عرض مشاركة واحدة
قديم 09-11-08, 08:35 PM   #1
 
الصورة الرمزية الهيتي

الهيتي
رحمه الله

رقم العضوية : 5413
تاريخ التسجيل : Sep 2006
عدد المشاركات : 2,363
عدد النقاط : 20

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ الهيتي
نوري السعيد خائن


نوري السعيد .. خائن !!! كتابات - ميادة العسكري
لم أكن أريد إن ادخل في هذه المتاهة يوما، لأني تعلمت أن لا أطلق مسمى (خيانة) بسهولة على أي كان من البشر. فمن يعتبر خائنا اليوم، قد يصبح بطلا وطنيا غدا. والخيانة، امر نسبي في عالم السياسة بكل المقاييس. قرأت مقالة لشخص لم أقرا له من قبل، يتهم نوري السعيد بالخيانة .. فأطرقت قليلا بعد أن تذكرت جدتي ووالدتي، والحكايات التي كانت تروى في البيت عنه ..كنت في الصف الخامس في مدرسة ابتدائية 'انكليزية' اسمها التأسيسية في بغداد، عندما سمعت كلمة 'نوري السعيد خائن' لأول مرة. لا أتذكر من قالها.. حفظت الكلمة إلى أن عدت إلى البيت، ورميت حقيبتي بعد أن أنزلني باص المدرسة وطرت إلى بيت جدتي، أخته، الملاصق لبيت أبي، سألتها: بيبي شنو يعني خائن؟ وقفت المرأة التي قتل زوجها عام 1936، وسحل أخيها عام 1958 أمام حفيدتها وراحت تبحث عن كلمات تتناسب مع الوضع، حاولت وأخفقت، ثم قالت، اسألي سلوى، فسلوى تعرف الإجابة أفضل مني ..كانت جدتي واثقة من أن والدتي ذات الاتجاه القومي، وابنة فيلسوف القومية العربية، ستنصف نوري الذي لا بد من إني بغبائي الطفولي كنت اسأل عنه من بين طيات هذه الكلمة المقيتة..قالت لي أمي، الخيانة تعني أمور كثيرة، ولكني أؤكد لك ، بان الباشا لم يخن العراق يوما.أمضيت فترة طويلة من مراهقتي وانأ اعتبر السعيد خائنا، إلى أن ذهبت إلى الجامعة في بيروت. هناك، كان عليّ أن اختار عدد من المواد التي لا تمت لاختصاصي العلمي بصلة لاستكمال 'كورسات' التخرج، فاخترت من ضمن ما اخترت، مادتي علم الاجتماع والفلسفة.في هاتين المادتين، تعلمت أن كل قصة في الدنيا لها أكثر من وجه، وان إطلاق أحكام الأسود والأبيض لا تتناسب مع العالم الذي نعيش فيه..كان أستاذ الفلسفة، رجل متقدم سنا، ينظر إلى الأمور بطريقة متجردة من العواطف، وكان يردد جملة أتذكرها دوما: اخضعوا كل ما ترونه إلى تفكير الجانب الآخر، وحاولوا أن تضعوا أنفسكم في مكان المقابل.. لن أقول هنا ، لنحاول أن نضع أنفسنا في مكان ، أو أن ننتعل حذاء نوري باشا، ولكن ، لنحاول ولو بشكل موجز، أن ننظر إلى صورة هذا الرجل وان نرى أن كانت صورة الخيانة تنطبق عليه أم لا؟ إليكم تعريف للفرد وخيانة الوطن لن نختلف عليه: بأن يكون الفرد مطية العدو في تنفيذ مخططاتهم وما فيها من دمار للبلاد والعباد، أو دليلا لهم على عوراتها.فهل كان نوري السعيد كذلك؟ مطية للعدو؟ مطية لبريطانيا؟ من منكم يعلم بان نقاشاته معهم كانت تصل إلى حد المشادات لصالح العراق؟ من منكم لا يعلم بان الملك فيصل الأول الهاشمي رحمه الله كان يطلب من رجالاته ومن نوري الذي كان في الصف الأول من الذين ذهبوا مع فيصل بعد الثورة العربية الكبرى إلى سوريا ومن بعدها إلى استلام عرش العراق، أن يثير جدالا في البرلمان، تحت شعار خذ وطالب للضغط على بريطانيا؟ هل كان نوري ينفذ خطط الانكليز في العراق؟ كان الرجل سياسي وعسكري له رؤية واضحة تتقاطع كثيرا مع الانكليز ومخططاتهم، وكان يقول لوالدتي، وهي متخصصة في العلاقات الدولية من جامعة اوكسفورد، كان يقول لها، أريد العراقيين أن يمهلوني إكمال مشروع الاسحاقي، وخطة مجلس الأعمار.. كان مجلس الأعمار العراقي في العهد الملكي وتحت إمرة نوري السعيد قد أنجز في فترة وجيزة جدا، لا تتجاوز الأربع أو الخمسة سنوات، تصميم أو تنفيذ مشاريع أو التخطيط لها ما برحت الحكومات المتعاقبة حتى التحرير تنفذ ما خطط له ذلك المجلس.... ومن جملة ذلك السدود في شمال العراق ومشروع الثرثار وذراع دجلة الذي ينقل الماء من الثرثار إلى نهر دجلة في التاجي والذراع الآخر الذي يحول الماء إلى نهر الفرات ويقول المهندس طعمه ألسعيدي في مقال نشره عام 2005 : 'صمم المجلس المبازل والأنهار ومشاريع الري الكبرى في العراق ومن ضمنها المصب العام الذي سماه بعض السياسيين فيما بعد ( نهر القائد) وشبكات الطرق بين المحافظات وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من المشاريع. وطلب من مكتبي (مكتب ريم للهندسة التطبيقية) في عام 1977 كما أذكر ، اختيار مسار ومسح طريق يربط بين بعقوبة ومندلي على الحدود الإيرانية. وقبل الشروع في العمل أخبرتني الدائرة المعنية بعدم المباشرة في العمل لأنهم وجدوا أن مجلس الأعمار قام بإعداد الخرائط لتنفيذ المشروع .' فهل يقوم بكل ذلك من هو خائن لوطنه؟؟؟جاء جعفر العسكري ونوري السعيد إلى ارض الرافدين بعيد سقوط الدولة العربية في سوريا لغرض جمع التواقيع من العشائر ووجوه القوم للمناداة بالأمير فيصل بن الحسين كملك على عرش العراق.. ارض كل شبر فيها بحاجة إلى حكومة كما كان يردد جعفر، وعمل فيصل ورجالاته مع الانكليز لتأسيس دولة من لا شيء، من غبار.. توفى فيصل، وبقي نوري يحكم وزارات العراق حوالي أربعين عاما، لم يمد يده خلالها على حرام ولا امتلك القصور ولم يفسد في الأرض، أحب العراق، وقتل في العراق .. وهذا ديدننا.. هل كان نوري خائنا..اسمعوا هذه الحكاية التي يعرفها الكثيرون عنه: كان نوري الذي ما نطق اسم العراق كما ننطقه نحن، بل يرفع عين العراق ، فيقول عُراق، لكي لا يكسر عينها ، كان هذا السعيد يشرب مساء كل يوم لبن يعينه على النوم، إلا في المساءات التي يلتقي فيها مع السفير البريطاني في العراق، لكي يناقشه في مطالب بريطانيا.. فلو كان نوري خائنا، لشرب فوق اللبن خمرا، وقال 'موافج' على كل كلمة ومطلب، ولكنه لم يكن ليفعل ذلك، طالما أن الأمر متعلق بالعراق ..كلمة خائن بحق رجل كنوري السعيد ستقطع الخير والمعروف بين الناس.. فإذا كان من مثل السعيد سيوصم بالخيانة في زمن يستلم فيه رؤساء جمهوريات كبيرة رواتب من وكالات مخابرات دول أخرى، فما الذي سنطلق على الآخرين من أوصاف؟ قرأت قصة رجل كانت عنده فرس معروفه بأصالتها، سمع به رجل فأراد أن يسرقها منه واحتال لذلك بأن أظهر نفسه بمظهر المنقطع في الطريق عند مرور صاحب الفرس فلما رآه نزل إليه وسقاه ثم حمله وأركبه فرسه فلما تمكن منه أناخ بها جانبا وقال له: الفرس فرسي وقد نجحت خطتي وحيلتي. فقال له صاحب الفرس: لي طلب عندك، قال: وما هو؟ قال: إذا سألك أحد كيف حصلت على الفرس؟ فلا تقل له: احتلت بحيلة كذا ولكن قل: صاحب الفرس أهداها لي . فقال الرجل لماذا؟ فقال صاحب الفرس: حتى لا ينقطع المعروف بين الناس فإذا مر قوم برجل منقطع حقيقة يقولون: لا تساعدوه لأن فلانا قد ساعد فلانا فخانه ..كلمة الخيانة كبيرة والعراق على شفير طوفان الدم، و'الملافظ سعد' كما يقول بعض إخوتنا العرب .. إما مقارنة نوري السعيد ببعض الحكام حاليا ، فأغبى ما قرأت. نوري السعيد مدرسة سياسية، والأخرين بحاجة إلى الكثير الكثير.. وشتان ما بين الاثنين.


الهيتي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس