منتديات زهرة الشرق

منتديات زهرة الشرق (http://www.zahrah.com/vb/index.php)
-   شخصيات وحكايات (http://www.zahrah.com/vb/forumdisplay.php?f=16)
-   -   (فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام (http://www.zahrah.com/vb/showthread.php?t=35354)

مس لاجئة 03-12-07 01:36 PM

(فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام
 
[align=right][align=center]قال مترددا والكلمات تجرح حلقه المتيبس :"اعطني هويتك، انظر فيها قليلا واعيدها ".
وبدا على جاره انه لم يفهم فعاد يقول مادا يده بشيء من نقاد الصبر:"اقصد بطاقتك ، بطاقة الهوية ".
وتحت عصبية اليد الممدودة اخرج الآخر محفظة متآكلة واخرج البطاقة ودفع بها اليه وقبل ان يخطو بها متجاوزا العتبة مرق الصوت من وراء اذنه يقول:" وما تفعل بهويتي يا فلسطيني؟" ولو سمع الجار الشتيمة التي دمدم بها لانتزعها حتما من بين اصابعه . ولكنه سارع بها الى دكانه ورخم أمام الطاولة المبقعة ، وفتحها، ثم مد يده الى جيبه واخرج بطاقته الجديدة ، خضراء يجري فيها رونق . ارزتها سليمة الأغصان لم يتلفها التغضن . جديدة ما تسلمها إلا قبل اسبوعين . صورته على جانب منها وعلى كل طية من طياتها الثلاث ختم مستدير لقسم النفوس في وزارة الداخلية ، ورابع على الوجه الاخر من الطية الرابعة . اربعة اختام مستديرة صريحة لا تنفذ شبهة من حلقتها المفرغة . وتوقيع الرئيس والمأمور يكادان يتعانقان في خطوط ملتوية ملتفة غامضة منيعة لا يبين منها اسم ما شان تواقيع من بيدهم مقدرات الامور....

وتلك بطاقة الجار لا تختلف الا بالصورة العتيقة الباهتة وبتفصيلات الاسم والسن ومكان الولادة وتاريخها ، وبالتغضن والتكسر وكثرة ما تحمل من آثار اصابع ملوثة لا مكترثة لا تحسن الرفق بما يأتي كحق طبيعي لم يقاض صاحب جهدا او قلقا او شكلا او نقودا ...بطاقة لم تكن بنت شعور مغيظ محنق ممض من أنه في الحي الذي يعيش فيه والذي افتتح فيه دكانا تعامل معها الحي اكثر من عشر سنوات نقدا او دينا او (نصبا) ، لم يستطع ان يفرض لنفسه اسما ...فهو في هذا الركن الذي تقوم فيه دكان لا تختلف في شيء عن اكثر الدكاكين ليس اكثر من "فلسطيني" ...بهذا ينادونه ، ويعرفونه ويشتمونه اذا ما اقتضى الامر، شأنه شان ذلك الارمني الاسكافي الذي عرفه في صباه ، والذي سلخ من عمره التعس ثلاثين عاما متداركا نعال الحي بالرقع فلم يبال احد _بل لم يجد حاجة_ بان يعرف احد اهو هاجوب ، كما يمكن لأسماء الأرمن ان تكون ، او سركيس او وارطان ، فالارمني هو كل اسمه ، هكذا عاش وهكذا مات ، فعزله اسمه عن كل الناس حيا وميتا ، ولعل التسمية قد عقدته فما ترحرحت تلك العجمة في لسانه ، ولم ترتفع اهتماماته بما حوله عن مستوى الاقدام !

بطاقتا الهوية امامه ، واصبعه تتنقل بينهما ، والتفاصيل تهتز امام عينيه ، وزبون يدخل فيصرفه بحركة من يده دون ان يرى وجهه ، فيمضي هذا ساخطا لا يعرف لماذا لا يريد الرجل ان يبيع ...والصحيفة تنزلق الى الارض فيرفعها فيرهبه العنوان الاحمر يتوج صور اعضاء العصابة .
وما جدوى ان يقرأ الخبر للمرة الخامسة او المئة؟ فلن يفهم اكثر مما فهم ، والصورة برهان دامغ ... الوجه النحيف وقد اكلت النظارتان اكثر من نصفه ، والصلعة التي تمتد من فوق النظارتين ولكنها لا تكشف عن مخ جهنمي ...وآخرون معه لا يعرف منهم الا وحدا... قد يوحي باي شيء الا بحقيقته ، كان واسطة التعرف الى ذاك الاخر .

اجل كان يلبس بذلة زرقاء حين دخل واشترى علبة كبريت دفع ثمنها (فرنكا) ، ثم مد يده واخرج صندوق سجائره واخذ واحدة وعرض عليه اخرى اعتذر عنها ... ودخن نصف السيجارة وهو على العتبة ووجهه الى الشارع ، ثم عاد وتلكأ كمن يريد ان يجره الى حديث ، اي حديث... ولكنه عاد وطرق الموضوع بصراحة .... لقد سمع _ورفض ان يقول كيف _ انه راغب في ان يلبنن ...فاذا شاء فهناك طريقة واحدة ...والثمن ، اجل هناك ثمن ، الفا ليرة ... اغلى قليلا مما اعتاد عليه الناس ان يدفعوا ، فموقف السلطات بان اصلب ، ولقد نبش الفلسطينيون كل جذور العائلات فما ظلت شجرة لم تمد فرعا لها في فلسطين ...وهؤلاء المحامون الذين اثروا من تجارة التجنس قد بدأ يخذلهم علم الانساب!!


كثير وقبل سنوات لم يهضم ان يدفع ربعه ليبحث عن جد له في قرية لبنانية طيبة ، او ليبتعث تاريخا جديدا لجده ابي صالح الذي ولد فيما يعلم ،ومات فيما يعلم ايضا ، في "الرامة" وبهذا لا يكون قد انكره قبل صياح الديك ثلاثا ، ولكنه يستأذنه في ان يعدل من صدفة جغرافية تعفيه من كلمة (فلسطيني) تشده الى قطيع امحت فيه معالم الفردية ، يتلفظون بها مشفقين حين يرفض ان يكون موضع شفقة ، او ساخطين دون مبرر لسخط ، او متوعدين كلما نفث منافسوه من اصحاب الدكاكين الصغيرة حقدهم ونسجوه اشاعات يفسرون بها الاحداث على هواهم تلتفت حوله خيوطا واهية ولكنها متكاثفة .
ضبابه قلق تحسسه ان وحانوته هذا واولاده الاربعة وزوجه ليسوا اكثر من الهية يتعابث بها مفسرو الحوادث ، وان ضمانته الوحيدة من الترحيل الى مجهول من اللجوء المركّب هي ان يكون متجنسا . وكان الحافز في نفسه يضعف كلما تراخت خيوط الاشاعات ومات خوفه في ثنايا الحياة اليومية ، ويقوى كلما عرض له امر يهز وجوده المتداعي ، حين تخرج ابنه من المدرسة مثلا فما لمّه عمل واحد اكثر من اسبوعين ...القانون صريح ...ومحظور العمل في المصالح والشركات على غير ابناء البلد ، فما وجد الشاب بدا من ان يطير الى الصحراء من هذه الصحارى التي تجمع الناس اخوة على شقاء ، وتتسامح في اشقائهم ولو اختلفت الجنسيات ...
[/align]
[/align]

مس لاجئة 03-12-07 02:51 PM

رد: (فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام
 
[align=center]ويقوى الحافز ، يقوى اكثر فاكثر كلما عزم على سفر لشأن او آخر الى اهله الضاربين هنا او هناك ، فيضطر الى الوقوف بباب السلطات اسبوعا ليحصل على ورقة مرور....
وحين مات ابوه الذي يعيش في بيت اخيه في عمان ابرق لهم يقول (اخّروه اسبوعا او فادفنوه ) وكان اتعس نكتة استمع اليه موظف البرقيات ضاحكا .

الفان؟ كثير

ويزوي المفاوض ما بين حاجبيه وقرع طرف سيجارته الثانية بالعلبة قبل ان يشعلها "لن تحصل على هوية باقل واظنك حاولت ، الم تحاول ؟؟"

بلى لقد حاول وتأرجحت دعواه ثلاث سنين بين اعذار المحامي الذي عاد ونفض يده من كل شيء الا من نصف مبلغ الاتعاب الذي تقاضاه مقدما....

" ولكن اتكون مضمونة ؟"

" لن تدفع قبل ان تمسك بها بيدك . ولن نتقاضى شيئا مقدما ". وتلين القسمات ، وترتسم ابتسامة ، وينسحب الرجل . ويتردد صوته طريئا في ارجاء الدكان وخافتا لزجا ...:فكر فكر ..وسأمر بك بعد ايام ..." ولم يفكر وحده ... بل حاول ان يدع زوجته تفكر ، وقالت مستهولة المبلغ " الفان يا رجل أهي هوية وزير وغيرنا نالها بثلاثمئة او بستمئة او بالمجان ؟" فرد دون ان يكون اساسا شديد الاعتقاد بما يقول ولكنضنا منه على الفرصة ان تموت في جولتها الاولى " الفان لأننا استكثرنا الثلاثمئة ذات مرة ...وقد نضطر ان ندفع العشرة الاف يوما ...أتريدين لابنك ان يعيش حياته في جحيم الدرجات الخمسين صيفا في بلد لا تعرف الشتاء؟ " فتقول وقد مس اضعف اوتارها "افعل ما تشاء ! الفان الفان لا بارك الله لهم فيها ...هذا اذا وجدتها..."

اجدها اذا افرغت نصف واجهتي ...وسأعلق فيها تلك الهوية فقد يعرف الناس لنا اسما...

من عادة الكذب ان يكون حاسما في صدقه ...ثلاثة اسابيع او اربعة وانتهى كل شيء ...بسرعة ومضاء ...ما قابل ذاك الذي يسمي نفسه استاذا اكثر من مرة واحدة ، ولقد سجل كل التفصيلات على ورقة ، الاسم واسم الزوجة والاولاد وامكنة الولادة والاعمار ، وقال بانه سيتدبر كل شيء ، الشهادات والوثائق ، لا يريد شيئا عدا الصور ، والالفين طبعا ... وهي ليست خالصة له ، المصاريف كثيرة والطراف اكثر ..."

اجل الاطراف اكثر ... خمس صور في الصحيفة لخمس مزورين ، عصابة مستوفية شروطها ، زعيمها استاذ وانفارها لا يقلون استاذية . ولديهم _كما تقول الصحيفة _ عدة شغل كاملة ، وقد اعترف احدهم بانهم زوروا العشرات من البطاقات ... ولم يكن الاحمق الوحيد ، فوجود الحمقى ضرورة لتجد العدالة ما تشغل به نفسها ...آه خذلتني يا جدي أبا صالح، تراك ما احببت ان تعيش مرتين ، مرة ترعى بستان زيتون في الرامة ، ومرة ترفع انصاب كرمة على جلول جبل لبناني ؟."

مزق مزق الصحيفة وافقأ باصبعك عين هذا الاستاذ من وراء نظارته السوداء ، وما يجديك تمزيق الصحيفة؟انت بذلك لا تمسح حقيقة الكذبة ، ولا تلغي انك دفعت الفين ثمن كرتونة ، وانك تعاونت مع مزورين ، وقد ...

كيف لم يفطن ذلك ...؟ وشعر بالنار تأكله بالنار ...الا يمكن ان يكن هؤلاء قد كشفوا عن المتعاملين ؟ ما اغباه ... او ما يزال يشك في ان هذه هي النتيجة التي لا نتيجة بعدها ؟ كيف اذن يتاح للسلطة ان تجمع البطاقات المزورة؟

مخدوع او متواطئ؟


حين يدفع الفين تلتهمان نصف واجهته يكون مخدوعا ، والى ان تسجل الحقيقة في محاضر التحقيق يكون قد انهك حتى العظم ، وتكون سيرة حمقه دخانا لسجائر الجيران.

مزقها مزقها فد بدأت تأكل لحمك. لماذا عدت ووضعتها في جيبك الداخلي ؟ هي ليست _بألفيها_ أثمن من هذه الصحيفة التي دفعت فيها (ربعا) . مزقها فواجهتك الفارغة ستمتلئ يوما وستظل حقيقتك مفرغة حتى تملأها بغير الزور ، بغير خديعة المزورين.

مزقها . او تريدمزيدا من الاثبات ؟ تتاجر الصحف احيانا بالاكاذيب ولكنها لا تزين كذبها بخمس صور لاشخاص عرفت منهم اثنين وستشرف بمعرفة الباقين حين تواجه بهم .

اتجبن عن تمزيقها حتى وانت تحملها بين ابهامين وسبابتين؟
مزقها مزقها فهي لا تسوى اكثر من ثمن الورق الذي طبعت عليه. ولكن لا.دعها في جيبك الداخلي ، دعها فتمزيقك اياها لا يخفي شيئا ، او يلغي شيئا.

ويجلس ثم يقوم ، ثم يجلس ثم يقوم ، ويلف في الحانوت كثور اعمى يواجه الشارع فقد يخنق اضطرابه بين مظاهر الحياة المطمئنة الى رتابتها ، المستكينة الى حظوظها ، الحالمة بلا شيء ، محطة البنزين تفرغ وقودها في بطن سيارات لامعة وبائع الفاطهة يجلو غبار البستان عن تفاحاته ويجهد في أن يجعلها حمراء ، واللحام يأكل بسكينه اطراف الذبيحة المعلقة ، والحلاق يعبث برأس مستسلم ، رأس لا يتفصد منه القلق كرأسه.

ويرتد على الباب ملتفا الى الصحيفة الممزقة فينحني عليها ويجمعها ويكورها ثم يلقي بها . ويدير وجهه للشارع ثانية فيرى تلك السلة الازلية تتدلى اليه بحبل من الطابق الثاني الرابض فوق دكانه وقد راحت تتراقص في نزق تحت الشرفة ، وصوت الجارة يندلق من فوق تريد شيئا .. هي ابدا تريد شيئا ... ولا تتذكر اشياءها الا على دفعات ... ولكنه لا يسمعها الساعة ، ولتصح مثلما تشاء فلن يبيع احدا...


ولكن الصوت لا ييأس ، والسلة لا تيأس . وتمد المرأة صوتها الارعن جسرا عبر الشارع تبلغ به صبي الكراج المواجه وتقول له بلهجتها الممطوطة الخلية " وينك يا ولد قل " للفلسطيني" ان يضع لي في السلة زجاجة كولا ...."

واحس " الفلسطيني" في وقفته المرتعشة خلف الطاولة بالصوت الممطوط ينفذ من سترته الى جيبه الداخلي فيحيل البطاقة الى مزق، مزق صغيرة تخشخش في جيبه ، في غير عنفوان !

[/align]

مس لاجئة 03-12-07 02:52 PM

رد: (فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام
 
انتهت القصة القصيرة

والرد التابع سيكون تحليلا للقصة من قبل دكتور في جامعة النجاح الوطنية (استاذي)

لقد حلل القصة وذكر بعض ما كتبت سميرة عزام ونبذة عن حياتها

مس لاجئة 03-12-07 02:55 PM

رد: (فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام
 
[align=center]سميرة عزام ... أربعون عاماً من الرحيل





عادل الأسطة

تعدّ سميرة عزام، كما يذهب بعض دارسيها ودارسي القصة القصيرة في فلسطين، رائدة القصة القصيرة الفلسطينية. وربما ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فعدوها رائدة القصة القصيرة العربية. هذا إذا ما قصرنا الأمر على الكاتبات.
ولقد صدر للكاتبة التي توفيت في 8/8/1967، إثر نكبة حزيران، لأن قلبها لـم يحتمل الهزيمة الـمذلة، لقد صدر لها، في حياتها وبعد وفاتها، خمس مجموعات قصصية هي: "أشياء صغيرة" (1954) و"الظل الكبير" (1956) و"وقصص أخرى" (1960) و"الساعة والإنسان" (1963) و"العيد يأتي من النافذة الغربية" (1971).
ولقد لفتت قصصها الأنظار، فأنجز عنها غير دارس مقالة أو دراسة، وهو يدرس فن القصة القصيرة في فلسطين، وخصها بعض الدارسين بكتاب خاص، مثل وليد أبو بكر، وعرفت أن هناك أطروحة دكتوراه أنجزت عن أعمالها، ولا أدري إن كانت صدرت في كتاب.
وكانت دار الأسوار في عكا كرّمت القاصة التي ولدت في الـمدينة، وذلك بإصدار مجموعتها "الساعة والإنسان" في نهاية السبعينيات، وإعادة إصدار مجموعاتها الخمس في العام 1987. ومن خلال دار الأسوار، عرفنا نحن قراء الأدب في فلسطين سميرة عزام وقصصها.
في آب من هذا العام تصادف الذكرى الأربعون لوفاة القاصة، وبهذه الـمناسبة أقدم هذه القراءة النقدية لإحدى قصصها، وهي قصة فلسطيني.

دال العنوان:
إن قراءة بدئية لدال العنوان، دون ربطه باسم سميرة عزام، ستسفر عن معان متعددة، ذلك أنها ستستحضر في أذهان القارئ أزمنة مختلفة، اختلفت النظرة فيها إلى الفلسطيني. تماما كما أن النظرة إليه ستختلف في الزمن نفسه باختلاف الـمكان. النظرة إلى الفلسطيني في العام 1948 حتى العام 1967 هي غير النظرة إليه ما بعد 1967، سواء من الآخر أو من الفلسطيني ذاته. الفلسطيني قبل العام 1967 هو اللاجئ الذي لا يفعل شيئا سوى الانتظار، وهو العالة على الأمم الـمتحدة. والفلسطيني بعد العام 1967 هو الـمقاتل الذي يريد محاربة دولة إسرائيل التي هزمت ثلاث دول عربية. إنه الفدائي الذي يصمد في معركة الكرامة ويرد للجندي الإسرائيلي الـمتغطرس الصاع صاعين، ويكبده، بإمكانات قليلة، خسائر فادحة.
والفلسطيني في الأردن في العام 1970، في نظر النظام هناك، في حينه، هو غير الفلسطيني في سورية في العام نفسه، في نظر النظام هناك. ونظرة الفلسطيني لذاته، في العام ذاته، هي غير نظرة آخرين له قاتلهم وقاتلوه.
وستظل النظرة إليه تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، وسيعترف به من أنكر وجوده. بل وستختلف نظرته هو إلى ذاته، في الزمان وفي الـمكان أيضاً، وحسب الـموقع الذي يكون فيه. قد ينظر الفلسطيني إلى ذاته بإعجاب، وقد يحتقر نفسه أو بعض إخوانه. وقد تختلف نظرته إلى فلسطينيته ما بين فترة وأخرى، ويغدو غير ذاته.
وقد لفتت صورة الفلسطيني في الأدب الفلسطيني، بل وفي الأدب العربي، أنظار الدارسين، فأنجزوا عنها دراسات في الشعر وفي القصة وفي الرواية، ولاحظوا أنها صورة متغيرة في الزمان وفي الـمكان. إنها ليست صورة واحدة إيجابية في الـمطلق، أو سلبية في الـمطلق. بل إنها صورة متنوعة في الزمان نفسه وفي الـمكان نفسه. ويلحظ من يقرأ أشعار إبراهيم طوقان، على سبيل الـمثال، أنه كتب عن الفلسطيني الفدائي فمجده، وكتب عن الزعيم الفلسطيني فسخر منه بشكل عام، وكتب عن السمسار، فرأى أنه ينتمي إلى عصابة، عار على أهل البلاد بقاؤها. إنها عصابة ألعن من إبليس. كان ذلك قبل العام 1948.
وقارئ الأدب الفلسطيني عموماً، الأدب الذي أنجز بعد العام 1948، قادر على استحضار هذه الـمفردة بدلالات مختلفة سلبية وإيجابية. تبدو صورته، في القصة موضع الدراسة، كما سنرى، لا تسر بال صديق، ولكنها في بعض روايات جبرا إبراهيم جبرا ستبدو إيجابية مشرقة، وستبدو لدى شاعر فلسطيني هو علي فودة مدعاة للافتخار، فالفلسطيني كحد السيف. ويعلن أحمد دحبور اعتزازه بفلسطينيته، فلو كانت يد الفلسطيني مشركة لكفره الجليل. كان هذا بعد العام 1967. بعد أن تحول اللاجئ إلى مقاوم يرفض الخنوع والذل. ولكن محمود درويش بعد أحداث غزة في 14/6/2007 سيتساءل: من قال إننا استثناء.

سميرة عزام وصورة الفلسطيني:
إذا أراد الـمرء أن يكتب عن صورة الفلسطيني في قصص سميرة عزام، فلا مناص أمامه من استعراض النماذج الفلسطينية التي برزت في قصصها، ولا بد أيضاً من الاطلاع على ما كان عليه الواقع الفلسطيني في الفترة التي أنجزت فيها الكاتبة قصصها. ما بين العام 1948 و1967 لـم يكن الواقع الفلسطيني عموماً مشرقاً.
لقد تحول الفلسطينيون إلى لاجئين، وغدوا، كما في قصة "لأنه يحبهم" لصوصاً وبغايا ومفسدين ومخبرين. لقد فقدوا الأرض ففقدوا الكرامة. كانت الأرض مصدر رزقهم، وفي الـمنفى ما عادوا يجدون فرص عمل، ولأن الفضيلة في الزمن الصعب، كما يقول أحد أبطال غسان كنفاني في قصة "الصغير يذهب إلى الـمخيم"، تكمن في البقاء على قيد الحياة، إذ لا فضيلة بعدها، فقد أراد الفلسطينيون ألا ينقرضوا، حتى لو سرقوا ومارسوا الرذيلة.
لكن تحول الفلسطيني إلى لص وبغي ومخبر ليست الصورة الوحيدة له، فالفلسطيني قاتل في العام 1948، ودافع عن أرضه ومدينته وفضل البقاء فيها حتى اللحظة الأخيرة، وهذا ما يبرز في قصة "خبز الفداء"، وهو أيضا يحب العمل، ويفضله على الكسل، وعلى أن يكون عالة على الآخرين، حتى لو كانت أمه من الآخرين، وهذا ما يبدو في قصة "سأتعشى الليلة".

قصة فلسطيني:
الفلسطيني في القصة هو اللاجئ، وإذا كان لا بد من تحديد الزمان والـمكان، فالزمان هو ما بعد النكبة، نكبة العام 1948، والـمكان هو لبنان. وهكذا تكتب سميرة عزام عن لاجئ فلسطيني في لبنان، ولا تكتب عن اللاجئين كلهم، وإن لـم يختلف واقعهم في أماكن اللجوء كلها، في الأردن وسورية وقطاع غزة والضفة الغربية، إلا اختلافا طفيفا. ففي حين منحت بعض الدول الجنسية للاجئ، أو الوثيقة، لـم تمنحه إياها دول أخرى. وفي حين عاملت بعض الدول اللاجئ معاملة قاسية، عاملته دول أخرى معاملة أقل قسوة. وربما تذكر الـمرء على سبيل الـمثال، هنا قصيدة عبد الكريم الكرمي "سنعود"، وفيها يقارن بين حياته في دمشق قبل اللجوء، يوم ذهب إليها ليدرس فيها قبل النكبة، وحياته فيها لاجئاً، حيث أقام فيها بعد العام 1948. هل بالغ أبو سلـمى، وبالغت سميرة عزام مثلا؟ هذه قضية أخرى.
والعنوان نكرة. فلسطيني. وتتكرر اللفظة في القصة خمس مرات على النحو التالي:
ــ يطلب الفلسطيني صاحب الدكان من جاره اللبناني هويته، ليقارن هويته اللبنانية الـمزورة بها، فيسأله اللبناني:
"وما تفعل بهويتي يا فلسطيني؟". ولا يناديه باسمه.
ــ يدرك السارد معنى وجود الفلسطيني بعيدا عن فلسطين. إنه غريب ومضطهد وغير معترف به:
"فهو في هذا الركن الذي تقوم فيه دكان لا تختلف في شيء عن أكثر الدكاكين ليس أكثر من فلسطيني ... بهذا ينادونه ويعرفونه، ويشتمونه إذا ما اقتضى الأمر.
ــ يستعيد السارد، أيضاً، ما يدور في أعماق الفلسطيني الذي يريد أن يتلبنن، فيتذكر جده أبا صالح في الرامة: "ولكنه يستأذنه في أن يعدل من صدفة جغرافية تعفيه من كلـمة فلسطيني تشده إلى قطيع انمحت فيه معالـم الفردية، يتلفظون بها مشفقين حين يرفض أن يكون موضع شفقة أو...".
ــ ومع أنه يحصل على الهوية اللبنانية، مقابل مبلغ ألفي ليرة، تعادل نصف محتويات دكانه إلاّ أن الـمرأة اللبنانية "تمد صوتها الأرعن جسراً عبر الشارع تبلغ به صبحي في الكراج الـمواجه وتقول له بلهجتها الـممطوطة الخلية: "وينك يا ولد قل "للفلسطيني" أن يضع لي في السلة زجاجة كولا".
ــ وتنتهي القصة، بما يورده السارد العليم عن إحساس الفلسطيني حين سمع العبارة من الـمرأة مع أنه امتلك هوية لبنانية:
"وأحس "الفلسطيني" في وقفته الـمرتعشة خلف الطاولة بالصوت الـممطوط ينفذ من سترته إلى جيبه الداخلي فيحيل البطاقة إلى مزق، مزق صغيرة تخشخش في جيبه، في غير عنفوان".
ومع أن السارد/ الكاتبة عَرّفَت مفردة فلسطيني، إلا أنها ظلت، حتى في تعريفها، نكرة، فلـم تبرز له اسماً خاصاً به.

واقع الفلسطيني في لبنان ما بين 48 و1967:
إذا كان بعض الدارسين قال إن الشعر ديوان العرب، فيمكن أن أقول: إن القصة القصيرة الفلسطينية ديوان الفلسطينيين. وقصص سميرة عزام، وغسان كنفاني من بعدها، وغيرهما ممن كتبوا القصة القصيرة ما بين 48 و1967، تعد ديوان الفلسطينيين بحق، فهي تسجل ما مروا به ما بين تلك الأعوام، وربما ارتدت إلى ما قبلها، بخاصة في الـمنافي. ولـمن يريد أن يعرف معاناتهم قبل النكبة وبعدها، فما عليه إلا أن يعود إلى مجموعات القصاصين ليقرأها.
قصة "فلسطيني" تعبّر عن معاناة الفلسطينيين اللاجئين في ذلك القطر العربي، من خلال تصوير حالته ومقارنتها بغيرها من الحالات: الأرمني واللبناني. تشبه حالة الفلسطيني حالة الأرمن الذين تجردوا أيضا، بسبب نكبتهم، من ملامحهم الفردية، وغدوا ينادون بالأرمني، حتى لو أقام الواحد منهم في الحي خمسين عاماً. الأرمني أرمني بصرف النظر عن اسمه وملامحه الخاصة، وكذلك الفلسطيني. ويختلف عن هذين ابن البلد، حتى لو تشابه معهما ــ أي الأرمني والفلسطيني ــ وحتى حين يحصل اللاجئ الفلسطيني على هوية لبنانية، ويرغب في أن يتلبنن، ويبحث عن جذور له في قرية لبنانية، يظل فلسطينياً، بما تعنيه الكلـمة من اضطهاد واحتقار وشتيمة.
وعليه لا يستطيع الفلسطيني أن يسافر، وأن يمارس الـمهن التي يمارسها اللبناني، وإذا ما ظلـم واضطهد فعليه أن يصمت، وإذا ما باع من دكانه للزبائن ونصبوا عليه، فعليه أيضا أن يصمت. وهكذا لا يمارس الفلسطيني حياته الطبيعية، لأنه مهاجر ولاجئ، وغريب عن سكان الـمكان الذي لجأ إليه. ولنقرأ الفقرات التالية من القصة:
"حين تخرج ابنه من الـمدرسة مثلاً، فما لَمَّه عمل واحد أكثر من أسبوعين، القانون صريح ... ومحظور العمل في الـمصالح والشركات على غير أبناء البلد، فما وجد الشاب بُداً من أن يطير إلى صحراء من هذه الصحاري التي تجمع الناس إخوة على شقاء، وتتسامح في أشقائهم ولو اختلفت الجنسيات".
"إنه في الحي الذي يعيش فيه، والذي افتتح فيه دكانا تعامل معها الحي أكثر من عشر سنوات نقداً أو ديناً أو (نصباً)، لـم يستطع أن يفرض لنفسه اسماً...".

[/align]

مس لاجئة 03-12-07 02:56 PM

رد: (فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام
 
[align=center]الأسلوب واللغة:
يبدو في القصة غير ضمير للسرد. السارد كلي الـمعرفة يقص عن بطله، وهكذا نقرأ قصاً عبر الضمير الثالث، وبهذا تبدأ القصة: "قال متردداً والكلـمات تجرح حلقه الـمتيبس". ولا يقتصر هذا الأسلوب على فاتحة القصة. إنه يبرز في مواطن عديدة منها، وتنتهي القصة، كما لاحظنا، به: "وأحس الفلسطيني ...".
وتترك سميرة عزام، عبر ساردها، الـمجال لشخوصها لكي ينطقوا، وهكذا نقرأ عبارات يتفوه بها الفلسطيني واللبناني والـمرأة اللبنانية.
ولكن اللافت في هذه القصة هو بروز أسلوب الـمخاطب ــ بكسر العين ــ والـمخاطب ــ بفتحها. ولا يبرز في موطن واحد، إذ نقرأه في مواطن عديدة، وغالبا ما نتساءل: من هو الـمخاطِب، ومن هو الـمخاطَب؟ وإذا كنا نستطيع تحديد الثاني ــ أي الـمخاطب بسهولة، وهو الفلسطيني، فإننا بصعوبة يمكن أن نُحَدد الـمخاطب. أهو سارد القصة يخاطب بطلها، أم أنه بطلها يخاطب نفسه، ومما يزيد الأمر صعوبة أن الـمستوى اللغوي في القصة كلها واحد، وهو العربية الفصيحة التي لا تتخللها سوى مفردة عامية واحدة تنطق بها الـمرأة اللبنانية، وهي مفردة: وينك ــ أي أين أنت؟ أو يا أنت.
ولو كانت سميرة عزام أنطقت شخوصها بلهجتهم، لربما استطعنا تحديد من هو الـمخاطب. أما وأنها لـم تفعل، وكانت لغة قصتها، من ألفها إلى يائها، العربية الفصيحة، بصرف النظر عن الـمستوى التعليمي لهذه الشخصية أو تلك، فإننا لا نستطيع تحديد هوية الـمخاطب، حين يُخاطب الفلسطيني. ولربما لا تقدم معرفة هويته ولا تؤخر ما دام سارد القصة كلي الـمعرفة، يدخل إلى أعماق شخصية أبطال القصة ــ وهم قلة ــ.

وحدة الانطباع:
من أبرز خصائص القصة القصيرة خصيصة وحدة الانطباع، كما ذهب (أدجار ألن بو)، فهل تحققت هذه في قصة سميرة عزام؟
ما يظل عالقاً في الذاكرة، بعد قراءة القصة، يتمثل في أن الفلسطيني، بعد النكبة، في لبنان، عاش بلا ملامح فردية، فلـم تكن له ملامح خاصة. إنه اللاجئ الغريب، وسيظل كذلك حتى على الرغم من حصوله على الهوية اللبنانية. وأصبحت كلـمة فلسطيني سبة وشتيمة، مثل كلـمة أرمني للأرمن، ويهودي لليهودي في الـمنفى، وتحديدا في أوروبا العصور الوسطى وما بعدها حتى نهاية الحرب العالـمية الثانية. كانت مفردة يهودي أيضا شتيمة، وإذا ما أردت أن تشتم شخصا غير يهودي ألصقت به هذه الـمفردة. طبعا لـم يعد الحال بعد الحرب العالـمية الثانية كذلك.

كلـمة أخيرة:
لئن كنت في هذه الـمقالة ركزت على قصة واحدة لسميرة عزام صورت واقع الفلسطيني في الـمنفى، فإنني أحب أن أوضح أنها لـم تقصر قصصها على موضوع واحد هو الـموضوع الفلسطيني. لقد كان موضوع الـمرأة ومعاناتها أيضا من الـموضوعات التي أبرزتها القاصة، فصورتها مناضلة وأماً وربة بيت، وهو ما بدأ في "خبز الفداء" و"دموع للبيع" و"الثمن". وربما يربط الـمرء بين الأخيرة وقصة فلسطيني، رغم اختلاف الـموضوع.
للحصول على الهوية اللبنانية ثمن لا بد من دفعه، ولكي تصمت الـمرأة وترضى ببقائها في البيت ثمن أيضا يدفعه الرجل: الرشوة. رشوة الـمرأة، ولكنها تعبر عن امتعاضها. [/align]

مس لاجئة 03-12-07 02:57 PM

رد: (فلسطيني)...قصة قصيرة لسميرة عزام
 
وهكذا اكون انتهيت من القصة والتحليل

تحيتي لكم


الساعة الآن 10:55 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.