الموضوع: قريه بلا رجال
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-09, 03:15 PM   #1
 
الصورة الرمزية حسين الحمداني

حسين الحمداني
هيئة دبلوماسية

رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,724
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ حسين الحمداني
قريه بلا رجال


زيارة إلي قرية [COLOR="RoyalBlue"][SIZE="3"]بلا رجال‏!‏


عـزت السـعدني - مصر



ذا كنا نجدف في بحر بلا نساء تعالوا نرسوا بزورقنا هذه المرة علي شاطئ قرية بلا رجال‏..‏ قرية كل أهلها وناسها وسكانها من جنس الحريم فقط‏...‏ خرج منها الرجال إلي غير رجعة‏..‏ وضاع منها الموال والأفراح والليالي الملاح‏..‏

صدقوني لقد عثرت لكم في مكان قصي من بر مصر‏..‏ علي قرية تسكنها المرأة وحدها‏..‏ ولا مكان فيها لجنس الرجال‏..‏ بطيشهم ورزالتهم وغرورهم وجهلهم وحمقهم الأزلي وتسلطهم الأعمي‏..‏ واعتقادهم وهم واهمون أن الدنيا بحالها لن تخطو خطوة واحدة إلي الأمام‏..‏ ولن ينصلح حالها إلا بمشورتهم وبدماغهم وبعصاتهم‏..‏

لقد عثرت لكم علي قرية بلا رجال‏..‏ زرتها وجلست إلي أهلها من قبيلة النساء‏..‏ قد يسأل خبيث أو خبيثة لا فرق‏:‏ أين هذه القرية علي خريطة مصر كلها؟ ومتي زرتها أيها الفتي الضرغام وفي أي عصر‏..‏ وفي أي أوان؟ هل في عصرنا هذا‏..‏ أم في الأحلام؟

وإذا كنا قد انتهينا في حديثنا الطويل معا‏..‏ إلي أن الحياة لا تستقيم ولا تصح ولا تصلح في عالم بلا نساء‏..‏ فماذا يكون الحال لو تغير المنوال وأصبحنا نعيش في عالم بلا رجال‏..‏ تكثر فيه نون النسوة‏..‏ ويخرج منه جمع المذكر سالم؟

وقد تسألون بخبث أو بمكر لا فرق‏:‏ هل وجدت النساء السعادة بعيدا عن الرجال؟

وهل تستقيم الحياة وينصلح الحال للمرأة دون رفقة الرجل‏..‏ دون صحبة الرجل‏..‏ زوجا وأبا وصبيا وزميلا ورفيق درب وطريق‏..‏ طيبا كان أم خبيثا؟

أم أن الرجل زهق وغلب غلبه وطهق من عيشته وطلع من هدومه ـ كما يقول أهل البلد ـ في صحبة المرأة‏..‏ بنكدها وزنها وقرها وقائمة طلباتها التي لا تنتهي‏..‏ وبتسلطها وكفرانها بالعشرة والمعشر ونكرانها للجميل وكفرانها بالعشيرـ في كثير منهن ـ كما قال الرسول الكريم ـ فحمل متاعه وترك الدار والديار‏..‏ والجمل بما حمل‏..‏ وخرج إلي بلاد الله خلق الله؟

وجوابي‏:‏ لا هذا‏..‏ ولا ذاك‏..‏

ولكن قرية النساء التي عثرت عليها في صعيد مصر‏..‏ ضاع منها الرجال لا هربا‏..‏ ولكن موتا برصاص بندقية قديمة قدم الدهر‏..‏ اسمها بندقية الثأر‏!‏

ولنبدأ الحكاية والرواية من أول السطر‏..‏

................‏
‏...............‏

وإذا كان مؤرخنا العربي الكبير ابن خلدون صاحب كتاب مقدمة ابن خلدون في الفلسفة‏..‏ قد زار قرية بلا نساء يعيش فيها الرجال وحدهم قبل نحو ستة قرون‏..‏ اسمها شامرهان‏,‏ وهي بلد فارسي هربت منها النساء خوفا من بطش وظلم سلطان جائر عنده عقدة من جنس المرأة بعد أن خانته في صباه من أحب وأخلص‏..‏

فقد عثرت لكم بعده بستمائة عام علي قرية للنساء فقط‏..‏ ليس اليوم‏..‏ ولكن قبل أكثر من أربعين عاما في مستهل حياتي الصحفية‏..‏ والقرية اسمها منشية المعصرة ترقد في حضن الجبل الشرقي المطل علي أسيوط‏..‏

كانت البداية مكالمة تليفونية من أبوالمجتمع المصري قلة المعروف باسم د‏.‏ سيد عويس‏,‏ وكان رئيسا للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية‏..‏ وكنت أيامها في سنة أولي صحافة في الأهرام‏..‏ وكان عمري أيامها لم يتجاوز الثالثة والعشرين بعد‏..‏

قال لي الدكتور سيد عويس‏:‏ يا عزت يابني عندي لك خبر مذهل‏!‏

قلت‏:‏ خيرا يا أستاذنا‏..‏

قال‏:‏ لقد عثرت لك علي قرية بلا رجال‏..‏ قتل الثأر كل رجالها‏..‏ فيما عدا أربعة عشر رجلا‏..‏ العمدة وعامل التليفون وشيخ الخفراء واثنين من الخفراء وثلاثة شيوخ تعدوا الستين وستة مزارعين يؤجرون عافيتهم في الحقول‏!‏

أسأله‏:‏ وعدد النساء؟

قال‏:356‏ امرأة‏!‏

قلت‏:‏ يعني‏14‏ رجلا وسط‏356‏ امرأة‏.‏ يا داهية دقي؟

................‏
‏...............‏

وشددت الرحال إلي أسيوط‏..‏ منحني صلاح هلال رئيس قسم التحقيقات أيامها عشرة جنيهات دفعة واحدة من خزينة الأهرام مصاريف مهمة صحفية‏..‏ وهو رقم يساوي هذه الأيام ألف جنيه بالتمام والكمال‏..‏ وعلي كتفي كاميرا رولكس القديمة العظيمة‏..‏ مع دعوات الزميلين العزيزين‏:‏ محمد زايد‏+‏ عبدالوهاب مطاوع بالتوفيق والفلاح‏..‏

ولكن الذي حدث لي ومعي عندما ذهبت إلي قرية صعيدية قبل نحو أربعين سنة ويزيد‏..‏ كل أهلها من النساء‏..‏ عندما كتبته رفضوا أن ينشروه في الأهرام‏..‏ وقال لي الأستاذ نجيب كنعان مدير التحرير أيامها من وراء نظارته الطبية‏:‏ هو انت يا بني فاكر نفسك إيه‏..‏ محمد التابعي واللا إحسان عبدالقدوس‏..‏ اكتب زي زمايلك‏..‏ علي قدك‏..‏ انت لسه صغير‏..‏ تاتة تاتة‏!‏

وقال لي أستاذنا صلاح هلال بعطف الاستاذ‏:‏ انسي نفسك‏..‏ واكتب تحقيقا صحفيا‏,‏ وليس قصة سينمائية تقوم فيها أنت بدور البطل‏!‏

وكان هذا أول درس لي في التحقيق الصحفي‏..‏

ولكن اسمحوا لي‏..‏ لكي تكونوا منصفين أن أحكي لأول مرة بعد مايزيد علي أربعين عاما ما حدث لي في قرية صعيدية من الجذور‏..‏ في أول مشوار حياتي الصحفية في الأهرام عندما حبستني نساء القرية في غرفة التليفون‏..‏ وهو ما رفضوا ان ينشروه‏..‏ وبعدها أقدم لكم نص التحقيق الصحفي الذي نشره الأهرام تحت عنوان‏:14‏ رجلا فقط و‏356‏ امرأة وحياة عجيبة في قرية الثأر‏!‏

................‏
‏...............‏

نزلت محطة أسيوط بعد خمس ساعات سفر بالديزل درجة ثانية‏..‏ كان في انتظاري علي المحطة زميل قديم عزيز علي نفسي هو موسي بولس مندوب الأهرام في صعيد مصر‏.‏

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساء‏..‏ كنا في عز الصيف‏..‏ الحر قائظ‏..‏ وهو يزيد ويرتفع كلما اتجهنا جنوبا‏.‏

بالأحضان استقبلني موسي‏..‏ وراح يحدثني ونحن نأخذ طريقنا إلي خارج كردون المحطة بصوت عال كعادته‏:‏ أنا حجزت لك في أحسن لوكاندة عندنا‏..‏ لوكاندة الحاج دعبس‏..‏ جنبنا هنا‏..‏ خمس دقائق بالحنطور‏!‏

قلت له‏:‏ مداعبا‏:‏ ياسلام الحاج دعبس‏!‏

قال لي‏:‏ انت تعرفه؟

قلت له‏:‏ لا‏!‏

لم أنم ليلتها من صوت طرقعة القباقيب في أرجل الزبائن وهم رائحون غادون من الحمام وإليه‏..‏ علي طول الممر الطويل بين الغرف التي بلا حمامات‏!‏

ولكن في الصباح الباكر‏..‏ جاءني موسي ومعه سيارة أرياف أجرة من أيام أبونا آدم‏..‏ لو رآها الخواجة فورد لأمسك بها بيديه وأسنانه وشحنها في أول سفينة إلي نيويورك ليضعها في متحف السيارات هناك‏!‏

ركبنا وسرنا في طريق ترابي‏..‏ وتعفرنا ترابا وعرقا حتي وصلنا إلي حضن الجبل الشرقي‏.‏

قال لنا سائق السيارة الأجرة الأنتيكة‏:‏ هذه هي منشية المعصرة‏..‏ خطوتين مشي‏..‏ لحد هنا وبس أنا راجع أسيوط‏..‏ دول يقتلونا لو قربنا من البلد دي‏..‏

سألته‏:‏ ليه يا عم الحاج؟

قال‏:‏ دي كلها نسوان في نسوان‏..‏ ماحدش من الرجال يقدر يقرب من البلد دي‏!‏

سألته‏:‏ ليه يا عم بس؟

قال‏:‏ أصل عليها دم‏..‏ واللي يقرب يطخوه بالنار علي طول‏!‏

أدار الرجل سيارته استعدادا للهرب من هذا الكمين الصعيدي الحريمي‏.‏

نظر لي موسي بولس وهو صعيدي أبا عن سابع جد وقال لي‏:‏ ماليش دعوة يابا‏..‏ إنت من سكة وأنا من سكة‏..‏ إذا كنت ياخوي عاوز تدخل البلد دي روح إنت لوحدك‏..‏ أما أنا حأفضل هنا مستنيك تحت الشجرة دي‏!‏

ولأنني لم أتجاوز أيامها الثالثة والعشرين‏..‏ فتي قاهري يافع قادم من العاصمة‏..‏ في صدره قبس من عنفوان الشباب وشجاعته‏..‏ فقد تقدمت مشيا بخطي سريعة إلي داخل طرقات القرية‏..‏ سألت غلاما صغيرا‏:‏ فين يا بني دوار العمدة؟

قال‏:‏ دوار العمدة جدامك علي طول‏.‏

مشيت خطوات أخري‏..‏ كأنني عنتر زمانه وما كدت أفعل‏..‏ حتي خرج من حقول الفول الأخضر جمع من النساء يلبسن السداد‏..‏ كانهن عفاريت الليل صحن بي في البداية‏:‏ راجل يا عيب الشوم‏..‏

تجمعن حولي وصرخن بصوت عال‏..‏ اهتزت له الإبل في الصحاري‏..‏ ورحن يدفعنني مع الصرخات إلي داخل بيت ريفي أغبر اللون‏..‏ عرفت أنه بيت العمدة من صيحاتهن‏.‏

نظرت بطرف عيني أبحث عن موسي بولس‏..‏ فوجدته قد أطلق ساقيه للريح‏..‏ وكأنه فتوة العطوف في قصة نجيب محفوظ في ليلة زفافه هربا من كمين الفتوات‏..‏

وأصبحت وحيدا تحت رحمة نساء قرية بلا رجال‏..‏ أسيرا في بيت العمدة‏..‏

أدخلوني زقا ورفسا ودفعا بالكيعان والأرجل والأيدي إلي غرفة ضيقة عرفت أنها غرفة تليفون العمدة‏..‏ من التليفون العتيق المعلق علي الحائط‏..‏ لعله هو نفسه الذي اخترعه الخواجة بل‏..‏

أغلقن الباب علي‏..‏ ورحن يتصايحن ويصوتن من حولي‏..‏ وكأنني قد وقعت بين أيدي جماعة من آكلة لحوم البشر البيض أمثالي القادمين من القاهرة‏..‏

ولكنني لم أخف‏..‏

ولكن الذي أقلقني‏..‏ ولا أحد يعرف بالضبط الخطوة الثانية لأي امرأة‏..‏ إن الصمت قد ران وأصبح سيد الموقف‏..‏ داخل دوار العمدة‏.‏

لماذا توقفن عن الصياح؟

ماذا يخبئن لي في جعبتهن‏..‏ أولئك النسوة اللاتي يرتدين السواد من أعلي رؤوسهن حتي أخمص أقدامهن؟

فجأة سألتني واحدة منهم من وراء الباب‏:‏ أنت يا سيدنا الأفندي جاي حدانا ليه؟

قلت لها‏:‏ والله ذنبكم علي جنبكم‏..‏ أنا جاي عشان أشوف أحوالكم وأكتب عنكم في الجرنان بتاعي‏..‏ عشان الدولة تصرف لكل واحدة منكم معاش كويس تعيش منه وتربي عيالها‏!‏

قالت واحدة عاقلة‏:‏ أي والنبي صحيح‏..‏ ماتفتحوا يانسوان الباب للجدع‏..‏ عشان نعرف منه كل حاجة‏..‏ يعني هو حياكل منكم حتة‏..‏ واللا حياكل منكم حتة‏!‏

انفتح الباب‏..‏ وقمت أتمطع من جلسة القرفصاء التي كنت أجلسها محشورا في غرفة متر‏*‏ متر ونصف‏..‏ وأنا أقول‏:‏ انا زي ابنكم وأنتم زي اخواتي تماما‏..‏ وأدي إيدك يا ست الحاجة أبوسها زي ما كنت أبوس إيد أمي كل يوم الصبح‏..‏

انحنيت علي يد أكبرهن لكي أقبلها‏..‏ ولكنها سحبتها مني وهي تقول‏:‏ أستغفر الله يابني‏!‏

أجلسوني علي كنبة عربي ذات مساند وحشيات قطنية وجلسن أمامي في دائرة تتسع لأكثر من خمسين امرأة وفتاة في مندرة العمدة‏..‏ بعد أن انزاح ساتر الخوف من هذا الزائر المصراوي الأشقر اللون‏..‏ وبدلا من أسألهن أنا‏..‏ رحن يسألنني‏:‏

*‏ إنت إسمك إيه؟

*‏ بتشتغل إيه؟

*‏ متزوج؟

*‏ وليه مستني إيه لحد دلوقتي؟

*‏ الستات عندكم في مصر بيلبسوا فساتين قصيرة وكعب عالي؟

*‏ ليه الراجل المصراوي بيسمع علي طول كلام الست؟

*‏ عمرنا ما رحنا السيما‏..‏ إحنا بنسمع راديو بس‏!‏

*‏ مابقاش عندنا رجالة واللا شباب‏..‏ كلهم ماتوا أو اتسجنوا‏!‏

*‏ البنات عندنا موش لاقية عرسان‏.‏

*‏ الست إللي جوزها يموت بالنار‏..‏ ممنوع عليها الجواز‏..‏

أسألهن‏:‏ ليه؟

قلن‏:‏ ياعيب الشوم‏..‏ تتجوز إزاي وجوزها ماحدش خد بتاره‏..‏

أسألهن‏:‏ يعني تقعد طول عمرها أرملة؟

قلن‏:‏ أيوه‏..‏ تربي ولادها‏..‏ إلا إذا تقدم لها أخو جوزها إللي مات قتيل‏!‏

*‏ إنت بتشوف أم كلثوم وعبدالحليم حافظ شكله إيه‏..‏ حلو زي حضرتك كده‏!‏

*‏ مامعاكشي قزازة ريحة من بتوع مصر‏..‏

*‏ إحنا إللي بنزرع الأرض دلوقتي بعد ما ماتت أجوازنا وأولادنا‏..‏ واللي ماتوا أكثر من إللي دخلوا السجن بسبب الثأر‏..‏

*‏ سألتهن‏:‏ ليه بس الثأر‏..‏ ما المحاكم بتحكم علي الجاني‏!‏

قالت أم عجوز‏:‏ ما يكفيش يابني‏..‏ الثأر ولا العار يا ولدي‏!‏

*‏ سألتني الأم العجوز‏:‏ غيرت ريقك يا حبة عيني؟

قلت‏:‏ وقد اسعدتني كثير كلمة حبة عيني‏:‏ علي لحم بطني من طلعة الشمس‏!‏

صاحت علي أهل الدار‏:‏ الصينية ياولاد‏..‏ عيب الجدع في دارنا وما داقشي الزاد‏..‏ ياعيب الشوم‏!‏

يتبع


حسين الحمداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس