عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 05:15 PM   #34
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]يوسف إدريس»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٧/ ٩/ ٢٠٠٧
لا أظن أن أديباً عربياً عاني في السنوات الأخيرة من عمره مثل معاناة «أب القصة القصيرة» في الأدب العربي المعاصر «يوسف إدريس»، فلقد عاش الرجل ذو الحساسية المفرطة سنوات من عمره وهناك من يلوح له في الخارج بجائزة «نوبل» للأدب ولكن عندما هبطت الجائزة أرض النيل اتجهت إلي الروائي الكبير «نجيب محفوظ» ولا شك أن الذين داعبوا أحلام «يوسف إدريس»
ودغدغوا مشاعره لم يكونوا واهمين أو مخدوعين فالرجل يستحقها بجدارة ولكن الإطار السياسي الذي وضع نفسه فيه كان كفيلاً بإبعاد الجائزة عنه وهي بالمناسبة جائزة قد تكون بريئة في فروع العلوم والتكنولوجيا إلا أنها في فرعي السلام والأدب تخضع في الأولي لتوازنات دولية وفي الثانية لحسابات جغرافية بين الثقافات المختلفة والآداب المتنوعة كما أنها في هذين الفرعين تحديداً لا تبرأ من اعتبارات سياسية تدل كل الشواهد علي وجودها، خصوصاً في العقود الأخيرة، ولقد ربطتني «بيوسف إدريس» علاقة وثيقة امتدت لسنوات طويلة ما بين «لندن» و«القاهرة» و«نيودلهي» فقد عرفته وأنا دبلوماسي شاب، حيث كنت نائباً للقنصل المصري في «لندن» وجاء الأديب المتميز طلباً للخلاص من داء آلم به وليبرأ من مشكلة صحية ونفسية سيطرت عليه،
وكنت في ذلك الوقت المشرف الدبلوماسي علي القسم الطبي بالقنصلية العامة في لندن فتعددت لقاءاتي مع الكاتب الكبير في حضور صديقي الراحل د. «عبدالغفار خلاف» المستشار الطبي للقنصلية ورأيت في «يوسف إدريس» شخصية فريدة خارج الدائرة التقليدية للبشر فهو مفكر حقيقي وإحساسه الإنساني مرتفع للغاية وانتماؤه السياسي واضح فهو منحاز للفقراء والكادحين ولا غرو فهو صاحب «أرخص الليالي» وأديب «الفرافير» الذي كتب عن عمال التراحيل وأجراء الأرض وهو ابن محافظة الشرقية الذي تخرج طبيباً في «قصر العيني» وعايش وهو في الامتياز اللحظات الأخيرة من حياة الشهيد «عبدالقادر طه» الذي اغتاله أعوان الملك «فاروق»
قبيل الثورة فتجمعت لدي «يوسف إدريس» رؤية وطنية مبكرة جعلته بحق «الترمومتر» الحساس للحياة العامة المصرية والضمير اليقظ للوطن علي امتداد العصر الملكي وحكم «نجيب» و«عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، ومازلت أتذكر شطحاته الفكرية وخروجه عن السياق العام برؤي غير تقليدية كان يبدو فيها سابقاً لعصره ومعاصريه، وعندما عدت إلي الوطن تواصلت لقاءاتنا وتوطدت علاقتنا وعرفت فيه إنساناً فريداً يعشق الحق والخير والجمال،
وعندما عملت في السفارة المصرية بالعاصمة الهندية جاء «يوسف إدريس» عام ١٩٨٢، ضيفاً كبيراً قضي معنا أسبوعاً لا أنساه أبداً حيث رافقته في محاضرة ألقاها بجامعة «جواهر لال نهرو» عن «الاتجاهات الحديثة في الأدب العربي المعاصر» واستقبلته بعدها السيدة «أنديرا غاندي» الرئيسة القوية للحكومة الهندية واحتفت به كثيراً وتهللت عند استقباله حتي ظل يقبل يديها ويلثم ذراعيها في مودة واضحة وهي سعيدة بذلك الشعور العفوي لأديب مرموق له مكانته المحلية والدولية بينما تصاعدت مكانته القومية منذ رفضه جائزة «حوار» اللبنانية بسبب غموض دوافعها في وقت كان المد القومي فيه كاسحاً والرأس العربية شامخاً،
وأتذكر جيداً أن ليل «يوسف إدريس» كان طويلاً ينتعش بعد الحادية عشرة مساء بينما سفيرنا اللامع في النهد حينذاك القاضي الدولي د. «نبيل العربي» ينام مبكراً ولا يهوي السهر فكان علي أن أواصل مع أديبنا الراحل ساعات طويلة بعد العشاء الذي يكون مدعواً إليه في عدد من البيوت المصرية أو الهندية علي السواء، ولم يتوقف الأديب الكبير عن مداعباته الراقية لزوجات السفراء الأوروبيين في سهرات الهند فقد كان، رحمه الله، فناناً قبل أن يكون أديباً تسيطر عليه قيمة الجمال قبل غيرها من القيم وذلك دأب ذوي الانتماء البشري العميق،
ولقد حكي لي «يوسف إدريس» أنه عندما اعترض علي اتفاقية «كامب ديفيد» ومعاهدة السلام المصرية ووقف في المعسكر المناوئ لسياسات الرئيس الراحل «أنور السادات» اتصل به المستشار الصحفي للسفارة العراقية بالقاهرة وأبلغه دعوة خاصة من «صدام حسين» النائب القوي لرئيس العراق والحاكم الحقيقي لأرض الرافدين والذي كان يعرف «يوسف إدريس»
شخصياً من سنوات الصعلكة الدراسية للمغامر العراقي في العاصمة المصرية وعندما هبط «يوسف إدريس» مطار «بغداد» أخذته سيارات الضيافة العراقية إلي حيث كان «صدام» يشرف بنفسه علي تنفيذ «وجبة» إعدام في عدد من معارضيه قرب ضواحي بغداد وكاد «يوسف إدريس» أن يغمي عليه وهو الذي أجريت له جراحة «قلب مفتوح» قبل تلك الزيارة بسنوات قليلة،
وعندما عاتب الأديب الكبير نائب الرئيس العراقي علي دعوته المتهورة لمشاهدة ذلك الحدث الدامي ضحك «صدام» كثيراً وقال له «إن الأدباء الكبار لا يجزعون من الموت لأنهم يصنعون الحياة» وظلت العبارة لا تفارق ذهني أبداً لأنها تمثل المواجهة الحقيقية بين السياسة والثقافة، بين السلطة والأدب، بين الموت والحياة،
ولقد كتب «يوسف إدريس» مقالاً طويلاً بالأهرام في يومياته بعد عودته من الهند خصني فيه بفقرات طويلة أعتز بها حتي الآن، ولقد رأيته في سنواته الأخيرة وهو يشعر بجحود حقيقي لعطائه الفذ وإنكار لموهبته العبقرية، وظل يري في ابنه الراحل وشقيقه وفي «نسمة» ابنته ودرة وجدانه امتداداً حقيقياً له يربطه بشريكة حياته ورفيقة عمره، وعندما كان يحضر الحوار الفكري بين الرئيس «مبارك» والأدباء والمفكرين في «معرض القاهرة الدولي للكتاب»
كان يتحدث مع الرئيس عن شواغل الناس وهموم الشارع المصري وقضايا الوطن الكبير، وكان الرئيس يتلقي آراءه باهتمام بالغ ومحبة زائدة، وعندما اعترض «يوسف إدريس» ذات مرة علي ارتفاع أرقام «فواتير الكهرباء» سأله الرئيس «كم جهازاً للتكييف في بيتك أيها الأديب الكبير؟» وضجت القاعة بالتصفيق في جو ودي حميم، لذلك كله لست أشك في أن رحيل «يوسف إدريس» كان ولايزال خسارة كبيرة للوطن وللأدب ولي شخصياً.
جعفر نميري

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٠/ ٩/ ٢٠٠٧
شاهدت برنامجاً تليفزيونياً منذ أيام، تحاور فيه المذيعة ضيفتها المناضلة السودانية «فاطمة إبراهيم»، أول سيدة تدخل البرلمان السوداني عام ١٩٦٥، وزوجة القيادي الشيوعي الذي كان عضواً بارزا في الحركة العمالية الدولية، وأعني به شهيد الرأي «الشفيع أحمد»،
الذي أعدمه الرئيس السوداني «جعفر نميري» في بدايات حكمه، ولابد أن أعترف هنا بأن الشأن السوداني كان، ولايزال، وسوف يظل، واحداً من أهم شواغلي وأخص اهتماماتي، وإذا كنت سوف أكتب يوما عن السيد «الصادق المهدي» ومولانا «محمد الميرغني»، وغيرهما من زعامات السودان التقليدية، التي تعاملت معها فإنني أكتب اليوم عن الرئيس «جعفر نميري»،
الذي حكم السودان قرابة خمسة عشر عاماً اتسمت بالصعود والهبوط، بالاستقرار والاضطراب، وتفجرت خلالها معظم مشكلات السودان أكبر الدول الأفريقية مساحة، والذي كان يمكن أن يكون «سلة الغذاء» لدول وادي النيل وشرق أفريقيا. والرئيس «نميري»، كما عرفته، شخصية تحتاج إلي دراسة، فهو الرجل العسكري الذي فقد والديه في حادث سير وهما يتجهان إلي مبني الكلية الحربية السودانية لحضور حفل تخرجه ضابطاً فيها،
ولقد شاءت الظروف أن ألتقيه مرات عديدة في سنوات منفاه الاختياري بالقاهرة، ولفت نظري أنني كلما ذهبت إليه وجدت لديه المستشار الإعلامي للسفارة السودانية في القاهرة والملحق العسكري بها وبعض الدبلوماسيين من السفارة في وقت كانت حكومة «الخرطوم» تسعي فيه لاستعادة «نميري» ومحاكمته رسمياً وشعبياً! وتلك ظاهرة ينفرد بها السودانيون دون غيرهم،
وهي الفصل بين المواقف السياسية والعلاقات الشخصية. ولقد تحدثت إلي الرئيس «نميري» كثيراً وتطرقت معه إلي موضوعات ذات حساسية بالنسبة له مثل علاقته بالمعارضة السودانية وموافقته علي إقامة جسر جوي ينقل يهود «الفلاشا» إلي إسرائيل وما تردد عن حصوله شخصياً علي مقابل لتلك العملية التي تتعارض مع انتمائه الأفريقي والعربي والإسلامي وقد نفي الرئيس السوداني السابق ذلك تماماً، وشرح ملابسات تلك العملية وتداعياتها، وقد لاحظت أنه يحمل قدراً كبيراً من مرارة الخصومة تجاه عدد من الشخصيات التاريخية علي مسرح الحياة السياسية للسودان،
ذاكراً بعض أخطائهم، راصداً عدداً من سقطاتهم، ولا عجب في ذلك فهو الرئيس السوداني الذي انقلب عليه «الشيوعيون» واحتواه «المتأسلمون» وانصرف عنه «القادة التقليديون»،
كما أن تحالفاته مع ليبيا «القذافي»، ثم انهيار العلاقة معها كانت هي الأخري ظاهرة متكررة، بل إن علاقاته بـ «القاهرة» أيضاً لم تخل من شد وجذب، وإن كانت مصر «السادات» تذكر له رفضه الانصياع لقرار القمة العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، بعد توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو موقف انفرد به، ولم يشاركه فيه إلا حكومتا دولتي «عمان» و«الصومال».
ويجب أن أسجل هنا أن «نميري» ينتمي إلي أكثر الدول العربية إحساساً بالحرية، والتزاماً بحق إبداء الرأي مهما كانت الظروف، فالشعب السوداني هو الذي أدخل المفهوم الحديث لحركة العصيان المدني في قاموس السياسة الدولية المعاصرة مرتين في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت الأولي ضد نظام «إبراهيم عبود» عام ١٩٦٤، والثانية بالحركة الشعبية للنقابات ضد نظام «نميري» عام ١٩٨٥، ولابد أن أعترف هنا بأن سنوات حكم «نميري»
كانت نسبياً هي أكثر العهود تقارباً بين القاهرة والخرطوم، ولعلي أتذكر الآن من لقاءاتي مع عدد من السياسيين المرموقين في تاريخ السودان من أمثال الراحل «جون جارانج» والسياسي الفذ الدكتور «منصور خالد» وصديقي العزيز «فاروق أبوعيسي» الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب،
ولكن أقرب السودانيين إلي قلبي هو السفير «إبراهيم طه أيوب»، الذي جاءت به حركة ١٩٨٥ وزيراً للخارجية بعد أن كان سفيراً لبلاده في الهند في فترة تزامنت مع عملي مستشاراً بالسفارة المصرية في «نيودلهي» مع نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وأتذكر الآن جيداً يوم أن دعاني السفير «إبراهيم طه أيوب» إلي منزله في العاصمة الهندية ورأيت صورة كبيرة في قاعة الاستقبال للرئيس السوداني «جعفر نميري»
فقلت له مجاملاً: «إن هذا الرجل قد حقق للسودان استقراراً لم يتوفر لها من قبل» فضحك السفير «أيوب» ساخراً وقال: «إن هذا رجل سيئ ولا يزيد عنه سوءاً إلا رئيسكم السادات»! فاندهشت لذلك الموقف العفوي من دبلوماسي متميز، ولكن تلك هي دائماً الشخصية السودانية الصريحة الواضحة التي لا تقبل النفاق ولا تهوي المجاملة الزائفة، وأسجل هنا أن الرئيس «نميري» قد بدا لي بعد زوال السلطة عنه إنساناً عاطفياً للغاية يهتم ببعض المشروعات الخيرية، ويرعي عدداً من الأطفال المحتاجين،
خصوصاً أنه لم يرزق أولاداً، ولكن مشكلة بعض القادة وهم في الحكم أن بريق السلطة يعمي الأبصار ويستولي علي الأفئدة ويجعل القرارات أحياناً شديدة القسوة، إلي حد يصل بالخصوم إلي حبل المشنقة.. إنها السياسة لعنها الله في كل زمان ومكان![/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس