عرض مشاركة واحدة
قديم 13-10-08, 03:03 PM   #1
 
الصورة الرمزية هيام1

هيام1
مشرفة أقسام المرأة

رقم العضوية : 7290
تاريخ التسجيل : Apr 2007
عدد المشاركات : 15,155
عدد النقاط : 197

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ هيام1
(((...فارس القبيلة عنترة بن شداد العبسي...)))


عنترة العبسي بيننا يسرد....


هلا سألت الخيل يا ابنـة مالـك
إن كنت جاهلة بما لـم تعلمـي
يخبرك من شهد الوقيعـة أننـي
أغشى الوغى وأعف عند المغنمي
ولقد ذكرتـك والرمـاح نواهـل
مني وبيض الهند تقطر من دمـي
فوددت تقبيـل السيـوف لأنهـا
لمعت كبارق ثغـرك المتبسمـي
ومدجـج كـره الكمـاة نزالـه
لا ممعن هربـا ولا مستسلمـي
جادت لـه كفـي بعاجـل طعنـة
بمثقف صدق الكعـوب مقومـي
فشككت بالرمـح الأصـم ثيابـه
ليس الكريم على القنا بمحرمـي
لمـا رآنـي قـد نزلـت أريـده
أبـدى نواجـذه لغيـر تبسمـي
فطعنتـه بالرمـح ثـم علوتـه
بمهند صافـي الحديـد مخذمـي
في حومة الحرب التي لا تشتكـي
غمراتها الأبطال غيـر تغمغمـي
ولقد هممـت بغـارة فـي ليلـة
سوداء حالكـة كلـون الأدلمـي
لما رأيت القـوم أقبـل جمعهـم
يتذامرون كررت غيـر مذممـي
يدعون عنتـر والرمـاح كأنهـا
أشطان بئر في لبـان الأدهمـي
ما زلت أرميهـم بثغـرة نحـره
ولبانـه حتـى تسربـل بالدمـي
فازور من وقـع القنـا بلبانـه
وشكى إلـى بعبـرة وتحمحمـي
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علـم الكـلام مكلمـي
ولقد شفى نفسي و أبرا سقمهـا
قيل الفوارس ويك عنتـر أقدمـي


ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني .... وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها .... لمعت كبارق ثغرك المتبسم

مقطع قصير من معلقة ( عنترة بن شداد العبسي ) ، ذلك الذي عاش فتـرة طويلة كمجرد عبد ، أنقذته من ربقـة العبودية إحدى الغزوات التي كانت تتناوش بين القبائل آنذاك ، حينما قال له أبوه : ( كر وأنت حر ) وكأنما الإنسان يولد عبدا ثم ينتظر أن تقدم إليه الحرية مقابل شرط أو شروط .
عاش (عنترة) عبدا ولسنا بصدد سرد سيرة حياته بقدر ما هي إضاءة وتسـليط ضوء على بعض قيمنا نحن الذين نحمل صفة الإنسانية ..
عاش (عنترة) حياته يرسف في قيد العبودية بين أغنام تغثو وجمال ترغي يذهب بها صباحا إلى المرعى و يعود بها مساءا ليلقي جسمه المنهك على أسمال ممزقة ليختلس سويعات من الراحة ..
أروح من الصباح إلى المغيبِ .... وأرقـد بين أطناب الخيـامِ
بعد عناء المراقبة والمتابعة لحيوانات بكماء ..
بعد الركض هنا وهناك وراء الشارد منها والضال ..
بعد رعاية وسقاية تلك التي يتحمَّل المسئولية عنها وضامنا عودتها سالمة ، مكتملة العدد .
كيف استطاع هذا الذي عاش وهو يرسف في قيود العبودية التي تأخذ منه جُلَّ وقته أن يقول الشعر بأجزل لفظ وأقوى معنى وأوضح صورة وأن يحولها من مجرد فكرة تتراوح في ذهنه إلى صورة تكاد تنطق ، بل هي ناطقة ملء السمع والبصر ؟
كيف استطاع أن تكون لديه هذه الملكة الشعرية الأخَّاذة ؟
وأن تكون لديه هذه المقدرة على صياغة هذه الصور الجمالية بأسلوب عذب جزل حتى أن العرب لفرط جمالها وجودتها أطلقوا علي معلقته ( المذهبة ) ؟؟
هل أتاه الشعر دون تكلف بالسليقة أو الفطرة ؟ أم أعدَّ للأمر عدته بتأنٍّ ودراسة وملاحظة ؟

ثم ...

كيف استطاع عنترة ( هذا العبد ) أن يتجاوز نطاق دائرته المحدودة والمحصورة في مهام العبيد إلى دائرة أرحب وأوسع ؟
كيف استطاع أن يخرج من تلك الاهتمامات المحدودة من الرعي والحلب والركض هنا وهناك ... إلى شيء أرفع سموا
و أكثرا بعدا وأعمق معنى و أكبر تأثيرا و أن يكون فارسا يضرب المثل به عند العرب ؟
كيف لنا أن نصف هذا التغير (الهائل) من حال إلى حال ؟
وكيف نفسر أسبابه ؟
هلي هي عوامل داخلية ذاتية أم هي ظروف خارجية طارئة ؟
هل ملكة الشعر و الشجاعة هي من الأمور الوراثية أم هي من مكتسبات البيئة المحيطة بالإنسان ؟؟
ما هي الدوافع التي أدت (بعنترة العبسي) ذلك العبد النكرة المجهول في وسـط صحـراء مترامية الأطـراف لأن (يكون شيئا) ؟
ثم ..
ما هو التأثير النفسي (لمرحلة العبودية) علي حياته ؟
هل هو عامل مثبط أم دافع منشط ؟
و تنداح الأسئلة أمامي كلما ألقيت فيها بتأمل ..
وتستمر الأسئلة متسارعة متلاحقة ..

ويبقى عنترة رغم كل شيء مظهر من مظاهر البحث عن الكينونة ، كانت المشكلة التي يواجهها هي أن (يكون) أو (لا يكون) كما عبرت عنها إحدى شخصيات مسرح (شكسبير) ، لذا فقد وضع (عنترة) لنفسه هدفاً أساسياً وسعى إلي تحقيقه هو (الاعتراف به ) أولاً ، ثم وضع أمامه أهدافا أخرى لا تقل لديه أهمية عن هدفه الأساسي هي إعطاؤه المكانة اللائقة التي يستحقها كحامي حمي الديار وفارس القبيلة الذي لا يبارى وأن يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام ، حتى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تمنى رؤيته ، بل واستطاع عنترة أن يحفر له ذكراً لا ينسى في صفحات التاريخ، الاقتران بابنة عمه (عبلة) وأمام هذه الأهداف بل الطموحات لم يجعل الأماني والأحلام مطية يعتليها ليصل إلى تحقيقها بل اتخذ في سبيل ذلك كل ما يستطيع من سبل ووسائل لا تتعارض مع سمو الأهداف فبدأ الاهتمام ببنيته الجسدية والتدرب على المبارزة وركوب الخيل في أوقات فراغه رغم قلتها ، وفوق ذا وذاك لم يتخذ (انتماءه) لفئة العبيد مشجباً يعلّقُ عليه عدم تحقيق طموحاته بل كان ذلك دافعا له من أجل أن يكسر هذه القيد ، إن من يقرأ ديوان عنترة يجد أن كلمة (العبد) قد ذكرت عدة مرات وكلها في مجال الفخر :
أنا العبد الذي يلقى المنايا .... غداة الروع لا يخشى المحاقا

أنا العبد الذي سعدي وجدِّي .... فُوِّقَ على السها في الارتفاع

أنا العبد الذي خبرت عنه .... يلاقي في الكريهة ألفَ حرِّ

أنا العبد الذي خبرت عنه .... وقد عاينتني فدع السماعا

أنا العبد الذي خبرت عنه .... رعيت جمال قومي من فطامي

أنا العبد الذي بديار عبس .... ربيت بعزة النفس الأبية

وأنا الأسود والعبد الذي .... يقصد الخيل إذا النقع ارتفع

كما نلاحظ فإن (عنترة) في هذه الأبيات استخدم (العبودية) في مقابل ( الحرية ) ولم يقصد بهذه الكلمة (اللون الأسود أوالزنوجة ) بل كان يقصد بالعبودية (فقدان الحرية) ؟
و هذا ما ذهب إليه عنترة العبسي حينما وضع (العبودية) في مقابل (الحرية) في هذه الأبيات ، ولم يتناول العبودية التي ينصرف أذهان البعض إليها من (لون) أو صفة الزنجية ، وحتى لو كان اللون أسود بل حالك السواد وحتى لو كانت صفات الزنجية بأعلى درجاتها يتسم بها إنسان ما فإن ذلك لا يعيبه إطلاقا و لا يشينه وهذا واضح كل الوضوح في البيت الأخير من هذه المجموعة ]
ولقد قام (عنترة) بالفخر بأمه السوداء حينما قال :
أنا ابن سـوداء الجبين كأنها .... ضبع ترعرع في رسوم منزل

الساق منها مثل ساق نعامة .... والشعر منها مثل حب الفلفل

ولقد وضع الإسلام حدا لهذه النعرة التي نجدها إلى الآن – للأسف – عند البعض ممن في قلوبهم مرض حينما قال

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)

إن هذا التغير والتبدل من حال إلى حال ، ومن فئة ذات مواصفات دنيا في المجتمع القبلي الجاهلي إلى فئة ذات مواصفات تتمتع بالسيادة لا تتأتى إلا بقوة الإرادة و قوة التصميم ولا يمكن حدوث ذلك إلا بوجود دافع أو دوافع داخلية عدة ساعد على تأججها عوامل بيئته الخارجية ، ولا ننكر أن للوارثة دورها المهم ، لكننا ننظر إلى العوامل الخارجية وإلى تأثيرها الإيجابي في تحوله رغم مرارتها ورغم قساوتها من ناحية ( عدم الاعتراف ببنوته ، ظروفه كعبد ، شظف العيش ، لونه الأسود ، تعييره بأمه ... ألخ ) ونلحظها منتثرة في ديوانه :
يعيبون لوني بالسواد وإنما .... فِعَالهم بالخبث أسود من جلدي

لئن أك أسـودا فالمسك لوني ..... وما لسواد جلدي من دواء

ولكن تبعد الفحشاء عني ....... كبعد الأرض عن جو السماء

يعيبون لوني بالســواد جهالة ..... ولولا سواد الليل ما طلع الفجر

وإن كان لوني أسود فخصائلي ...... بياض ومن كفي يُستنزل القطر

ما ساءني لوني واسم زبيبة ... إذا قَصَّر عن همَّتي أعدائي

ينادونني في السلم يا ابن زبيبة ..... وعند صدام الخيل يا ابن الأطايب
وحتى (عبلة) التي أحبها لم يسلم من معايرتها له ، إذ يذكر في أحدى قصائده :
و إن عابت سوادي فهو فخري ...... لأني فارس من نسل حام
في مقابل أن يكون حرا ، ينتسب بكل فخر إلى والده ، وأن يعيش حياة كريمة كأولئك السادة مهما كان لونه ، فليس
هو من تسبب في وجود هذا اللون ليس معيارا للتمايز ...

عود على بدء :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني .... وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها .... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ثم ..
حينما تذكرها والرماح نواهل من دمه .. في هذه اللحظة الحاسمة من المعركة .. هل الوقت مناسب لهذا التذكر ؟
أهو (طغيان الحب) الذي يأبى إلا أن يكون حاضرا في كل الحالات وفي كل الظروف مهما كانت ، سواء أكانت طبيعة الحياة تمشى على سيرها المعتاد أو كانت تواجه سحب سوداء ومعارك طاحنة ، وإذا لم يذكر الإنسان من يحب وهو يعايش لحظات الشدة .. فمتى يتذكره ؟؟
إن التذكر من مستلزمات حياة الرخاء
بينما قد يكون التذكر في لحظات الشدة من ضرورات الاستمرارية في هذه الحياة لأنه يعطى قوة دافعة وإضافة معنوية نحتاجها بل نحن في أشد الحاجة إليها .


ولقد ذكرتك
متى ؟
والرماح نواهل مني
وماذا بعد ؟
وبيض الهند تقطر من دمي
ثم .. وبعد هذا التذكر في هذا الموقف الذي يستلزم التركيز في دقائقه وتفاصيله الحاسمة لأن أقل هفوة قد تنهي الحياة
ولا بأس أن تنتهي الحياة وتذكر الحبيب ما زال ماثلا في الذهن ، فلعل هذا ما يخفف آلام معانقة الموت !
في هذا اللحظة بالذات ماذا تمنيت يا عنترة ؟
فوددت تقبيل السـيوف
لماذ ؟
لأنها لمعت كبارق ثغر (عبلة) المتبسم
هنا التقت جدلية الموت والحياة في صورة لم أجد لها تشبيها يضارعها في الروعة والجمال فهو إن صح القول تشبيه مبتكر
لم يسبقه إليه أحد وأعتقد إن من جاء بها بعده إنما سرق هذه الفكرة منه .

ولقد ذكرتك والرماح نواهل .... مني وبيض الهند تقطر من دمي
ما أطيب الذكرى في موقف كهذا الموقف ، وما أمتعها من لحظات !
إن هذه الذكرى تبعد الشعور بالوحدة وتعزّز موقفه ، بل وتعطيه قوة فوق قوته ، وإضافة جديدة لأنها تمثل دعما معنويا
قد يكون محتاجا إليه أشد الاحتياج
ولقد ذكرتك
ما أجملها من ذكرى في موقف كهذا ..
ليت البعض منا يأخذ درسا ليتذكر من يحب عندما يمر بأشد الحالات قسوة ووطأة على النفس ليخفف عنه بعض ما يعاني فالتذكر يريح النفس ويعطي للحياة معنى ، قد لا نجده إلا في التذكر ، وهو معنى لا يعرفه إلا من يعيشه بكل مشاعره واستحوذ عليه إلى درجة أنه انشغل به عما سواه من أحداث ..

.
.


توقيع : هيام1
قطرة الماء تثقب الحجر ، لا بالعنف ولكن بدوام التنقيط.


زهرة الشرق

هيام1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس