عرض مشاركة واحدة
قديم 27-11-03, 12:16 AM   #5
 
الصورة الرمزية ابويافا

ابويافا
سفيـر الشـرق

رقم العضوية : 47
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 1,031
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ ابويافا

التناص بين الاقتباس والتضمين الوعي واللاشعور


بقلم: مفيد نجم






تتمثل الاشكالية التي يطرحها مفهوم التناص في مسألتين اثنتين تتصلان مع بعضهما البعض اتصالاً وثيقاً, وتتحدد المسألة الأولى بتعدد التعريفات والمفاهيم التي قدمت لهذا المصطلح في مصادره الأولى, والناجمة عن الاختلاف في طبيعة الفهم الذي يمتلكه اصحاب هذه النظرية عن النص.


كما يشير الى ذلك فيليب سولرس, الأمر الذي يجعل من هذه المسألة قضية ترتبط بالحقل المعرفي الذي تشكل فيه هذا المصطلح, في حين ان المسألة الثانية تكمن في تعدد المصطلحات, وغياب الضبط المنهجي المتكامل والواضح لأسباب تتصل بتعدد الاتجاهات والمساهمات النقدية الأخرى كالبنيوية والنفسية وغيرهما حيث ادى كل هذا الى عدم وضوح الحدود الفاصلة والتحديدات التي قدمت للمفاهيم والمقولات والأنماط التي تشكل الأساس الذي قامت عليه نظرية التناص في مدوناتها المختلفة.


واذا كان هذا حال النظرية في مصادرها ومرجعياتها الاولى, فكيف يكون الحال بالنسبة للنقد العربي الذي مازال يعتمد على هذه المصادر والمرجعيات الغربية في تشكيل مفهومه وادواته النقدية والاجرائية, ولعل المشكلة الاساس تتحدد في نقل المصطلح النقدي, وتحديد معناه ودلالاته, اذ يمكن ان نجد للمصطلح او المفهوم اسماء وتعريفات كثيرة تختلف باختلاف المترجم وخلفيته المعرفية وفهمه للمصطلح او المفهوم, وهذا ما نلاحظه في الغالب في الترجمات العربية الاخرى للمناهج النقدية المختلفة.


لقد ظهر مصطلح التناص في عام 1965 على يد جوليا كريستيفيا كما بات معروفا في دراستها عن دويستوفسكي ورابلي, وكان اول من اشار اليه هو شكوفسكي عندما ربط بين فهم العمل الفني وعلاقته بالأعمال الفنية الاخرى استناداً الى الترابطات القائمة فيما بينها, لكن الاصول الاولى تعود الى الناقد الروسي باختين الذي اسس له نظريا في كتابه (شعرية دويستوفسكي) ودعاه بالحوارية, حتى جاءت كريستيفيا وصاغته بشكل متطور وجديد. وقد التقى حول هذا المفهوم فيما بعد عدد من النقاد الغربيين امثال رولان بارت فيليب سولرس وهارولدبلوم واخرين, وكما هو واضح من تاريخ ظهور هذا المصطلح, وشيوع استخدامه في السبعينيات من القرن الماضي فان النقد العربي قياساً على استخدامه للمناهج النقدية الاخرى, كان متأخرا في استخدامه لهذه النظرية, بل ان حجم هذا الاستخدام والتعامل معها مايزال محدوداً وان كثر الاهتمام بها في الآونة الأخيرة.


ان مشكلة التعريف بهذا المصطلح, وتعدد دلالاته ومفاهيمه في النقد العربي والدراسات النقدية, تكمن في ان أغلب الترجمات التي قدمت حتى الان هي ترجمات او تلخيص لدراسات متفرقة لبعض اصحاب هذه النظرية ولاتزال الترجمات المتكاملة لاصول الكتب والأبحاث التي قدمت في اللغات الاوروبية محدودة, ولذلك فان مثل هذه الترجمات لا يمكنها ان تشكل قاعدة معرفية غنية للتعريف بالقضايا والمفاهيم والاشكالات والاتجاهات المختلفة التي اشتمل عليها تاريخ هذا المصطلح, واتخذ صياغاته المتباينة من خلالها, مع العلم ان مؤسسة هذه النظرية قد تراجعت عنها في عام 1984.


لقد طال هذا المصطلح قضايا كثيرة, اساسية منها تاريخية العمل الأدبي, وموقع المؤلف فيه, وانتاجية المعنى او التمعني كما تطرحه كريستيفيا, وكذلك نظرية التلقي, وعلاقة العمل الادبي بالواقع الخارجي اذ فقد العمل الادبي تاريخيته وأضحى عملا تاريخياً لانه اصبح يمثل اعادة انتاج لنص او نصوص سابقة عليه من الثقافة التي ينتمي اليها او الثقافات الاخرى, كما ان دور المؤلف او الاهتمام به قد غاب لان انتاج النص اصبح وفق فهم كريستيفيا هو الذي يموضع الفاعل (الكاتب والقارىء) داخل النص كضياع في الأعماق, اما جماعة (تل ـ كل) الفرنسية فقد اكدت موت الفاعل او تلاشيه باعتباره مصدر الكتابة وفق ما يقوله جان بودري.


ويلغي مفهوم التناص الحدود بين الأدب والفنون الاخرى, ويجعلها مفتوحة على بعضها البعض, كما ان التناص ينقسم الى نوعين اساسيين هما التناص الظاهر, ويدخل ضمنه الاقتباس والتضمين, ويسمى ايضا الاقتباس الواعي او الشعوري لان المؤلف يكون واعيا به, في حين ان التناص الثاني هو التناص اللاشعوري, او تناص الخفاء, وفيه يكون المؤلف غير واع بحضور النص او النصوص الاخرى في نصه الذي يكتبه, ويقوم هذا التناص في استراتيجيته على الامتصاص والتذويب والتحويل والتفاعل النصي. والحقيقة ان هناك نوعين اخرين من التناص هما التناص الداخلي المتمثل في اعادة الكاتب او الشاعر انتاج انتاجه السابق, والتناص الخارجي الحاصل من التقاء وتقاطع النص مع نصوص اخرى غير نصوص الكاتب, او الشاعر.


من هنا تتبدى اهمية اقتفاء اثر الكتابات الاخرى في نص من النصوص والعلائق النصية الموجودة في داخله, بالاضافة الى التحويلات التي يقوم بها هذا النص لتلك النصوص والكتابات. وتحتاج مثل هذه المهمة الى ثقافة واسعة عند الباحث, والى معرفة واطلاع واسعين, واذا كان التناص الظاهر لا يحتاج الى ذلك لان الكاتب يشير إليه اما بوضعه داخل قوسين او بالتصريح به, فان التناص اللاشعوري هو المقصود بهذه المهمة.


والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو اذا كان التناص هو قدر كل نص وأنه لا يمكن الحديث عن كتابة تبدأ من درجة الصفر, فهل معنى ذلك كما يقول الشاعر العربي القديم ما أظن ما نقول الا كلاما معاداً مكروراً.


ان الكتابة هي اعادة انتاج مستمرة ودائمة بأشكال مختلفة لهذا الكلام وان الكلام الاول الذي لم يكن مكروراً هو ما نطق به ادم كما يذهب الى ذلك رولان باروت؟!


والحقيقة ان من الصعب على مؤلف النص ان يعيد انتاج النص او النصوص السابقة نظرا لاختلافه عن مؤلف ذلك النص, او تلك النصوص, لكن ذلك لا يمنع من القول ان التناص يقتضي اضافة في المعنى على المعنى السابق وزيادة عليه, حيث تتجلى هنا القيمة الخاصة الجديدة للمؤلف في نصه الجديد, ولدوره الابداعي في تعميق وتوسيع المضمون الدلالي للنص او النصوص التي يقوم بعملية تشربها وتحويلها, وهو ما يشترطه الناقد عبد القاهر الجرجاني في نقدنا القديم لتأكيد القيمة الابداعية في النص الجديد.


ان النقد العربي مطالب باستيعاب استراتيجيات التناص ومفاهيمه واساسه المعرفي, ومستوياته وأشكاله المتعددة حتى يتمكن من تشكيل ارضية معرفية ونقدية تؤهله للمساهمة في اقامة حوار معرفي معه, سواء لنقض طروحاته ومفاهيمه ومقولاته, او لتطوير واغناء هذه المفاهيم والمقولات لكي لا نظل في اطار الاستهلاك والنقل خاصة مع التطور الواسع الذي يشهده النقد العالمي المعاصر, وتعدد اتجاهاته ومدارسه. واذا كانت سيرورة هذا النقد التاريخية والمعرفية تقوم على الاتصال لا الانقطاع فان مهمة النقد العربي المعاصر تتضاعف اذ لابد من استيعاب ومعرفة عوامل التحول ومرجعياتها, ومصادرها وكيفية تحولاتها داخل انساقها الامر الذي يؤكد على البعد الثقافي والمعرفي الكبير الذي لابد منه للنهوض بهذه العملية الواسعة التي بات يحتاج اليها النقد العربي المعاصر للخروج من حالته الراهنة.


جريدة البيان ، الإماراتية ،
28 يناير2001


توقيع : ابويافا
.

ابويافا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس