رد: المعري-فيلسوف الشعراء-حسين الحمداني
وَكَذَلِكَ يَذَّكَّر قَوْل اَلْآخَر : -
ذَكَّرْتُك وَالْحَجِيج لَهُ عجيج بِمَكَّة وَالْقُلُوب لَهَا وَجَيْب
فَقُلْت وَنَحْنُ فِي بَلَد حَرَام بِهِ لِلَّهِ أَخْلَصَتْ اَلْقُلُوب
أَتُوب إِلَيْك يَا رُبَاهُ مِمَّا جَنَيْت فَقَدْ تَظَاهَرَتْ اَلذُّنُوب
فَأَمَّ مِنْ هَوَى لَيْلَى وَحُبِّي زِيَارَتهَا فَإِنِّي لَا أَتُوب
فَيَقُول أَلَيْسَ قَالَ اَلْبَصْرِيُّونَ , إِنَّ هَاء اَلنُّدْبَة , لَا تَثْبُت فِي اَلْوَصْل , وَالْهَاء فِي
قَوْله يَا رُبَاهُ , مِثْل تِلْكَ اَلْهَاء لَيْسَ بَيْنهمَا فَرْق ? وَلَكِنْ يَجُوز أَنْ يَكُون مغزاهم
فِي ذَلِكَ المثور مِنْ اَلْكَلَام , إِذْ كَانَ اَلْمَنْظُوم يَحْتَمِل أَشْيَاء لَا يَحْتَمِلهَا سِوَاهُ
وَلَعَلَّهُ قَدْ ذَكَّرَ هَذِهِ اَلْأَبْيَات , فِي اَلطَّوَاف
أَطُوف بِالْبَيْتِ فِيمَنْ يَطُوف وَأَرْفَع مِنْ مِئْزَرِي اَلْمُسْبَل
وَأَسْجُد بِاللَّيْلِ حَتَّى اَلصَّبَاح وَأَتْلُو مِنْ اَلْمُحْكَم اَلْمَنْزِل
عَسَى فارج اَلْكَرْب عَنْ يُوسُف يُسَخِّر لِي رَبَّة اَلْمَحْمَل
فَقَالَ , مَا أَيْسَرَ لَفْظ هَذِهِ اَلْأَبْيَات , لَوْلَا أَنَّهُ حَذْف أَنَّ مِنْ خَبَر عَسَى ! فَسَبَّاحَانِ
اَللَّه , لَا تَعْدَم , اَلْحَسْنَاء ذاما , وَأَيّ اَلرِّجَال اَلْمُهَذَّب , و ذَكَرَ عِنْد اَلنَّفَر ,
وَتَفَرَّقَ اَلنَّاس هَذَيْنِ اَلْبَيْتَيْنِ
وَدُعِيَ اَلْقَلْب يَا قَرِيب وُجُودِي لِمُحِبّ فِرَاقه قَدْ أَحَمَا
لَيْسَ بَيْن اَلْحَيَاة و اَلْمَوْت إِلَّا أَنْ يَرُدُّوا جَمَالهمْ فتزما
وَقَوْل قَيْس بْن الخطيم
دِيَار اَلَّتِي كَادَتْ وَنَحْنُ عَلَى مِنَى تَحِلّ بِنَا لَوْلَا نجاء اَلرَّكَائِب
وَلَمْ أَرَهَا إِلَّا ثَلَاثًا عَلَى مِنَى وَعَهْدِي بِهَا عَذْرَاء ذَوَات ذوائب
تَبَدَّتْ لَنَا كَالشَّمْسِ تَحْت غَمَامَة بَدَا حَاجِب مِنْهَا , وَضَنَّتْ بِحَاجِب
وَمَيَّزَ بَيْن هَذَيْنِ اَلْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله , تَحِلّ بِنَا , لِأَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون تَحِلّ فِينَا
وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُرِيد تَحُلّنَا , كَمَا يُقَال , اِنْزِلْ بِنَا هَا هُنَا , أَيْ أَنْزَلْنَا , وَمِنْهُ
قَوْله
كَمَا زِلْت الصفواء بالمتنزل
وَإِنْ كَانَتْ اَلْحُجَج اَلَّتِي أَتَى بِهَا مَعَ مُجَاوَرَة , فَقَدْ أَقَامَ بِمَكَّة , حَتَّى صَارَ أَعْلَم
بِهَا مِنْ اِبْن داية , بِوَكْرِهِ , والكدري بأفاحيصه وَالْحِرْبَاء بتنضبته .
وَإِنْ كَانَ سَافِر إِلَى اَلْيَمَن أَوْ غَيْره , وَجَعَلَ يَحْجُبهَا فِي كُلّ سَنَة , فَذَلِكَ أَعْظَم
دَرَجَة فِي اَلثَّوَاب , وَأَجْدَر بِالْوُصُولِ إِلَى مَحَلّ اَلْأَوَّاب .
وَلَعَلَّهُ قَدْ وَقَفَ بالمغمس وَتَرْحَم عَلَى طفيل اَلْغَنَوِيّ لِقَوْلِهِ
هَلْ حَبِلَ شَمَّاء بَعْد اَلْهَجْر مَوْصُول أَمْ أَنْتَ عَنْهَا بِعِيد اَلدَّار مَشْغُول
إِنْ هِيَ أَحَوَى مِنْ الربعي حَاجِبه وَالْعَيْن بالإثمد الحاري مكحول
تَرْعَى أُسْرَة مُوَلِّي أَطَاعَ لَهَا بِالْجَزَعِ حَيْثُ عَصَى أَصْحَابه اَلْفِيل
وَإِنَّمَا أَطْلَقَتْ اَلتَّرَحُّم عَلَى طفيل إِذْ كَانَ بَعْض اَلرُّوَاة يَزْعُم أَنَّهُ أَدْرَكَ اَلْإِسْلَام ,
وَرَوَى لَهُ مَدْح فِي اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ أَسْمَعهُ فِي دِيوَانه , و هُوَ
وَأَبِيك خَيْر , إِنَّ إِبِل مُحَمَّد عَزْل تناوح أَنْ تَهَب شَمَال
وَإِذَا رَأَيْنَ لَدَى اَلْفَنَاء غَرِيبَة فَاضَتْ لَهُنَّ مِنْ اَلدُّمُوع سِجَال
وَتَرَى لَهَا حَدّ اَلشِّتَاء عَلَى اَلثَّرَى رَخَّمَا وَمَا تَحْيَا لَهُنَّ فَصَالَ
وَأَنْشَدَ أَبْيَات اِبْن أَبِي الصلت , اَلثَّقَفِيّ : -
إِنَّ آيَات رَبّنَا ظَاهِرَات مَا تَمَارَى فِيهِنَّ إِلَّا اَلْكُفُور
حَبْس اَلْفِيل بالمغمس حَتَّى ظَلَّ يَحْبُو كَأَنَّهُ معقور
كُلّ دَيْن يَوْم اَلْقِيَامَة عِنْد اَللَّه إِلَّا دِين اَلْحَنَفِيَّة بُور
وَمَا عَدَم أَنْ تَخْطُر لَهُ أَبْيَات نُفَيْل
أَلَّا حَيِيَتْ عَنَّا يَا رَدَّيْنَا نعمناكم مَعَ اَلْإِصْبَاح عَيْنَا
رُدَيْنَة لَوْ رَأَيْت فَلَا تُرِيه لَدَى جَنْب المغرس مَا رَأَيْنَا
إِذَا لِعُذْرِيَّتِهِ وَرَضِيَتْ أَمْرِي وَلَمْ تَأْسَيْ , عَلَى مَا فَاتَ بَيِّنًا
|