عرض مشاركة واحدة
قديم 25-07-09, 03:52 PM   #21
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الشاعر عبد الرحمن الابنودى


الأيام أو حاصروا هم أنفسهم بها... ... إنها ثورة الإنسان المغني علي نفس الإنسان حين لا يغني.. ثورة علي النفس وعلي الآخرين».
ويقول عن هذا الفلاح المصري: «بني فلاحنا المعاصر أبنيته الفنية من الموال إلي أغنيات العمل إلي أهازيج الأعراس و«عديد» النائحات إلي أذكار الرجال ومساجلاتهم الشعرية إلي الملاحم وغناء الأطفال أولاد وبنات.
لقد قسم هذه الأبنية الفنية بالعدل والقسطاس بين تسجيل الحياة بتفاصيلها وتخيل ما بعد الموت، لتصبح الأغنية سجله ومؤنسه».
üüü
يقص علينا تفاصيل صيد السمك، زمان: «مع الفيضان كان الخير يأتينا محملا بأسماك الجنوب.. ويجب أن تعرف أنه لم يكن هناك «سد عالي» أو «بحيرة ناصر» لذا فالأسماك تأتي من الجنوب مباشرة من أفريقيا. كنا لا نحس لهيب الشمس.. نحن أبناء الشمس والنيل» ويحدثنا حديث الخبير عن أسماك النيل: «كان النهر يغص بعشرات الأنواع من السمك. لكل منها سلوك وطريقة في الغمز.. بعضها غبي وبعضها ذكي كالقرموط.. إن أجمل محاورة شقية متعبة هي معركة الذكاء بينك وبين الكائن العبقري المسمي «القرموط».. ويحدثنا عن سمك القرقار «رجاء نطق القاف جيما»: «هو السمكة الوحيدة التي تبكي وتستنجد حين تخرجها السنارة . كل الأسماك تقاوم أو تستسلم لمصيرها صامتة.. القرقار هو الوحيد الذي يملك صوتا..» وهنا يتذكر الشاعر عبدالرحمن الأبنودي: «السيرة الهلالية».. التي اعطاها من عمره ربع قرن ليجمعها ويحققها ويقدمها في كتابه الضخم «السيرة الهلالية».. الذي صدر- أيضا في مكتبة الأسرة- يقول: «شاعر السيرة الهلالية أراد أن يصف الموسيقي التي يصدرها حذاء «الجازية الهلالية» جميلة جميلات العرب.. بحث عن الصوت الفريد الذي لا يوجد له مثيل ليشبه به الصوت المنغم الصادر عن حذاء«الجازية الهلالية» فلم يجد سوي هذا الصوت النادر والوحيد الصادر- خلافا لكل أسماك النيل- من سمكة القرقار:
لابسه توب أخضر برسيمي
وراسمه عليه غلايين النار
لابسه توب شمني وارخيني
وحلق وازبط من قدام
لابسه جزمة بمزيكة
عما تصرخ شكل القرقار.
ويقول عبدالرحمن الأبنودي مفضلا الصيد في النهر علي الصيد في البحر: «إن عشقي للنهر والصيد في مائه الطمي جاءني من بلاد نهرية..
نحن أبناء النهر.. كلنا الكبار والصغار كنا نعتبر النهر هو الوالد والراعي والجدار المهيب الذي يسند عليه الصعيد ظهره لذا فإن كل خبرة سوف نكتسبها لتشكلنا فيما بعد إنما هي نابعة مباشرة من صلتنا بوالدنا العظيم: نهر النيل».
وعن حياته طفلا- راعيا للغنم- يحدثنا عبدالرحمن الأبنودي في بساطته وصراحته: «في المرعي عرفت لعب الطفولة الشاق المهلك الذي تتخرج منه رجلا بعد سويعات..
في المرعي ارتبطت بالطبيعة ارتباطا وثيقا لا فكاك منه، لتدخل مفردات مكوناتها وما وهبته للإنسان في عمق تلافيف معارفي وضميري السري، لم تعد هناك نباتة علي وجه الأرض لم أعرفها» ويقرر هذه الحقيقة «الوعي إجباري، لأن عدم الوعي بما علي ظهر الأرض من نبات- علي سبيل المثال- قد يؤدي إلي كارثة».
ويختم فصوله عن «راعي الغنم» بهذه الكلمات عن مهنة الرعي: «إنها المدرسة الأولي- أو قبل الأولي- التي يتعلم فيها الراعي الصغير «الحبو» علي درب الصعود نحو المغني الذي سيكونه بعد سنوات قلائل خلفا لسواقي وتحت الشواديف وفوق كراسي النورج، أو نحو الشاعر الذي سوف يكونه بعد أعوام وأعوام».
وما دمت قد تناولت حديث عبدالرحمن الأبنودي عن «راعي الغنم» فلابد أن أحدثك عن هذه الشخصية الأبنودية المتصلة اتصالاً وثيقا بالطفولة ورعي الغنم.. وهو «عم عزب الأعمي».. يقول عبدالرحمن: «كان «عم عزب الأعمي» متخصصا، في كل ما يتعلق بالطفولة والصبا، ويشكل اهتماماتنا في ذلك الوقت: يبيع الصنانير، الفخاخ «القلاليب» لصيد الحمام واليمام والعصافير.. إلا أننا كنا مهتمين بعم عزب الأعمي لسبب مختلف تماما- سبب متعلق برعي الغنم، كان عم عزب الأعمي إلي جانب بيع العسلية والفخاخ والصنانير يتاجر في «القرض» لذلك كنا نحن الصغار نتكوم كل جماعة تحت شجرة سنط كبيرة نكوم أكواما ضخمة من الطوب ونبدأ رجم الفروع الشوكية لنسقط قرضها لنجمع في النهاية جبل القرض هذا لنعبئه في جوال كبير يعذبنا نقله من المرعي إلي السوق.. ونبيعه لعم عزب نظير نصف قرش أجرا لثلاثة أو أربعة رعاة.. لم نكن قادرين علي فك نصف القرش وتوزيعه علينا إلا بشراء العسلية والصنانير من عم عزب الأعمي.
وبمناسبة شجرة السنط أذكر هذه الأبيات التي تقدم ملامح الحكمة الشعبية.. والسلوك الشعبي: «الصمت بالصمت والعلم حازوه بالصمت
من زرع لك شوك ازرع قصاده سنط
ومن زرع لك سنط ازرع قصاه ورد
الصمت بالصمت والعلم حازوه بالصمت».
وتنتهي «أيامي الحلوة» بالحديث عن هذا البطل الأبنودي «أبو عنتر» وهو يردد هذه الأبيات التي تقدم ملامح الشخصية الأبنودية التي تقوم علي الحرية والإباء وكرامة الإنسان:
أوعي تجول للندل يا عم
ولو كان علي السرج راكب
ولا حد خالي من الهم
حتي جلوع المراكب
وهنا تذكرت تلك الأبيات التي سجلها الأبنودي في مقدمة «السيرة الهلالية»:
طبيب الجرايح قوم الحق
وهات لي الدوا اللي يوافق
فيه ناس كتير بتعرف الحق
ولاجل الضرورة توافق
وكم هي قاسية ومريرة هذه النهاية: ولأجل الضرورة توافق
وما أبعد الموقف الاستلامي الذليل من حكمة البطل أبو عنتر وهذه الدعوة إلي العزة والكرامة والاعتزاز بحرية الإنسان»
أوعي تجول للندل يا عم
ولو كان علي السرج راكب
وأقول أخيراً بعد هذه الرحلة التي لعلها طالت إن «إيامي الحلوة» أهم دراسة قدمت عن قرية مصرية.
قدم لنا عبد الرحمن الأبنودي قريته أبنود.. رجالها ونساءها وأطفالها.. وحيواناتها وأسماكها.. كما قدم لنا الفلاح الأبنودي بكل ألوان نشاطه وكل ما يساعد هذا الفلاح في زراعته وفي تجارته قدم لنا الشادوف والساقية بالتفصيل والتفسير قدم لنا قرية أبنود بكل ظواهرها ومظاهرها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
قدم لنا أبنود بكل سماتها وملامحها وقسماتها.. وهي دراسة رائدة.. رغم أنها تبدو في صورة روائية.. بخاصة اعترافات البطلة الأبنودية فاطنة قنديل.
وهذه الدراسة - أيضا - درس علمي وأخلاقي وإنساني في الصدق والوفاء وكل صور الولاء والانتماء للوطن الصغير.
وهو - هذا الكتاب - إضافة مهمة إلي مكتبة الفولكلور المصرية وإلي الدراسات الاجتماعية كان علي أن أنظر - في صبر وأمل - مايقرب من أربعين عاما حتي أجد حلمي عن مشروع دراسة القرية المصرية يتحقق في هذه الصورة الرائعة والجميلة.. ولقد نشرت مشروع دراسة القرية المصرية في الستينيات في عدة صحف ومجلات مصرية.. كما نشرته في باب «ندوات» الذي كنت أقدمه في المجلة العزيزة «الشهر» وكان يصدرها ويرأس تحريرها الصديق الراحل سعد الدين وهبة، ولقد سعدت فيها بزمالة وصداقة الكاتب القدير محفوظ عبدالرحمن.. الذي أتابع أعماله بكل الحب والتقدير والإعجاب.. وبخاصة مسلسل «أم كلثوم»، هذا المسلسل الذي قدم الممثلة الجادة والممتازة صابرين.. هذا المسلسل يعرض الآن في قناة النيل وعلي الفضائية المصرية «في أمريكا» وأشاهد المسلسل بقدر ما يسمح به الوقت.. وأزداد إعجابا بالإخراج للفنانة القديرة إنعام محمد علي وتوفيقها الرائع في اختيار هذا الكاست.. هذه الكوكبة من الممثلين والممثلات الذين قدموا أصدق وأدق أداء فني وإنساني..
وأخيرا أقول مع «أبو عنتر» أوعي تجول للندل يا عم لو كان علي السرج راكب


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس