عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:18 PM   #36
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]«جاد الحق علي جاد الحق»

بقلم د.مصطفى الفقى ١٦/ ٨/ ٢٠٠٧
كان شيخاً للأزهر، شديد المراس، معتزاً برأيه، يتميز بصلابة في التمسك بما يؤمن به وما يقتنع بسلامته، عاش فقيراً، ومات فقيرا، لم يتربح من مناصبه وظل يعيش في شقته المتواضعة حتي رحل عن عالمنا، وعندما شعر الشيخ الراحل «محمد الشعراوي» بمعاناة شيخ الأزهر في صعود الدرج إلي شقته المتواضعة حاول أن يشتري له، من ماله الخاص، شقة بديلة يقيم فيها تتناسب مع سنه وظروفه الصحية، ولكن الشيخ «جاد الحق علي جاد الحق» اعتذر شاكراً، وظل علي تمسكه بأسلوب حياته الذي لم يتغير، وقد بدأ صعود نجم هذا العالم الراحل مع حكومة الدكتور «فؤاد محيي الدين»،
رئيس الوزراء الأسبق، الذي سعي شيخنا إلي مكتبه ذات يوم شاكياً بعض أحواله الوظيفية وتأخر الترقية عنه، وعندما خلا منصب مفتي الجمهورية تذكره رئيس الوزراء الدكتور «فؤاد محيي الدين»، واستدعاه وعرض عليه المنصب، والحقيقة أن الحكومة المصرية كانت تعاني كثيراً عند شغل منصب الإفتاء، لأن الإقبال عليه كان محدوداً بسبب إحجام الكثيرين عنه لاحتمال خسارة مكافأة نهاية الخدمة، إذا كان المرشح له من رجال القضاء،
كما أن الحياة الفكرية والثقافية قد عانت هي الأخري من بعض شطحات من تولوا ذلك المنصب الرفيع، الذي يتبع وزارة العدل، والذي احتله يوماً إمام التجديد والإصلاح والاستنارة الشيخ «محمد عبده» عندما جري فصل منصب الإفتاء عن مشيخة الأزهر في بدايات القرن العشرين. ونعود إلي شيخنا الجليل «جاد الحق علي جاد الحق»، الذي تولي المناصب الدينية العامة الثلاثة في مصر،
وهي الإفتاء ووزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر، واتسمت فترات شغله منصب شيخ الأزهر بالاستقرار والتأكيد علي استقلالية المؤسسة الدينية، مع الحرص الشديد علي أن يظل الأزهر بعيداً عن سيطرة الحكم، وأذكر أنني ذهبت إليه ذات مرة مبعوثاً للاستفسار من فضيلته حول أمر اتخذ فيه قراراً من قبل فأحسن الرجل وفادتي، وكان بسيطاً بشوشاً لا يخلو الحديث إليه من روح الدعابة الوقورة، ولكنه تمسك في نهاية الحوار بما رآه الأزهر،
معبراً عن احترامه للجهة التي أوفدتني، ومتمسكاً في الوقت ذاته بما استقر عليه رأيه، كما أنه كان عازفا عن المجالس الخاصة، مبتعدا عن مناسبات التكريم والمنتديات الاجتماعية، محافظاً علي وقار الأزهر ومكانة شيخه وهي مكانة رفيعة لو تعلمون! لأن الشيخ يجلس علي مقعد جلس عليه أئمة من أمثال «المراغي» و«عبدالمجيد سليم» و«الخضر حسين» و«شلتوت» و«عبدالحليم محمود» وغيرهم من الكوكبة الرشيدة من علماء الإسلام،
وقد ظل الرجل معتزاً بنفسه محافظاً علي كرامته حتي لحظة الرحيل، وسوف أظل أذكر له فضلاً لا أنساه، فعندما دعوت في شهر يناير ١٩٩٥ فضيلة الدكتور «محمد سيد طنطاوي»، مفتي الجمهورية ـ حينذاك ـ لعقد قران ابنتي الكبري تبركاً به وتفاؤلاً بشخصه، فوجئت قبل عقد القران بأيام قليلة بمكالمة من فضيلته، يعتذر فيها عن عدم عقد القران لسفره ومعه القس «صموئيل حبيب» رئيس الطائفة «الإنجيلية» في رحلة عمل لدعم الوحدة الوطنية المصرية بين أبنائنا في المهجر بالولايات المتحدة الأمريكية، وطلب مني فضيلة المفتي - إن شئت - تأجيل عقد القران حتي يعود فضيلته من مهمته، ولكنني شكرته،
وعبرت له عن شعوري بأن تأجيل عقد القران ليس مدعاة للتفاؤل عند الكثيرين، وفي صباح اليوم التالي فوجئت بهاتف المنزل يدق ويقول المتحدث «السلام عليكم»، أنا «جاد الحق علي جاد الحق» شيخ الأزهر وأضاف: «لقد علمت أن عقد قران ابنتنا مستحق في العاشر من هذا الشهر، وشيخ الأزهر يريد أن يعقد القران بنفسه»! وكانت المفاجأة بالنسبة لي رائعة ومؤثرة في ذات الوقت، فقلت له هذا فضل كبير لم أجرؤ علي التفكير فيه، ومكرمة لن أنساها مدي حياتي، لأنني أعرف أن الشيخ لا يقوم بهذه المهمة إلا نادراً، وسألته ـ رحمه الله ـ في أي ساعة يكون عقد القران في مشيخة الأزهر؟ فأجاب:
بل سيكون مجلس العقد في منزل والد العروس مثلما كنت تريد. وبالفعل حضر الشيخ الجليل إلي منزلي في الموعد المحدد، وظل يلاطف العروسين بعبارات طيبة وظهر معهما في صور تذكارية استأذنته في نشرها في الصفحة الأخيرة بـ«الأهرام» فلم يمانع، بل بدا مرحباً وكريماً.
.. هذه سطور لعلاقتي بعالم جليل كان شيخاً للأزهر، حافظ علي مكانته، وعلا بسمعت، ابتغاء مرضاة الله وخدمة للإسلام والوطن.

«يعقوب جووون»

بقلم د. مصطفي الفقي ٩/ ٨/ ٢٠٠٧
كنت أسكن في شقة بالشارع الرئيسي لحي «سان جونز وود»، في العاصمة البريطانية، تقع في الدور الأول من البناية الكبيرة، حيث أقيم معرض سيارات «فولكس فاجن»، وذات صباح كنت أقوم بحجز موعد للخدمة الدورية لسيارتي الخاصة، وعندما دخلت صالون الانتظار وجدت أمامي وجهاً مألوفاً، أمعنت النظر إليه وأدركت من يكون، فبادرته قائلاً (هل أنت الجنرال «يعقوب جووون»، رئيس جمهورية «نيجيريا» السابق؟)
فابتسم الرجل وأجاب: (أنا الجنرال «جووون»)، وكان قد أطيح به قبل ذلك بشهور قليلة بعد أن كان رجل «نيجيريا» القوي والحاكم الأفريقي المرموق، عندما كانت «لاجوس» لا تزال هي العاصمة قبل إنشاء مدينة «أبوجا»، وهو أيضاً سيد البلاد المتمرس في فترة حرب الانفصال في إقليم «بيافرا». وعندما غادر السلطة مكرهاً في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، اعتبر كثير من المراقبين أن حاكماً أفريقياً مهماً قد خرج من دائرة الضوء بعد سنوات من سلطة الحكم ومسؤولياته.
نعود الآن إلي الرئيس النيجيري السابق واللقاء معه، فبعد أن تعرفت عليه وقدمت نفسي إليه ودعوته إلي فنجان شاي في منزلي في الدور الذي يعلو صالة استقبال «فولكس فاجن»، استجاب الرجل بسرعة، لأن الحكام يعودون مستأنسين للغاية بعد رحيل السلطة وشحوب الضوء حولهم! وبالفعل جلسنا معاً أكثر من ساعة ونصف الساعة في منزلي، أنا ورئيس دولة سابق لم يمض علي إقصائه أكثر من عدة شهور، حيث اختار منفاه الاختياري في بريطانيا،
والتحق بالدراسات العليا في إحدي جامعاتها المرموقة، وقد أذاع التليفزيون البريطاني صوراً للرئيس السابق، وهو يحمل «صينية طعامه» بيده، ويتحرك مع طابور الطلاب بلا تمييز أو تفرقة، فما أحلي الحياة العادية للبشر! وقد بدأ الرئيس النيجيري السابق يحكي لي ذكريات الحكم ويوميات السلطة، وقد قالوا قديماً «إن التاجر إذا أفلس بدأ يبحث في دفاتره القديمة»، فقال لي إنه مسيحي بالتبشير، نتيجة انضمامه في طفولته لمدارس الإرساليات الكنسية،
رغم أنه ابن أسرة نيجيرية مسلمة وله أخت تدعي «فاطمة»، وهذه بالمناسبة ظاهرة أفريقية شائعة وهي تحول بعض العائلات، بل والقبائل، إلي المسيحية تحت إغراء المنح التبشيرية والإرساليات التعليمية، و«نيجيريا» عرفت شيئاً من ذلك حتي تراجعت نسبة المسلمين فيها بشكل ملحوظ في العقود الخمسة الأخيرة، وقد حكي لي الرئيس السابق كيف كان يحكم بلاده وكيف كان يتعامل مع خصومه، كما دافع بشدة عن نفسه أمام تهم الفساد السياسي والمالي المنسوبة إلي فترة حكمة، وبرر كثيراً من مواقفه الأفريقية والدولية، كما ظل متماسكاً وراضياً عن أدائه السلطوي،
متحمساً لأسلوبه في إدارة البلاد، معترضاً علي ما تنشره وسائل الإعلام عنه وعن عهده بالكامل، ثم امتد الحديث بيننا عن مصر ومكانتها الأفريقية، ودورها في تحرير القارة، ومواجهة الحركات الانفصالية في بعض دولها، وقد لاحظت أنه يبدو كمن استراح من عبء السلطة، ولم تعد لديه رغبة في العودة إليها، وبدت لي طموحاته الدراسية، وقد استحوذت علي تفكيره بالكامل، وذلك هو حال الإنسان دائماً إذا حاز من المال كثيره، تطلع إلي السلطة، وإذا حاز السلطة فقد يتطلع لدور ثقافي وفكري.
فهناك نوع من البشر يريد كل شيء، مع أن مقدار المتاح لكل مخلوق هو مقدار ثابت قد يأخذه علما أو مالاً أو صحة أو ذرية أو سلطة. وقد لا يكون لديه شيء من كل ذلك، ولكن تبقي لديه سعادة داخلية ليس لها مصدر!. ذلك درس أدركته من خلال متابعة آلاف الحالات الناجحة والفاشلة علي حد سواء.
لقد درات بذهني كل هذه الأفكار وأنا شاب لم يبلغ الثلاثين وقتها، وبانتهاء جلسة الشاي الحميمة بيني وبين الرئيس النيجيري المخلوع،
في شقتي بلندن، اكتسبت يومها صديقاً، واتفقنا علي مواصلة الاتصالات واللقاءات، خصوصاً أنه كان يدرس في جامعة قريبة من لندن التي أدرس فيها أيضاً لدرجة الدكتوراه، وقد عدت بعد اللقاء مسرعاً إلي مبني السفارة المصرية، حيث أعمل، وأعددت تقريراً عن أهم ما دار في اللقاء، متصوراً أنني قد حققت سبقاً دبلوماسياً مهماً، ولكن عندما جري إرسال التقرير إلي وزارة الخارجية،
كان رد الأجهزة المعنية في القاهرة هو طلب توقف الدبلوماسي الشاب عن لقاء الرئيس النيجيري السابق، لأن أعين النظام النيجيري الجديد ترصد تحركات الرئيس «يعقوب جووون» في منفاه، وإذا علموا أن دبلوماسياً مصرياً من السفارة في لندن يقيم علاقة صداقة أو زمالة معه، فإن ذلك قد ينعكس سلبياً علي علاقات «القاهرة» و«لاجوس» في ذلك الوقت، ومع ذلك فإنني أعتبر تلك العلاقة العابرة بمثابة صفحة مطوية، أتذكرها عندما أرصد البشر وهم في السلطة وخارجها، وأتأمل الفارق بين الحالتين للإنسان الواحد. حاكماً مرة وطريداً مرات![/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس