عرض مشاركة واحدة
قديم 15-08-09, 11:57 PM   #7
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
رد: سيف الدولة الحمداني.. لمحات تاريخية وثقافية


إثر هذا الزواج يشتد عود سيف الدولة.



و في هذه السنة مات الإخشيد في دمشق، وولي بعده ابنه ، أبو القاسم ، فاستولى على الأمر كافور ، وغلب أبا القاسم واستضعفه ، وتفرد بالولاية.

و سار كافور إلى مصر، فقصد سيف الدولة دمشق ، فملكها ، وأقام فيها.



وكان سيف الدولة في بعض الأيام يساير الشريف العقيقي بدمشق، في الغوطة بظاهر البلد، فقال سيف الدولة للعقيقي: ما تصلح هذه الغوطة أن تكون إلا لرجل واحد.

فقال له الشريف العقيقي: هي لأقوام كثير.

فقال له سيف الدولة: لئن أخذتها القوانين، ليتبرأن أهلها منها.( أي أنه ينوي فرض الضرائب عليها فيكرهها اهلها )

فأسرها الشريف في نفسه، وأعلم أهل دمشق بذلك.



وجعل سيف الدولة يطالب أهل دمشق، بودائع الإخشيد وأسبابه، فاستدعى الدمشقيون كافوراً، فجاءهم، فأخرجوا سيف الدولة عنهم سنة 336 /947 م ، واستطاع كافور هزيمة سيف الدولة ، ودخول حلب.

ولكن سيف الدولة عاد في السنة نفسها ، فاستولى على حلب.



وعمر سيف الدولة داره بالحلبة (وكان موقعها في جبل الأنصاري قرب الإذاعة حالياً ) ، وقلد أبا فراس الحمداني الشاعر المعروف ، وهو ابن عمه ، منبج، وما حولها من القلاع.

واستقرت ولاية سيف الدولة لحلب في سنة 336/947م ، وكان ذلك دخوله الثالث إليها.

ثم تجدد الصلح بين سيف الدولة وابن الإخشيد ، على الصفة التي كانت بينه وبين ابيه الإخشيد ، واستقر سيف الدولة في حلب.



و بدأت أطماع البيزنطيين تتجه نحو الشرق العربي من أجل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من أراضيه ، لضمها إلى دولتهم القوية ، التي يمتد نفوذها في آسيا الصغرى حيث تركيا اليوم..

فوقف سيف الدولة لهم بالمرصاد.. تصدى لجيوشهم الكثيفة ، المجهزة أحسن تجهيز ، تحت قيادة أبرع وأعتى قوادهم أمثال ،برداس فوكاس ، فانتصر عليه وأوقع به شر الهزائم، وصدّه عن البغي..

ولم يقف الأمر عند ذلك ، بل عمد إلى نقل المعارك إلى أرض الروم..



فأخذ يخرج للغزو مرتين أو أكثر ،كل عام، في الربيع والصيف، وأحياناً في الشتاء ، يحطم القلاع ويقتلع الحصون ويحتل المدن ، ويعود بالأسلاب والغنائم والسبايا.

فأوقع الرعب في قلوب الروم، وأمن حدود إمارته من ناحية، وثبت حدود المملكة الإسلامية من ناحية أخرى ، ولقن العدو دروساً قاسية بما أوقع بهم من هزائم ، وبما قتل من جنودهم ، وبما أسر من بطارقتهم وقوادهم.



وأسر قسطنطين ابن الدمستق برداس فوكاس ، وحمله الإبريق ، إلى بيت الماء،( أي لكي يصب الماء في دورة المياه ) وكان أمرد، فخرج، فوجده قائماً يبكي، ولم يزل عنده ، حتى مات من علة اعتلها.



و اضطر (برداس فوكاس) القائد الكبير ،بعد أسر وموت ابنه قسطنطين ، لأن يترهب ويدخل الدير ، نتيجة للهزائم المتوالية التي أوقعها به سيف الدولة، بعد موقعة كبرى ، اندحر بها جيشه الكبير العدة والعدد .. ففي ذلك يقول المتنبي:

فلو كان ينجي من علي ترهب ترهبت الأملاك مثنى وموحدا

و علي هنا ، هو سيف الدولة .



وفي سنة 350هجري /961 ميلادي ، نقل الملك رومانوس، ملك الروم ، إلى حرب المشرق، نقفور بن الفقاس الدمستق ( اسمه باللاتينية نكفور فوكاس ) وهو شقيق برداس فوكاس وعم قسطنطين ، فقصد مدينة حلب في هذه السنة، وسيف الدولة بها، وكانت موافاته كالكبسة.

وقيل: إن عدد رجاله بلغ مائتا ألف فارس، وثلاثون ألف راجل ، وثلاثون ألف صانع لهدم الأسوار ، وأربعة آلاف بغل عليها أسياخ حديد، يسوره حول عسكره ليلاً.

ولم يشعر سيف الدولة بخبرهم، حتى قربوا منه.

فأنفذ إليهم سيف الدولة ، غلامه نجا ، في جمهور عسكره، بعد أن أشار عليه ثقاته ونصحاؤه ، بأن لا يفارق عساكره، فأبى عليهم، ومضى نجا بالعسكر إلى الأثارب.

ثم توجه منها داخلاً إلى أنطاكية، فخالفه عسكر الروم ( أي تجنبوا لقاءه ) ، وتاه جيشه عنهم ، وبُعد عن حلب .



واتصل خبره بسيف الدولة ، فعلم أنه لا يطيق نقفور ، مع بعد جمهور العسكر عنه، فخرج إلى ظاهر حلب ، وجمع الحلبيين ، وقال لهم: عساكر الروم تصل اليوم، وعسكري قد خالفها، والصواب أن تغلقوا أبواب المدينة، وتحفظوها، وأمضي أنا ألتقي عسكري، وأعود إليكم ، وأكون من ظاهر البلد، وأنتم من باطنه، فلا يكون دون الظفر بالروم شيء.



فأبى عامة الحلبيين ، وقالوا: لا تحرمنا أيها الأمير، الجهاد، وقد كان فينا من يعجز عن المسير إلى بلد الروم للغزو، وقد قربت علينا المسافة.

فلما رأى امتناعهم عليه، قال لهم: اثبتوا فإني معكم.

وكان سيف الدولة في جبل بانقوسا، ووردت عساكر الروم إلى الهزازة، فالتقوا ، فانهزم الحلبيون، وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة.

وقتل أبو داود بن حمدان، وأبو محمد الفياضي كاتب سيف الدولة، وبشرى الصغير ، غلام سيف الدولة، وكان أسند الحرب ذلك اليوم إليه، وجعله تحت لوائه.

ومات في باب المدينة ، المعروف بباب اليهود ( باب النصر حالياً ) ناس كثير ، لفرط الزحمة.

وكان سيف الدولة راكباً على فرس له يعرف بالفحى، فانهزم مشرقاً ، حتى بعد عن حلب، ثم انحرف إلى قنسرين ( وهي قرية العيس حاليا من نواحي الزربة ) ، فبات بها.

وأقام الروم على ظاهر البلدة ، أربعة أيام محاصرين لها، فخرج شيوخ حلب إلى نقفور ، يسألونه أن يهب لهم البلد، فقال لهم: تسلمون إلي ابن حمدان.

فحلفوا أن ابن حمدان ما هو في البلد.

فلما علم أن سيف الدولة غائب عنها ، طمع فيها وحاصرها.

وجرى بينه وبينهم خطاب ، آخره أن يؤمنهم، ويحملوا إليه مالاً، ويمكنوا عسكره أن يدخل من باب ويخرج من آخر، وينصرف عنهم عن مقدرة.

فقالوا له: تمهلنا الليلة حتى نتشاور، ونخرج غداً بالجواب ، ففعل، ومضوا، وتحدثوا، وخرجوا بكرة الثلاثاء إليه، فأجابوه إلى ما طلب.

فقال لهم نقفور: أظنكم قد رتبتم مقاتليكم في أماكن ، مختفين بالسلاح ، حتى إذا دخل من أصحابي من يمكنكم أن تطبقوا عليه وتقتلوه ، فعلتم ذلك.

فحلف له بعضهم ، من أهل الرأي الضعيف ، أنه ما بقي بالمدينة من يحمل سلاحاً، وفيه بطش، فكشفهم نقفور عند ذلك، فعند ذلك قال لهم: انصرفوا اليوم واخرجوا إلي غداً، فانصرفوا.

وقال نقفور لأصحابه: قد علمتم أنه ما بقي عندهم من يدفع، فطوفوا الليلة بالأسوار ومعكم الآلة، فأي موضع رأيتموه ممكناً فتسورا إليه، فإنكم تملكون الموضع.

فطافوا، وكتموا أمرهم، وأبصروا أقصر سور فيها مما يلي الميدان، بباب قنسرين، فركبوه، وتجمعوا عليه، وكان وقت السحر، وصاحوا، ودخلوا المدينة.

وقيل: إن أهل حلب قاتلوا، من وراء السور، فقتل جماعة من الروم بالحجارة والمقالع، وسقطت ثلمة من السور على قوم من أهل حلب فقتلتهم.

وطمع الروم فيها فاكبوا عليها، ودفعهم الحلبيون عنها.



فلما جن الليل اجتمع عليها المسلمون، فبنوها، فأصبحوا وقد فرغت، فعلّوا عليها وكبروا، فبعد الروم عن المدينة إلى جبل المشهد .

فمضى رجال الشرطة ، وعوام الناس ، إلى منازل الناس، وخانات التجار، لينهبوها.

فاشتغل شيوخ البلد عن حفظ السور، ولحقوا منازلهم، فرأى الروم السور خالياً، فتجاسروا، ونصبوا السلالم على السور، وهدموا بعض الأسوار، ودخلوا المدينة من جهة برج الغنم.



وأخذ الدمستق منها خلقاً من النساء والأطفال، وقتل معظم الرجال، ولم يسلم منه ، إلا من اعتصم بالقلعة من الهاشميين والكتاب، وأرباب الأموال.

ولم يكن على القلعة يومئذ سور عامر ، فإنها كانت قد تهدمت ، وبقيت أثاره .

وكانت بها جماعة من الديلم ( وأصولهم فارسية ) ، الذين ينصب إليهم درب الديلم بحلب، فزحف إليها ابن أخت الملك، فرماه ديلمي فقتله ، فطلبه نقفور من الناس ، فرموه برأسه، فقتل عند ذلك من الأسرى اثني عشر ألف أسير.



وأقام نقفور بحلب ثمانية أيام ينهب، ويقتل، ويسبي ، باطناً وظاهراً.

وقيل: إنه خرّب القصر الذي أنشأه سيف الدولة بالحلبة ( جبل المشهد ) ، وتناهى في حسنه، وعمل له أسواراً، وأجرى نهر قويق فيه ، يدخل في القصر من جانب، ويخرج من آخر، فيصب في المكان المعروف بالفيض، وبنى حوله اصطبلاً ومساكن لحاشيته.



وقيل: إن ملك الروم وجد فيه لسيف الدولة ، ثلاثمائة وتسعين صرة دراهم، ووجد له ألفاً وأربعمائة بغل، فأخذها ، ووجد له من خزائن السلاح ما لا يحصى كثرة ، فقبض جميعها، وأحرق الدار، فلم تعمر بعد ذلك.



ويقال: إن سيف الدولة رأى في المنام حية قد طوقت داره ، فعظم عليه ذلك، فقال له بعض المفسرين: الحية في النوم ، ماء.

فأمر بحفر قناة بين داره وبين قويق، حتى أدار الماء حول الدار.

وكان في حمص رجل ضرير من أهل العلم، يفسر المنامات، فدخل على سيف الدولة ، فقال له كلاماً معناه: أن الروم تحتوي على دارك ، فأمر به ، فدفع، وأخرج بعنف.

وقضى الله سبحانه أن الروم فتحوا حلب، واستولوا على دار سيف الدولة، فذكر مفسر المنام أنه دخل على سيف الدولة ، بعد ما كان من أمر الروم، فقال له : ما كان من أمر ذلك المنام الملعون.

و عندما كان الروم بالمدينة ، كان المعتصمون بالقلعة، تحت السماء ليس لهم ما يظلهم من الهواء والمطر، ويتسللون في الليل إلى منازلهم ، فإن وجدوا شيئاً من قوت أو غيره، أخذوه وانصرفوا.

ثم إن نقفور أحرق المسجد الجامع ، وأكثر الأسواق، والدار التي لسيف الدولة، وأكثر دور المدينة.

وخرج منها سائراً إلى القسطنطينية، وسار بما معه ، ولم يعرض للقرى التي حول حلب .

وقال: هذا البلد قد صار لنا، فلا تقضوا على عمارته، فإنا بعد قليل نعود إليه.

وكان عدد من سبى ، من الصبيان والصبايا ، بضعة عشر ألف صبي وصبية، وأخذهم معه.



وقيل: إن جامع حلب كان يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء ، إلى أن أحرقه نقفور الدمستق ، لعنه الله ،وإن سليمان ابن عبد الملك اعتنى به ، كما اعتنى أخوه الوليد ، بجامع دمشق.

وسار الدمستق عنها، يوم الأربعاء مستهل ذي الحجة من سنة 351 / 962م .



واختلف في السبب الذي أوجب رحيل نقفور عن حلب، فقيل: إنه ورد إليه الخبر أن رومانوس الملك ، وقع من ظهر فرسه ، في الصيد بالقسطنطينية، وإنهم يطلبونه ليملكوه عليهم.

وقيل: سبب رحيله أن غلام سيف الدولة ، المسمى نجا ، عاد بالعسكر إلى الأمير سيف الدولة ، فاجتمع به، وجعل يواصل الغارات على عسكر الروم ، واستنجد سيف الدولة بأهل الشام، فكان ذلك سبباً لرحيله عن حلب.



أما سيف الدولة فإنه لما رحل الروم عن حلب، عاد إليها ودخلها في ذي الحجة سنة 351 /962 م .

وسار إلى ديار بكر بالبطارقة الذين أسرهم سابقاً ، ليفادي بهم، ففدى أبا فراس ابن عمه، وجماعة من أهله، وغلامه رقطاش، ومن كان بقي من شيوخ الحمصيين والحلبيين.

ولما لم يبق معه من أسرى الروم أحد ، افتدى بقية المسلمين ، كل رجل باثنين وسبعين ديناراً ، حتى نفد ما كان معه من المال.

فافتدى الباقين ، ورهن عليهم ، بدنته الجوهر المعدومة المثل ( أي ثوبه المرصع بالجواهر ).

وعمر ما خرب من حلب ، وجدد عمارة المسجد الجامع، وأقام فيها .



وكان سيف الدولة قد فلج وبطل شقه النصفي ، ثم قويت علته بالفالج، وكان بشيزر، فوصل إلى حلب ، فأقام بها يومين أو ثلاثة، وقيل: توفي بعسر البول ، وفي يوم الجمعة آخر صفر سنة (356 هـ - 967 م) انطفأت في حلب الشعلة الوقادة .

فمات سيف الدولة ، وحنط جسده ، ونقل إلى مسقط رأسه في ميافارقين ، وأودع قبره ، بعد أن وسد اللبنة التي جمعها من غبار حروبه .

وكان قد جمع من نفض غبار معاركه ، طينة ، جعلها في شكل لبنة ، وأوصى أن توضع تحت خده في قبره..



المراجع :

- كتاب زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم

- مجلة النبأ الالكترونية العددان : 39- 57 .


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس