عليه السّلام مناسبةً لعصره فحسب، بل هي ضروريّة أيضاً، إذ كان عصره عصر رخاءٍ وسرّاء قياساً بعصر النّبيّ صلّى الله عليه وآله. وعندما طابت قلوب الصّحابة ببساتين المدينة ومزارع البصرة والذُّهبان المكنوزة، وحينما كانوا يثيرون الفتن وينسون عهودهم ومواثيقهم لعزلٍ أو نصبٍ أو منصبٍ، وعندما يَلحقون بالأمويّين خوفاً على بساتينهم من الدّمار أو على مزارعهم من المصادرة..حينها أ لم تكن التّوصية بالزّهد ضروريّة ومناسبة للبلاغة في مثل هذه الحالة ؟ وهل توصية الولاة بمداراة النّاس ومواساة المعدِمين واجتناب الإسراف والأمور الترفيّة عمل ذميم في أفياء حكومة أمير المؤمنين عليه السّلام العادلة ؟! إنّ ما ورد في نهج البلاغة حول الزّهد والتّقوى هو إمّا: من الوصايا الّتي كان يحتاج إليها المجتمع يومئذٍ، أو من الأوامر والتعلّيمات الّتي كان صدورها إلى الولاة ممّا تتطلّبه عدالته عليه السّلام.


الشّبهة التّاسعة: انتساب بعض الكلمات والخطب إلى الآخرين
هل حصل هذا لخطب أمير المؤمنين عليه السّلام فحسب، أو انّه نقطة ضعف في انتساب الكلام إليه عليه السّلام ؟! فهذا ممّا هو مألوف في تاريخ الأدب، إذ تُنسب رواية أو مقطع نثريّ أو كلام إلى اثنين أو أكثر من الشّعراء أو الخطباء، كما في الأحاديث النّبويّة، إذ ربما يُنسب حديث إلى صحابي واحد أو صحابيين.
مضافاً إلى أنّ هذا الأمر لو حصل في عدد من الخطب أو الكتب، فهل يمكن أن نعدّه دليلاً على ضعف نهج البلاغة بأكمله ؟!


الشّبهة العاشرة: عدم الاستشهاد بنصوص نهج البلاغة في الكتب السّابقة
ينبثق أصل هذه الشّبهة من الجهل، إذ كما مرّ بنا أنّ كثيراً من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام كان مبثوثاً في كتب أُولي العلم والأدب قبل الشّريف الرّضيّ وقبل محاولته جمعه منها، حتّى عدّ السّيّد عبدالزهراء الحسينيّ في كتاب «مصادر نهج البلاغة وأسانيده» مائة وتسعة من هذه المصادر والمراجع، وقد أشار محمّد أبو الفضل إبراهيم في مقدّمته على شرح ابن أبي الحديد إلى بعضها[/color]

******************************************


توقيع : حسين الحمداني


زهرة الشرق

zahrah.com

حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس